المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الثامن والثلاثون كفران النعمة] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٣

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي غَوَائِل الْبُخْل وَسَبَبِهِ وَآفَاتِهِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ حُبُّ الْمَالِ لِلْحَرَامِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي سَبَبِ حُبِّ الْمَالِ وَعِلَاجِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الْعِلَّةُ الْخَفِيَّةُ وَالسَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي ذَمِّ الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ لِلْإِسْرَافِ فِي أَصْنَافِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ الْإِسْرَافَ هَلْ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْعَجَلَةُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْفَظَاظَةُ وَغِلْظَةُ الْقَلْبِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْوَقَاحَةُ قِلَّةُ الْحَيَاءِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْجَزَعُ وَالشَّكْوَى]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ السُّخْطُ وَالتَّضَجُّرُ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ التَّعْلِيقُ ذِكْرُ قِوَامِ بِنْيَتِك عَنْ شَيْءٍ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ حُبُّ الْفَسَقَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْجُرْأَةُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَأْسُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحُزْنُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْخَوْفُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْغِشُّ وَالْغُلُّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْمُدَاهَنَةُ]

- ‌[الْخَمْسُونَ الْأُنْسُ بِالنَّاسِ وَالْوَحْشَةُ لِفِرَاقِهِمْ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ الطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الْعِنَادُ وَمُكَابَرَةُ الْحَقِّ وَإِنْكَارُهُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ التَّمَرُّدُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الصَّلَفُ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ الْجَرْبَزَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْبَلَادَةُ وَالْغَبَاوَةُ وَالْحَمَاقَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ الشَّرَهُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْخُمُودُ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقِسْم الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَفِيهِ سِتَّةُ مَبَاحِثَ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ وَهُوَ سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ كَلِمَةُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّانِي مَا فِيهِ خَوْفُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّالِثُ الْخَطَأُ]

- ‌[الرَّابِعُ الْكَذِبُ]

- ‌[السَّادِسُ الْغِيبَةُ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ النَّمِيمَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ]

- ‌[التَّاسِعُ اللَّعْنُ]

- ‌[الْعَاشِرُ السَّبُّ]

- ‌[الْحَادِي عَشَرَ الْفُحْشُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالتَّعْيِيرُ]

- ‌[الثَّالِثَ عَشَرَ النِّيَاحَةُ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ حُكْمُ الْمِرَاء]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ الْجِدَالُ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ الْخُصُومَةُ]

- ‌[السَّابِعَ عَشَرَ الْغِنَاءُ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ لِلْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ]

- ‌[التَّغَنِّي بِمَعْنَى حُسْنِ الصَّوْتِ بِلَا لَحْنٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَإِسْقَاطِ حَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنُ]

- ‌[الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ الْمَوْضُوعَةِ الْمُحْدَثَةِ الْمُوَافِقَةِ لِعِلْمِ الْمُوسِيقَى]

- ‌[الِاسْتِغْنَاءُ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْأَشْعَارِ وَأَحَادِيثِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّامِنَ عَشَرَ إفْشَاءُ السِّرِّ]

- ‌[التَّاسِعَ عَشَرَ الْخَوْضُ فِي الْبَاطِلِ]

- ‌[الْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِمَّنْ لَا حَقَّ فِيهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْعَوَامّ عَنْ كُنْهِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي الْأُصُولِ الِاعْتِقَادِيَّةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ وَدَقَائِقُ الْخَطَأِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ النِّفَاقُ الْقَوْلِيُّ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَعْرُوفِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ غِلْظَةُ الْكَلَامِ وَالْعُنْفُ فِيهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّلَاثُونَ افْتِتَاحُ الْجَاهِلِ الْكَلَامَ]

