المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الثامن والأربعون دعاء الإنسان على نفسه] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٣

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي غَوَائِل الْبُخْل وَسَبَبِهِ وَآفَاتِهِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ حُبُّ الْمَالِ لِلْحَرَامِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي سَبَبِ حُبِّ الْمَالِ وَعِلَاجِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الْعِلَّةُ الْخَفِيَّةُ وَالسَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي ذَمِّ الْإِسْرَاف]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ لِلْإِسْرَافِ فِي أَصْنَافِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ الْإِسْرَافَ هَلْ يَقَعُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي عِلَاجِ الْإِسْرَافِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْعَجَلَةُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْفَظَاظَةُ وَغِلْظَةُ الْقَلْبِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْوَقَاحَةُ قِلَّةُ الْحَيَاءِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْجَزَعُ وَالشَّكْوَى]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ السُّخْطُ وَالتَّضَجُّرُ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ التَّعْلِيقُ ذِكْرُ قِوَامِ بِنْيَتِك عَنْ شَيْءٍ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ حُبُّ الْفَسَقَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْجُرْأَةُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَأْسُ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحُزْنُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْخَوْفُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْغِشُّ وَالْغُلُّ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْمُدَاهَنَةُ]

- ‌[الْخَمْسُونَ الْأُنْسُ بِالنَّاسِ وَالْوَحْشَةُ لِفِرَاقِهِمْ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ الطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الْعِنَادُ وَمُكَابَرَةُ الْحَقِّ وَإِنْكَارُهُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ التَّمَرُّدُ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الصَّلَفُ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ الْجَرْبَزَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْبَلَادَةُ وَالْغَبَاوَةُ وَالْحَمَاقَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ الشَّرَهُ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْخُمُودُ]

- ‌[السِّتُّونَ آخِرُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ]

- ‌[الْقِسْم الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَفِيهِ سِتَّةُ مَبَاحِثَ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ وَهُوَ سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ كَلِمَةُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّانِي مَا فِيهِ خَوْفُ الْكُفْرِ]

- ‌[الثَّالِثُ الْخَطَأُ]

- ‌[الرَّابِعُ الْكَذِبُ]

- ‌[السَّادِسُ الْغِيبَةُ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ النَّمِيمَةُ]

- ‌[الثَّامِنُ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ]

- ‌[التَّاسِعُ اللَّعْنُ]

- ‌[الْعَاشِرُ السَّبُّ]

- ‌[الْحَادِي عَشَرَ الْفُحْشُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالتَّعْيِيرُ]

- ‌[الثَّالِثَ عَشَرَ النِّيَاحَةُ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ حُكْمُ الْمِرَاء]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ الْجِدَالُ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ الْخُصُومَةُ]

- ‌[السَّابِعَ عَشَرَ الْغِنَاءُ]

- ‌[الْوَصِيَّةُ لِلْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ]

- ‌[التَّغَنِّي بِمَعْنَى حُسْنِ الصَّوْتِ بِلَا لَحْنٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَإِسْقَاطِ حَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنُ]

- ‌[الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ الْمَوْضُوعَةِ الْمُحْدَثَةِ الْمُوَافِقَةِ لِعِلْمِ الْمُوسِيقَى]

- ‌[الِاسْتِغْنَاءُ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْأَشْعَارِ وَأَحَادِيثِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّامِنَ عَشَرَ إفْشَاءُ السِّرِّ]

- ‌[التَّاسِعَ عَشَرَ الْخَوْضُ فِي الْبَاطِلِ]

- ‌[الْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِمَّنْ لَا حَقَّ فِيهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ سُؤَالُ الْعَوَامّ عَنْ كُنْهِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي الْأُصُولِ الِاعْتِقَادِيَّةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ وَدَقَائِقُ الْخَطَأِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ النِّفَاقُ الْقَوْلِيُّ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَعْرُوفِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ غِلْظَةُ الْكَلَامِ وَالْعُنْفُ فِيهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ]

- ‌[الثَّلَاثُونَ افْتِتَاحُ الْجَاهِلِ الْكَلَامَ]

