المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الأول في الإسراف] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٣

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي غَوَائِل الْبُخْل وَسَبَبِهِ وَآفَاتِهِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ حُبُّ الْمَالِ لِلْحَرَامِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي سَبَبِ حُبِّ الْمَالِ وَعِلَاجِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الْعِلَّةُ الْخَفِيَّةُ وَالسَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي ذَمِّ الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ لِلْإِسْرَافِ فِي أَصْنَافِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ الْإِسْرَافَ هَلْ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْعَجَلَةُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْفَظَاظَةُ وَغِلْظَةُ الْقَلْبِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْوَقَاحَةُ قِلَّةُ الْحَيَاءِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْجَزَعُ وَالشَّكْوَى]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ السُّخْطُ وَالتَّضَجُّرُ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ التَّعْلِيقُ ذِكْرُ قِوَامِ بِنْيَتِك عَنْ شَيْءٍ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ حُبُّ الْفَسَقَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْجُرْأَةُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَأْسُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحُزْنُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْخَوْفُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْغِشُّ وَالْغُلُّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْمُدَاهَنَةُ]

- ‌[الْخَمْسُونَ الْأُنْسُ بِالنَّاسِ وَالْوَحْشَةُ لِفِرَاقِهِمْ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ الطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الْعِنَادُ وَمُكَابَرَةُ الْحَقِّ وَإِنْكَارُهُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ التَّمَرُّدُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الصَّلَفُ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ الْجَرْبَزَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْبَلَادَةُ وَالْغَبَاوَةُ وَالْحَمَاقَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ الشَّرَهُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْخُمُودُ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقِسْم الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَفِيهِ سِتَّةُ مَبَاحِثَ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ وَهُوَ سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ كَلِمَةُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّانِي مَا فِيهِ خَوْفُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّالِثُ الْخَطَأُ]

- ‌[الرَّابِعُ الْكَذِبُ]

- ‌[السَّادِسُ الْغِيبَةُ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ النَّمِيمَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ]

- ‌[التَّاسِعُ اللَّعْنُ]

- ‌[الْعَاشِرُ السَّبُّ]

- ‌[الْحَادِي عَشَرَ الْفُحْشُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالتَّعْيِيرُ]

- ‌[الثَّالِثَ عَشَرَ النِّيَاحَةُ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ حُكْمُ الْمِرَاء]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ الْجِدَالُ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ الْخُصُومَةُ]

- ‌[السَّابِعَ عَشَرَ الْغِنَاءُ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ لِلْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ]

- ‌[التَّغَنِّي بِمَعْنَى حُسْنِ الصَّوْتِ بِلَا لَحْنٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَإِسْقَاطِ حَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنُ]

- ‌[الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ الْمَوْضُوعَةِ الْمُحْدَثَةِ الْمُوَافِقَةِ لِعِلْمِ الْمُوسِيقَى]

- ‌[الِاسْتِغْنَاءُ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْأَشْعَارِ وَأَحَادِيثِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّامِنَ عَشَرَ إفْشَاءُ السِّرِّ]

- ‌[التَّاسِعَ عَشَرَ الْخَوْضُ فِي الْبَاطِلِ]

- ‌[الْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِمَّنْ لَا حَقَّ فِيهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْعَوَامّ عَنْ كُنْهِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي الْأُصُولِ الِاعْتِقَادِيَّةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ وَدَقَائِقُ الْخَطَأِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ النِّفَاقُ الْقَوْلِيُّ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَعْرُوفِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ غِلْظَةُ الْكَلَامِ وَالْعُنْفُ فِيهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّلَاثُونَ افْتِتَاحُ الْجَاهِلِ الْكَلَامَ]

- ‌[الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ التَّكَلُّمُ عِنْدَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي حَالَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ الْجِمَاعِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ وَالظَّالِمِ بِالْبَقَاءِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَضْعُ لَقَبِ سُوءٍ لِمُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ كَثْرَةُ الْحَلِفِ وَلَوْ عَلَى الصِّدْقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ تَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ طَلَبُ الْوِصَايَةِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ رَدُّ عُذْرِ أَخِيهِ وَعَدَمُ قَبُولِهِ]

- ‌[الْخَمْسُونَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ إخَافَةُ الْمُؤْمِنِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ قَطْعُ كَلَامِ الْغَيْرِ وَحَدِيثِهِ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ]

الفصل: ‌[المبحث الأول في الإسراف]

فِيهِ فَقَالَ فَرِّقْهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَفَرَّقَهُ فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ رَأَيْته فِي الْوَادِي يَطْلُبُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَقُلْت لَوْ تَرَكْت لِنَفْسِك مِمَّا كَانَ مَعَك شَيْئًا فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي أَعِيشُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ انْتَهَى كَلَامُ الْقُشَيْرِيَّةِ.