- ‌[الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ التَّكَلُّمُ عِنْدَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي حَالَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ الْجِمَاعِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ وَالظَّالِمِ بِالْبَقَاءِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَضْعُ لَقَبِ سُوءٍ لِمُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ كَثْرَةُ الْحَلِفِ وَلَوْ عَلَى الصِّدْقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ تَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ طَلَبُ الْوِصَايَةِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ رَدُّ عُذْرِ أَخِيهِ وَعَدَمُ قَبُولِهِ]

- ‌[الْخَمْسُونَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ إخَافَةُ الْمُؤْمِنِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ قَطْعُ كَلَامِ الْغَيْرِ وَحَدِيثِهِ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ]

الفصل: ‌[الثامن والثلاثون كفران النعمة]

الصَّبْرُ مِفْتَاحُ مَا يُرْجَى

وَكُلُّ خَيْرٍ بِهِ يَكُونُ

اصْبِرْ وَإِنْ طَالَتْ اللَّيَالِي

فَرُبَّمَا أَمْكَنَ الْحَرُونُ

وَرُبَّمَا نِيلَ بِاصْطِبَارٍ

مَا قِيلَ هَيْهَاتَ لَا يَكُونُ

ثُمَّ قَالَ فَعَلَيْك بِاغْتِنَامِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ الشَّرِيفَةِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِ فِيهَا تَكُنْ مِنْ الْفَائِزِينَ.

(وَ) الصَّبْرُ أَيْضًا أَصْلُ كُلِّ (كَفٍّ عَنْ مَعْصِيَةٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا تَكُونُ بِلَا صَبْرٍ عَلَى تَعَبِهَا، وَلَا يَحْتَرِزُ الْعَبْدُ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ إلَّا بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لَهُ قِيلَ الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ:

أَوَّلُهَا: أَنْ تَقْهَرَ دَوَاعِيَ الْهَوَى فَلَا يَبْقَى لَهُ قُوَّةُ الْمُنَازَعَةِ هَذَا لِلْمُقَرَّبِينَ.

وَثَانِيهَا: أَنْ تَغْلِبَ دَوَاعِي الْهَوَى وَيَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ مُنَازَعَةُ بَاعِثِ الدِّينِ فَسَلَّمَ نَفْسَهُ إلَى جُنْدِ الشَّيْطَانِ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْغَافِلُونَ، وَهُمْ الَّذِينَ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ شِقْوَتُهُمْ وَاسْتَرَقَّتْهُمْ شَهَوَاتُهُمْ، وَعَلَامَتُهَا الْقُنُوطُ وَالْغُرُورُ بِالْأَمَانِيِّ، وَهُوَ غَايَةُ الْحُمْقِ.

وَثَالِثُهَا: أَنْ تَكُونَ الْحَرْبُ سِجَالًا بَيْنَ الْجُنْدَيْنِ فَتَارَةً لَهُ الْيَدُ عَلَيْهَا وَتَارَةً لَهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ الْمُجَاهِدِينَ لَا مِنْ الْفَائِزِينَ، وَهُمْ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.