- ‌[الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ التَّكَلُّمُ عِنْدَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي حَالَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ فِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ الْجِمَاعِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ وَالظَّالِمِ بِالْبَقَاءِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْكَلَامُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَضْعُ لَقَبِ سُوءٍ لِمُسْلِمٍ]

- ‌[الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ كَثْرَةُ الْحَلِفِ وَلَوْ عَلَى الصِّدْقِ]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ تَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ]

- ‌[السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ طَلَبُ الْوِصَايَةِ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ رَدُّ عُذْرِ أَخِيهِ وَعَدَمُ قَبُولِهِ]

- ‌[الْخَمْسُونَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ]

- ‌[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ إخَافَةُ الْمُؤْمِنِ]

- ‌[الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ قَطْعُ كَلَامِ الْغَيْرِ وَحَدِيثِهِ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ]

الفصل: ‌[الثامن والأربعون دعاء الإنسان على نفسه]

لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ قِيلَ وَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَا يَذْكُرُ النَّاسُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضَرَبَ ابْنَهُ أَبَا شَحْمَةَ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَاقِيَ الْحَدِّ مَيِّتًا فَهُوَ كَذِبٌ مِنْ أَكَاذِيبِ مُحَمَّدِ بْنِ تَمِيمٍ الرَّازِيّ وَكَانَ كَثِيرَ الْأَكَاذِيبِ وَضَّاعَ الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ انْدَمَلَتْ جِرَاحَاتُهُ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ عَلَى عَدْلِ عُمَرَ كَمَا فِي نِصَابِ الِاحْتِسَابِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي كِتَابِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ مِنْ حَدِّهِ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَمَرِيضٌ بِمُجَرَّدِ السَّمْعِ بِلَا ثُبُوتٍ شَرْعِيٍّ إلَى أَنْ مَاتَ وَالْحَمْلُ عَلَى اجْتِهَادِهِ بَعِيدٌ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنَّ الْآحَادَ الَّتِي تُخَالِفُ الشَّرْعَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعَدْلَةِ الْكِرَامِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ إنْكَارَ مِثْلِهِ أَسْلَمُ مِنْ حَمْلٍ عَلَى ارْتِكَابِ خِلَافِ الشَّرْعِ.

(وَعَنْ الشَّافِعِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ) التَّمَسُّكُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لِلتَّمَسُّكِ ابْتِدَاءً بَلْ لِلتَّأْيِيدِ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْقَائِلُ قَوِيَ الْقَوْلُ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِتَخْطِئَةِ مَذْهَبٍ مُخَالِفٍ مَذْهَبَ أَئِمَّتِنَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ خِلَافِهِمْ لِأَئِمَّتِنَا (إلَّا أَحْمَقُ) فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُوقِعُ نَفْسَهُ فِيمَا يَكُونُ غَلَطًا وَمُؤَدِّيًا إلَى الْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ كَمَا عَرَفْت (أَوْ) عَاقِلٌ لَكِنَّهُ (لِصٌّ انْتَهَى فَلِذَا) لِقُبْحِ الْوِصَايَةِ وَالْوِلَايَةِ (قِيلَ اتَّقُوا الْوَاوَاتِ) الْوِصَايَةَ وَالْوِلَايَةَ وَالْوَزَارَةَ وَالْوَكَالَةَ وَالْوَدِيعَةَ وَالْوَقْفَ وَعَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قَالَ أَفْتَيْت مُنْذُ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْت قَيِّمًا عَدَلَ فِي مَالِ ابْنِ أَخِيهِ.

