المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حرف الياء - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٣٤

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع والثلاثون (سنة 491- 500) ]

- ‌[الطبقة الخمسون]

- ‌سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

- ‌[ابتداء دولة الإفرنج]

- ‌[بدء حملات الإفرنج إلى بلاد الشام]

- ‌[عبور الإفرنج خليج القسطنطينية إلى أنطاكية]

- ‌[استباحة الإفرنج أنطاكية]

- ‌[رواية سبط ابن الجوزيّ]

- ‌[رواية ابن القلانسي]

- ‌[رواية ابن الأثير]

- ‌[حربة المسيح عليه السّم المزعومة]

- ‌[دخول الإفرنج المَعَرّة]

- ‌[محاصرة الإفرنج عرقة]

- ‌[منازلة الإفرنج حمص]

- ‌[شغب الْجُنْد عَلَى السلطان بَركيَارُوق]

- ‌[خروج بيت المقدس من يد ابن أُرْتُق]

- ‌سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

- ‌[مقتل أُنَرْ عامل بَركيَارُوق]

- ‌[استيلاء الإفرنج عَلَى بيت المقدس]

- ‌[رواية ابن الأثير عَنْ دخول الإفرنج بيت المقدس]

- ‌[رواية سبط ابن الجوزي]

- ‌[ابتداء دولة محمد بن ملك شاه]

- ‌[الخطبة للسلطان محمد]

- ‌[الغلاء والوباء بخراسان]

- ‌[نقل المُصْحَف العُثْمانيّ من طبرية إلى جامع دمشق]

- ‌سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

- ‌[دخول عسكر بَركيَارُوق الحلة]

- ‌[إعادة الخطبة لبركياروق ببغداد]

- ‌[هزيمة بَركيَارُوق أمام أخيه محمد]

- ‌[ترجمة سعْد الدولة كوهرائين]

- ‌[مسير بَركيَارُوق إلى نيسابور وغيرها]

- ‌[فتح ابن باديس مدينة سفاقس]

- ‌[وقوع بيمند الإفرنجي في أسر كمشتكين]

- ‌[أخذ الإفرنج قلعة أنكورية]

- ‌[وزارة الدهستانيّ]

- ‌[رواية فيها مجازفة لصاحب مرآة الزمان]

- ‌[القحط بالشام]

- ‌سنة أربع وتسعين وأربعمائة

- ‌[هزيمة السلطان محمد وذبح وزيره مؤيد الملك]

- ‌[دخول بَركيَارُوق الرّيّ]

- ‌[تحالف السلطان محمد وأخيه سنجر]

- ‌[تراجع بَركيَارُوق إلى هَمَذَان]

- ‌[مرض بَركيَارُوق]

- ‌[خروج صاحب الحلّة عَنِ الطاعة]

- ‌[دخول السلطان محمد بغداد]

- ‌[ظهور الباطنيّة ببغداد]

- ‌[رواية ابن الْجَوْزيّ عَنِ الباطنية]

- ‌[مقدَّم الباطنيّة]

- ‌[طاعة الباطنيّة لمقدّمهم]

- ‌[حيلة للباطنية في الاستيلاء عَلَى قلعة]

- ‌[من خُزَعْبَلات الباطنيّة]

- ‌[رواية ابن الأثير عَن الباطنيّة]

- ‌[الدَّعوة للمستعلي ونِزار]

- ‌[حصار المصريّين للإسكندرية]

- ‌[إقامة ابن الصبّاح بقلعة أَلَمُوت]

- ‌[لباس الدروع تحت الثياب خوفًا من الباطنيّة]

- ‌[الباطنيّة في عهد المقتدي باللَّه]

- ‌[اتّهام الهراسيّ بالباطنية]

- ‌[حصار الأمير بزغش حصن طَبَس]

- ‌[مقتل كُنْدفْري صاحب القدس]

- ‌[انكسار بغدوين]

- ‌[مَلْك الإفرنج سَرُوج]

- ‌[ملك الإفرنج حيفا]

- ‌[مَلْكهم أرسوف]

- ‌[مَلْكهم قيسارية]

- ‌[إعادة صلاة التراويح والقنوت]

- ‌[حكاية ابن قاضي جَبَلة أَبِي محمد عُبَيْد اللَّه [4] بْن صُلَيْحَة]

- ‌[كسرة الإفرنج أمام قِلِج أرسلان]

- ‌[جموع الإفرنج حسب وصف المستوفي]

- ‌[رواية رسول رضوان عَنْ جموع الإفرنج]

- ‌[انهزام المصريين والإفرنج عند عسقلان]

- ‌سنة خمس وتسعين وأربعمائة

- ‌[وفاة المستعلي باللَّه العُبَيْديّ]

- ‌[خلافة الآمر بأحكام اللَّه العُبَيْديّ]

- ‌[المصافّ الثالث بين الأخوين محمد وبركياروق]

- ‌[مصالحة الأخوين]

- ‌[المصافّ الرابع بين الأخوين]

- ‌[منازلة ابن صَنْجيل طرابلس]

- ‌[انهزام بردويل أمام عسكر المصريّين]

- ‌[نجدة عسكر دمشق لطرابلس]

- ‌[وفاة جناح الدولة صاحب حمص]

- ‌[تسلّم شمس الملوك دُقَاق مدينة حمص]

- ‌[مقتل الوزير الدّهسْتاني]

- ‌[وزارة المَيْبُذِيّ]

- ‌[الفتنة بين شحنة بغداد إيلغازي والعامّة]

- ‌[وفاة قِوام الدولة كبربوقا التركيّ]

- ‌[مقتل سُنْقُرجاه صاحب المَوْصِل]

- ‌[مقتل الأمير موسى التركماني]

- ‌[استيلاء جَكَرْمِش عَلَى المَوْصِل والخابور]

- ‌[موقعة صَنْجيل الإفرنجي عند طرابلس]

- ‌[إطلاق سراح بيمند صاحب أنطاكية]

- ‌[حصار صَنْجيل لحصن الأكراد]

- ‌[منازلة صَنْجيل حمص]

- ‌[محاصرة القُمص عكّا]

- ‌[محاصرة صاحب الرُّها لبيروت]

- ‌[طمع صاحب سمرقنْد في خراسان]

- ‌[وفاة كُنْدُغدي]

- ‌[تملُّك سَنْجَر بْن محمد على سَمَرْقَنْد]

- ‌[استرجاع بَلَنْسِيَة من النصارى]

- ‌سنة ست وتسعين وأربعمائة

- ‌[خلعة المستظهر باللَّه عَلَى ينّال بْن أنوشتكين]

- ‌[ظلم ينّال ببغداد]

- ‌[إفساد ينّال في البلاد]

- ‌[الفتنة في بغداد]

- ‌[مقاتلة سيف الدولة لكمشتكين]

- ‌[المصافّ الخامس بين بَركيَارُوق وأخيه]

- ‌[القبض عَلَى الوزير سديد الملك]

- ‌[وزارة ابن الموصلايا]

- ‌[تسلُّم الملك دُقَاق الرحبة وحمص]

- ‌[انهزام الإفرنج أمام عسكر مصر في يافا]

- ‌[زيارة الإفرنج لبيت المقدس]

- ‌[استمرار حصار طرابلس]

- ‌[استيلاء الإفرنج عَلَى كثير من الشام]

- ‌سنة سبع وتسعين وأربعمائة

- ‌[الصلح بين بَركيَارُوق وأخيه محمد]

- ‌[حصار الإفرنج لطرابلس ورفعه]

- ‌[استيلاء الإفرنج عَلَى جبيل]

- ‌[استيلاء الإفرنج عَلَى عكّا]

- ‌[وقعة نهر البَلِيخ]

- ‌[هرب صاحب أنطاكية وصاحب الساحل]

- ‌[وقوع قُمْص الرُّها في الأسر]

- ‌[تملك سُقْمان الحصون من الإفرنج]

- ‌[سير جَكَرْمِش إلى حران ومحاصرته الرُّها]

- ‌[مفاداة القُمص بالمال والأسرى]

- ‌[وفاة شمس الملوك دُقَاق صاحب دمشق]

- ‌[وفاة أرتاش أخي دُقاق]

- ‌[حصن صَنْجيل ومهاجمة ابن عمّار لَهُ]

- ‌[تخريب المقدّم بزغش حصون الإسماعيلية]

- ‌[تأمين الإسماعيليّة وسخط النّاس عَلَى السلطان]

- ‌سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

- ‌[وفاة السلطان بَركيَارُوق]

- ‌[دخول جَكَرْمِش في طاعة السلطان محمد]

- ‌[سلطنة محمد على بغداد]

- ‌[مقتل إياز أتابك ملك شاه]

- ‌[هلاك صَنْجيل]

- ‌[وفاة الأمير سقمان بن أرتق]

- ‌[قتل الإسماعيليّة للحجّاج الخُراسانيّين]

- ‌[قتل الإسماعيليّة ابن المشّاط]

- ‌[استيلاء الإفرنج عَلَى حصن أرتاح]

- ‌[الموقعة بين المسلمين والإفرنج بين يافا وعسقلان]

- ‌[شِحْنكيّة بغداد]

- ‌[دخول السّلطان محمد إصبهان]

- ‌[الْجُدَريّ والوباء في بغداد]

- ‌[مواصلة حصار طرابُلُس]

- ‌سنة تسع وتسعين وأربعمائة

- ‌[قتل متنبئ بنهاوند]

- ‌[قتل خارج يطلب المُلْك بنهاوند]

- ‌[استرجاع طُغْتِكِين حصنين من الإفرنج]

- ‌[امتلاك الإسماعيليّة حصن فامية]

- ‌[قتل ابن مُلاعب بحيلة قاضي سرمين]

- ‌[قتْلُ الإفرنج قاضي سَرْمِين]

- ‌[إفساد ربيعة والعرب في البصرة ونواحيها]

- ‌[اشتداد الحصار عَلَى طرابُلُس]

- ‌سنة خمسمائة

- ‌[وفاة يوسف بْن تاشفين]

- ‌[سلطنة عليّ بْن يوسف بْن تاشَفِين]

- ‌[مقتل فخر المُلْك ابن نظام المُلْك]

- ‌[القبض عَلَى الوزير سعد الملك وصلبه]

- ‌[وزارة قِوام المُلْك]

- ‌[انتزاع قلعة إصبهان من الباطنيّة وقتل صاحبها]

- ‌[رواية ابن الأثير عَنْ قتل ابن غطاس]

- ‌[عزل الوزير ابن جهير]

- ‌[وزارة أَبِي المعالي ابن المطّلب]

- ‌[غرق قلج أرسلان]

- ‌[استنجاد طُغْتِكِين وابن عمّار بالسلطان السَّلْجوقيّ]

- ‌[استظهار الروم عَلَى الإفرنج]

- ‌[تراجم رجال هذه الطبقة]

- ‌سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الراء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الثاء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف اللام

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة أربع وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ الكنى

- ‌سنة خمس وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

- ‌ الكنى

- ‌سنة ست وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة سبع وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الثاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌سنة تسع وتسعين وأربعمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌سنة خمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الْيَاءِ

- ‌[المتوفون تقريبًا] [1]

الفصل: ‌ حرف الياء

أبو الفَرَج الهَمَذانيّ.

