الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَأْثُورَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا (وَفِي التتارخانية وَإِذَا)(سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى الَّذِي يُصَلِّي أَوْ) الَّذِي (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ)
(رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ بِقَلْبِهِ) لِحُرْمَتِهِ بِاللِّسَانِ وَأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالتِّلَاوَةِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى الْقِرَاءَةِ وَلَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ كَمَا لَا يَشْغَلُ لِسَانَهُ) وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ شَغْلَ الْقَلْبِ بِغَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ مَانِعٌ مِنْ الْخُشُوعِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَامُ حِينَئِذٍ مَشْرُوعًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا فِي الْقَلْبِ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِيهِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ (وَفِي فَتَاوَى آهُو) بِالْمَدِّ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجِيبُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ) أَيْ يَرُدُّ السَّلَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنْ قِيلَ رَدُّ السَّلَامِ فَرْضٌ فَكَيْفَ يُتْرَكُ
أُجِيبَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَيْضًا فَرْضٌ وَأَنَّ كَوْنَ الرَّدِّ فَرْضًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ مَشْرُوعِيَّةِ السَّلَامِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ صَاحِبُ وِرْدٍ وَدُعَاءٍ وَقِرَاءَةٍ وَمُدَرِّسٌ وَكَذَا سَلَامُ الْمُكْدِي أَيْ طَالِبِ الْعَطِيَّةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ سَلَامِ السَّائِلِ لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا الْمُخْتَارُ رَدُّ الْقَارِئِ سَلَامَ الْمَارِّ بِخِلَافِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ أَيْضًا لَا يُسَلِّمُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ جَهْرًا وَعِنْدَ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ وَعِنْدَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ لِجُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ وَعِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ وَفِي الْحَمَّامِ وَالْخَلَاءِ إنْ مَسْتُورَيْنِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَرُدُّ وَعِنْدَهُ يَرُدُّ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ مَفَاتِيحِ الصَّلَاةِ لِأَحْمَدَ الْحُصُولِيِّ يُكْرَهُ السَّلَامُ عِنْدَ الْخُطْبَةِ وَلَا يَرُدُّ جَوَابَهُ وَيَأْثَمُ الْمُسَلِّمُ عَلَى قَارِئِ الْقُرْآنِ جَهْرًا لَكِنْ يَرُدُّ جَوَابَهُ لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِ فَضِيلَتَيْ الْقُرْآنِ وَالرَّدِّ وَعَلَى مُسْتَمِعِ الْقُرْآنِ وَيَأْثَمُ الْمُسَلِّمُ وَلَكِنْ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمَاعِ وَالرَّدِّ وَيُكْرَهُ عِنْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ وَعِنْدَ الْآذَانِ وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ وَالْمُسَلِّمُ يَأْثَمُ وَلَكِنْ يَرُدُّونَ جَوَابَهُ وَعَلَى مَنْ فِي الْخَلَاءِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرُدُّ بِقَلْبِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرُدُّ مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَعَلَى أُسْتَاذِهِ عِنْدَ الدَّرْسِ وَلَوْ سَلَّمَ يَجِبُ رَدُّهُ وَعَلَى الْمُصَلِّي وَيَأْثَمُ وَلَا يَرُدُّ وَعَلَى السَّائِلِ وَإِنْ سَلَّمَ السَّائِلُ يَجِبُ رَدُّهُ وَعَلَى الْقَاضِي فِي الْمَحْكَمَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَعَلَى لَاعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَعَلَى لَاعِبِ النَّرْدِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَعَلَى الْمَلَاحِدَةِ وَعَلَى الزَّنَادِقَةِ وَعَلَى الْمُضْحِكِ وَعَلَى قَارِئِ الْقِصَّةِ الْكَاذِبَةِ وَعَلَى أَهْلِ اللَّغْوِ وَعَلَى أَهْلِ السَّبِّ وَعَلَى أَهْلِ الْهَجْوِ وَعَلَى الْقَاعِدِ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَنْظُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ وَالْأَمْرَدِ وَعَلَى الْعُرْيَانِ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الْمُمَازِحِ وَعَلَى الْكَذَّابِ وَعَلَى مَنْ يَسُبُّ النَّاسَ وَعَلَى الْمُشْتَغِلِ فِي السُّوقِ وَعَلَى آكِلِ الطَّعَامِ فِي السُّوقِ أَوْ عَلَى آكِلِ الطَّعَامِ أَمَامَ الدَّكَاكِينِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَعَلَى الْمُغَنِّي وَعَلَى مُطَيِّرِ الْحَمَّامِ وَالْكَافِرِ