(تَتِمَّةٌ) : قَالَ الْفَاضِلُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا ابْتَلَاهُ» لِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ أَيْ تَذَلُّلَهُ وَمُبَالَغَتَهُ فِي السُّؤَالِ «فَإِذَا دَعَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ صَوْتٌ مَعْرُوفٌ وَقَالَ جِبْرِيلُ يَا رَبِّ اقْضِ حَاجَتَهُ فَيَقُولَ دَعُوا عَبْدِي فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ» قَالَ الْغَزَالِيُّ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَرَاهُ يُكْثِرُ ابْتِلَاءَ أَوْلِيَائِهِ، وَأَصْفِيَائِهِ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ عِبَادِهِ، وَإِذَا رَأَيْت اللَّهَ يَحْبِسُ عَنْك الدُّنْيَا وَيُكْثِرُ عَلَيْك الشَّدَائِدَ وَالْبَلْوَى فَاعْلَمْ أَنَّك عَزِيزٌ عِنْدَهُ، وَأَنَّك عِنْدَهُ بِمَكَانٍ، وَأَنَّهُ لَيَسْلُكَ بِك طَرِيقَ أَوْلِيَائِهِ أَمَا تَسْمَعُ قَوْله تَعَالَى - {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]- بَلْ اعْرِفْ مِنَّتَهُ عَلَيْك فِيمَا يَحْفَظُ عَلَيْك مِنْ صَلَوَاتِك وَيُكْثِرُ مِنْ أُجُورِك وَثَوَابِك وَيُنْزِلُك مَنْزِلَ الْأَبْرَارِ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْعَارِفُ الْجِيلَانِيُّ التَّلَذُّذُ بِالْبَلَاءِ مِنْ مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ لَكِنْ لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ لِعَبْدٍ إلَّا بَعْدَ بَذْلِهِ جَهْدَهُ فِي مَرْضَاتِهِ فَإِنَّ الْبَلَاءَ تَارَةً بِمُقَابَلَةِ جَرِيمَةٍ وَتَارَةً تَكْفِيرٌ وَتَارَةً رَفْعٌ لِلدَّرَجَاتِ وَتَبْلِيغُ الْمَنَازِلِ الْعَالِيَةِ؛ وَلِكُلٍّ مِنْهَا عَلَامَةٌ فَعَلَامَةُ الْأَوَّلِ عَدَمُ الصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَكَثْرَةُ الْجَزَعِ وَالشَّكْوَى لِلْخَلْقِ، وَعَلَامَةُ الثَّانِي الصَّبْرُ، وَعَدَمُ الشَّكْوَى وَخِفَّةُ الطَّاعَاتِ عَلَى بَدَنِهِ، وَعَلَامَةُ الثَّالِثِ الرِّضَا وَالطُّمَأْنِينَةُ وَخِفَّةُ الْعَمَلِ عَلَى الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ. اهـ. وَيَدُورُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ بِصَبِّ الْبَلَاءِ وَالْمَصَائِبِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» كَمَا فِي الْجَامِعِ.

[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ]

(الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ) جُحُودُهَا وَسَتْرُهَا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) - {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل: 112] جَمْعُ نِعْمَةٍ {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] أَجْرَى الْإِذَاقَةَ مَجْرَى الْحَقِيقَةِ لِشُيُوعِهَا فِي الشَّدَائِدِ وَاسْتَعَارَ اللِّبَاسَ لِمَا غَشِيَهُمْ وَاشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. قِيلَ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَصَابَ أَهْلَ مَكَّةَ الْجُوعُ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ وَالدَّمَ وَالْخَوْفُ مِنْ سَرَايَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ وَمَعْنَى أَذَاقَهَا لِبَاسَ الْجُوعِ أَنَّ الْمَذُوقَ هُوَ الطَّعَامُ فَلَمَّا فَقَدُوهُ صَارُوا كَأَنَّهُمْ يَذُوقُونَ الْجُوعَ، وَأَيْضًا لَمَّا اسْتَوْلَى الْجُوعُ عَلَيْهِمْ أَحَاطَ بِهِمْ إحَاطَةَ الْمَلْبُوسِ فَحَصَلَ الشَّبَهَانِ فَذِكْرُ الْمَذُوقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجُوعَ طَعَامُهُمْ، وَاللِّبَاسِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِمَالِهِ عَلَيْهِمْ (وَضِدُّهُ) أَيْ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ (الشُّكْرُ، وَهُوَ تَعْظِيمُ الْمُنْعِمِ) بِذِكْرِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَأَفْعَالِهِ عَلَى طَرِيقِ الثَّنَاءِ (عَلَى مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ عَلَى حَدٍّ يَمْنَعُهُ عَنْ جَفَاءِ الْمُنْعِمِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَفَاءِ هُوَ عَدَمُ الرِّضَا وَالْخِذْلَانُ (وَقِيلَ مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا نِعْمَةً؛ لِأَنَّهَا مُوصِلَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ مُنْعِمِهَا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى)