روى عَنْ: أَبِي طَالِب بْن الصّبّاح، وهارون بْن طاهر، وأبي الفتح بْن الضّرّاب، وابن غزْو، وعامّة مشايخ هَمَذَان الّذين أدركهم.

قَالَ شِيرُوَيْه: كَانَ صدوقًا، حَسَن السيرة، لين الجانب، فاضلًا.

مات فِي جُمَادَى الآخرة.

-‌

‌ حرف الْيَاءِ

-

368-

يَحْيَى بْن سَعِيد بْن حبيب [1] .

أبو زكريّا المُحَارِبيّ الْجَيَّانيّ.

قرأ بالسبع عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الفرّاء الزّاهد.

وسمع من: مُحَمَّد بْن عتّاب الفقيه، وسراج القاضي.

وأقرأ النّاس بُقْرطُبة، ثمّ استقضي بجَيّان، وخطب بها [2] .

[قَالَ عِيَاض: شيخ صالح مسن، أندلسي، سكن فاس، وقدم سَبْتَةَ مِرارًا، وحجّ. وكان مباركًا في الأصول، مائلًا إلى النَّظَر، لكنْ لم يكن يستعمل][3] (

) [4] .

369-

يوسف بن تاشفين [5] .

[1] انظر عن (يحيى بن سعيد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 671، 672 رقم 1480.

[2]

زاد ابن بشكوال: «ثم صرف عن ذلك واستمرّ على الخطبة» . «وتوفّي بجيّان وسط سنة خمسمائة وقد نيّف على الثمانين» .

[3]

ما بين الحاصرتين كتب في هامش الأصل.

[4]

في الأصل بياض.

[5]

انظر عن (يوسف بن تاشفين) في:

الكامل في التاريخ 10/ 417، 418، والمعجب 162، ووفيات الأعيان 7/ 112- 130، والحلّة السيراء لابن الأبّار 1/ 193 و 2/ 51، 55، 62، 66، 70، 85، 86، 88- 90، 98- 102، 110، 114، 174، 175، 186، 205، 212، 248، 249، والعبر 3/ 356، 357، وسير أعلام النبلاء 19/ 252- 254 رقم 156، ودول الإسلام 2/ 28، 29، والإعلام بوفيات الأعلام 206، وتاريخ ابن الوردي 2/ 29، 30، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 181- 194، والحلل الموشّية 12- 60، وبغية الرواد 1/ 86، ومرآة الجنان 3/ 163- 167، والروض المعطار 288، 289، والبيان المغرب 3/ 239، 243، و 4/ 18-

ص: 329

السّلطان أبو يعقوب اللُّمْتُونيّ المغربيّ البربريّ، الملقَّب بأمير المسلمين، وبأمير المرابطين، وبأمير الملثَّمين. والأوّل هُوَ الّذي استقرّ.

كَانَ أحد من ملك البلاد، ودانت بطاعته العباد، واتسعت ممالكه، وطال عُمره. وقلَّ أنّ عُمِّرَ أحدٌ من ملوك الإسلام ما عُمِّر.

هُوَ الّذي بنى مدينة مراكش [1] ، وهو الّذي أخذ الأندلس من المعتمد بْن عَبّاد وأسره.

فمن أخباره أنّ بَرّ البربر الجنوبيّ كَانَ لزَنَاتَة، فخرج عليهم من جنوبيّ المغرب من البلاد التي تتاخم أرض السودان الملثَّمون عليهم أبو بَكْر بْن عُمَر، وكان رجلًا خيِّرًا ساذجًا، فأخذت الملثَّمة البلادَ من زنَاتَة من تِلمْسان إلى البحر الأكبر. فسمع أبو بَكْر أنّ امرأةً ذهبت ناقتها في غارةٍ، فبكت وقالت: ضيَّعَنَا أبو بَكْر بدخوله إلى المغرب. فتألم واستعمل عَلَى المغرب يوسف بْن تاشَفِين هذا، ورجع أبو بَكْر إلى بلاد الجنوب [2] .

وكان ابن تاشَفِين بطلًا شجاعًا، عادلًا، اختطّ مراكش، وكان مكمنًا للّصوص مأوى الحَرَاميّة، فكان المارَون بِهِ يقول بعضُهم لبعض: مُرّاكش.

وكان بناء مدينة مُرّاكش في سنة خمس وستّين وأربعمائة، اشتراها يوسف بماله الّذي خرج بِهِ من الصحراء. وكان في موضعها غابة من الشَّجَر وقرية، فيها جماعة من البربر، فاختطهّا، وبنى بها القصور والمساكن الأنيقة. وهي في مرجٍ

[ () ] 33 و 43- 47 و 111- 116، وانظر فهرس الأعلام ص 170، وشرح رقم الحلل 175، 176، 180، 181، 184- 186، وآثار الأول للعباسي 126، والدرّة المضيّة 465، وصبح الأعشى 1/ 363، ومآثر الإنافة 2/ 8، 9، 23، 24، والنجوم الزاهرة 5/ 191، 195، ونفح الطيب 4/ 354، وشذرات الذهب 3/ 412، 413، والاستقصاء 1/ 224، وأخبار الدول 2/ 405- 407، 409، 410، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة 113، وتراجم إسلامية 225- 234.

