الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّهَادَةِ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ الشَّفَاعَةِ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَأَيْضًا لَا يُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا قَالَ فِي التتارخانية لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّتَّامِ (د. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا لَعَنَ الْعَبْدُ شَيْئًا» وَلَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا «صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إلَى السَّمَاءِ» فَإِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ اللَّعْنَةَ عَلَى صُورَةِ شَيْءٍ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الصُّعُودُ فَإِنَّ النُّصُوصَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْهَا قَطْعِيٌّ «فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا» لِقُبْحِهَا «ثُمَّ تَهْبِطُ» أَيْ تَنْزِلُ «إلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا فَتَأْخُذُ» تَتَرَدَّدُ «يَمِينًا وَشِمَالًا» مِنْ الْهَوَاءِ «فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا» مَرْجِعًا وَمَذْهَبًا وَمَدْخَلًا «رَجَعَتْ» اللَّعْنَةُ «إلَى الَّذِي لُعِنَ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ إلَى الْمَلْعُونِ «إنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا» بِالظُّلْمِ وَالْغِوَايَةِ وَتَجَاوُزِ الْحَدِّ «وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا»
فَلَعَلَّ حَاصِلَهُ أَنَّ دُعَاءَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكَارِهِ كَالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ أَصَابَهُ فَيُسْتَجَابُ فِي حَقِّهِ وَإِلَّا فَيُسْتَجَابُ فِي حَقِّ الدَّاعِي فَيُصِيبُهُ فَيَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ شَرْعًا لَا يَضُرُّهُ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَضُرُّ الدَّاعِيَ لَكِنَّ ظَاهِرَ بَعْضِ الْآثَارِ بَلْ النُّصُوصِ أَنَّهُ قَدْ يُسْتَجَابُ كَقِصَّةِ بَلْعَمَ فِي حَقِّ مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ لَيْسَتْ بِكُلِّيَّةٍ بَلْ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ أَوْ أَكْثَرِيَّةٌ (وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُلْعَنَ بِشَيْءٍ وَلَوْ أَهْلَهَا) لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ شُمُولُهُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَقَدْ سَمِعْت كَثْرَةَ وُرُودِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} [يونس: 88] الْآيَةُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ جَوَازَ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَلْ اسْتِحْبَابَهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمَا وَقَعَ بِلَفْظِ اللَّعْنِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بِإِرَادَةِ مَعْنًى آخَرَ
[الْعَاشِرُ السَّبُّ]
(الْعَاشِرُ السَّبُّ) أَيْ الشَّتْمُ (خ م. عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا»
أَيْ رَجَعَ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ «أَحَدُهُمَا» مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ «فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ» فَقَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ «وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» قِيلَ ذَهَبَ بَعْضٌ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ لِلْمُسْلِمِ يَا كَافِرُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَلْ يَأْثَمُ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ أَقُولُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ مُرَادُ عَدَمِ الْكُفْرِ بِمَا يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ الشَّتْمِ وَمُرَادُ الْكُفْرِ بِمَا يَكُونُ رِضَا كُفْرِهِ وَاعْتِقَادُ كُفْرِهِ لِمَا فِي نَحْوِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كَافِرًا لَا يَكْفُرُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كَافِرًا يَكْفُرُ وَنَاسَبَهُ مَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إنْ قَالَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ فِي حَالِ رِضَاهُ يَكْفُرُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ أَيْضًا بَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا يَكْفُرُ وَعَنْ بَعْضٍ يَكْفُرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ، أَيْ مغ أَوْ تُرْسًا أَوْ جُحُودًا لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ
(خ م. عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سِبَابُ» بِكَسْرِ السِّينِ «الْمُسْلِمِ» أَيْ سَبُّهُ «فُسُوقٌ» لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى «وَقِتَالُهُ» أَيْ مُحَارَبَتُهُ «كُفْرٌ» إنْ مُسْتَحِلًّا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالتَّشْدِيدِ أَوْ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ مِنْ الْمُؤْمِنِ أَوْ كُفْرَانُ نِعْمَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ سِبَابُ الْمُؤْمِنِ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْمَهْلَكَةِ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَكَادُ أَنْ يَقَعَ فِي الْهَلَاكِ الْأُخْرَوِيِّ (م. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُسْتَبَّانِ» اللَّذَانِ يَسُبُّ كُلٌّ مِنْهَا الْآخَرَ «مَا قَالَا» أَيْ إثْمُ مَا قَالَاهُ «فَعَلَى الْأَوَّلِ» أَيْ الْبَادِئِ مِنْهَا (وَفِي رِوَايَةٍ «فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا» لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَهُ «حَتَّى يَعْتَدِيَ الْمَظْلُومُ»
أَيْ يَتَعَدَّى الْحَدَّ فِي السَّبِّ فَيَعُمُّهُمَا عَلَى قَدْرِ اعْتِدَائِهِ فَإِنَّ مَنْ اعْتَدَى عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّمَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ اعْتِدَائِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ الْمُقَابَلَةِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ شَتْمُ الْمُقَابِلِ شَتْمَ الْبَادِئِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ عَنْ الْقُنْيَةِ فَإِنْ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا وَعَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى لِلْإِنْسَانِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا لَوْ أَجَابَ فَقَالَ لَهُ لَا بَلْ أَنْتَ لَا بَأْسَ وَأَيْضًا فِي الْمِنَحِ إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا خَبِيثُ فَجَازَاهُ بِمِثْلِهِ جَازَ لِأَنَّهُ انْتِصَارٌ بَعْدَ الظُّلْمِ وَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَإِنْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ مُوجِبَةً لِلْحَدِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَهُ بِمِثْلِهَا تَحَرُّزًا عَنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ فَقَالَ بَلْ أَنْتَ فَتَكَافَآ لَا يُعَزَّرَانِ فَمَا فِي الْقُنْيَةِ إمَّا مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِدَاءِ أَوْ عَلَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَكِنْ قَوْلُهُ فَتَكَافَآ يُفْهَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْ الْبَادِئِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَأَمَّلْ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْإِثْمِ عَلَى الْبَادِئِ فَقَطْ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ (فِي نَحْوِ يَا جَاهِلُ وَيَا أَحْمَقُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْمُقَابَلَةُ) لَعَلَّهُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا (وَأَمَّا فِي نَحْوِ يَا زَانٍ وَيَا لُوطِيُّ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُقَابَلَةُ) مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا مَرَّ (فَكِلَاهُمَا آثِمٌ وَإِنْ كَانَ إثْمُ الْمُبْتَدِئِ أَكْثَرَ) لِلتَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ هُوَ الشُّمُولُ كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْآيَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ بِنَصٍّ آخَرَ فَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى إنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانٍ فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتَ يُحَدَّانِ (فَعَلَى الثَّانِي حِينَئِذٍ إمَّا الصَّبْرُ مَعَ الْعَفْوِ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى زِيَادَةِ فَسَادِ الْأَوَّلِ وَإِفْضَاءِ غُلُوِّهِ كَمَا مَرَّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا» (أَوْ الدَّعْوَةُ إلَى الْقَاضِي) فَيَدَّعِي مُوجِبَهُ وَيَجْزِيهِ تَأْدِيبًا وَتَشَفِّيًا (أَوْ الْمُقَابَلَةُ بِنَحْوِ يَا جَاهِلُ) مِنْ جِنْسِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُقَابَلَةُ فَحِينَئِذٍ يَسْتَوْفِي ظِلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ الِابْتِدَاءِ أَوْ الْإِثْمُ الْمُسْتَحَقُّ لَهُ تَعَالَى وَقِيلَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ جَمِيعُ الْإِثْمِ بِالِانْتِصَارِ مِنْهُ وَيَكُونُ مَعْنَى فَعَلَى الثَّانِي عَلَيْهِ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ مِمَّا قَالَاهُ
(وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ) عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» كَانَ
عَادَتُهُمْ سَبَّ الدَّهْرِ عِنْدَ نُزُولِ الْحَوَادِثِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ تِلْكَ مِنْ الدَّهْرِ فَكَانَ هَذَا اللَّعْنُ كَاللَّعْنِ لِلْفَاعِلِ وَلَا فَاعِلَ لِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا اللَّهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَأَيْضًا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ «وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَيْ مُقَلِّبُهُ وَمُصَرِّفُهُ أَوْ بِمَعْنَى الدَّهْرِ قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضٍ إنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْأَزَلِيِّ الْأَبَدِيِّ
(وَ) سَبُّ (الدِّيكِ) فِي الْجَامِعِ «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ» بِصِيَاحِهِ فِي اللَّيْل فَيَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ» .
