الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخامس بعد المائة: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن]
وأما نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم،
فخرج البخاري ومسلم من حديث أبي خيثمة زهير عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن.
قال البخاري: وإلى جانبه فرس مربوط بشظيين، وقال: فجعلت تدنو وتدنو، وقال: نزلت بالقرآن. ترجم عليه باب فضل [سورة] الكهف [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 69- 70، كتاب فضائل القرآن، باب (11) فضل [سورة] الكهف، حديث رقم (5011)، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 329، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (36) نزول السكينة لقراءة القرآن، حديث رقم (240) .
قوله: «وعنده فرس مربوط بشطنين» ، هو بفتح الشين المعجمة، والطاء، وهما تثنية شطن [وجمعه أشطان] ، وهو الحبل الطويل المضطرب.
قال محققه: [قال عنترة] :
[لما رأيت القوم أقبل جمعهم
…
يتذامرون كررت غير مذمّم]
[يدعون عنتر والرماح كأنها
…
أشطان بئر في لبان الأدهم]
قوله: «وجعل فرسه تنفر» ، وفي الرواية الثانية:«فجعلت ينفر» ، وفي الثالثة «وجعل فرسه ينفر» ، غير أنهما قالا:«ينقز، أما الأوليان: فبالفاء والراء بلا خلاف، وأما الثالثة: فبالفاء المضمومة وبالزاي، وحكاه القاضي عياض عن بعضهم وغلّطه، ومعنى «ينقز» بالقاف والزاي: يثب.
قوله: «فتغشّته سحابة فجعلت تدور وتدنو،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك السكينة نزلت للقرآن» ، وفي الرواية الأخيرة:«تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم» .
قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء، المختار منها: أنها شيء من مخلوقات اللَّه تعالى، فيه طمأنينة ورحمة، ومعه الملائكة. واللَّه أعلم.
وفي هذا الحديث: جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة، وفيه فضيلة القراءة، وأنها سبب نزول الرحمة، وحضور الملائكة، وفيه فضيلة استماع القرآن.
قوله: «اقرأ يا فلان» ، وفي الرواية الأخرى:«اقرأ» ثلاث مرات، معناه: كان ينبغي أن تستمر على القرآن، وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها.
قوله: «وفي الرواية السابقة: «أي وثبت» ، وقال هنا:«جالت» ، فأنّث الفرس، وفي الرواية السابقة:«وعنده فرس مربوط» ، فذكّره، وهما صحيحان، والفرس يقع على الذكر والأنثى.
(مسلم بشرح النووي) : 6/ 329- 331: باختصار.
وأخرجاه أيضا من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، ذكره البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، ولفظهما: قال: سمعت البراء يقول: قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته.
قال: فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ فلان، فإنّها السكينة تنزلت عند القرآن، أو تنزلت للقرآن، وقال البخاري: فسلم فإذا ضبابة أو سحابة، وقال في آخره: فإنّها السكينة نزلت أو تنزلت للقرآن [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث الليث قال: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت [الفرس][ (2) ] ، فسكت وسكت [الفرس][ (2) ] ، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجترّه رفع رأسه [ (3) ] إلى السماء حتى يراها.
فلما أصبح حدّث النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال: فأشفقت [يا رسول اللَّه][ (3) ] أن تطأ يحيى- وكان منها قريبا- فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلمة [ (4) ] فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ [قال: لا][ (2) ]، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم [ (5) ] .
قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد اللَّه بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ، عن أسيد بن حضير هكذا [ (5) ] . [ذكره غير متصل الإسناد] ، وترجم
[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 771، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3614)، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 329، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (36) نزول السكينة لقراءة القرآن، والرواية المذكورة في (خ) ، هي رواية مسلم.
[ (2) ] زيادة يقتضيها السياق من (البخاري) .
[ (3) ] في (خ) : «طرفة» ، وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (4) ] في (خ) : «الظلة» ، وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (5) ](فتح الباري) : 9/ 77، كتاب فضائل القرآن، باب (15) نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، حديث رقم (25018) . قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : ودل سياق الحديث على
عليه باب نزول السكينة والملائكة عند القراءة [ (1) ] .