[1]

وقيل إن موضعها كان اسمه مراكش، معناه: امش مسرعا بلغة المصامدة. (وفيات الأعيان 7/ 124) .

[2]

وفيات الأعيان 7/ 113.

ص: 330

فسيح، وحولها جبال على فراسخ منها، وبالقرب منها جبل عَلَيْهِ الثلج [1] ، وهو الّذي يعدّل مِزَاجَها [2] .

وقيل: كانت لعجوز مَصْمُوديّة [3] . فأسكن مُرّاكش الخَلْق، وكثرت جيوشه وبعد صِيتُه، وخافتْه ملوك الأندلس، وكذلك خافته ملوك الفرنج لأنّها علمت أَنَّهُ ينجد الأندلسيّين عليهم.

وكان قد ظهر للملثَّمين في الحروب ضَرَبات بالسّيوف تقدّ الفارس، وطعنات تنظم الكُلَى [4] ، فكتب إِلَيْهِ المعتمد يتلطّف بِهِ، ويسأله أنّ يعرض عَنْ بلاده لمّا رأى هِمَّتَه عَلَى قصْد الأندلس، وأنّه تحت طاعته. فيقال كَانَ في الكتاب:«فإنك إنّ أعرضت عنّا نُسِبْتَ إلى كَرَمٍ، ولم تُنْسَب إلى عَجْز، وإنْ أَجَبْنا داعيك نُسِبنا إلى عقلٍ، ولم نُنْسَب إلى وهْن، وقد اخترنا لأَنْفُسِنا أجمل نسبتَيْنا [5] . وإنّ في استبقائك ذوي البيوت دوامًا [6] لأمرك وثبوت» [7] .

وأرسل لَهُ تُحَفًا وهدايا.

وكان بربريًّا لا يكاد يفهم، ففسَّرَ لَهُ كاتبه تِلْكَ الكلمات، وأحسن في المشورة عَلَيْهِ [8] ، فأجاب إلى السلم. وكتب كاتبه، عَلَى لسانه: «من يوسف بْن تاشَفِين، سلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته تحيّة من سالمكم، وسلّم إليكم، حكَّمَهُ [9] التّأييد والنَّصْر فيما حكم عليكم، وإنّكم في أوسع إباحة ممّا بأيديكم

[1] في الأصل: «البلح» .

[2]

وفيات الأعيان 7/ 124.

[3]

وفيات الأعيان 7/ 113.

[4]

في الأصل: «الكلا» . والخبر في: وفيات الأعيان 7/ 113.

[5]

زاد في وفيات الأعيان: «فاختر لنفسك أكرم نسبتيك، فإنّك بالمحلّ الّذي لا يجب أن تسبق فيه إلى مكرمة» .

[6]

في الوفيات: «ذوي البيوت ما شئت من دوام» .

[7]

وفيات الأعيان 7/ 114.

[8]

انظر: وفيات الأعيان 7/ 114.

[9]

في الأصل: «حكمة» . وفي وفيات الأعيان: «وحكّمه» .

ص: 331

من المُلْك، وأنتم مخصوصون منّا بأكرم إيثار [1] ، فاسْتَدِيموا وفاءنا بوفائكم [2] ، واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، واللَّه [وليُّ][3] التّوفيق لنا ولكم، والسلام» [4] .

ففرح بكتابه ابن عَبّاد وملوك الأندلس، وقويت نفوسهم عَلَى دفع الفرنج، ونَوَوْا إنْ رأوا من ملك الفرنج ما يرِيُبهُم أن يستنجدوا بابن تاشَفِين. وصارت لابن تاشَفِين بفعله محبّةٌ في نفوس أهل الأندلس [5] .

ثمّ إنّ الأذفُونْش أَلحَّ عَلَى بلاد ابن عَبّاد، فقال ابن عَبّاد في نفسه: إنْ دُهِينا من مُداخله الأضداد، فأَهْوَن الأمرَيْن أمر الملثَّمين، ورعاية أولادنا جمالهم أهون من أن يَرْعَوْا خنازير الفرنج. وبقي هذا الرّأي نُصْب عينيه [6] ، فقصده الأذفونش في جيشٍ عَرَمْرَمٍ، وجفل النّاس، فطلب من ابن تاشَفِين النجدة، والجهاد. وكان ابن تاشَفِين عَلَى أتم أُهْبةٍ، فشرع في عُبور جيشه. فلمّا رأى ملوك الأندلس عبور البربر للجهاد، استعدوا أيضًا للنجدّة، وبلغ ذَلِكَ الأذفونش، فاستنفر دِينَ النَّصرانيّة، واجتمع لَهُ جنودٌ لا يُحْصِيهم إلّا الله.

ودخل مع ابن تاشفين شيء عظيمٌ من الجمال، ولم يكن أهل جزيرة الأندلس يكادون يعرفون الجمال، ولا تعوَّدتها خيلُهُم، فتجافلت منها ومن رُغائها وأصواتها.

وكان ابن تاشفين يحدق بها عسكره، ويحضرها الحروب، فتنفر خيل الفرنج عنها.

وكان الأذفونش نازلًا بالزّلّاقة [7] بالقرب من بَطَلْيُوس، فقصده حزب الله،

[1] في الوفيات «وإنكم مما بأيديكم من الملك في أوسع إباحة، مخصوصون منّا بأكرم إيثار وسماحة» .

[2]

في الأصل تقرأ: «يوفا بكم» .

[3]

إضافة على الأصل.

[4]

وفيات الأعيان 7/ 115.

[5]

وفيات الأعيان 7/ 115.

[6]

وفيات الأعيان 7/ 115، الروض المعطار 288، البيان المغرب 4/ 132.

[7]

قال الحميريّ في «الزّلّاقة» : بطحاء الزّلّاقة من إقليم بطليوس من غرب الأندلس فيها كانت

ص: 332

وقدم ابن تاشَفِين بين يديه كتابًا إلى الفرنج يدعوهم إلى الإسلام، أو الحرب، أو الجزية.

ثمّ أقبلت الجيوش، ونزلت تجاه الفرنج، فاختار ابن عَبّاد أنْ يكون هُوَ المصادم للفرنج أوّلًا، وأن يكون ابن تاشَفِين ردفًا له. ففعلوا ذلك، فخذل الفرنج، استمرّ القتل فيهم، فقيل: إنّه لم يفلت منهم إلّا الأذفونش في أقلّ من ثلاثين. وغنم المسلمون غنيمة عظيمة. وذلك في سنة تسع وسبعين وأربعمائة.

وعفّ يوسف عَن الغنائم، وآثر بها ملوك الأندلس ليتمّ لَهُ الأجر، فأحبوه وشكروا لَهُ. وكانت ملحمةً عظيمةً قَلَّ أنْ وقع في الإسلام مثلها [1] .

وجرح فيها ملك الفرنج، وجُمِعت رءوس الفرنج، فكانت كالتّلّ العظيم [2] .

[ () ] الوقيعة الشهيرة للمسلمين على الطاغية عظيم الجلالقة اذفونش بن فرذلند، بحميد سعي المعتمد محمد بن عبّاد، وكان ذلك في الموفي عشرين من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وكان السبب في ذلك فساد الصلح المنعقد بين المعتمد وبين الطاغية المذكور بسبب إفناء هذه الضريبة ما في أيدي المسلمين من كور، فإنّ المعتمد اشتغل عن أداء الضريبة في الوقت الّذي جرت عادته يؤدّيها فيه بغزو ابن صمادح صاحب المريّة واستنقاذه ما في يديه بسبب ذلك، فتأخّر لأجل ذلك أداء الإتاوة عن وقتها، فاستشاط الطاغية غضبا وتشطط فطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة، وأمعن في التجنّي، فسأل في دخول امرأته القمطيجة إلى جامع قرطبة لتلد فيه من حمل كان بها حين أشار عليه بذلك القسّيسون والأساقفة، لمكان كنيسة كانت في الجانب الغربي منه معظّمة عندهم عمل عليها المسلمون المسجد الأعظم، وسأل أن تنزل امرأته المذكورة بالمدينة الزهراء، غربي مدينة قرطبة، تنزل بها فتختلف منها إلى الجامع المذكور حتى تكون تلك الولادة بين طيب نسيم الزهراء وفضيلة ذلك الموضع الموصوف من الجامع، وزعم أنّ الأطبّاء أشاروا عليه بالولادة في الزهراء كما أشار عليه القسّيسون بالجامع، وسفر بذلك بينهما يهوديّ كان وزيرا لابن فرذلند، فتكلّم بين يدي المعتمد ببعض ما جاء به من عند صاحبه فأيأسه ابن عبّاد من جميع ذلك، فأغلظ له اليهودي في القول وشافهه بما لم يحتمله، فأخذ ابن عبّاد محبرة كانت بين يديه، فأنزلها على رأس اليهودي فألقى دماغه في حلقه وأمر به فصلب منكوسا بقرطبة، واستفتى ابن عبّاد الفقهاء لما سكت عنه الغضب عن حكم ما فعله باليهودي، فبدره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك لتعدّي الرسول حدود الرسالة إلى ما يستوجب به القتل إذ ليس له أن يفعل ما فعل، وقال للفقهاء حين خرجوا: إنما بدرت بالفتوى خوفا أن يكسل الرجل عمّا عزم عليه من منابذة العدوّ، عسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا.

[1]

راجع خبر الزّلّاقة في حوادث سنة 479 هـ. في الطبقة الأسبق من هذا الكتاب.

[2]

وفيات الأعيان 7/ 118.

ص: 333

ثمّ عزم ابن عَبّاد عَلَى أمير المسلمين يوسف، ورام أنّ ينزل في ضيافته، فأجابه، فأنزله في قصوره عَلَى نهر إشبيلية. فرأى أماكن نزهة، كثيرة الخير والحُسْن والرّزْق. وبالغ المعتمد بْن عَبّاد وأولاده في خدمة أمير المسلمين، وكان رجلًا بربريا، قليل التّنعُّم والتّلذُّذ والرّفاهية، فرأى ما هاله من الحشمة والعرش والأطعمة الفاخرة، فأقبل خواصّه عَلَيْهِ ينبهونه عَلَى تِلْكَ الهيئة ويحسنونها، ويقولون: ينبغي أنّ تتخذ ببلادك نحو هذا. فأنكر عليهم، وكان قد دخل في الشيخوخة، وفنيت إرادته، وأدمن عَلَى عيش بلاده. ثمّ أخذ يعيب طريقة المعتمد وتنعمه المُفْرِط، وقال: مَن يتعانى هذه اللّذات لا يمكن أنّ يعدل كما ينبغي أبدًا. ومن كَانَ هذا همته في حفظ بلاده ورعيته.

ثمّ سأل يوسف: هَلْ يفعل المعتمد هذا التنعم في كلّ أوقاته؟ فقيل لَهُ:

بل كلّ زمانه عَلَى هذا.

فسكت، وأقام عنده أيّامًا، فأتى المعتمد رجلٌ عاقل ناصح، فخوّفه من غائلة ابن تاشَفِين، وأشار عَلَيْهِ بأن يقبض عَلَيْهِ، وأن لا يُطْلقه حتّى يأمر كلَّ من بالأندلس من عسكره أنّ يرجع من حيث جاء: ثمّ تتّفق أنت وملوك الأندلس عَلَى حراسة البحر من سفينة تجري لَهُ، ثمّ تتوثق منه بالأَيْمان أن لا يغدر، ثمّ تُطْلِقه، وتأخذ منه عَلَى ذَلِكَ رهائن.

فأصغى المعتمد إلى مَقَالته واستصوبها، وبقي يفكّر في انتهاز الفرصة، وكان لَهُ نُدَماء قد انهمكوا معه في الّلذّات، فقال أحدهم لهذا الرجل: ما كَانَ أمير المؤمنين، وهو إمامُ أهل المَكْرُمات ممّن يُعامل بالحَيْف ويغدر بالضَّيْف.

قَالَ: إنّما الغَدْر أَخْذُ الحقّ ممّن هُوَ لَهُ، لا دفْع المرء عَنْ نفسه.

قَالَ النّديم: بل كَظْمٌ مَعَ وفاءٍ، خيرٌ من حزْمٍ مَعَ جفاء.

ثمّ إنّ ذَلِكَ النّْاصح استدرك الأمر وتلافاه، وشكر لَهُ المعتمد، وأجازه، فبلغ الخبرُ ابن تاشَفِين، فأصبح غاديا. فقدَّم لَهُ المعتمد هدايا عظيمة، فقبِلَها وعبر إلى سَبْتَة. وبقي جُلُّ عسكره بالجزيرة يستريحون [1] .

[1] وفيات الأعيان 7/ 119- 122.

ص: 334

وأمّا الأذفونش، فقدم إلى بلده بأسوأ حال، فسأل عَنْ أبطاله وبَطَاركته، فوجد أكثرهم قد قتلوا، وسمع نَوْح الثُّكَالَى عليهم، فلم يأكل ولا الْتَذّ بعَيْشٍ حتّى مات غَمًّا، وخلَّف بنتًا، فتحصَّنت بطُلَيْطُلَة [1] .

ثمّ أخذ عسكرُ ابن تاشَفِين يغيرون، حتّى كسبوا من الفرنج ما تجاوز الحدّ، وبعثوا بالمغانم إلى مُرّاكش. واستأذن مقدّمهم سِير بْن أَبِي بَكْر لابن تاشَفِين في المقام بالأندلس، وأعلمه أَنَّهُ قد افتتح حصونًا، ورتّب فيها، وأنّه لا يستقيم الأمر إلّا بإقامته. فكتب إِلَيْهِ ابن تاشَفِين يأمره بإخراج ملوك الأندلس من بلادهم وإيجافهم في العدْوَة، فإن أَبَوْا عَلَيْهِ حاربهم. وليبدأ بالثغور: ولا تتعرّض للمعتمد.

فابتدأ سير بملوك بُنيّ هود يستنزلهم من قلعة روطة، وهي منيعة إلى الغاية، وماؤها [2] يُنْبُوعٌ في أعلاها، وبها من الذخائر المختلفة ما لا يوصف. فلم يقدر عليها، فرحل عَنْهَا. ثمّ جَنَّد أجنادًا عَلَى زِيّ الفرنج، وأمرهم أنّ يقصدوها كالمُغِيرين، وكمن هُوَ والعسكر، ففعلوا ذَلِكَ.

فرآهم ابن هود، فاستضعفهم، ونزل في طلبهم، فخرج عَلَيْهِ سير، فأسره وتسلَّم القلعة [3] .

ثمّ نازل بُنيّ ظاهر بشرق الأندلس، فسلموا إِلَيْهِ، ولحِقُوا بالعدْوَة.

ثمّ نازل بني صُمَادِح بالمَرِيّة، فمات ملكهم في الحصار، فسلّموا المدينة.

ثمّ نازلوا المتوكلّ عُمَر بْن الأفطس ببَطَلْيُوس، فخامر عَلَيْهِ أصحابه، فقبضوا عَلَيْهِ، ثمّ قتل صبرًا [4] .

ثمّ إنّ سير كُتُب إلى ابن تاشَفِين أَنَّهُ لم يبق بالجزيرة غير المعتمد فأمره أن

[1] وفيات الأعيان 7/ 122.

[2]

في الأصل: «ومائها» .

[3]

وفيات الأعيان 7/ 122.

[4]

وفيات الأعيان 7/ 122، 123.

ص: 335

يعرض عَلَيْهِ التّحوّل إلى العدْوَة بأهله وماله، فإن أبى فنازله. فلمّا عرض عَلَيْهِ سير ذَلِكَ لم يُجِبْ، فسَار وحاصره أشْهُرًا، ثمّ دخل عَلَيْهِ البلد قهرًا، وظفر بِهِ، وبعثه إلى العدْوَة مقيَّدًا، فحُبِس بأَغْمات إلى أن مات. وتسلّم سير الجزيرة كلَّها [1] .

وقال ابن دحية أو غيره: نزل يوسف عَلَى مدينة فاس في سنة أربع وستّين وأربعمائة وحاصرها. ثمّ أخذها، فأقرّ العامّة، ونفى البربر والْجُنْد عَنْهَا، بعد أنّ حبس رءوسهم، وقتل منهم، وكان مؤثرًا لأهل العلم والدّين، كثير المَشُورَة لهم [2] .

وكان معتدل القامة، أسمر، نحيفًا، خفيف العارضيْن، دقيق الصوت، حازمًا، سائسًا. وكان يخطب لبني العبّاس. وهو أوّل من سُمّي بأمير المسلمين [3] .

وكان يحبّ العفْو والصَّفْح، وفيه خيرٌ وعدل [4] .

وقال أبو الحَجّاج يوسف البيّاسيّ في كتاب «تذكير الغافل» [5] : إنّ يوسف بْن تاشَفِين جاز البحر مرة ثالثة، وقصد قُرْطُبَة، وهي لابن عَبّاد، فوصلها سنة ثلاث وثمانين، فخرج إِلَيْهِ المعتمد بالضيافة، وجري معه عَلَى عادته [6] .

ثمّ إنّ ابن تاشَفِين أخذ غرناطة من عَبْد اللَّه بْن بلقين [7] بْن باديس، وحبسه،

ص: 336

فطمع ابن عَبّاد في غَرْناطة، وأن يُعطِيَه ابن تاشَفِين إيّاها، فعرض لَهُ بذلك، فأعرض عَنْهُ ابن تاشَفِين إلى مُرّاكش في رمضان من السّنة. فلمّا دخلت سنة أربع عزم عَلَى العبور إلى الأندلس لمنازلة المعتمد بْن عَبّاد، فاستعدّ لَهُ ابن عَبّاد [1] ، ونازلته البربر، فاستغاث بالأذفونش، فلم يلتفت إِلَيْهِ.

وكانت إمرة يوسف بْن تاشَفِين عند موت أَبِي بَكْر بْن عُمَر أمير المسلمين سنة اثنتين وستّين وأربعمائة. وكانت الدّولة قبلهما لزَنَاتَة، وكانت دولة «ظالمة» فاجرة.

وكان ابن تاشَفِين وعسكره فيهم يبس وديانة وجهاد، فافتتح البلاد، وأحبَّته الرّعيّة. وضيّق لِثامَه هُوَ وجماعته. فقيل: إنهم كانوا يتلثّمون في الصّحراء كعادة العرب، فلمّا تملّك ضيّق ذَلِكَ اللّثام [2] .

قَالَ عُزَيز: وممّا رأيته عيانًا أَنَّهُ كَانَ لي صديقٌ منهم بدمشق، وبيننا مودة.

فأتيتُه، فدخلت وقد غسَل عمامته، وشدّ سِرواله عَلَى رأسه، وتلثَّم بِهِ. هذا بعد أن انقضت دولتهم، وتفرّقوا في البلاد.

[1] وفيات الأعيان 7/ 128.

[2]

قال ابن خلّكان: وذلك سنّة لهم يتوارثونها خلفا عن سلف، وسبب ذلك على ما قيل إنّ حمير كانت تتلثّم لشدّة الحرّ والبرد، يفعله الخواصّ منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامّتهم.

وقيل: كان سببه أنّ قوما من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا عن بيوتهم فيطرقون الحيّ فيأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشايخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية ويقعدوا هم في البيوت ملثّمين في زيّ النساء، فإذا أتاهم العدو ظنّوهم النساء، فيخرجون عليهم، ففعلوا ذلك وثاروا عليهم بالسيوف فقتلوهم، فلزموا اللثام تبرّكا بما حصل لهم من الظفر بالعدوّ. (وفيات الأعيان 7/ 129) .

وقال ابن الأثير: وقيل إن سبب اللثام لهم أنّ طائفة من لمتونة خرجوا مغيرين على عدوّ لهم فخالفهم العدوّ إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلّا المشايخ والصبيان والنساء، فلما تحقّق المشايخ أنه العدوّ أمروا النساء أن تلبس ثياب الرجال ويتلثّمن ويضيّقنه حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح، ففعلن ذلك، وتقدّم المشايخ والصبيان أمامهنّ واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدوّ رأى جمعا عظيما، فظنّه رجالا وقالوا: هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهنّ قتال الموت، والرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجا عن حريمهم فبينما هم في جمع النعم من المراعي إذ أقبل رجال الحيّ، فبقي العدوّ بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدوّ وأكثروا، وكان من قبل النساء أكثر، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنّة يلازمونه فلا يعرف الشيخ من الشاب ولا يزيلونه ليلا ولا نهارا. (الكامل في التاريخ) .

ص: 337

وحكى لي ثقة أَنَّهُ رأى شيخًا من الملثَّمين بالمغرب مترديا في نهر يغسل ثيابه وهو عريان، وعورته بادية، ويده اليُمْنى يغسل بها، ويده اليُسْرى يَسْتر بها وجهه.

