الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجمعوا له الأموال، وقدّموه لأنّ أباه عَبْد المُلْك كَانَ من علمائهم لَهُ أدب وبلاغة، وحُسْن خَطّ، وسُرعة جواب، مَعَ عِفّةٍ ونزاهة، وطلع ابنه أحمد هذا جاهلًا.
قِيلَ لابن الصّبّاح صاحب أَلَمُوت [1] : لماذا تعظم ابن غطّاس [2] عَلَى جَهْله؟
قَالَ: لمكان أَبِيهِ، فإنه كَانَ أستاذي.
وكان ابن غطاس [2] قد استفحل أمرُه، واشتد بأسُه، وقطعت أصحابُه الطَّرُقَ، وقتلوا النّاس [3] .
[رواية ابن الأثير عَنْ قتل ابن غطاس]
قَالَ ابن الأثير: [4] قتلوا خلقًا كثيرًا لا يمكن إحصاؤهم [5] ، وجعلوا لهم عَلَى القُرى والأملاك ضرائب [6] يأخذونها، ليكفوا أَذَاهم عَنْهَا. فتعذَّر بذلك انتفاعُ النّاس بأملاكهم، والدّولة بالضّياع. وتمشّى لهم الأمر بالخُلْف الواقع.
فلمّا صفا الوقت لمحمد لم يكن همّه سِواهم. فبدأ بقلعة إصبهان، لتسلُّطها عَلَى سرير مُلْكه، فحاصرهم بنفسه، وصعد الجبل الّذي يقابل القلعة، ونصب لَهُ التَّخْت. واجتمع من إصبهان وأعمالها لقتالهم الأُممُ العظيمة، فأحاطوا بجبل القلعة، ودَوْرُهُ أربعةُ فَرَاسخ، إلى أنّ تعذّر عليهم القوت، وذلّوا، فكتبوا فتيا:
[ () ] وزبدة التواريخ للحسيني 168، والخبر باختصار في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 363 (وتحقيق سويّم) 29، وفي مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 17 «عطاس» ، وهو في نهاية الأرب 26/ 361، 362 وفيه «عطاش» و «غطاس» ، المختصر في أخبار البشر 2/ 222 وفيه «عطاش» ، وكذا في: آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني 396، 397، والعبر 3/ 354، ودول الإسلام 2/ 29، ومرآة الجنان 3/ 162، وتاريخ ابن الوردي 2/ 18، وشذرات الذهب 3/ 410، وتاريخ الأزمنة 98 وفيه «غطاش» .
[1]
في الأصل: «الأموات» .
[2]
في المنتظم: «عطاش» ، وكذا في الكامل 10/ 431.
[3]
المنتظم 9/ 150، 151 (17/ 102) ، الكامل في التاريخ 10/ 431، نهاية الأرب 26/ 362، تاريخ الخلفاء 429.
[4]
في الكامل 10/ 431.
[5]
في الأصل: «إحصاءهم» .
[6]
في الأصل: «ضرائبا» .
ما يَقُولُ السادة الفُقَهاء [1] في قوم يؤمنون باللَّه وكُتُبه ورُسُلِه واليوم الآخر [2] ، وإنّما يخالفون في الْإِمَام، هَلْ يجوز للسّلطان مهادنتهم ومُوادعتهم، وأن يقبل طاعتهم [3] ؟ فأجاب الفُقهاء بالجواز، وتوقّف بعض الفُقَهاء. فجُمعوا للمناظرة، فقال أبو الحَسَن عليّ بْن عَبْد الرحمن السّمنجانيّ [4] : يجب قتالهم، [5] ولا ينفعهم اللَّفْظ [6] بالشّهادتين، فإنّهم يقال لهم: أَخْبِرُونا عَنْ إمامكم إذا أباح لكم ما حذّره الشّارع [7] أيقبلون منهم [8] ؟ فإنّهم يقولون: نعم، وحينئذ تُباح دماؤهم [9] بالإجماع.
وطالت المناظرة في ذَلِكَ.
ثمّ بعثوا يطلبون من السّلطان من يناظرهم، وعيّنوا أشخاصًا، منهم شيخ الحنفيّة القاضي أبو العلا صاعد بْن يحيى قاضي إصبهان، فصعدوا إليهم، وناظروهم، وعادوا كما صعدوا. وإنّما كَانَ قصدهم التَّعَلُّل، فلجّ السّلطان حينئذٍ في حصْرهم. فأذعنوا بتسليم القلعة عَلَى أنّ يُعطون قلعة خالنجان، وهي عَلَى مرحلةٍ من إصبهان. وقالوا: إنّ نخاف عَلَى أرواحنا [10] من العامّة، ولا بُدّ من مكانٍ نأوي إِلَيْهِ. فأُشير عَلَى السّلطان بإجابتهم، فسألوا أنّ يؤخّرهم [11] إلى يوم النَّوْرُوز، ثمّ يتحوّلون. فأجابهم إلى ذَلِكَ. هذا، وقصْدُهُم المطاولة إنتظارًا لفَتْقٍ يَنْفَتِق، أو حادث يتجدّد.