[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

(الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ) بِالشَّرِّ لِأَجْلِ نُزُولِ ضَرَرٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ الْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ فِي الْمَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالنَّفْسِ (وَتَمَنِّي الْمَوْتِ) وَإِنْ كَانَ التَّمَنِّي مُغَايِرًا لِلدُّعَاءِ مَفْهُومًا لَكِنْ لِتَقَارُبِهِمَا مَفْهُومًا وَوُجُودًا عَدَّهُمَا آفَةً وَاحِدَةً (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَدْعُ} [الإسراء: 11] بِحَذْفِ الْوَاوِ خَطًّا مِنْ الرَّسْمِ الْعُثْمَانِيِّ تَبَعًا لِحَذْفِهَا لَفْظًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ {الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: 11] مِثْلَ دُعَائِهِ بِالْخَيْرِ لِعَدَمِ تَحَمُّلِهِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرٍ دُنْيَوِيٍّ {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: 11] مُبَالِغًا فِي الْعَجَلَةِ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ غَيْرَ صَابِرٍ عَلَى مَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ وَمَوْعُودٌ بِكَثِيرٍ مِنْ الْأَجْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَتَهَا إنَّمَا هِيَ عَلَى الدُّعَاءِ لَا التَّمَنِّي نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ فَلَعَلَّ ثُبُوتَ الثَّانِي بِالْأَحَادِيثِ كَالْأَوَّلِ بِالْآيَةِ.

(خَرَّجَ السِّتَّةُ) الصَّحِيحَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ (إلَّا ط) وَعِنْدَ بَعْضٍ سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ بَدَلَ الْمُوَطَّأِ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَمَنَّى» نَفْيٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ تَأْكِيدًا وَقِيلَ نَهْيٌ لِأَنَّ الْأَلِفَ مَعَ الْجَازِمِ لُغَةٌ اسْتَحْسَنَهَا الْأُدَبَاءُ «أَحَدُكُمْ» قِيلَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَعَامٌّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ «الْمَوْتَ» لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْمَشَاقِّ وَلِأَنَّ ضَرَرَ الْمَرَضِ مُطَهِّرٌ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْمَوْتُ قَاطِعٌ لَهُ وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ نِعْمَةٌ وَطَلَبُ إزَالَةِ النِّعْمَةِ قَبِيحٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْحَيَاةَ سَبَبٌ لِلطَّاعَاتِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْمَقَامَاتِ

ص: 288

«لِضُرٍّ» الظَّاهِرُ أَيْ دُنْيَوِيٍّ كَالْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ تَمَنِّيهِ لِلْفِتْنَةِ الدِّينِيَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الدُّعَاءُ فِي الْحَدِيثِ وَإِذَا أَرَدْت بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ «نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ» مَنْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ «فَاعِلًا» لِلدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ «فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا» مَصْدَرِيَّةٌ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ «كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي» بِاكْتِسَابِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ «وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» فَإِذَا لَمْ يُتَوَفَّ يَكْتَسِبْ الشُّرُورَ وَالسَّيِّئَاتِ يَشْكُلُ مِثْلُهُ بِأَنَّ الْأَجَلَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ فَطَلَبُ تَقَدُّمِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ مُحَالٌ وَمِثْلُهُ خَيْرِيَّةُ الْحَيَاةِ أَوْ التَّوَفِّي بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِهِ تَعَالَى فَلَا يَجْرِي التَّأْوِيلُ الْمَشْهُورُ بِالْمُعَلَّقِ وَبِمَا فِي عِلْمِ الْمَلِكِ أَوْ اللَّوْحِ لِأَنَّ مُقْتَضَى السُّوقِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى عِلْمِهِ تَعَالَى وَلَا يَقُلْ اللَّهُمَّ تَوَفَّنِي بِطَرِيقِ الْجَزْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ فِي الْحَيَاةِ وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رِضَاهُ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَضٍ.

