الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خامس وتسعون: رؤيته صلى الله عليه وسلم من خلفه كما يرى من أمامه]
وأما أنه يرى من خلفه صلى الله عليه وسلم كما يرى من أمامه،
فخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الوارث قال: حدثنا عبد العزيز- وهو ابن صهيب- عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتموا الصفوف فإنّي أراكم خلف ظهري. وقال البخاري: أقيموا الصفوف. ذكره في باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث زهير، عن حميد عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من وراء ظهري،
وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. ترجم عليه باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف [ (2) ] قال: النعمان بن بشير رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه [ (3) ] .
وخرج في باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف من حديث زائدة ابن قدامة، حدثنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 263، كتاب الأذان، باب (71) تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، حديث رقم (718) ،
قوله صلى الله عليه وسلم «فإنّي أراكم» ،
فيه إشارة إلى سبب الأمر بذلك، أي إنما أمرت بذلك لأني تحققت منكم خلافه. قال الزين بن المنير: لا حاجة إلى تأويلها لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة. وقال القرطبي: بل حملها على ظاهرها أولى، لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 268، كتاب الأذان، باب (76) إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، حديث رقم (725) .
[ (3) ] قوله: «وقال النعمان بن بشير» هذا طرف من حديث
أخرجه أبو داود، وصححه ابن خزيمة من رواية أبى القاسم الجدلي، واسمه حسين بن الحارث، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثا، واللَّه لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن اللَّه بين قلوبكم،
قال: فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه.
واستدل بحديث النعمان هذا، على أن المراد بالكعب في آية الوضوء. العظم الناتئ في جانبي الرّجل- وهو عند ملتقى الساق والقدم- وهو الّذي يمكن أن يلزق بالذي جنبه، خلافا لمن ذهب إلى أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية، ولم يثبته محققوهم، وأثبته بعضهم في مسأله الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم- (فتح الباري) : 2/ 269.
فأقبل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصّوا فإنّي أراكم من وراء ظهري [ (1) ] .
ومن حديث إسماعيل عن حميد عن أنس قال: أقبل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوجهه حين قام إلى الصلاة يريد أن يكبر، فقال مثله سواء [ (2) ] .
وخرج مسلّم من حديث أبى أمامة عن الوليد- يعنى ابن كثير- قال:
حدثني سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن أبيه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: صلى [رسول اللَّه] صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف فقال: يا فلان! ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يصلى؟ فإنما يصلى لنفسه، إني واللَّه لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي [ (3) ] .
وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث مالك بن أنس عن أبى الزناد عن الأعرج، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: هل ترون قبلتي هاهنا؟
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 264، كتاب الأذان، باب (72) إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف، حديث رقم (719) .
[ (2) ] وفي هذا الحديث: جواز الكلام بين الإمامة والدخول في الصلاة، وفيه: مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة.
و (مسلم بشرح النووي) : 4/ 399، كتاب الصلاة، باب (28) نسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام، حديث رقم (125) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 392، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، حديث رقم (108)، قال العلماء: معناه أن اللَّه تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم، بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره، فوجب القول به.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه تعالى وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة،
وقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأراكم من بعدي،
أي من ورائي كما في الروايات الباقية. قال القاضي عياض: وحمله بعضهم على بعد الوفاة، وهو بعيد عن سياق الحديث.
[ (4) ](فتح الباري) : 2/ 286، كتاب الأذان، باب (88) الخشوع في الصلاة، حديث رقم (741) .
[ (5) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 392، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة، حديث رقم (109) .
فو اللَّه ما يخفي عليّ ركوعكم ولا خشوعكم-
ولم يذكر السجود-.
وأخرجا معا من حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الركوع والسجود، فو اللَّه إني أراكم من بعدي- وربما قال: من بعد ظهري- إذا ركعتم أو سجدتم. ذكره البخاري في باب الخشوع في الصلاة [ (1) ] .
وخرج مسلم بعد حديث شعبة، من حديث معاذ- يعنى ابن هشام- ومن حديث ابن أبى عدي عن سعيد، كلاهما عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتموا الركوع والسجود، فو اللَّه إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. وفي حديث سعيد: إذا ركعتم أو سجدتم [ (2) ] .
وخرج البخاري من حديث همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أتموا الركوع والسجود، فو الّذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. ذكره في كتاب الأيمان [والنذور] في آخر باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم [ (3) ] .
وخرج في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن على عن أنس بن مالك قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ثم رقى المنبر فقال: في الصلاة وفي الركوع، إني أراكم من ورائي كما أراكم.
وقال سيف بن عمرو، عن عمرو بن محمد عن الشعبي، عن مسروق قال:
سألت عائشة عن [إطباق عبد اللَّه بن مسعود] بيديه بين ركبتيه إذا ركع، فقال:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، زيادة من اللَّه عز وجل، زادها إياه في حجته، فرأى أناسا يصنعون كما يصنع البرهان فحولهم من ذلك إلى
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 286- 287، كتاب الأذان، باب (88) الخشوع في الصلاة، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة وإتمام الخشوع فيها، حديث رقم (110) .
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (111) .
[ (3) ](فتح الباري) : 11/ 644، كتاب الأيمان والنذور، باب (10) كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم؟
حديث رقم (6644) .
ما عليه الناس اليوم من إطباق الركب بالأكفّ، وتفريج الأصابع.
قال الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه-:
في رواية حرملة قوله: إني لأراكم من وراء ظهري،
كرامة من اللَّه أبانه بها من خلفه. وقال الأثرم: قلت لأبى عبد اللَّه- يعنى أحمد بن حنبل رحمه الله:
قول النبي صلى الله عليه وسلم إني لأراكم من وراء ظهري
فقال:
كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، قلت له: إن إنسانا قال لي: هو في ذلك مثل غيره، وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه، فأنكر ذلك إنكارا شديدا.
وقال أبو عمر يوسف بن عبد البر هذا كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى كيفية ذلك، وهو علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وخرج من طريق قاسم بن أصبغ عن سفيان عن داود وحميد وابن أبى نجيح، عن مجاهد، [في] قوله عز وجل: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ (1) ] قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه.
وخرج البيهقي من حديث فضيل عن عبد الملك بن أبى سليمان، عن قيس عن مجاهد، في قوله تعالى: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
[ (1) ]، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من بين يديه [ (2) ] وقال الحبر أبو زكريا النووي- رحمه الله: قال العلماء: معناه أن اللَّه تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به [ (3) ] .
[ (1) ] سورة الشعراء الآية: 219.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 74. وقال مجاهد: المراد تقلب بصره في من يصلي خلفه. (البحر المحيط) :
8/ 198،
وقال مجاهد أيضا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه. ويشهد لذلك ما صح في الحديث: «سوّوا صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهري» (تفسير ابن كثير) : 3/ 365.
[ (3) ](شرح الإمام النووي على صحيح مسلم) : 4/ 392- 393، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، شرح الحديث رقم (108) ، (109) ، (110) ، (111) .
قال القاضي- يعنى أبا الفضل عياض [بن موسى اليحصبى] قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء: هذه الرؤية بالعين حقيقة [ (1) ]، فخرج الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث زهير بن عباد قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة، عن المعلى بن علاء، عن هشام بن عروة عن عبد اللَّه عن عائشة رضي الله عنها.
قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء [ (2) ] . وأورده البيهقي من طريق ابن عدي ثم قال: وهذا إسناد فيه ضعف [ (3) ] .
قال كاتبه: محمد بن المغيرة أبو الحسن، قال ابن عدي: وسائر أحاديثه مما لا يتابع عليه، ومع ضعفه يكتب حديثه.
قال البيهقي: وروى في ذلك من وجه آخر ليس بالقوى، فذكر من حديث مغيرة بن مسلم عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى في النهار في الضوء [ (4) ] .
وخرج الحافظ أبو بكر بن ثابت البغدادي، من حديث زهير بن عباد الروائى، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه
[ (1) ] انظر التعليق السابق والمرجع السابق.
[ (2) ](كنز العمال) : 7/ 160، حديث رقم (18519) ، وعزاه إلى البيهقي في (دلائل النبوة) عن ابن عباس، وابن عدي عن عائشة.
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 6/ 74- 75.
[ (4) ](المرجع السابق) : 6/ 75، قال ابن عدي في (الكامل) : 4/ 217- 218، في ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة رقم (28/ 1025) : وهذا الحديث عن هشام بن عروة، يرويه ابن المغيرة، وعنه زهير بن عباد، وقال عنه ابن حجر في (لسان الميزان) : 3/ 410: هو عمّ علان بن المغيرة.
وقال أبو حاتم: ليس بقوى، وقال ابن يونس: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، ثم أورد في أحاديثه:«كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء» . ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة الكوفي رقم (391/ 4742) من المرجع السابق.
وأورده ابن الجوزي في (العلل المتناهية) : 1/ 173- 174، باب أنه صلى الله عليه وسلم يبصر في الظلمة، حديث رقم (266) ثم قال: هذا حديث لا يصح، قال العقيلي: عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة يحدث بما لا أصل له، وعباس بن الوليد كان المديني يتكلم فيه. ثم قال محقق (العلل المتناهية) : وثقه الدار قطنى، وابن قانع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن معين:
صدوق كما في (التهذيب) ، وتليين ابن المديني مبهم فلا يعتبر به.
عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء. رواه عن زهير عن حسين بن صالح بن أبى الدواهي، وعنه محمد بن عبد اللَّه بن سليمان الحضرميّ وقال: لم أكتب عنه غير هذا الحديث. مات سنة إحدى ومائتين. أهـ
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن عن القسم بن عبد اللَّه، عن حسين بن عبد اللَّه عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة فقال: كيف يا رسول اللَّه ورجالي بمكة؟ قال: يزوجك ابنك ويشهد لك رجال من أصحاب رسول [اللَّه] ، ثم دخل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الظلمة، فوطئ على ابنتها زينب فصاحت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: زينب، ثم دخل عليها في ليلة أخرى في ظلمة فقال: انظروا، زنى بكم بهذه، لا أضاء عليها؟؟
قال السهيليّ:
وفي هذا الحديث توهين لرواية من روى أنه كان يرى بالليل كما يرى بالنهار.