[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْرَاف]

(وَأَمَّا الْإِسْرَافُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فَفِيهِ خَمْسَةُ مَبَاحِثَ.)(الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) : (فِي ذَمِّهِ وَغَوَائِلِهِ) الثَّانِي فِي سَبَبِ مَذْمُومِيَّتِهِ.

الثَّالِثُ فِي أَصْنَافِهِ.

الرَّابِعُ فِي وُقُوعِهِ فِي الصَّدَقَةِ.

الْخَامِسُ فِي عِلَاجِهِ. (اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ قَطْعِيٌّ) لِثُبُوتِهِ بِقَطْعِيٍّ (وَمَرَضٌ قَلْبِيٌّ وَخُلُقٌ رَدِيءٌ) دَنِيءٌ (وَلَا تَظُنِّنَّ أَنَّهُ أَدْنَى كَثِيرًا) فِي الْقُبْحِ (مِنْ الْبُخْلِ) وَذَلِكَ الظَّنُّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ (بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّهِ بِخِلَافِ الْإِسْرَافِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ كَوْنِ أَكْثَرِ الطِّبَاعِ مَائِلَةً إلَى الْإِمْسَاكِ) عَنْ الْإِنْفَاقِ (فَاحْتَاجَ) الْإِمْسَاكُ لِذَلِكَ (إلَى كَثْرَةِ الرَّوَادِعِ) الزَّوَاجِرِ حَتَّى تَنْفِرَ مِنْهُ وَتَشْتَاقَ إلَى الْإِنْفَاقِ (كَمَا أَنَّ الْبَوْلَ فِي حُرْمَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ أَشَدُّ مِنْ الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ تَرْتَفِعُ بِالِاسْتِخْلَالِ وَانْقِلَابِهِ خَلًّا بِخِلَافِ الْبَوْلِ (مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ) فِي الشَّرْعِ (مَا وَرَدَ فِي الْخَمْرِ، وَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ حَدٌّ) ؛ لِأَنَّ تَشَهِّيَ الطَّبْعِ وَمَيْلَهُ إلَى الْخَمْرِ اقْتَضَى كَثْرَةَ التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرِيرِ فِي زَجْرِهِ إلَى أَنْ يُشْرَعَ الْحَدُّ، وَأَمَّا الْبَوْلُ فَلِكَوْنِ الطَّبْعِ فِي نَفْسِهِ نَافِرًا وَمُتَوَحِّشًا مِنْهُ لَمْ يَقْتَضِ مِثْلَ الْخَمْرِ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَهُ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ الرَّادِعُ الطَّبْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّادِعِ الشَّرْعِيِّ (وَحَسْبُك) أَيْ كَافِيك (فِي الْإِسْرَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] حَيْثُ عَلَّلَ الْإِسْرَافَ بِعَدَمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا شَيْءَ أَقْبَحُ مِمَّا يَمْنَعُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الْإِسْرَافُ مُوجِبُ نَفْيِ مَحَبَّتِهِ تَعَالَى وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] بِصَرْفِ مَالِك فِيمَا لَا يَنْبَغِي فَفِي تَأْكِيدِهِ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةٌ فِي النَّهْيِ {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] أَيْ أَمْثَالَهُمْ فِي الشَّرَارَةِ وَالْخَبَاثَةِ أَوْ أَحِبَّاءَ الشَّيَاطِينِ وَاتِّبَاعَهُمْ.

(وَأَخُو الشَّيْطَانِ شَيْطَانٌ) فَإِنَّ الْأُخُوَّةَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَانْظُرْ مَا فِي رُتْبَةِ الْأُخُوَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَلَا شَيْءَ أَخْبَثُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى الْآيَةِ الْأُولَى الْتِزَامًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ مُطَابَقَةً الْكُفْرُ قُلْنَا الْمُرَادُ نَفْيُ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ لَا أَصْلِهَا وَالْمُرَادُ الْأُخُوَّةُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ الْقَوِيَّةِ مُطْلَقًا لَا فِي الْكُفْرِ بَلْ أَنَّ بِاعْتِقَادِ حِلِّهِ يَكُونُ حَقِيقَةً أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ فِي أَصْلِ مَعْنَى الشَّيْطَانِيَّةِ مِنْ بَعْدِ الْخَيْرِ أَوْ الْبَاطِلِ.

