الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضٌ إلَى وُجُوبِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ الشَّرْطُ حِينَ النَّدْبِ أَنْ يَكُونَ بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ وَعُذُوبَةِ اللِّسَانِ وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَاسْتِعْمَالِ الْقَرِينَةِ إلَى التَّفْهِيمِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّقْيِيدُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَفِي سِرِّ الْأَسْرَارِ لِلشَّيْخِ الْعَارِفِ الْكِيلَانِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ مَجْمُوعُ هَذِهِ أُعْطِيَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تُعْطَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ وَأَمَّا انْفِرَادُهَا فَالْحِكْمَةُ أَيْ عِلْمُ الْحَالِ وَهُوَ لُبُّهَا أُعْطِيَ لِلْمَشَايِخِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «هِمَّةُ الرِّجَالِ تَقْلَعُ الْجِبَالَ فَإِنَّ قَسَاوَةَ الْقَلْبِ الَّتِي هِيَ كَالْجِبَالِ تُقْلَعُ بِدُعَائِهِمْ وَنَظَرِهِمْ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» وَالْمَوْعِظَةُ لِعُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْقِشْرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَالِمُ يَعِظُ بِالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالْجَاهِلُ يَعِظُ بِالضَّرْبِ وَالْغَضَبِ» وَالْجِدَالِ وَهُوَ الْعَدْلُ وَالسِّيَاسَةُ لِلْأُمَرَاءِ وَهُوَ قِشْرُ الْقِشْرِ وَمَقَامُ الْمُتَصَوِّفَةِ هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ خَلْقِ الشَّجَرِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «عَلَيْكُمْ بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَاسْتِمَاعِ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقَلْبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «كَلِمَةُ الْحِكْمَةِ ضَالَّةُ الْحَكِيمِ أَخَذَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا»
[السَّادِسَ عَشَرَ الْخُصُومَةُ]
(السَّادِسَ عَشَرَ الْخُصُومَةُ وَهِيَ لَجَاجٌ) أَيْ عِنَادٌ (فِي الْكَلَامِ لِيُسْتَوْفَى بِهِ مَالٌ أَوْ حَقٌّ مَقْصُودٌ فَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا أَوْ)(خَاصَمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أَنَّهُ مُحِقٌّ أَوْ مُبْطِلٌ كَوَكِيلِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَتَوَكَّلُ فِي الْخُصُومَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَيِّ جَانِبٍ فَهُوَ يُخَاصِمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ (أَوْ)(مَزَجَ) أَيْ خَلَطَ (بِالْخُصُومَةِ) الْحَقَّةِ (كَلِمَاتٍ) وَالْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ (مُؤْذِيَةً لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي نُصْرَةِ الْحُجَّةِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ) فَلَوْ لَزِمَ الْأَذَى فِيمَا فِيهَا نُصْرَةُ الْحُجَّةِ لَا يَحْرُمُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ مُجَرَّدَ إحْيَاءِ حَقِّهِ بِدُونِ قَصْدِ أَذَاهُ لَعَلَّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ مُعَانِدًا مُكَابِرًا مُؤْذِيًا وَإِلَّا فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَيَنْبَغِي إمَّا تَرْكٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَذَى وَلَا يَتَجَاوَزْ عَلَى قَدْرِ أَذَى خَصْمِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ وَالتَّعْزِيرُ يُقِيمُهُ كُلُّ أَحَدٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ وَأَمَّا الِاخْتِصَاصُ بِالْحَاكِمِ وَالْمُحْتَسَبِ فَفِيمَا بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا اسْتَوْفَى فِي الْفَتَاوَى (أَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ لِقَهْرِ الْخَصْمِ وَكَسْرِهِ فَقَطْ) لَا لِأَخْذِ الْحَقِّ فَلَوْ لَهُ حَقٌّ (فَحَرَامٌ) لَكِنْ لَا يُرِيدُهُ مِنْ الْخُصُومَةِ بَلْ مُجَرَّدُ إجْرَاءِ النَّفْسَانِيَّةِ فَمُحَرَّمٌ أَيْضًا (وَإِنْ خَلَا عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ) الْأَرْبَعَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْخَالِي عَنْهَا (نَادِرٌ فَجَائِزٌ) وَإِلَّا فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ بِعَدَمِ إضَاعَةِ حَقِّهِ بَلْ تَرْكُهُ بِلَا نِيَّةٍ حَمِيدَةٍ إنْ لِخَصْمٍ فَمِنْ قَبِيلِ الْإِسْرَافِ وَفِي قَوْلِهِ نَادِرٌ إيمَاءٌ إلَى تَرْكِهِ الْإِطْلَاقَ إذْ النَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ (وَلَكِنَّ تَرْكَهُ) أَيْ الِاخْتِصَامِ (أَوْلَى) لِأَنَّ مَا يَدُورُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ رُجْحَانُ جَانِبِ الْحَظْرِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ كَثْرَةِ خِلَافِهِ (مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِطِيبِ الْخَاطِرِ وَرِضَا النَّفْسِ كَالْمُطَالَبَةِ بِحُسْنِ الْحَالِ وَتَوْسِيطِ الرِّجَالِ إلَى الْمُصَالَحَةِ فَحَسَنٌ بَلْ يَجْتَهِدُ إلَيْهِ فَمَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ لَا يُبَاشِرُ الْخُصُومَةَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَخْتَصِمُ لَكِنْ يَتَدَبَّرُ وَيَتَأَنَّى فِي ضَبْطِ لِسَانِهِ وَإِمْسَاكِ كَلَامِهِ عَمَّا يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ وَعَنْ حِلْيَةِ الْأَبْرَارِ لِلنَّوَوِيِّ إنَّمَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِأَنَّ ضَبْطَ اللِّسَانِ فِي الْخُصُومَةِ عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ مُتَعَذِّرٌ وَالْخُصُومَةُ تُوغِرُ الصُّدُورَ وَتُهَيِّجُ الْغَضَبَ وَإِذَا هَاجَ الْغَضَبُ حَصَلَ الْحِقْدُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْرَحَ كُلٌّ بِمُسَاءَةِ الْآخَرِ وَيَحْزَنَ بِمُسِرَّتِهِ وَيُطْلِقَ اللِّسَانَ فِي عِرْضِهِ فَمَنْ خَاصَمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْآفَاتِ وَأَقَلُّ مَا فِيهِ اشْتِغَالُ الْقَلْبِ حَتَّى إنَّهُ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ وَخَاطِرُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحَاجَّةِ وَالْخُصُومَةِ فَلَا يَبْقَى حَالُهُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَالْخُصُومَةُ مَبْدَأُ الشَّرِّ انْتَهَى فَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يَفْتَحَ بَابَ الْخُصُومَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَحْفَظُ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ عَنْ تَبِعَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبِ فِي الْخُصُومَةِ فَزِيَادَةُ مَأْجُورٍ لِأَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ التَّعَبُ زَادَ الْأَجْرُ لِأَنَّ أَجْرَكُمْ عَلَى قَدْرِ تَعَبِكُمْ