الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا رِبَاطَ وَلَا جِهَادَ أَشَدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ إذَا تَمَّ عَقْلُ الْمَرْءِ قَلَّ كَلَامُهُ وَأَيْقِنْ بِحُمْقِ الْمَرْءِ إنْ كَانَ مُكْثِرَا وَأَيْضًا الصَّمْتُ زَيْنٌ لِلْعَالِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَقَارِ وَالْهَذْرُ عَارٌ سِيَّمَا لِلْعَالِمِ الْمُقْتَدَى بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَدْ يَنْطِقُ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ بِكَلِمَةٍ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا فَيَهْوِي بِهَا فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا كَمَا فِي الْخَبَرِ " وَسِتْرٌ لِلْجَاهِلِ " لِأَنَّهُ يَتَّضِحُ جَهْلُهُ بِكَلَامِهِ.
(تَنْبِيهٌ)
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الصَّمْتُ إمَّا بِاللِّسَانِ عَمَّا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ الْقَلْبِ عَنْ خَاطِرِ النَّفْسِ فِي كَوْنٍ مِنْ الْأَكْوَانِ فَمَنْ صَمَتَ لِسَانُهُ فَقَطْ خَفَّ وِزْرُهُ وَمَنْ صَمَتَ لِسَانُهُ وَقَلْبُهُ ظَهَرَ لَهُ بِشْرُهُ وَتَجَلَّى لَهُ رَبُّهُ وَمَنْ صَمَتَ قَلْبُهُ فَقَطْ فَنَاطِقٌ بِلِسَانِ الْحِكْمَةِ وَمَنْ لَمْ يَصْمُتْ بِلِسَانِهِ وَلَا بِقَلْبِهِ كَانَ مَمْلَكَةَ الشَّيْطَانِ وَمَسْخَرَةً لَهُ فَصَمْتُ اللِّسَانِ مِنْ مَنَازِلِ الْعَامَّةِ وَأَرْبَابِ السُّلُوكِ وَصَمْتُ الْقَلْبِ مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ بَيْنَ أَهْلِ الْمُشَاهَدَاتِ وَحَالُ صَمْتِ السَّالِكِينَ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَحَالُ الصَّمْتِ الْمُقِرِّ بَيْنَ مُخَاطَبَاتِ التَّأْنِيسِ فَمَنْ الْتَزَمَ الصَّمْتَ مِنْ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَدِيثٌ إلَّا مَعَ رَبِّهِ.
ثُمَّ الصَّمْتُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا قُوَّةَ لَهُ لِلنُّطْقِ وَفِيمَا لَهُ ذَلِكَ وَالسُّكُوتُ لِمَا لَهُ نُطْقٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَالْإِنْصَاتُ سُكُوتٌ مَعَ اسْتِمَاعٍ وَمَتَى انْفَكَّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لَمْ يُقَلْ لَهُ إنْصَاتٌ وَالْإِصَاخَةُ اسْتِمَاعُ مَا يَصْعُبُ كَالسِّرِّ وَالصَّوْتِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ.
وَأَيْضًا الصَّمْتُ سَيِّدُ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَهُوَ الْأَهَمُّ فِي حُكْمِ الْمُنَازَلَةِ وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ عَذَابِ الْأَخْلَاقِ وَمَنْ مَزَحَ اُسْتُخِفَّ بِهِ أَيْ هَانَ عَلَى النَّاسِ وَنَظَرُوا إلَيْهِ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ فَاحْفَظْ لِسَانَك مِنْهُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَيُرِيقُ مَاءَ الْوَجْهِ وَيُؤْذِي الْقُلُوبَ وَيُورِثُ الْحِقْدَ فَلَا تُمَازِحْ أَحَدًا وَإِنْ مَازَحَك غَيْرُك فَأَعْرِض عَنْهُ حَتَّى يَخُوضَ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَكُنْ مِنْ الَّذِينَ إذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا.