(وَلَا اسْمَ أَقْبَحُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَا ذَمَّ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا) أَيْ الْأُخُوَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ عَدَمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إيتَاءِ الْمُسْرِفِينَ أَمْوَالَهُمْ مُعَبِّرًا عَنْهُمْ بِاسْمٍ مِنْ أَقْبَحِ الْأَسْمَاءِ

ص: 34

فَقَالَ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وَالْمَالُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلسُّفَهَاءِ لَكِنْ لِكَوْنِهِ فِي تَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْحُكَّامِ نُسِبَ إلَيْهِمْ مَجَازًا، وَقِيلَ نَهْيٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْمِدَ إلَى مَا خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَالِ فَيُعْطِي امْرَأَتَهُ، وَأَوْلَادَهُ ثُمَّ يَنْطُرُ إلَى أَيْدِيهِمْ ثُمَّ سَمَّاهُمْ سُفَهَاءَ اسْتِخْفَافًا بِعَقْلِهِمْ وَاسْتِهْجَانًا لِجَهْلِهِمْ لِجَعْلِهِمْ قُوَّامًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي (وَذَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83] وَ) ذَمَّ (قَوْمَ لُوطٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 81] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ فَتَأَمَّلْهُ.

(وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» بِإِنْفَاقِهِ فِي غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ (وَيَكْفِي الْعَاقِلَ) فِي كَمَالِ قُبْحِهِ وَالِانْزِجَارِ عَنْهُ (مَا خَرَّجَهُ ت عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ» عَنْ مَوْقِفِهِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلَا يَذْهَبُ لِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ «حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ» فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْأَلِفِ مَحْذُوفَةً، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَةَ وُجِدَتْ هَكَذَا، وَأَبْقَاهَا الْمُحَدِّثُونَ عَلَى حَالِهَا.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» «، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ» مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ «، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ» فِي طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ «، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» أَيْ أَفْنَاهُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ أَوْ فِي مَعْصِيَتِهِ، وَفِي رِضَا رَبِّهِ أَوْ هَوَى نَفْسِهِ لَا بُدَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ مِنْ تَأَمُّلٍ ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَإِلَّا فَنَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ» يُعَارِضُهُ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ لِكُلِّ سَالِكٍ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ لِيَخِفَّ حِسَابُهُ وَيَسْهُلَ جَوَابُهُ فَإِنَّ كُلَّ آنٍ مِنْ آنَاءِ الْعُمُرِ جَوْهَرٌ لَا قِيمَةَ لَهُ لِكَوْنِهِ أَصْلَ مَالِ بِضَاعَةِ النِّعَمِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ فَلَوْ ضَاعَ دَقِيقَةٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا، وَلَوْ جَمَعَ الْمُلُوكُ عَسَاكِرَهُمْ وَبَذَلُوا خَزَائِنَهُمْ وَصَرَفُوا وُسْعَهُمْ، وَأَنَّ لِكُلِّ وَقْتٍ وَظِيفَةً فَلَوْ تُرِكَ وَظِيفَةُ هَذَا لَا يُوجَدُ وَقْتٌ خَالٍ حَتَّى يُقْضَى فِيهِ فَالِاهْتِمَامُ بِهِ لَيْسَ كَالِاهْتِمَامِ بِأَشْرَفِ مَتَاعِ الدُّنْيَا كَالدَّنَانِيرِ فَالْعَاقِلُ لَا يُخْرِجُ دَقِيقَةً مِنْ عُمُرِهِ بِلَا طَاعَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا فَكُلُّ حَرَكَةٍ ظَهَرَتْ مِنْك بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَهِيَ عَلَيْك لَا لَك فَأَدْوَمُ النَّاسِ عَلَى الذِّكْرِ أَوْفَرُهُمْ حَظًّا، وَأَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً، وَأَشْرَفُهُمْ مَنْزِلَةً ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ الذِّكْرِ مُطْلَقُ مَا يَذْكُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَيِّ طَاعَةٍ وَحَسَنَةٍ.

(وَمِنْ الدَّلَائِلِ) الدَّالَّةِ (عَلَى مَذْمُومِيَّتِهِ) أَيْ الْإِسْرَافِ (جِدًّا حُرْمَةُ الرِّبَا الَّذِي هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْإِسْرَافِ فِي النُّصُوصِ أَظْهَرُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَأَكْثَرُ فِي التَّكَرُّرِ، وَقَدْ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ثُبُوتِ الْأَكْبَرِ لِلْأَوْسَطِ وَكَذَا ثُبُوتُ الْأَوْسَطِ

ص: 35