قَالَ فِي الْفَيْضِ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ صَدِيقِي وَأَنَا صَدِيقُهُ وَعَدُوُّهُ عَدُوِّي وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْ يَعْلَمُ بَنُو آدَمَ مَا فِي صَوْتِهِ لَاشْتَرَوْا لَحْمَهُ وَرِيشَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنَّهُ لَيَطْرُدُ مَدَى صَوْتِهِ مِنْ الْجِنِّ» انْتَهَى فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ خَيْرٌ لَا يُسَبُّ وَلَا يُسْتَهَانُ بَلْ حَقُّهُ الْإِكْرَامُ وَالشُّكْرُ وَالْإِحْسَانُ، وَفِيهِ أَيْضًا الدِّيكُ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ «مَنْ اتَّخَذَ دِيكًا أَبْيَضَ حُفِظَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ وَسَاحِرٍ وَكَاهِنٍ» قَالَ الْحَافِظُ زَعَمَ أَهْلُ التَّجْرِبَةِ أَنَّ ذَابِحَ الدِّيكِ الْأَفْرَقِ لَمْ يَزَلْ يَنْكَبُّ مِنْ مَالِهِ وَعَنْ الدَّرَارِيِّ يُتَعَلَّمُ مِنْهُ خَمْسٌ حُسْنُ الصَّوْتِ وَقِيَامُ السَّحَرِ وَالْغَيْرَةُ وَالسَّخَاءُ وَكَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَلِلدِّيكِ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ اللَّيْلِيِّ وَمِنْ ثَمَّةَ أَفْتَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِاعْتِمَادِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ فِي الْوَقْتِ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَفِيهِ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَعَادَةُ الدِّيكِ الصِّيَاحُ عِنْدَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ غَالِبًا فَمَنْ جَرَّبَ مِنْهُ مَا لَا يَخْلُفُهُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِصُرَاخِهِ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ أَيْضًا «الدِّيكُ الْأَبْيَضُ صَدِيقِي» لِقُرْبِ صَوْتِهِ إلَى الذَّاكِرِ وَلِحِفْظِهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ وَإِيقَاظِهِ إلَيْهَا وَإِعَانَتِهِ إلَى الرَّحْمَةِ وَفِيهِ أَيْضًا «الدِّيكُ الْأَبْيَضُ صَدِيقِي وَصَدِيقُ صَدِيقِي» وَلَهُ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى غَالِبًا وَفِيهِ أَيْضًا «الدِّيكُ الْأَبْيَضُ الْأَفْرَقُ حَبِيبِي وَحَبِيبُ حَبِيبِي جِبْرِيلُ وَيَحْرُسُ بَيْتَهُ وَسِتَّةَ عَشَرَ بَيْتًا مِنْ جِيرَانِهِ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ «وَكَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام يُبَيِّتُهُ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ» وَفِي رِوَايَةٍ «يَحْرُسُ دَارَ صَاحِبِهِ وَتِسْعَ دُورٍ حَوْلَهَا» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَفْرَدَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ أَخْبَارَ الدِّيكِ بِتَأْلِيفٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُجَرِّبِينَ إنَّهُ مَا ذُبِحَ فِي دَارٍ إلَّا وَأَصَابَ أَهْلَهُ نَكْبَةٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُنَاوِيُّ إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي الدِّيكِ بَعْضُهَا مُنْكَرٌ وَبَعْضُهَا قِيلَ سَنَدُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَبَعْضُهَا قِيلَ مَوْضُوعٌ وَبَعْضُهَا مَتْرُوكٌ وَضَعِيفٌ حَتَّى قَالَ السَّخَاوِيُّ أَخْبَارُ الدِّيَكَةِ كُلُّهَا فِيهَا رَكَاكَةٌ وَلَا رَوْنَقَ انْتَهَى لَكِنْ قِيلَ الضَّعِيفُ يَتَقَوَّى بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ وَعَنْ عَلِيٍّ الْقَارِيّ كُلُّ أَحَادِيثِ الدِّيكِ كَذِبٌ إلَّا حَدِيثَ «إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيكِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا» وَفِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيكِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَرَفٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ
(وَالْأَمْوَاتُ) فِي الْجَامِعِ أَيْضًا «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ سَبَّ الْكُفَّارِ قُرْبَةٌ «فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ مِنْ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ أُخِذَ مِنْهُ جَمْعُ حُرْمَةِ ذِكْرِ أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -