الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سادسا: حنين الجذع]
وأما حنين الجذع: فإنه من الآيات المشهورة، والأعلام الثابتة، التي نقلها خلف الأمة عن سلفها،
خرج البخاري من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي الله عنه، أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللَّه! ألا تجعل لك شيئا تقعد عليه؟ فإن لي غلاما نجارا، قال: إن شئت، قال:
فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الّذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها، فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الّذي يسكّت حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر. ذكره في كتاب البيوع في باب النجار [ (1) ] .
وخرج في باب علامات النبوة من حديث يحيى بن سعيد قال: أخبرني حفص ابن عبيد اللَّه بن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر فكان عليه، سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكت. وذكره في الجمعة في باب الخطبة على المنبر [ (2) ] .
قال البيهقي: ولهذا الحديث طرق، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكر من طريق الشافعيّ رحمه الله، قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال:
[ (1) ](فتح الباري) : 4/ 400، كتاب البيوع، باب (32) النجار، حديث رقم (2095)، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 199.
[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 504- 505، كتاب الجمعة، باب (26) الخطبة على المنبر، حديث رقم (918)، (فتح الباري) : 6/ 746، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3584)، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 199.
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واعتنقها فسكنت [ (1) ] .
وله من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمذاني عن سعد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خطب أسند ظهره إلى خشبة، فلما صنع له المنبر فقدته الخشبة فحنت حنين الناقة الخلوج إلى ولدها، فأتاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت [ (2) ] .
ومن طريق الأعمش عن أبي صالح، عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما جعل له المنبر خطب عليه حنت الخشبة حنين الناقة الخلوج [ (3) ] ، فاحتضنها فسكنت [ (4) ] .
ومن طريق أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح عن جابر عن أبي إسحاق عن ابن أبي كرب عن جابر قال: كانت خشبة في المسجد فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب عليها فقلنا له: لو جعلنا لك مثل العريش فقمت عليه، ففعل، فحنت الخشبة كما تحن الناقة، فأتاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاحتضنها ووضع يده عليها [ (5) ] .
ومن حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع نخلة فيخطب قبل أن يوضع المنبر، فلما وضع المنبر صعد
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 561، (سنن البيهقي) : 3/ 195 باب مقام الإمام في الخطبة.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 560، (فتح الباري) : 2/ 504- 505، حديث رقم (918) من كتاب الجمعة، باب (26) الخطبة على المنبر.
[ (3) ] ناقة خلوج: جذب عنها ولدها بذبح أو موت، فحنت إليه، وقلّ لذلك لبنها، وقد يكون في غير الناقة، وفي ذلك ذهاب إلى قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج]، لسان العرب) : 2/ 256.
[ (4) ](دلائل البيهقي) : 2/ 562.
[ (5) ](دلائل البيهقي) : 2/ 562، وقال في هامشه: هذا الخبر رواه الطبراني في (الكبير) .
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [عليه] فحنّ ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه، قال: فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكن [ (1) ] .
ومن حديث يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن جابر مثله، غير أنه قال:
فحنّ حنين العشار [ (2) ] .
وخرج البخاري من حديث يحيى بن كثير أبي غسان، حدثنا أبو حفص عمر ابن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء، قال: سمعت نافعا عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه [ (2) ] .
وقال عبد الحميد: أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا، ورواه أبو عاصم أيمن بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث حماد بن أبي سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع حتى أتاه فاحتضنه فسكن. قال:
لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة [ (3) ] .
وخرج البيهقي من حديث سليمان بن بلال، عن سعد بن سعيد بن قيس، عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إذا خطب إلى خشبة ذات فرضتين، أراها من دوم كانت في مصلاه فكان يتكىء إليها، فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه! إن الناس قد كثروا فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس، فقال: ما شئتم، قال سهل: ولم يكن بالمدينة إلا
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 556.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 557، ورواه الإمام البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، عن محمد بن المثنى، عن أبي غسان يحيى بن كثير.، وبهذا الإسناد أخرجه الترمذي في صلاة الجمعة، باب ما جاء في الخطبة على المنبر، حديث رقم (918)، (فتح الباري) :
2/ 504- 505.
[ (3) ](الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 199.