قَالَ الدَّيْلَمِيُّ مَاتَ حَبْرٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمَّا وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ وَجَدُوا عَلَى عُنُقِهِ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ هِيَ هَذِهِ. الْكُلُّ مِنْ الْفَيْضِ (ت طِبّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَمَتَ نَجَا» مِنْ الْمَخَاوِفِ دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً أَوْ مِنْ ضَرَرِ لِسَانِهِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ هَذَا مِنْ فَضْلِ الْخِطَابِ وَجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَجَوَاهِرِ الْحِكَمِ وَلَا يَعْرِفُ مَا تَحْتَ كَلِمَاتِهِ مِنْ بِحَارِ الْمَعَانِي إلَّا خَوَاصُّ الْعُلَمَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ خَطَرَ اللِّسَانِ عَظِيمٌ وَآفَاتِهِ كَثِيرَةٌ مِنْ نَحْوِ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَرِيَاءٍ وَنِفَاقٍ وَمَعَ ذَلِكَ النَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهَا لِأَنَّ لَهَا حَلَاوَةً فِي الْقَلْبِ وَعَلَيْهَا بَوَاعِثَ مِنْ الطَّبْعِ وَالشَّيْطَانِ فَفِي الْخَوْضِ خَطَرٌ وَفِي الصَّمْتِ سَلَامَةٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الْهَمِّ وَدَوَامِ الْوَقَارِ وَفَرَاغِ الْفِكْرِ لِلْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ تَبِعَاتِ الْقَوْلِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ حِسَابِهِ فِي الْآخِرَةِ وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعَارُضِ فِي أَحَادِيثِ الصَّمْتِ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ صَمْتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ فَمَدْفَعُ بِأَنَّ الصَّمْتَ الْمُرَغَّبَ فِيهِ تَرْكُ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ وَكَذَا الْمُبَاحُ الْمُفْضِي إلَيْهِ وَالصَّمْتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَرْكُ الْكَلَامِ فِي الْحَقِّ لِمَنْ يَقْدِرُ وَكَذَا الْمُبَاحُ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ قِيلَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَعَنْ النَّوَوِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ سَنَدُ التِّرْمِذِيِّ ضَعِيفٌ وَقِيلَ رُوَاةُ الطَّبَرَانِيِّ ثِقَاتٌ
[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَفِيهِ سِتَّةُ مَبَاحِثَ]
[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ وَهُوَ سِتُّونَ]
[الْأَوَّلُ كَلِمَةُ الْكُفْرِ]
(الْقِسْمُ الثَّانِي)
مِنْ قِسْمَيْ آفَاتِ اللِّسَانِ (فِي آفَاتِهِ تَفْصِيلًا اعْلَمْ أَنَّ آفَاتِهِ إمَّا فِي السُّكُوتِ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (أَوْ فِي الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَا الْأَصْلُ فِيهِ الْمَنْعُ) كَالْكَذِبِ (وَالْإِذْنُ لِعَارِضٍ) كَالْإِكْرَاهِ وَالْإِصْلَاحِ.
(وَ) الثَّانِي (مَا عَلَى الْعَكْسِ) أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ وَالْمَنْعُ لِعَارِضٍ (وَالثَّانِي) أَيْ الْإِذْنُ (إمَّا مِنْ الْعَادَاتِ) كَالْبَيْعِ (أَوْ مِنْ الْعِبَادَاتِ) كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (وَمَا مِنْ الْعَادَاتِ
إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِنِظَامِ الْعَالَمِ وَانْتِظَامِ الْمَعَاشِ أَوْ لَا وَمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ إمَّا مُتَعَدِّيَةٌ) كَالْأَعْمَالِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ (أَوْ قَاصِرَةٌ) كَالذِّكْرِ (فَفِيهِ سِتَّةُ مَبَاحِثَ الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ) أَيْ الْمَنْعُ وَالْحُرْمَةُ (وَهُوَ سِتُّونَ الْأَوَّلُ كَلِمَةُ الْكُفْرِ) اتِّفَاقًا أَوْ اخْتِلَافًا بَيْنَ فُقَهَائِنَا (الْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ طَوْعًا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ لِسَانٍ إحْبَاطُ الْعَمَلِ كُلِّهِ) لَمَّا كَانَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ رُكْنَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَانَ الْمُنَافِي لِكُلٍّ مِنْهَا كُفْرًا أَمَّا مُنَافِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِنْكَارُ وَالْوَهْمُ وَالشَّكُّ وَالظَّنُّ فَكُفْرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مُنَافِي الثَّانِي فَكُفْرٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ إنْ صَدَرَ بِلَا سَبْقِ لِسَانٍ جِدًّا أَوْ هَزْلًا وَأَمَّا مَعَهُ فَمَعْفُوٌّ وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ فَإِنْ بِالْمُلْجِئِ أَعْنِي تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ فَفِيهِ رُخْصَةٌ لِلْعُذْرِ وَالْعَزِيمَةُ عَدَمُهُ فَإِنْ قُتِلَ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ مِثْلَ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الْمَدِيدِ وَتَلَفِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ صَارَ كَافِرًا دِيَانَةً وَقَضَاءً
