الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
قيمة الكتاب العلمية
إن الفقه الإسلامي من أثرى العلوم لما توفر له من أفكار عملت طوال قرون على تنميتة للإجتهاد الذي كان ميداناً للأفكار والكشف عنهما، ولكن هذه الثروة الفقهية بقدر اتساعها كانت عسيرة على الباحثين إلا من أوتي قوة في الحفظ مثل الإمام الحطاب على سبيل المثال لا الحصر المتخصص في ذلك، ومن قبله الإمام البرزلي.
وهذه الناحية المستعصبة في الفقه لم تخفى على علماء الإسلام تحاولوا تقريب الفقه بوسائل وطرق خاصة حتى يجد الباحث ضالته، ويظفر بالمسألة بسهولة ويسر، والملاحظ أن الأمر الذي حمل علماء السلف، ودعاهم إلى هذا التقريب الشعور البالغ منهم بمدى قيمة وأهمية هذه البحوث المستعدة من صميم الأصول الإسلامية والمعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والصالحة في أصولها وفروعها لمسايرة العقل البشري على مختلف العصور والأزمان، فلهذا بقيت معتمدة لا من المسلمين فحسب بل من غيرهم أيضاً كما تشهد به المقارنات المثبتة والتي تشير بوضوح إلى أن أهم القوانين الوضعية في العالم، وهي القوانين الفرنسية اقتبست من الفقه الإسلامي، واعتمدته أصلاً، وبخاصة الفقه المالكي حيث اهتمت الجامعات الفرنسية بدراسة موطأ مالك، وكانت تحرض الطلبة العرب المهتمين بالشريعة الإسلامية على أن تكون بحوثهم منصبة على دراسة وترجمة موطأ (1) الإمام مالك.
ولكي ندرك ضرورة التقريب في علم الفقه بالخصوص، ونعرف كنهها نأتي بما أشار إليه الإمام الحطاب في مقدمةكتابه تحرير الكلام ونصه وبعد فقد
(1) يقول كارل في وصف الموطأ هو ليس من كتب الحديث فحسب بل من كتب الفقه يبين أحكام العبادات والمعاملات في ضوء إجماع أهل المدينة وما انتشر بينهم من الحديث والسنةن كما يتعرض للخلافات الخارجية عن ذلك، وفي بعض الفروع لا يسوق مالك حديثاً واحداً يعتمد عليه بل يذكر فتاوى المجتهدين ثم يصدر هو حكمه ويخبر عن إجماع أهل المدينة. أنظر تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان جـ 3 ص 275.
شاع عن مذهب الإمام مالك رضي الله عنه الحكم بالالتزام، وكثر السؤال عن ذلك عند التشاجر والخصام، ولم يكن له في كتب أهل المذهب باب، ولا فصل مقرر، ولا علمت فيه مصنفاً يؤخذ حكمه منه، ويحرر بل مسائله متفرقة في الكتب، والأبواب كثيرة التشعب والاضطراب، وليس الحكم به على الإطلاق بصواب فاستخرت الله تعالى في جمع ما تيسر من مسائله وضبط أقسامه، وتبيين مشكله، وتحرير أحكامه هذا مع علمي بأن المصنفين في الأبواب المقررة والمسائل المشتهرة يقع منهم الخطأ في عده من المسائل، وفي كثير من التوجيهات والدلائل فكيف بالتصنيف في باب لم تحصر مسائله تصنيفاً، ولم تضبط قواعده تأليفاً لكن قصدت أن أفتح الكلام في هذا الباب .. فربما يأتي شخص يبين ما في كلامي من خطأ أو صواب، ويضم إلى ما ذكرت مما شاء كله من المسائل فتحصل بذلك الفائدة للمستفيدين، ويتحرر بذلك الصواب للمسترشدين (1). أهـ. مختصراً وفي الجملة يعتبر هذا الكتاب هو أحسن كتاب من نوعه في موضوع الالتزام فقد أفاض مؤلفه القول في ذلك إفاضة تامة لم أراها اغيره من علماء الفقه، وأرى من جانبي أن هذا الكتاب مفيد جداً في بابه عظيم النفع في مجاله، فهو بحق من الكتب الممتازة التي يفخر بها ويعتز بها المسلمون، وينتفع بها الدارسون والمشتغلون في سلك القضاء على اختلاف طبقاتهم، وفي الختام أؤكد بأن هذه المحاولات على تنوعها للتقريب الفقهي ذات جدوى عظيمة لأنها تقريب لكنز ثمين، ولكن غفل عنه الغافلون.
(1) أنظر نسخة الأصل ورقة 1 أ - ب وجه وظهر.