وَأَمَّا إذَا تَمَنَّى الْمَوْتَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى دِينِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ» لِأَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ التَّزَوُّدُ لِلْآخِرَةِ وَالسَّعْيُ فِيمَا يَزِيدُ ثَوَابَهَا مِنْ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ «طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» وَحَدِيثُ «خِيَارُكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» فَمِنْ شَأْنِ الِازْدِيَادِ وَالتَّرَقِّي مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَمِنْ مَقَامٍ إلَى مَقَامِ الْقُرْبِ الْإِلَهِيِّ كَيْفَ يَطْلُبُ الْقَطْعَ عَنْ مَطْلُوبِهِ إذْ الْمَوْتُ قَاطِعٌ لِذَلِكَ «إمَّا مُحْسِنًا» أَيْ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَحَذَفَ الْفِعْلَ بِمَا اسْتَكَنَ فِيهِ مِنْ الضَّمِيرِ ثُمَّ عَوَّضَ عَنْهُ مَا وَأَدْغَمَ فِي مِيمِهَا النُّونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَرْفًا قَاسِمًا وَمُحْسِنًا خَبَرُ كَانَ بِمَعْنَى إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْسِنًا أَوْ حَالٌ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ السَّابِقُ أَيْ: إمَّا أَنْ لَا يَتَمَنَّاهُ مُحْسِنًا «فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ» فِي حَسَنَاتِهِ «أَوْ مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ» أَيْ يَطْلُبُ الْعُتْبَى وَهُوَ الْإِرْضَاءُ وَالْمُرَادُ طَلَبُ رِضَاهُ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَتَدَارُكِ الْفَائِتِ وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

قَالَ التوربشتي: وَالنَّهْيُ وَإِنْ أُطْلِقَ لَكِنْ الْمُرَادُ التَّقْيِيدُ بِمَا وَجَدَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّلَالَةِ وَقَدْ تَمَنَّاهُ كَثِيرٌ مِنْ الصِّدِّيقِينَ شَوْقًا إلَى لِقَائِهِ تَعَالَى وَتَنَعُّمًا بِالْوُصُولِ إلَى حَضْرَتِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ نَهْيِ التَّقْيِيدِ وَالْمُطْلَقُ رَاجِعٌ إلَى الْمُقَيَّدِ اهـ هَذَا وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ لَمْ تَنْحَصِرْ الْقِسْمَةُ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فَلَعَلَّهُ يَكُونُ سَيِّئًا فَيَزْدَادُ إسَاءَةً فَتَكُونُ زِيَادَةُ الْعُمُرِ زِيَادَةً لَهُ فِي الشِّفَاءِ كَمَا فِي خَبَرِ «شَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» أَوْ لَعَلَّهُ يَكُونُ مُحْسِنًا فَتَنْقَلِبُ حَالُهُ إلَى الْإِسَاءَةِ لِأَنَّا نَقُولُ تَرَجَّى الْمُصْطَفَى لَهُ زِيَادَةَ الْإِحْسَانِ وَالِانْفِكَاكَ عَنْ السُّوءِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَدُومَ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَخِفَّ إحْسَانُهُ فَذَلِكَ الْإِحْسَانُ الْخَفِيفُ الَّذِي دَاوَمَ عَلَيْهِ يُضَاعَفُ لَهُ مَعَ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَإِنْ زَادَتْ إسَاءَتُهُ فَالْإِسَاءَةُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُكَفَّرٌ وَمَا لَا يُكَفَّرُ يُرْجَى الْعَفْوُ عَنْهُ فَمَا دَامَ مَعَهُ الْإِيمَانُ فَالْحَيَاةُ خَيْرٌ لَهُ كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ كَذَا فِي الْفَيْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ.

ثُمَّ فِي الْفَيْضِ أَيْضًا وَهَذَا حَدِيثٌ اشْتَمَلَ عَلَى جُمْلَتَيْنِ الْأُولَى خَرَّجَهَا الشَّيْخَانِ وَهِيَ «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْتَ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ» وَالثَّانِيَةِ هَذِهِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَفِي رِوَايَةِ م «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُ» إلَى رَبِّهِ «بِهِ» أَيْ بِالْمَوْتِ «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ أَنَّهُ» أَيْ الشَّأْنُ «إذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» يَعْنِي لَا يَتَمَنَّى وَلَا يَدْعُو بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا حَرِيًّا بِالتَّمَنِّي وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَنْقَطِعُ بِهِ الْعَمَلُ فَلِذَا صَارَ الْعُمُرُ أَصْلَ مَالِ الْمُؤْمِنِ يَشْتَرِي بِهِ رَحْمَتَهُ تَعَالَى وَثَوَابَهُ وَقُرْبَهُ وَرِضَاهُ تَعَالَى فَلِهَذَا لَمْ يُعْطَ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنْ الْعُمُرِ وَقَدْ سَبَقَ خَبَرُ «خِيَارُكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ الْعَمَلُ خَيْرًا فَيَشْكُلُ بِكَوْنِ الْعَمَلِ شَرًّا لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَقَدْ قِيلَ زَمَانُنَا هَذَا هُوَ زَمَانُ الشُّرُورِ فَلَعَلَّك تَسْتَبْعِدُ الْجَوَابَ بِمَا سَبَقَ فَانْتَظِرْ أَيْضًا وَأَيْضًا يَشْكُلُ بِنَحْوِ قَوْلِهِ