[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي حَالَ الْخُطْبَةِ]
(الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ) مُطْلَقُ الْخُطْبَةِ لِمَا فِي الدُّرَرِ أَطْلَقَ الْخُطْبَةَ لِتَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْخُطَبِ كَالْخُطَبِ فِي الْحَجِّ وَعَنْ قَاضِي خَانْ وَخُطْبَةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَعَنْ الْبَحْرِ وَخُطْبَةِ النِّكَاحِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ (وَلَوْ تَسْبِيحًا أَوْ تَصْلِيَةً أَوْ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَحْوَهَا) كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمَبْحَثِ الْعِلْمِيِّ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا وَعَنْ الْبَحْرِ وَيُكْرَهُ لِمُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَبَثِ وَالِالْتِفَاتِ انْتَهَى لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَفِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَرُمَ الْكَلَامُ وَالصَّلَاةُ حَتَّى يُتِمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ قَالَ فِي الدُّرَرِ هُوَ كَالْقَرِيبِ وَعَنْ النِّهَايَةِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَعَنْ الْمَبْسُوطِ أَوْلَوِيَّةُ الْإِنْصَاتِ عِنْدَ بَعْضٍ وَعَنْ الْعِنَايَةِ هُوَ مُخْتَارُ الْكَرْخِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَوْلَوِيَّةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ وَعَنْ السِّرَاجِ السُّكُوتُ أَحْوَطُ وَعَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ثُمَّ قِيلَ لَا يُكْرَهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي التتارخانية عَنْ بَعْضٍ الْفَاضِلِ لَا يُؤْمَرُ بِاسْتِمَاعِ خُطْبَةِ الْمَفْضُولِ وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَ فِي مَدْحِ الظَّلَمَةِ وَالدُّعَاءِ فَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ وَعِنْدَ قَوْلِ الْخَطِيبِ صَلُّوا لَا يَجِبُ عَلَى الْقَوْمِ التَّصْلِيَةُ كَمَا فِي الطَّحَاوِيِّ وَعَنْ الْحُجَّةِ السُّكُوتُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ وَفِي فَتَاوَى أَبُو السُّعُودِ تَرْضِيَةُ الْمُؤَذِّنِينَ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَطِيبِ
الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَسَكْتَتُهُ جَائِزَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِي دِيَارِنَا إنْ لَمْ يُلْحِنُوا أَوْ يُسْرِعُوا لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ
(خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» أَيْ تَكَلَّمْتَ بِاللَّغْوِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَقِيلَ أَيْ تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَغَا أَيْ مَالَ عَنْ الصَّوَابِ قِيلَ بُطْلَانٌ مَعْنَاهُ بُطْلَانُ أَصْلِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ بُطْلَانُ ثَوَابِهَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ تَنْقَلِبُ ظُهْرًا وَعَنْ النَّوَوِيِّ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْصِتْ إذَا كَانَ لَغْوًا مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ فَغَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ أَوْلَى وَفِي قَوْلِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ حَالَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ فَعَلَى هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ حَيْثُ قَالَا يُبَاحُ الْكَلَامُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ لَعَلَّ وَجْهَ اخْتِيَارِ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سِوَى الْإِمَامِ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ قَاضِي خَانْ إذَا خَالَفَ الْإِمَامَ صَاحِبَاهُ إذَا كَانَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ يُخْتَارُ قَوْلُهُمَا وَإِلَّا فَيُخَيَّرُ الْمُفْتِي وَعَنْ الْبَحْرِ وَمَا تُعُورِفَ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَا وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ انْتَهَى وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ هُوَ بِصَدَدِ شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ حَتَّى يُمْنَعَ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّسْبِيحِ فَلَا يُكْرَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ حَالِ السَّكْتَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَقَ قَوْلًا مِنْ أَقْوَالِ أَئِمَّتِنَا أَوَّلًا فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ إنْكَارُهُ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ مَا وَقَعَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ كَمَا قَالَ الْهَيْتَمِيُّ إنَّهُ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ سُنَّةٌ
