الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثالث وثلاثون: تكثير طعام صنعه جابر بن عبد اللَّه بالخندق]
وأما تكثير طعام صنعه جابر بن عبد اللَّه بالخندق،
فخرج البخاري في غزوة الخندق، من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كيدة شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا، هذه كيدة عرضت الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولنا ثلاثة أيام لا نذوق ذوقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل- أو أهيم- فقلت:
يا رسول اللَّه؟ ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول اللَّه ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له، فقال: كثير طيب، قال:
قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي، قال: قوموا، فقام المهاجرون.
فلما دخل على امرأته قال لها: ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، قال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمّر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، فقال:
كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة [ (1) ] .
وخرج البخاري في غزوة الخندق، ومسلم في الأشربة [ (2) ] من حديث أبي قاصم، أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، أخبرنا سعيد بن مينا، سمعت جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: لما حفر الخندق رأيت النبي صلى الله عليه وسلم خميصا، فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟ فإنّي رأيت رسول
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 502- 503، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع، حديث رقم (4101)، والكيدة: القطعة الشديد الصلبة من الأرض.
[ (2) ] في (خ) : الأطعمة، والصواب ما أثبتناه.
اللَّه صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها وطحنت الشعير، وفرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول [ (1) ] اللَّه صلى الله عليه وسلم وبمن معه.
قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول اللَّه! ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت [ونفر][ (2) ] معك، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سورا [فحي هلا][ (2) ] بكم، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء.
قال: فجئت وجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت:
بك وبك، فقلت: قد فعلت الّذي قلت لي، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال: ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم باللَّه لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجينا ليخبز [كما هو][ (1) ]
لفظهما فيه متقارب [ (3) ] .
[ (1) ] في (خ) : «مع رسول» ، وما أثبتناه من رواية البخاري.
[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (3) ](فتح الباري) : 7/ 503، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، حديث رقم (4102)، قوله:«فعاد كثيبا» أي رملا، قوله:«أهيل أو أهيم» شك من الراويّ، في رواية الإسماعيلي «أهيل» بغير شك، وكذا عند يونس، وفي رواية أحمد «كثيبا يهال» ، والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا يتماسك. قال تعالى: وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا، [المزمل: 4] ، وأخرجه أيضا البخاري في كتاب الجهاد والسير باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، وقول اللَّه عز وجل: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22]، وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] ، حديث رقم (3070) ، وذكره الإمام مسلم في (الصحيح) ، كتاب الأشربة، باب (20) جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه ذلك، ويتحقق تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام، حديث رقم (2039) . وشرح الغريب:
(الخمص والخميص) : الضامر البطن.
(البهيمة) : تصغير البهمة، وهي ولد الضأن، ويقع على المذكر منها والمؤنث، والسخال: أولاد المعزي، فإذا اجتمعت البهائم والسّخال، قلت لها جميعا: بهام وبهم.
(الداجن) : الشاة التي تألف البيت وتتربى فيه.
وقال الواقدي رحمه الله: فحدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث، عن جابر بن عبد اللَّه قال: أصاب الناس كدية يوم الخندق فضربوا فيها جميعا بمعاولهم حتى انكسرت، فدعوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لها فدعا بماء فصبه عليها فعادت كثيبا.
قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحفر ورأيته خميصا، ورأيت بين كعنه الغبار، فأتيت امرأتي فأخبرتها بما رأيت من خمص بطن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت:
واللَّه ما عندنا شيء إلا هذه الشاة، ومدّ من شعير، قال جابر: فاطحني وأصلحي، فطبخنا، وشوينا بعضها وخبزنا الشعير ثم أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمكثت حتى رأيت أن الطعام قد بلغ، فقلت يا رسول اللَّه! قد صنعت لك طعاما فأت أنت ومن أحببت من أصحابك، فشبك أصابعه في أصابعي ثم قال: أجيبوا جابرا يدعوكم.
قال: فأقبلوا معه فقلت: واللَّه إنها الفضيحة! فأتيت المرأة فأخبرتها فقالت:
أنت دعوتهم أو هو دعاهم؟ فقلت: بل هو دعاهم، قالت: دعهم فهو أعلم.
قال: فأقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه فكانوا فرقا عشرة عشرة، ثم قال لنا، اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه، ففعلنا، فجعلنا نغرف ونغطي البرمة، ثم نفتحها فما نراها نقصت شيئا، ونخرج الخبز من التنور ثم نغطيه فما نراه ينقص شيئا، فأكلوا حتى شبعوا، وأكلنا وأهدينا،
[ () ](السور) : لفظة فارسية معناها: الوليمة، والطعام الّذي يدعى إليه، قال الأزهري: في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم بالفارسية.
(حيهلا) : كلمتان جعلتا في كلمة واحدة، ومعناها: تعالوا وعجلوا، وفي حديث الأذان:«أن يحوقل بين الحيعلتين» .
(اقدحي) : قدحت القدر: إذا ما غرفت ما فيها، والقديح: المرق، فعيل بمعنى مفعول، والمقدحة:
المغرفة.
(لتغط) : غطّت القدر تغط: غلت، وغطيطها: صوتها.
(الكدية) : حجر صلب يعرض لحافر البئر فيتعبه حفره.
(الكثيب) : المجتمع من الرمل.
(أهيل) : انهل وانهال الرمل: إذا سال وجرى، وهلته أنا فانهال، وأهلته: لغة فيه، وأما «أهيم» فهو من الهيام، وهو الرمل الّذي يكون ترابا دقاقا يابسا (جامع الأصول) : 11/ 353- 356، حديث رقم (8909) .
فعمل الناس يومئذ كلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وجعلت الأنصار ترجز وتقول:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة
…
فاغفر للأنصار والمهاجرة [ (1) ]
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث عبد الرحمن بن محمد البخاري، عن عبد الرحمن بن أيمن عن أبيه، عن جابر بمعناه، ثم قال: أخبرني جابر أنهم كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة- شك أيمن.
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 452- 453.