ص: 289

{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] إذْ الْآثَارُ مَا يَتْبَعُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَعِلْمٍ عَلَّمُوهُ وَحَبْسٍ وَقَفُوهُ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَأَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» فَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْإِطْلَاقُ.

وَمُقْتَضَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الثَّانِي عَدَمُ الِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَيْنَهُمَا تَدَافُعٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ فِي مِثْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ وَحْيِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَيُتَأَمَّلْ (وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا) لِأَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُؤْمِنٌ أَنْ يَكْتَسِبَ مَا يَزِيدُ لَهُ حُسْنًا فَفِيهِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَزِدْ عُمُرُهُ لَهُ خَيْرًا فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ (حَدّ هق عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ» فَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ يَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ طَلَبِ إزَالَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ مِنْ جَزِيلِ الْفَوَائِدِ وَجَلِيلِ الْعَوَائِدِ كَيْفَ وَفِي زِيَادَةِ الْحَيَاةِ زِيَادَةُ الْأَجْرِ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْتِمْرَارُ الْإِيمَانِ لَكَفَى فَأَيُّ عَمَلٍ أَعْظَمَ مِنْهُ ثُمَّ هَذَا إنْ لِضَرَرٍ دُنْيَوِيٍّ وَإِنْ لِضَرَرٍ دِينِيٍّ فَلَا بَأْسَ وَقَدْ أُشِيرَ آنِفًا مَا اُسْتُفِيضَ عَنْ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ مِنْ تَمَّنِي الْمَوْتِ شَوْقًا إلَى لِقَاءِ الْحَضْرَةِ الْمُتَعَالِيَةِ الْأَقْدَسِيَّةِ وَلَا شَكَّ فِي حُسْنِهِ لِمَقَامِ الْخَوَاصِّ هَذَا وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ إذَا كَانَتْ الْآجَالُ مُقَدَّرَةً لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّمَنِّي لِأَنَّ هَذَا هُوَ حِكْمَةُ النَّهْيِ لِكَوْنِهِ عَبَثًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَفِيهِ كَرَاهَةُ الْمَقْدُورِ وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ وَلَا يَشْكُلُ عَلَى كَوْنِهِ عَبَثًا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعُمُرِ لِتَقْدِيرِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ فِي الْيَهُودِ لَوْ تَمَنَّوْهُ لَمَاتُوا جَمِيعًا لِأَنَّ ذَاكَ بِوَحْيٍ فِي خُصُوصِ أُولَئِكَ لِتَرْتِيبِ آجَالِهِمْ عَلَى وَصْفٍ إنْ وُجِدَ مَاتُوا وَإِلَّا فَلَا فَالْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ مُقَدَّرَةٌ (فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ) أَيْ مَحَلَّ الِاطِّلَاعِ عَلَى أُمُورِ الْآخِرَةِ كَالْقَبْرِ وَوَقْتِ النِّزَاعِ (شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقُهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ) أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ وَمِنْ الْغَفْلَةِ إلَى الذِّكْرِ وَهَذَا شَأْنُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَالْمُقَرَّبِينَ كَمَا قَالَ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 54]{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33] .

