الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الباب الأول)
في الالتزام الذي ليس بمعلق
وهو الزام الشخص نفسه شيئاً من المعروف من غير تعليق على شيء، فدخل في ذلك الصدقة، والهبة، والحبس، والعارية، والعمري، والعرية، والمنحة، والافاق، والاخدام، والاسكان والنذر إذا كان غير معلق، والضمان والالتزام بالمهنى الاخص أعني بلفظ الالتزام.
والفرق بين هذه الحقائق إنما هو بأمور أعتبارية اعتبرها الفقهاء في كل باب.
فخصوا الصدقة، والهبة بتمليك الرقاب وجعلوا الأولى فيما كان لقصد الثواب من الله تعالى خاصة،
والثانية فيما كان لقصد ثواب من المعطي أو الوجه المعطى لصداقة أو قرابة، ونحو ذلك.
وخصوا الحبس (1) وما بعده إلى الاسكان باعطاء المنفعة فإن كان ذلك على التأبيد فهو الحبس، وإن كان ذلك مدة حياة المعطى فهو العمري، وإن كان محدوداً بمدة أو غير محدود فهو العارية فإن كان ذلك في عقار أطلق عليه الاسكان وإن كان ذلك في ثمرة أطلق عليه العرية، وإن كان في غلة حيوان أطلق عليه المنحة، وإن كان في خدمة عبد أطلق عليه الاخدام، وإن كان في منافع تتعلق
(1) يعني بالإضافة إلى الحبس العارية، والعمري، والعرية، والمنحة، والارفاق، والاخدام، والاسكان بدخول الغاية.
بالعقار أطلق عليه (1) الافاق، وخصوا الضمان بالتزام الدين لمن هو له، أو التزام احضار من هو عليه لمن هو له.
وخصوا النذر المطلق بالتزام طاعة الله تعالى بنية القربى، والالتزام الأخص بما كان بلفظ الالتزام كما تقدم، وتخرج العدة لأنه لا التزام فيها وسيأتي الكلام على ما يقضي به منها، وما لا يقضي إن شاء الله تعالى، وهذا القسم يقضي به على الملتزم ما لم يفلس أو يمت أو يمرض مرض الموت إن كان الملتزم له بفتح الزاي معيناً، ولا أعلم في القضاء به خلافاً إلا على القول بأن الهبة لا تلزم بالقول، وهو خلاف معروف في المذهب بل نقل ابن رشد (2)
الاتفاق على لزوم الهبة بالقول وإن كان الملتزم له غير معين فسيأتي الكلام عليه في فصل مستقل بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال ابن عرفة (3):
والمعروف لزوم العطية بمقدها ابن زرقون. قال المازري: للواهب الرجوع في هبته قبل حوزها عند جماعة. وفي قوله
شادة
(1) في م - عليها.
(2)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المالكي يكنى أبو الوليد قرطبي له مؤلفات منها البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، وكتاب المقدمات لأوائل كتب المدونة وغيرها كثير ولد في شوال سنة خمس وأربعمائة، وتوفي رحمه الله ليلة الأحد ودفن عشية الحادي عشر من ذي القعدة سنة عشرين وخمسمائة ودفن بمقبرة العباس وصلى عليه ابن القاسم وشهده جمع عظيم من الناس كان الثناء عليه حسناً جميلاً
انظر الديباج المذهب لابن فرحون تحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور طبعة دار التراث القاهرة جـ 2 ص 248 وما بعدها.
(3)
هو الإمام العلامة المقرئ الفروعي الأصولي المنطقي البياني شيخ الشيوخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة المالكي مذهباً الورغي نسباً التونسي مولداً ومنشأ له تصانيف كثيرة منها تأليفه الفقهي لم يسبق به في تحقيقه وتهذيبه وجمعه وأبحاثه الرشيقة، وحدوده الدقيقة، وله في أصول الدين تأليف عارض به كتاب الطوالع للبيضاوي، واختصر كتاب الحوفي، وله تأليف في المنطق زد على ذلك تأليفه الفرض وغير ذلك من املاءته في الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، والأحكام الشرعية ولد سنة ستت عشر وسبعمائة، وتوفي رحمه الله عام ثلاثة وثمانمائة.
انظر: الديباج المذهب لأبي فرحون جـ 2 ص 331 وما بعدها وكذلك شرح حدود ابن عرفة لقاضي الجماعة ابن عبد الله محمد الأنصاري المشهور بالرصاع التونسي المتوفى سنة 894 هـ ص 4 وما بعدها.
عندنا، وحكاها الطحاوي (1) عن مالك، وحكاها ابن خويز منداد (2) عن مالك.
ابن عرفة تقدم في الحبس نقل ابن رشد الاتفاق (3). أ. هـ.
هذا حكم مطلق العطية، والالتزام نوع منها بل ربما كان أقوى من حيثية دلالة لفظ الالتزام على الايجاب والامضاء، وقال (4) مالك (5)
في كتاب الحمالة من المدونة وأن أشهد رجل على نفسه أنه ضامن بما يقضي به لفلان على فلان، أو قال أنا كفيل بما لفلان على فلان وهما حاضران
أو غائبان، أو أحدهما لزمه ما أوجبه على نفسه من الكفالة والضمان لأن ذلك معروف والمعروف من أوجبه على نفسه لزمه (6). أ. هـ.