نجار واحد، قال: فذهبت أنا وذلك النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة، قال: فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحنت الخشبة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من هذه الخشبة؟ فأقبل الناس عليها فرقّوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم، فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتاها فوضع يده عليها فسكنت، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف [ (1) ] .
ومن حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقوم مسندا ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يوم الجمعة، فخطب الناس فجاءه روميّ فقال:
يا رسول اللَّه! ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم؟ فصنع له منبرا درجتين ويقعد على الثالثة، فلما قعد على المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد بخوراه، فنزل إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فالتزمه فسكن، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: والّذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه لما زال كذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم أمر به فدفن [ (2) ] .
ومن حديث ابن المبارك قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثني الحسن عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ويسند ظهره إلى خشبة، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرا، فسوي له منبرا إنما كانت له عتبتين، فتحول من الخشبة إلى المنبر، قال: فحنت واللَّه الخشبة حنين الواله [ (2) ]، قال أنيس: وأنا في المسجد أسمع ذلك، قال: فو اللَّه ما زالت تحن حتى نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت،
فبكى الحسن وقال: يا معشر المسلمين! الخشبة تحن إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شوقا إليه! أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه [ (3) ] ؟
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 6/ 559- 560.
[ (2) ] في (خ)«حنين الوالدة» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 2/ 559، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 200.
ومن حديث إسحاق الأزرق، عن شريك بن عبد اللَّه، عن عمار الدهني، [ (1) ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
كان لرسول صلى الله عليه وسلم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر، فلما فقدته خارت كما يخور الثور حتى سمعها أهل المسجد، فأتاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاحتضنها فسكنت [ (2) ] .
وخرج أبو محمد الدارميّ قال: حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد عن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يصلي [ (3) ] ، إلى جذع [ويخطب عليه إذا كان المسجد عريشا][ (4) ]، فقال [له] رجل [ (4) ] من أصحابه [ (5) ] : ألا نجعل لك عريشا [ (6) ] تقوم
[ (1) ] في (خ) : «الذهبي» ولعله تصحيف وما أثبتناه من (دلائل البيهقي)، و (تهذيب التهذيب) :
7/ 355.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 563 ثم قال: هذه الأحاديث التي ذكرناها في أمر الحنانة كلها صحيحة، وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة، والأعلام النيرة، التي أخذها الخلف عن السلف، ورواية الأحاديث فيه كالتكليف، والحمد للَّه على الإسلام والسنة، وبه العياذ والعصمة.
ثم قال محققه: أحاديث حنين الجذع: رويت عن أنس، وجابر، وسهل بن سعد في البخاري، وحديث أبي بن كعب أخرجه ابن ماجة، وعبد اللَّه بن أحمد في زياداته على المسند، وحديثا ابن عباس وأم سلمة: أخرجهما الطبراني في (الكبير) .
وقد روى أحاديث حنين الجذع أيضا البيهقي في (السنن الكبرى)، وأبو نعيم في (الدلائل:
بأسانيده عن جابر، وعن أبيّ بن كعب، وعن سهل بن سعد، وعن أبي سعيد الخدريّ وعن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها.
وفي الباب أحاديث كثيرة، وصحح كثير من العلماء بالسنة أن حديث حنين الجذع من الأحاديث المتواترة، لوروده عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة، تفيد القطع بوقوع ذلك.
وقال الحافظ ابن حجر: حنين الجذع وانشقاق القمر، نقل كل منهما نقلا مستفيضا، يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم، ممن لا ممارسة له في ذلك. (دلائل البيهقي) : 2/ 563.
[ (3) ] في (خ) : «يخطب» وصوبناه من (سنن الدارميّ) .
[ (4) ] زيادة للسياق المرجع السابق.
[ (5) ] في (خ) : «من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» ، وما أثبتناه من المرجع السابق.
[ (6) ] في (خ) : «هل لك أن نجعل لك منبرا» وما أثبتناه من المرجع السابق.
عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمع من خطبتك؟ قال: نعم، قال: فصنع له ثلاث درجات [هن اللواتي على المنبر][ (1) ] ،
فلما صنع المنبر ووضع في موضعه، وأراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقوم على المنبر [مرّ عليه فلما جاوزه][ (2) ] ، خار [ (3) ] حتى تصدع وانشق، فنزل [ (4) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان [ (5) ] عنده في داره حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا [ (6) ] .
