الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عشرون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في العين التي بتبوك]
وأما ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في العين التي بتبوك،
[فخرج مسلم] من حديث مالك، عن أبي الزبير المكيّ، أن أبا الطفيل عامر بن وائلة أخبره أن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
أخبره قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة فصلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال: إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه [عينا] بتبوك [ (1) ] ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها [شيئا] حتى آتي.
فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبضّ بشيء من ماء، قال: فسألها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم، فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء اللَّه أن يقول، قال: فغرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر- أو قال: غزير- قال: فاستقى الناس ثم قال: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا [ (2) ] .
قال البيهقي: وروينا زيادة ماء تلك العين بمضمضته فيها، عن عروة بن الزبير، وقال: فهي كذلك حتى الساعة. وروى ابن عبد البر عن أبي وضاح أنه قال:
أنا رأيت ذلك الموضع كله [حول] تلك العين جنانا خضرة نضرة.
وخرج أبو نعيم من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير
[ (1) ] كذا في (خ)، وفي (صحيح مسلم) :«عين تبوك» .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 46، كتاب الفضائل باب (3) في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (706)، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 522، حديث رقم (450)، (دلائل البيهقي) : 5/ 236، باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت إتيانهم عين تبوك، وما ظهر في ذلك، وفي وضوئه من تلك العين حتى كثر ماؤها، وفيما قال لمعاذ فكان كما قال من آثار النبوة، (مسند أحمد) : 6/ 315، حديث رقم (21565) من حديث معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه.
في قصة تبوك قال: وخرج حين خرج وهو يريد الروم، فكان أقصى أثره منزله من تبوك، وكان ذلك في زمان قل ماؤه، فاغترف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غرفة بيده فمضمض بها فاه، وبصق فيها ففارت عينه حتى امتلأت، وهي كذلك حتى الساعة [ (1) ] .
وخرج من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروى الراكب والراكبين والثلاث، بواد يقال له: واد المشقّق، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه.
فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم ير فيه شيئا قال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ قيل: فلان وفلان [ (2) ]، قال: أو لم ننهاهم أن يستقوا منه شيئا حتى نأتيه؟ ثم لعنهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ودعا اللَّه عليهم.
ثم نزل، فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء اللَّه أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده، ودعا اللَّه بما شاء اللَّه أن [يدعو] به، فانخرق الماء كما يقول من سمعه: إن له حسا كحس الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتم- أو من بقي منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه [ (3) ] ، [وذلك الماء فوارة تبوك إلى اليوم][ (4) ] .
وقال الواقدي في غزوة تبوك: وأقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة، وكان فيه وشل [ (5) ] يخرج منه في أسفله قدر ما يروى الراكبين والثلاثة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتي.
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 5/ 237.
[ (2) ] قال السهلي: ذكر لي الواقدي قال: سبقه إليها أربعة من المنافقين هم: معتب بن قشير، والحارث ابن يزيد الطائي، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت.
[ (3) ](سيرة ابن هشام) : 5/ 208- 209، وادي المشقق وماؤه، والتعليق السابق منه.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) .
[ (5) ] الوشل: حجر أو جبل يقطر منه الماء قليلا قليلا، والوشل أيضا القليل من الماء.
فسبق إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير، والحرث بن يزيد الطائي حليف بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، ويزيد بن اللصيت، فاستقوا ما فيه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألم أنهكم؟ ولعنهم ودعا عليهم، ثم نزل ووضع يده في الوشل، ثم مسحه بإصبعه حتى اجتمع في كفه منه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو به، فانخرق [ (1) ] الماء.
قال معاذ بن جبل: والّذي نفسي بيده، لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق، فشرب الناس ما شاءوا، وسقوا ما شاءوا، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
لئن بقيتم- أو من يبقى منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه ومما خلفه، قال: واستقى الناس وشربوا،
قال سلامة [ (2) ] بن وقش: قلت لوديعة ابن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شيء؟ أما تعتبر؟ فقال: قد كان يفعل مثل هذا قبل هذا. [ (3) ] .
[ (1) ] انخرق: اشتدّ واتّسع.
[ (2) ] كذا في (خ)، وفي (مغازي الواقدي) :«سلمة بن سلامة بن وقش» .
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 3/ 1039.