(1) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأسدي الطحاوي من كبار أئمة الحنفية في الحديث والفقه والخلاف، وإليه أنتهت رياسة الحنفية بمصر صنف كتباً مفيدة منها أحكام القرآن، واختلاف العلماء، والشروط ولد في طحا من صعيد مصر سنة تسع وعشرين وقيل ثمان وقيل تسع وثلاثين ومائتين توفي في مستهل ذي القعدة سنة احدى وعشرين وقيل اثنين وعشرين وثلاثمائة. انظر ترجمته في مرآة الجنان جـ 2 ص 281
(2)
هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن جويز منداد الفقيه المالكي أخذ الفقه عن الأبهري، له مؤلفات قيمة منها كتاب في الخلاف وكتاب في أصول الفقه أعده الزركشي من جملة المصادر التي اعتمد عليها في أصول المالكية عند تأليفه لكتابه البحر المحيط.
انظر ترجمته في ترتيب المدارك جـ 3 ص 606 وشجرة النور الزكية جـ 1 ص 103 وطبقات الشيرازي ص 142 والديباج جـ 1 ص 299.
(3)
انظر مختصر ابن عرفة الفقهي جـ 4 ورقة 22 وجه مخطوط بدار الكتب الوطنية تونس تحت رقم 11133.
(4)
في م بل قال.
(5)
هو الإمام المشهور أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي نسبة إلى ذي أصبح قبيلة كبيرة باليمن سموا باسم جدهم أصبح اختلف في تاريخ ميلاده فقيل سنة 90 هـ وقيل 93 هـ وقيل 95 هـ وتوفي رحمه الله بالمدينة المنورة سنة 179 هـ وقيل سنة 178 هـ.
انظر ترجمته في المدارك جـ 1 ص 102، والديباج جـ 1 ص 82 وما بعدها، والإمام مالك للشيخ أبو زهرة.
(6)
انظر المدونة جـ 13 ص 109 طبعة مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر سنة 1323 هـ لصاحبها محمد إسماعيل.
وقال في كتاب المديان ومن ضمن لرجل ماله على ميت ثم بدا له فقد لزمه ذلك لأن المعروف كله إذا أشهد به على نفسه لزمه (1). أ. هـ.
قلت: وذكر الاشهاد هنا ليس شرطاً في اللزوم، وإنما خرج مخرج الغالب كما يظهر ذلك مما قبله، ومما سيأتي والله تعالى أعلم.
وقال في آخر سماع أشهب (2) من كتاب العارية قال أشهب: سمعت مالك يسئل عن رجل قال لبيعه بع ولا نقصان عليك فقال لو قال له قولاً بيناً ثم رجع لم أر له ذلك، ورأيته لازماً.
قال ابن رشد: وهذا كما قال أنه إذا قال له بعد االبيع بع ولا نقصان عليك يلزمه لأن معنى قوله بع ولا نقصان عليك بع والنقصان علي فهذا أمر قد أوجبه على نفسه، والمعروف على مذهب مالك وجميع أصحابه لازم لمن أوجبه على نفسه ما لم يمت أو يفلس، وسواء قال له ذلك قبل أن ينقد أو بعد ما انتقد (3) إلا أن يقال له قبل أن ينتقده انتقدني وبع ولا نقصان عليك فلا يجوز ذلك لأنه يدخله بيع وسلف. أ. هـ.
وهذه المسألة من مسائل الالتزام المعلق على فعل الملتزم له الذي فيه منفعة له فهي من مسائل النوع السادس من الباب الثالث، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى هناك مع ذكر الفروع المتعلقة بها.
(1) انظر المدونة جـ 13 ص 68 طبعة السعادة.
(2)
هو الإمام أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم أبو عمر القيس العامري الجعدي من ولد جعدة بن كلاب بن ربيعة بن عامر اسمه مسكين وهو من أهل مصر من الطبقة الوسطى من أصحاب مالك، وأشهب لقب. قال فيه الشافعي (ما رأيت أفقه من أشهب) انتهت إليه الرياسة بمصر بعد ابن القاسم وقال ابن عبد البر لم يدرك الشافعي بمصر من اصحاب مالك إلا أشهب، وابن عبد الحكم وأخذ عن الشافعي هو وابن عبد الحكم، ولد أشهب سنة أربعين ومائة وقيل سنة خمسين ومائة، وتوفي رحمه الله بمصر سنة أربع ومائتين بعد الإمام الشافعي بثمانية عشر يوماً وكان بينهم صحبة
أنظر: الديباج جـ 1 ص 307 وما بعدها - والإمام مالك لأبي زهرة ص 252، 253.
(3)
انظر مواهب الجليل للإمام الحطاب جـ 6 ص 56 طبعة السعادة 1329 هـ.