ومن حديث صالح بن حيان قال: حدثني ابن بريدة عن أبيه قال: قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب قام فأطال القيام، فكان يشق عليه قيامه، فأتي بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه [قائما للنّبيّ صلى الله عليه وسلم][ (7) ] ، فكان إذا خطب فطال القيام عليه استند إليه فاتكأ عليه، فبصر به رجل كان ورد المدينة [فرآه قائما إلى جنب ذلك الجذع] [ (7) ] فقال لمن يليه من الناس: لو أعلم أن محمدا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه، فإن شاء جلس ما شاء، وإن شاء قام.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائتوني به، فأتوه به فأمره أن يصنع له هذه المراقي [الثلاث أو الأربع هي الآن في منبر المدينة][ (7) ] ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك راحة، فلما فارق النبي صلى الله عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له [ (8) ] ، جزع الجذع فحن كما تحن الناقة حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم، فزعم ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه وقال: اختر أن أغرسك في المكان الّذي كنت فيه فتكون كما كنت، وإن شئت [أن][ (7) ] أغرسك في
[ (1) ] في (خ) : «وتسمعهم خطبتك» وما أثبتناه من المرجع السابق.
[ (2) ] زيادة للسياق من (سنن الدارميّ) .
[ (3) ] خرج منه صوت كصوت الثور.
[ (4) ] كذا في (خ)، وفي المرجع السابق:«فرجع إليه» .
[ (5) ] كذا في (خ)، وفي المرجع السابق:«فلم يزل عنده» .
[ (6) ](مسند الدارميّ) : 1/ 17- 18، باختلاف يسير.
[ (7) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (8) ] في (خ) : «إلى الّذي صنع له» ، وما أثبتناه من المرجع السابق.
الجنة فتشرب من أنهارها وعيونها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل كل أولياء اللَّه من ثمرك فعلت، فزعم أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: نعم قد فعلت مرتين، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختار أن أغرسه في الجنة [ (1) ] .
وقال البغوي وعبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: حدثنا عيسى بن سالم أبو سعيد الشاشي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر- يعني الرقي عن وهب عن عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع [وكان المسجد عريشا][ (2) ]، فقال رجال من أصحابه: ألا نجعل شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمع خطبتك؟ فقال: نعم، فصنع له ثلاث درجات فقام عليها كما كان يقوم، فصغى [ (3) ] إليه الجذع فقال له: اسكن، ثم [ (4) ] قال لأصحابه:[هذا الجذع حنّ إليّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسكن][ (5) ] إن تشأ غرستك [ (6) ] في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن تشأ أعيدك [ (7) ] رطبا كما كنت، فاختار الآخرة على الدنيا،
فلما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دفع إلى أبيّ فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة [ (8) ] .
قال البيهقي رحمه الله: هذه الأحاديث التي ذكرناها في أمر الحنانة كلها صحيحة، وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة، والأعلام النيرة التي أخذها الخلف عن السلف، ورواية الأحاديث فيه كالتكليف، والحمد للَّه على الإسلام والسنة، وبه العياذ والعصمة [ (9) ] .
[ (1) ](سنن الدارميّ) : 1/ 16.
[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (3) ] في (خ) : «فأصغى» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (4) ] في (خ) : «ثم التفت فقال» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (6) ] في (خ) : «أن أغرسك» وما أثبتناه من (المسند) .
[ (7) ] في (خ) : «أن أعيدك» وما أثبتناه من (المسند) .
[ (8) ](مسند أحمد) : 6/ 167، حديث رقم (20751) ، ورقم (20741) ، (20745) ، من حديث الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه.
[ (9) ](دلائل البيهقي) : 2/ 563.
وقال أبو [][ (1) ] ابن عقيل: لا ينبغي أن يتعجب من حنين الجذع ومجيء الأشجار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن من جعل في المغناطيس خاصية تجذب الحديد إليه، يجوز أن يجعل في الرسول خاصية تجذب ذلك إليه.
وقال عمرو بن سواد: قال لي الشافعيّ رحمه الله: ما أعطى اللَّه عز وجل نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم، فقلت: أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فقال:
أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الّذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذاك [ (2) ] .
[ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولم أجدها في كني الرجال.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 68.