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ) فِي الْأَحَادِيثِ لِمَنْ تَمَنَّى الْمَوْتَ (لِضَرَرٍ دُنْيَوِيٍّ نَزَلَ بِهِ وَأَمَّا إنْ خَافَ عَلَى دِينِهِ مِنْ الْفَسَادِ) فَتَمَنَّى لِأَجْلِ هَذَا (فَجَائِزٌ) لِيَحْفَظَ دِينَهُ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَا تَمَنَّى لِلْوُصُولِ إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَشْكُلُ بِمَا تَقَدَّمَ سِيَّمَا كِفَايَةِ اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ فِي الْفَضْلِ (بِرّ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (عَنْ عُلَيْمٍ) صِيغَةُ تَصْغِيرٍ (الْكِنْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ كُنْت جَالِسًا مَعَ أَبِي عَنْبَسٍ الْغِفَارِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَلَى سَطْحٍ فَرَأَى نَاسًا يَتَحَمَّلُونَ) أَيْ يَتَكَلَّفُونَ فِي حَمْلِ الْأَمْوَالِ عَلَى الْأَعْنَاقِ (مِنْ الطَّاعُونِ فَقَالَ) شَوْقًا لِمَوْلَاهُ

ص: 290

(يَا طَاعُونُ خُذْنِي إلَيْك) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ (يَقُولُهَا ثَلَاثًا قَالَ عُلَيْمٌ) لَهُ إنْكَارًا (لِمَ تَقُولُ هَذَا أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ فَإِنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ» أَيْ الْمَوْتِ «انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَلَا يُرَدُّ» إلَى الدُّنْيَا (فَيَسْتَعْتِبُ) أَيْ يَسْأَلُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى زَوَالَ الْعَتَبِ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ (فَقَالَ أَبُو عَنْبَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَا «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بَادِرُوا بِالْمَوْتِ» أَيْ: سَابِقُوا بِتَمَنِّي الْمَوْتِ «سِتًّا» لِأَجْلِ سِتٍّ «إمْرَةَ السُّفَهَاءِ» لِعَدَمِ رِعَايَتِهِمْ حُدُودَ اللَّهِ فَلَا يُمْكِنُ السُّكُوتُ عَلَى الشَّرْعِ فَيَتَطَرَّقُ الضَّرَرُ فِي الدِّينِ فَعِنْدَ شُيُوعِ الظُّلْمِ وَالْغَوَايَةِ وَالْفَسَادِ يَجُوزُ تَمَنِّيهِ لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ عَلَى رِوَايَةِ عَنْبَسٍ الْغِفَارِيِّ «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا» لَكِنْ فِي شَرْحِهِ قِصَّةُ عُلَيْمٍ الْمَذْكُورَةُ هُنَا وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ هُنَا.

(وَكَثْرَةَ الشُّرْطِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ فَفَتْحٍ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ وَالْمُرَادُ كَثْرَتُهُمْ بِأَبْوَابِ الْأُمَرَاءِ وَالْوُلَاةِ وَبِكَثْرَتِهِمْ يَتَكَثَّرُ الظُّلْمُ وَالشُّرْطُ الْعَلَامَةُ لِأَنَّ فِيهِمْ عَلَامَةَ كَوْنِهِ فِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ (وَبَيْعَ الْحُكْمِ) بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَخْذُ الْقَضَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْحُكْمِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ الْحَجِّ وَالسِّجِلَّاتُ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ (وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ) أَيْ عَدَّ الدَّمِ أَمْرًا خَفِيفًا وَشَيْئًا هَيِّنًا كَأَنْ لَا يَقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ (وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ) بِالْإِيذَاءِ أَوْ الْهِجْرَانِ وَتَرْكِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَتَرْكِ الْإِمْدَادِ وَنَحْوِهَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ» (وَنَشْئًا) النَّاشِئُ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ جَاوَزَ حَدَّ الصِّغَرِ وَالْجَمْعُ نَشْءٌ نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ (يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ) جَمْعُ مِزْمَارٍ الْمُرَادُ غِنَاءُ النَّفْسِ يَعْنِي يَقْرَءُونَ عَلَى مَقَامَاتٍ فَاسِدَةٍ كَالْمَزَامِيرِ (يُقَدِّمُونَ) لِلْإِمَامَةِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخَطَابَةِ (الرَّجُلَ) الْكَامِلَ (لِيُغْنِيَهُمْ بِالْقُرْآنِ) بِإِخْرَاجِ الْحُرُوفِ عَنْ مَوَاضِعِهَا

ص: 291