وقد جعل هَؤُلَاءِ اللّثام جُنَّةً، فلا يُعرف الشَّيْخ منهم من الشّاب، فلا يزيلونه ليلًا ولا نهارًا، حتّى أنّ المقتول منهم في المعركة لا يكاد يعرفه أهله، حتّى يجعلوا عَلَى وجهه لثامًا.

ولبعضهم:

قومٌ لهم دَرْكُ العلى [1] في حمير

وإن انتموا صنهاجة فهم هموا

لما حووا إحراز كل فضيلة

غلب الحياء عليهم، فتلثموا [2]

وتزوج ابن تاشَفِين بزينب زوجة أَبِي بَكْر بْن عُمَر، وكانت حاكمة عَلَيْهِ، وكذلك جُمَيْع الملثمين يكبرون نساءهم، وينقادون لأمرهم، وما يسمّون الرَجل منهم إلّا بأمّه.

وهنا حكاية، وهي أنّ ابن خلوف القاضي الأديب كَانَ لَهُ شِعْرٌ، فبلغ زينبَ هذه أَنَّهُ مدح حوّاء امرأة سير بْن أَبِي بَكْر، وفضَّلها عَلَى جُمَيْع النّساء بالجمال، فأمرت بعزْله عَن القضاء. فسار إلى أَغْمات، واستأذن عليها، فدخل البوّاب فأعلمها بِهِ، فقالت: يمضي إلى الّتي مَدَحها تردّه إلى القضاء.

فأبلغه، فَعَزَّ عَلَيْهِ، وبقي بالحضرة أيّامًا حتّى فنيت نَفَقَتُه، فأتى خادمها فقال: قد أردت بيع هذا المهر، فأعطني مثقالين أتزود بهما إلى أهلي، وخذه فأنت أولى.

فسرَّ الخادم وأعطاه، ودخل مسرورًا بالمهر، وأخبر السّتّ، فرقَّت لَهُ، وقالت: ائتني بِهِ. فأسرع وأدخله عليها، فقالت: تمدح حوّاء وتسرف، وزعمت أَنَّهُ لَيْسَ في النّساء أحسن منها، وما هذه منزلة القضاة. فقال في الحال:

[1] في وفيات الأعيان: «علا» .

[2]

وفيات الأعيان 7/ 130.

ص: 338

أنت بالشمس لاحِقَهْ

وهي بالأرض لاصقهْ

فمتى ما مَدَحْتُها

فهي من سيرَ طالقهْ

فقالت: يا قاضي طَلّقْتَها؟!.

قَالَ: نعم، ثلاثة وثلاثة وثلاثة.

فضحكت حتّى افتضحت، وكتبت إلى يوسف يردّه إلى القضاء.

قلت: ولا رَيْب أنّ يوسف ملكٌ من الملوك، بَدَت منه هنّات وزلّات، ودخل في دهاء الملوك وغدرهم. ولمّا أخذ إشبيلية من المعتمد شنّ عسكر ابن تاشَفِين الغارة بإشبيلية، وخلّوا أهلها عَلَى برْد الدّيار، وخرج النّاس من بيوتهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وافتُضَّت الأبكار.

وتتابعت الفتوحات لابن تاشَفِين. وكانت فُقهاء الأندلس قَالُوا لَهُ: لا تَجِبْ طاعتُك حتّى يكون لك عهد من الخليفة.

فأرسل إلى العراق قومًا من أهله بهدايا. وكتابًا، يذكر فيه ما فعل بالفرنج.

فجاءه أمر المستظهر باللَّه أحمد رسول بهديّة، وتقليد وخِلْعة، وراية.

وكان يقتدي بآراء العلماء، ويعظّم أهل الدين. ونشأ ولده عليّ في العفاف والدّين والعِلْم، فولّاه العهدَ في سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.

وتُوُفّي يوسف في يوم الإثنين ثالث المحرَّم سنة خمسمائة، ورّخه ابن خلكان، وقبله عزّ الدين ابن الأثير، وغيرهما.

وعاش تسعين سنة.

قَالَ الْيَسَعُ بْن حَزْم: فمِن فضله أَنَّهُ لما أراد بناء مُرّاكش ادّعى قومٌ مَصَامِدَةٌ فيها أرضًا، فأرضاهم بمالٍ عظيم. وكان يلبس العباء، ويُؤثر الحياء، ويقصد مقاصد العز في طُرُق المعالي، ويكره السَّفساف، ويحبّ الأشرف المتعالي، ويقلّد العلماء، ويؤثر الحُكَماء، يتدبّر مَرْضَاتهم. وإذا دخل عَلَيْهِ من طَوْل ثيابه وجرّها

[1] إِلَيْهِ وجهه، وأعرض عَنْهُ، فإن كَانَ ذا ولاية عزله. وكان كثير الصدقة عظيم البِرّ والصّلة للمساكين، رحمه الله.

[1] في الأصل بياض.

ص: 339

370-

يوسف بْن عليّ الزّنْجانيّ [1] .

أبو القاسم الشّافعيّ من كبار أصحاب أَبِي إِسْحَاق الشِّيرازيّ.

مات في صفر [2] .

[1] انظر عن (يوسف بن علي) في: المنتظم 9/ 154، 155 رقم 250 (17/ 106 رقم 3772) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 22، والبداية والنهاية 12/ 169.

[2]

وصفه ابن الجوزي بالفقيه، وقال: برع في الفقه، وكان من أهل الدين.

ص: 340