ص: 80

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] قِيلَ عِبَارَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ فَهَذِهِ الْأُمَّةُ أَوْلَى بِجَوَازِ السَّعَادَةِ. عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ لَئِنْ شَكَرْتُمْ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ مَا أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَأَزِيدَنَّكُمْ نِعْمَةً، وَعَنْ ابْنِ عَطَاءٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَئِنْ شَكَرْتُمْ هِدَايَتِي لَأَزِيدَنَّكُمْ خِدْمَتِي، وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ خِدْمَتِي لَأَزِيدَنَّكُمْ رُؤْيَتِي وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ الْإِيمَانَ لَأَزِيدَنَّكُمْ الْإِحْسَانَ، وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ الْإِحْسَانَ لَأَزِيدَنَّكُمْ الْمَعْرِفَةَ، وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ الْمَعْرِفَةَ لَأَزِيدَنَّكُمْ الْوَصْلَةَ.

وَعَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مِنْ ذَنْبِك مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشُّكْرِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا خُلِقَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ، وَكُلُّ ذَرَّةٍ لَا تَخْلُوا عَنْ حِكَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ بَلْ إلَى أَلْفٍ فَمَنْ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا فِيمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ الْحِكَمِ صَارَ شُكْرًا، وَإِلَّا صَارَ كُفْرًا مَثَلًا الْيَدُ خُلِقَتْ لِيَدْفَعَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَا يُهْلِكُهُ وَيَأْخُذَ مَا يَنْفَعُهُ لَا لِيُهْلِكَ بِهَا غَيْرَهُ فَمَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ غَيْرَهُ فَقَدْ كَفَرَ نِعْمَةَ الْيَدِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَنْجَى بِالْيَمِينِ فَقَدْ كَفَرَ مَا خُلِقَتْ لَهُ الْيَمِينُ، وَكَذَا الْبَصَرُ لِيَنْظُرَ مَا يَنْفَعُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَيَتَّقِي مَا يَضُرُّ فِيهِمَا فَلَوْ نَظَرَ إلَى الْمُحَرَّمِ مَثَلًا فَكَفَرَ نِعْمَةَ الْإِبْصَارِ.

وَكَذَا سَائِرُ الْأُمُورِ كَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ كُلَّ نِعْمَةٍ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ قَالَ الْحَسَنُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَقِيقَةُ الشُّكْرِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ بِجَمِيعِ جَوَارِحِك فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَشُكْرُ الْعَيْنِ أَنْ لَا تَنْظُرَ إلَى الْحَرَامِ، وَأَنْ تَسْتُرَ عَيْبًا تَرَاهُ لِصَاحِبِك وَشُكْرُ السَّمْعِ أَنْ لَا تَسْمَعَ إلَّا الْحَقَّ، وَأَنْ تَسْتُرَ عَيْبًا سَمِعْته وَشُكْرُ اللِّسَانِ أَنْ لَا تَكْذِبَ وَتَغْتَابَ وَشُكْرُ الْقَلْبِ أَنْ لَا تَغْفُلَ وَشُكْرُ الْيَدَيْنِ أَنْ لَا تَتَنَاوَلَ بِهِمَا الْحَرَامَ وَشُكْرُ الرِّجْلَيْنِ أَنْ لَا تَمْشِيَ بِهِمَا الْحَرَامَ وَشُكْرُ الْبَطْنِ أَنْ لَا تَأْكُلَ الْحَرَامَ وَشُكْرُ الْفَرْجِ أَنْ لَا تَزْنِيَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147] قَالَ الْحَسَنُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحَقُّ النَّاسِ بِالنِّعَمِ أَشْكَرُهُمْ لَهَا وَنِعْمَةٌ لَا تُشْكَرُ خَطِيئَةٌ لَا تُغْفَرُ» .

(ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ» أَشْكَلَ أَنَّ نَتِيجَةَ النَّعْمَاءِ الشُّكْرُ وَنَتِيجَةَ الْبَلَاءِ الصَّبْرُ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ نِصْفَ الْإِيمَانِ صَبْرٌ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ شُكْرٌ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الشُّكْرَ يَقْصُرُ عَنْ الصَّبْرِ فَكَيْفَ الْمُنَاصَفَةُ فَأُزِيلَ بِأَنَّهُمَا سِيَّانِ فِي الثَّوَابِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ وَجْهِ الشَّبَهِ قَوِيًّا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَى التَّسَاوِي عَلَى أَنَّ النُّصُوصَ أَنَّ الصَّبْرَ لَا يَعْدِلُهُ عَمَلٌ؟ . وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الشَّاكِرَ لَمَّا رَأَى النِّعْمَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَصَبَّرَ نَفْسَهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْمُنْعِمِ بِالْقَلْبِ، وَإِظْهَارِهَا بِاللِّسَانِ نَالَ دَرَجَةَ الصَّابِرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي إلْحَاقِ الشُّكْرِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ أَقُولُ تَفْصِيلُهُ مَا فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّبْرُ أَفْضَلُ مِنْ الشُّكْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْعَكْسِ، وَقَالَ آخَرُونَ سِيَّانِ، وَقَالَ آخَرُونَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.

اعْلَمْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْأَخْبَارِ أَفْضَلِيَّةُ الصَّبْرِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ الْفَقْرِ وَالشُّكْرَ حَالُ الْغِنَى إلَّا أَنَّ أَهْلَ التَّحْقِيقِ يُفَصِّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُلُومَ الظَّاهِرَةَ تُرَادُ لِلْأَحْوَالِ وَالْأَحْوَالُ لِلْأَعْمَالِ، وَأَمَّا الْعُلُومُ الْبَاطِنَةُ فَإِنَّمَا تُرَادُ الْأَحْوَالُ لِأَجْلِهَا وَالْأَعْمَالُ لِأَجْلِ الْأَحْوَالِ فَأَفْضَلُ الْكُلِّ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يُتَوَسَّلُ إلَيْهَا بِأَحْوَالِ الْقَلْبِ فِي تَصْفِيَتِهِ عَنْ الْمُكَدِّرَاتِ ثُمَّ الْأَعْمَالُ إمَّا أَنْ تُظْلِمَ