ورتّب لهم الوزير سعْد المُلْك راتبًا كلّ يوم. ثمّ بعثوا مَن وثب على أمير
[1] في الكامل 10/ 432 زيادة: «أئمة الدين» .
[2]
في الكامل 10/ 432 زيادة: «وإنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حقّ وصدق» .
[3]
زاد في الكامل 10/ 432: «ويحرسهم من كل أذى، فأجاب أكثر الفقهاء» .
[4]
في الأصل: «السخاوي» . وزاد في الكامل بعدها: «وهو من شيوخ الشافعية، فقال بمحضر من الناس» .
[5]
زاد في الكامل: «ولا يجوز إقرارهم بمكانهم» .
[6]
في الكامل: «التلفّظ» .
[7]
في الكامل: «ما حظره الشرع» .
[8]
في الكامل: «أتقبلون أمره» .
[9]
في الأصل: «دماءهم» .
[10]
في الكامل 10/ 433: «دمائنا وأموالنا» .
[11]
في الأصل: «يأخرهم» .
كَانَ جدّ في قتالهم، فجُرِح وسَلِم، فحينئذ خرّب السّلطان قلعة خالنجان، وجدّد الحصار عليهم. فطلبوا أنّ ينزل بعضهم، ويرسل السّلطان معهم من يحميهم إلى قلعة الناظر بأَرَّجَان، وهي لهم، وإلى قلعة طَبَس، وأن يقيم باقيهم في ضرس [1] القلعة، إلى أنّ يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم. فأجابهم إلى ذَلِكَ، وذهبوا، ورجع من أخبر الباقين بوصول أولئك إلى القلعتين. فلم يسلّم ابن غطاس [2] النّاس الذين احتموا فيه [3] ، ورأى السّلطان منه الغدر [4] والرجوع عما تقرر، فزحف الناس عليه عامة، في ثاني ذي القعدة. وكان قد قل عنده من يمنع أو يقاتل، وظهر منه بأسٌ شديد، وشجاعة عظيمة، وكان قد استأمن إلى السّلطان إنسانٌ من أعيانهم فقال: أَنَا أدلكم عَلَى عورة لهم، فأتى بهم إلى جانب السّنّ لا يُرام فقال: اصعدوا من هاهنا. فقيل: إنّهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال. فقال: إنّ الّذي ترون أسلحة وكُزاغنْدات [5] قد جعلوها كهيئة الرجال، وذلك لقلّتهم.
وكان جُمَيْع من بقي ثمانين رجلًا. فصعد النّاس من هناك، وملكوا الموضع، وقتلوا أكثر الباطنيّة، فاختلط جماعة منهم عَلَى من دخل فسلموا، وأُسِر ابن غطاس [6] ، فشهر بأذربيجان، وسُلِخ، فتجلّد حتّى مات، وَحُشِيَ جِلْدُهُ تبْنًا، وقتل ولدُه، وبُعث برأسيهما إلى بغداد. وألْقَتْ زوجته نفسها [7] من رأس القلعة فهلكت. وضرب محمد القلعة [8] .
[1] الضرس: الأكمة الخشنة التي كأنها مفرشة. وقيل: الضرس قطعة من القف ما ارتفع من الأرض مشرفه سيئا، وإنها حجر واحد لا يخالجه طين. (تاج العروس 4/ 164) .
[2]
في الكامل 10/ 434 «عطاش» ، والمثبت يتفق مع نهاية الأرب 6/ 363، وهو «عطاش» كما في المختصر 2/ 222.
[3]
في نهاية الأرب 26/ 363 «فلم يسلّم السّن الّذي بيده» .
[4]
في نهاية الأرب: «العذر» . وهو تحريف.
[5]
كزاغندات: مفردها: كزاغند.
[6]
في الكامل 10/ 434 «عطّاش» .
[7]
في الكامل 10/ 434: «رأسها» .
[8]
الكامل في التاريخ 10/ 430- 434، نهاية الأرب 26/ 362، 363، المختصر في أخبار البشر 2/ 222، البداية والنهاية 12/ 167، النجوم الزاهرة 5/ 194.