(ثُمَّ لَا يَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَالشَّافِعِيُّ حَمَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] عَلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة: 217] الْآيَةُ فَاشْتَرَطَ فِي الْإِحْبَاطِ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ وَأَمَّا أَئِمَّتُنَا فَلَمْ يَحْمِلُوا بَلْ عَمِلُوا بِكِلَيْهِمَا لِإِمْكَانٍ الْعَمَلِ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ الْمَوْتَ الْمَذْكُورَ فَعَلَى قَوْلِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَسْلَمَ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْكُفْرُ ثُمَّ تَابَ فِي عَدَمِ الْخَيْرِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ تَخَلَّصَ عَنْ جَمِيعِ الْآثَارِ بِخِلَافِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْكُفْرُ فَإِنَّ مَعَاصِيَهُ لَا تَذْهَبُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَذَا فِي بَعْضِ مَنْهِيَّاتِ الْمُصَنِّفِ (فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيَجِبُ بَعْدَ التَّوْبَةِ ثَانِيًا (إنْ كَانَ غَنِيًّا) أَيْ مُسْتَطِيعًا فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْغِنَى لَيْسَ بِمُوجِبٍ (وَلَوْ حَجَّ أَوَّلًا وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ مَا صَلَّى وَصَامَ وَزَكَّى) قَبْلَ الرِّدَّةِ فِي حَالِ إسْلَامِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَلِعَدَمِ تَقَرُّرِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ بَقَاءِ سَبَبِ وُجُوبِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهُوَ الْوَقْتُ وَالشُّهُودُ وَالنِّصَابُ (وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنْهَا) فِي حَالِ إسْلَامِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ (لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَذْهَبُ بِالْكُفْرِ) فَيَجِبُ قَضَاءُ جَمِيعِ فَوَائِتِهِ الْمَفْرُوضَةِ
وَالْوَاجِبَةِ (وَانْفِسَاخُ النِّكَاحِ) عَطْفٌ عَلَى إحْبَاطِ الْعَمَلِ (وَلَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ) إلَّا أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ بِزَوْجِهَا الْأَوَّل خِلَافًا لِمَشَايِخ بَلْخٍ كَأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَلَا تُؤَثِّرُ رِدَّةُ الْمَرْأَةِ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ وَلَا يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ حَسْمًا لِهَذَا الْبَابِ عَلَيْهِنَّ (بِلَا طَلَاقٍ) فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا فِي الرَّجُلِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَلَاقٌ فَيَلْزَمُ التَّحْلِيلُ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا فَقَوْلُهُ (فَلَا يَلْزَمُ الْحِلُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (بَعْدَ الثَّلَاثِ فَلَوْ صَدَرَتْ) كَلِمَةُ الْكُفْرِ (مِنْ الْمَرْأَةِ تُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بَعْدَ التَّوْبَةِ) مَعَ زَوْجِهَا (وَإِنْ) أَيْ لَوْ صَدَرَتْ (مِنْ الرَّجُلِ تَتَخَيَّرُ الْمَرْأَةُ إنْ تَابَ وَ) حُكْمُهُ أَيْضًا (حُرْمَةُ ذَبِيحَتِهِ وَحِلُّ قَتْلِهِ) فَدَمُهُ هَدَرٌ لَا تَلْزَمُ الدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ قَبْلَ الْعَرْضِ وَالْإِبَاءِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»
(وَالْإِجْبَارُ عَلَى التَّوْبَةِ) بِنَحْوِ الضَّرْبِ وَالْوَجِيعِ وَالْحَبْسِ الْمَدِيدُ (وَهِيَ) أَيْ التَّوْبَةُ (الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ لَا مُجَرَّدُ الشَّهَادَتَيْنِ) فَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ مِنْ إنْكَارِ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ يَقُولُ رَجَعْت مِنْ إنْكَارِي ذَلِكَ لَكِنْ يَسْبِقُ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّهُ لَوْ لَاحَظَ عِنْدَ إتْيَانِهِ الشَّهَادَتَيْنِ الرُّجُوعَ مِنْ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُتَضَمِّنٌ وَمُسْتَلْزِمٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمَنِ بِهِ وَلَوْ لُزُومًا غَيْرَ بَيِّنٍ (وَالْجُحُودُ) أَيْ إنْكَارُ ارْتِدَادِهِ (تَوْبَةٌ) قَضَاءً وَحُكْمًا لَكِنْ يَسْبِقُ إلَى الْخَاطِرِ الْفَاتِرِ أَنَّ لُزُومَ التَّوْبَةِ بِالْإِنْكَارِ لَيْسَ أَقْوَى مِنْ لُزُومِهَا لِلشَّهَادَتَيْنِ فَمَا وَجْهُ كَوْنِ الْأَوَّلِ تَوْبَةً دُونَ الثَّانِي