وخرج مسلم من حديث يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي حدثنا يزيد بن الهاد، أن عبد اللَّه بن خبّاب حدثه أن أبا سعيد الخدريّ حدثه أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى [ثم جالت أيضا][ (2) ]، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتى ما أراها.
قال: فغدوت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه! بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثم جالت أيضا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت- وكان يحيى قريبا منها خشيت أن تطأه- فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السّرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة
[ () ] محافظة أسيد على خشوعه في صلاته، لأنه كان يمكنه أول ما جالت الفرس أن يرفع رأسه، وكان كان بلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع المصلى رأسه إلى السماء، فلم يرفعه حتى اشتد به الخطب، ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته، فلهذا تمادي به الحال ثلاث مرات (المرجع السابق) .
ولما قال النووي: في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة، كذا أطلق، وهو صحيح، لكن الّذي يظهر التقييد بالصالح مثلا، والحسن الصوت، قال: وفيه فضيلة القراءة، وأنها سبب نزول الرحمة، وحضور الملائكة، فقال الحافظ في (الفتح) : الحكم المذكور أعم من الدليل، فالذي في الرواية إنما نشأ عن قراءة خاصة، من سورة خاصة، بصفة خاصة، ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر، وإلا لو كان على الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ.
وقد أشار في آخر الحديث بقوله: «ما يتوارى منهم» ، إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الّذي هو من شأنهم، وفيه منقبة لأسيد بن حضير، وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل، وفضل الخشوع في الصلاة، وأن التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوّت الخير الكثير، فكيف لو كان بغير الأمر المباح؟.
[ (1) ] أما عن قول المقريزي رحمه الله: [ذكره غير متصل الإسناد]، فقد قال الحافظ في الفتح:«عن محمد بن إبراهيم» ، هو التميمي، وهو من صغار التابعين، ولم يدرك أسيد بن حضير، فروايته عنه منقطعة، لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الإسناد الثاني.
قال الإسماعيلي: محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير مرسل، وعبد اللَّه بن خباب عن أبي سعيد متصل، ثم ساقه عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن يزيد بن الهاد بالإسنادين جميعا وقال:
هذه الطريق على شرط البخاري. (فتح الباري) : 9/ 77- 78.
[ (2) ] زيادة يقتضيها السياق من (صحيح مسلم) .
كانت تسمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم [ (1) ] .
وخرجه أبو نعيم من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد اللَّه، عن أسامة عن عبد اللَّه بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ، عن أسيد بن حضير أنه كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال: وقرأت ليلة سورة البقرة
…
فذكره [ (2) ] .
وخرجه من حديث يحيى بن أيوب عن ابن الهاد
…
، الحديث وزاد: اقرأ يا أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود [ (3) ] .
وخرجه من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن يحيى عن أبي سلمة قال: بينا أسيد بن حضير الأنصاري يصلي بالليل، قال: إذ غشيتني مثل السحابة فيها أمثال المصابيح، والمرأة نائمة إلى جانبي، والفرس مربوط في الدار، فخشيت أن ينفر الفرس فتفزع المرأة فتلقى ولدها، فانصرفت من صلاتي، فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم حين أصبحت، فقال: اقرأ يا أسيد، فإن ذلك ملك استمع القرآن. وفي رواية تسمّع القرآن.
وخرجه أيضا من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أسيد ابن حضير قال: كنت أصلي في ليلة قمرة وقد أوثقت فرسي، فجالت جولة ففزعت، ثم جالت أخرى فرفعت رأسي، وإذا ظلة قد غشيتني، وإذا هي قد حالت بيني وبين القمر، ففزعت، فدخلت البيت.
فلما أصبحت ذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: تلك الملائكة جاءت تسمع قراءتك من آخر الليل [سورة] البقرة، وكان أسيد بن حضير حسن الصوت.
وذكره أيضا من عدة طرق بزيادات ونقص، والمعنى متقارب.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 330- 331، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب (36) نزول السكينة لقراءة القرآن، حديث رقم (242) . وقد سبق شرحه.
[ (2) ](دلائل أبي نعيم) : 2/ 560- 561، قصة فرس أسيد بن حضير، حديث رقم (502) .
[ (3) ] سند هذه الفقرة في (دلائل أبي نعيم) : «وفي حديث سليمان بن أحمد» ولم يذكر باقي السند.
ذكرها عقب الحديث السابق (502) .