ص: 81

الْقَلْبَ أَوْ تُنَوِّرُهُ ثُمَّ الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مَثَلًا مَنْ غَلَبَهُ الشُّحُّ فَلَيْسَ لَهُ صَوْمُ النَّافِلَةِ بَلْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ النَّافِلَةِ، وَكَذَا مَنْ غَلَبَتْهُ شَهْوَةُ الْبَطْنِ فَلَهُ الصَّوْمُ دُونَ إخْرَاجِ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ قَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا ذُكِرَ، وَقَدْ يُغَايَرَانِ فَإِنْ كَانَتْ النِّعْمَةُ ضَرُورِيَّةً كَالْعَمَى فَصَبْرُهُ لَمْ يَشْكُ وَيَرْضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْبَصِيرُ الْمُسْتَعْمِلُ فِي طَاعَتِهِ فَقَدْ شَكَرَ وَصَبَرَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَكَذَا إنْ كَفَّ عَنْ الْحَرَامِ فَقَدْ شَكَرَ وَصَبَرَ أَيْضًا عَنْ الْحَرَامِ فَالْأَعْمَى فِيهِ فَضِيلَةُ الصَّبْرِ فَقَطْ، وَفِي الْبَصِيرِ الْمُتَّقِي عَنْ الْحَرَامِ أَوْ الْمُسْتَعْمِلِ فِي الطَّاعَةِ فَضِيلَةُ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ فَالْبَصِيرُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَعْمَى وَالْأَعْمَى أَفْضَلُ مِنْ الْبَصِيرِ الْغَيْرِ الْغَاضِّ بَصَرَهُ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّعْمَةُ غَيْرَ ضَرُورِيَّةٍ، وَلَمْ تَكُنْ فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَةِ فَفِي الصَّبْرِ عَنْ الزِّيَادَةِ مُجَاهَدَةٌ، وَهَذَا الصَّبْرُ أَتَمُّ، وَأَقْوَى مِنْ صَبْرِ الْغَنِيَّ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُبَاحِ وَيُمْسِكُ مَالَهُ عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ الَّذِي يَصْرِفُ مَالَهُ إلَى الْخَيْرَاتِ فَفِيهِ الشُّكْرُ وَالصَّبْرُ وَمَجْمُوعُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ صَبْرُ الْفَقِيرِ أَفْضَلَ مِنْ جِهَةِ صَبْرِ هَذَا الْغَنِيِّ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الصَّابِرِ فَقَطْ وَمِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ الصَّابِرُ الشَّاكِرُ أَفْضَلَ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ فَقَطْ وَمَا قِيلَ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ فَذَلِكَ لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الشُّكْرِ عَنْ الصَّبْرِ وَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ فَضِيلَةِ الصَّبْرِ عَلَى الشُّكْرِ فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَةٌ عَلَى الشُّكْرِ بِحَسَبِ مُتَفَاهَمِ عُرْفِ الْعَامَّةِ مِنْ أَنَّ النِّعْمَةَ الْمَالُ فَقَطْ.

(حَدّ) أَحْمَدُ (عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ» تَعَالَى عز وجل يَعْنِي أَنَّ الشُّكْرَ لِمَنْ وَصَلَ الْغِنَى مِنْ يَدِهِ بِالْمُكَافَآتِ أَوْ الدُّعَاءِ لَهُ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَاجِبٌ كَشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عز وجل الْمَأْمُورِ بِهِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ سَبَبًا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِوُصُولِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمُنْعِمُ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قِيلَ فِي وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ مَعَ مَا يَرَى مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى حُبِّ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِحْسَانِ فَأَوْلَى بِأَنْ يَتَهَاوَنَ فِي شُكْرِ مَنْ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الشُّكْرَانُ وَالْكُفْرَانُ. وَإِنَّمَا أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي الشُّكْرِ مَعَ أَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مَقْصُورَةٌ لَهُ تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْثِيرِ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» رُوِيَ بِرَفْعِ اللَّهِ وَالنَّاسِ وَنَصْبِهِمَا وَرَفْعِ أَحَدِهِمَا وَنَصْبِ الْآخَرِ (وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى شُكْرٌ لَهُ تَعَالَى وَتَرْكُهَا) أَيْ النِّعْمَةِ (كُفْرٌ) أَيْ كُفْرَانُ نِعْمَةٍ أَوْ سَتْرٌ وَتَغْطِيَةٌ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى - {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]- فَإِنَّ التَّحْدِيثَ بِهَا شُكْرٌ.

قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ الشُّكْرُ إمَّا بِاللِّسَانِ، وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِالنِّعْمَةِ، وَإِمَّا بِالْبَدَنِ وَالْأَرْكَانِ، وَهُوَ اتِّصَافٌ بِالْوِفَاقِ وَالْخِدْمَةِ، وَإِمَّا بِالْقَلْبِ وَهُوَ اعْتِكَافُهُ عَلَى بِسَاطِ الشُّهُودِ بِإِدَامَةِ حِفْظِ الْحُرْمَةِ (وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ) أَيْ لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ مُوصِلٌ إلَى الرَّحْمَةِ - {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]- وَقِيلَ أَيْ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ أَوْ اتِّبَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقِيلَ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْحَقِّ (وَالْفُرْقَةُ) بِالضَّمِّ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ (عَذَابٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى

ص: 82