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَك وَخَلِيفَتَك عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوُلَاتِهِمْ بِالْإِصْلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَوْ عَلِمْت لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً لَخَصَصْت بِهَا السُّلْطَانَ فَإِنَّ خَيْرَهُ عَامٌّ وَخَيْرَ غَيْرِهِ خَاصٌّ وَأَمَّا التَّأْمِينُ جَهْرًا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَيُشَوِّشُ الْحَاضِرِينَ انْتَهَى لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَلْطِ وَالْخَبْطِ إذْ عَدَمُ جَوَازِ مُطْلَقِ الْعِبَادَةِ سِوَى الْإِنْصَاتِ صَرِيحٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَأَنَّ السَّكْتَةَ فِي نَفْسِهَا لِمَصْلَحَةِ الْمُؤَذِّنِ لَمْ تَقَعْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَبِدْعَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَمُنْكَرٌ عِنْدَ مُقَلِّدِيهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مُنْكَرًا مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِهِ مُجْمَعًا وَإِنَّ مَا نُقِلَ مِنْ الدَّعَوَاتِ إلَى الْأُمَرَاءِ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْخَطِيبِ وَالْمَسْأَلَةُ مَا هِيَ مِنْ الْمُؤَذِّنِ
(حذر طب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أَيَّ كَلَامٍ كَانَ وَلَوْ تَسْبِيحًا وَتَرْضِيَةً وَتَصْلِيَةً خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْعُرْفِيِّ «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا» فَكَمَا أَنَّ الْحِمَارَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَسْفَارِ) فَكَذَا هَذَا لَا يَنْتَفِعُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ إتْعَابُهُ مِنْ قَبِيلِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ (وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ)
رَأْسًا أَوْ كَامِلَةً قِيلَ عَنْ نَجْمِ الدِّينِ الْبَقْلِيِّ وَإِذَا شَرَعَ الْخَطِيبُ فِي الدُّعَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ رَفْعُ الْأَيْدِي وَلَا التَّأْمِينُ بِاللِّسَانِ فَإِنْ فَعَلُوا أَثِمُوا وَقَالَ بَعْضٌ إسَاءَةٌ لَا إثْمٌ وَالصَّحِيحُ وَالْمُفْتَى بِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ بِوُجُوبِ تَعْلِيمِ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَكَذَا التَّصْلِيَةُ جَهْرًا وَأَمَّا إخْفَاءً فَقِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ لَا بَلْ بِالْقَلْبِ فَقَطْ وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّسَفِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَانْتَهَى مُلَخَّصًا (قَالَ قَاضِي خَانْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ إذَا قَالَ الْخَطِيبُ) فِي الْخُطْبَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ؛ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ) أَيْ بِالْقَلْبِ كَمَا سَمِعْت آنِفًا عَنْ الْبَقَّالِيِّ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَكُونُ خِفْيَةً
(وَ) جُمْهُورُ (مَشَايِخِنَا رحمهم الله قَالُوا بِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام بَلْ يَسْتَمِعُ وَيَسْكُتُ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ) قِيلَ لِأَنَّ التَّصْلِيَةَ فَرْضُ مَرَّةٍ فِي الْعُمُرِ وَالْبَوَاقِيَ سُنَنٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ وَلَا عَلَى الْفَوْرِ أَقُولُ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا ذَكَرَ اسْمَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام لَا الْمُطْلَقِ وَمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْمُطْلَقِ وَإِنَّ الْوُجُوبَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْوُجُوبَ مِمَّا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ بَعْدُ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَصْلِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لِتَعَارُضِهِ بِوُجُوبٍ آخَرَ بَلْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِرُجْحَانِ مُعَارِضِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ هِيَ (تُمْكِنُ بَعْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ) لِمَا عَرَفْت أَنَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ (انْتَهَى) فَالْإِجْمَاعُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى جَوَازِ الْجَهْرِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا فِي الْإِخْفَاءِ فَقِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا (وَفِي التَّجْنِيسِ) لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ (رَجُلٌ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ رَدَّ عَلَيْهِ) سَلَامَهُ (فِي نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى مَا قِيلَ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْكِسْ لِقُوَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَلِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلَّ الْفَرْضِ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَوِيٌّ فِي مَحَلِّهِ وَمَقَامِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ الضَّعِيفِ فِي جَنْبِ الْقَوِيِّ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَذَا عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِهِ
(وَيُمْكِنُ إقَامَةُ هَذَا الْوَاجِبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ) بِأَنْ يُسِرَّ بِهِ (هَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَصْوَبُ) أَيْ الْأَوْلَى (أَنْ لَا يُجِيبَ) أَصْلًا مُطْلَقًا لَا جَهْرًا وَلَا فِي نَفْسِهِ (لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْإِنْصَاتِ) الْمَأْمُورِ بِهِ إمَّا لِشُمُولِ الْإِنْصَاتِ لِمَا فِي الْقَلْبِ أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِنْصَاتِ الْإِصْغَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَالِاتِّعَاظُ بِهِ وَشَغْلُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ مَانِعٌ إذْ الِاسْتِمَاعُ بِلَا تَأَمُّلٍ وَتَفَكُّرٍ بَلْ بِلَهْوٍ وَذُهُولٍ وَغَفْلَةٍ لَيْسَ بِجَائِزٍ (وَبِهِ يُفْتَى) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَيْهِ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا عِنْدَنَا مِنْ الْفَتَاوَى كَقَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى أَحَدٍ وَقْتَ الْخُطْبَةِ) أَمَّا حَالَ الْخُطْبَةِ فَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَوْ مُطْلَقُ مَا بَيْنَ الْخُرُوجِ وَالنُّزُولِ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ (وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ) مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ كُلُّ مَا حَرُمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ حَرُمَ فِي الْخُطْبَةِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ قِيلَ وَبِهِ جَزَمَ
فِي الْكَنْزِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ (فَمَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ فِي زَمَانِنَا) لَا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى بِدْعِيَّتِهِ وَالْبِدْعَةُ فِي الْعِبَادَةِ حَرَامٌ فَفِيهِ دَلِيلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ عَلَى مُنْكَرِيَّةِ الْحُكْمِ (فِي حَالِ الْخُطْبَةِ) بَلْ عِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ الْمِنْبَرَ (مِنْ التَّصْلِيَةِ وَالتَّرْضِيَةِ وَالتَّأْمِينِ وَالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ ذِكْرِهِ مُنْكَرٌ يَجِبُ مَنْعُهُ عَلَى مَنْ قَدَرَ) مِنْ السُّلْطَانِ وَالْقُضَاةِ وَسَائِرِ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا الْعُلَمَاءُ لَكِنْ قِيلَ الْوُجُوبُ لِلسُّلْطَانِ وَالْحُكَّامِ دُونَ غَيْرِهِمْ
قِيلَ هُنَا أَيْضًا أَنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ الْكَلَامُ الْعُرْفِيُّ فَقَطْ وَقِيلَ إنَّ هَذَا لَيْسَ
بِمُنْكَرٍ حَتَّى يُنْكَرَ بَلْ أُمُورٌ مُسْتَحْسَنَةٌ اسْتَحْسَنَهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» .
«وَلَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهَا وَقَدْ قَالَ صَاحِبَاهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا مَا لَمْ يَشْرَعْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَانِعُ {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: 12] وَقَدْ خَصَّ بَعْضَ