الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عاشرا: تظليل الغمام له]
وأما تظليل الغمام له، فقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر- يعني الواقدي- قال: حدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد بدت إليهم تقيل، فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أماه، ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف، وإذا سار سارت معه حتى انتهى إلى هذا الموضع [ (1) ] .
أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح بن عبد اللَّه بن جعفر قال: وحدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قالوا: لما خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل بصرى من الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا- وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم- حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته، قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم، وإنما حمله [على دعائهم] أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من بين القوم، حتى نزلوا تحت شجرة ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت على تلك الشجرة، ثم أظلت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام، فأتى به، وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا
[ (1) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 152، باب ذكر علامات النبوة في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه، (البداية والنهاية) : 2/ 335 عن الواقدي أيضا.
يا بحيرا! ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم ولكم حق، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنّه- ليس في القوم أصغر منه- في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف، ولا يجد لها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها مختلفة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال بحيرى: يا معشر قريش! لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنّا في رحالهم، فقال: أدعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو واللَّه أوسطنا نسبا، وهو ابن أخي هذا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عبد المطلب، فقال:
الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف: واللَّه إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرى يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم،
قام إليه الراهب فقال:
يا غلام! أسألك باللات والعزى ألا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
لا تسلني باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بغضهما، قال فباللَّه إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما [بدا لك، فجعل][ (1) ] يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، تم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، قال: فقبّل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا.. وذكر الحديث [ (2) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 1/ 319- 322، قصة بحير، (طبقات ابن سعد) : 1/ 153- 155، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 168 حديث رقم (108) باب ذكر خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الشام في المرة الأولى، وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته وهو ابن عشر سنين، (تاريخ الإسلام للذهبي) : جزء السيرة النبويّة باب سفره مع عمه ص 58- 60، (دلائل البيهقي) :
2/ 24- 25، (سنن الترمذي) : كتاب المناقب باب (3) ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم (3620) وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبد اللَّه بن كعب ابن مالك، عن أم سعد بنت سعد عن نفيسة بنت منية أخت يعلي بن منية قالت:
لما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة- فذكر الحديث في خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تجارة لخديجة بنت خويلد، ومعه غلامها ميسرة، إلى أن قال-: وكان ميسرة يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره، وكان اللَّه قد ألقى على رسوله المحبة في ميسرة، فكان كأنه عبدا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما رجعوا وكانوا بمر الظهران قال: يا محمد! انطلق إلى خديجة فاسبقني فأخبرها بما صنع اللَّه لها على وجهك، فإنّها تعرف ذلك لك، فتقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها فخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك، فلما دخل ميسرة عليها أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام..، الحديث [ (1) ] .
[ (1) ](تاريخ الطبري) : 2/ 280، باب ذكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي اللَّه تعالى عنها، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 172- 174 باب ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثانيا مع ميسرة غلام خديجة رضي اللَّه تعالى عنها وقصة نسطورا الراهب، (سيرة ابن هشام) : 2/ 5، باب حديث تزويج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها، (طبقات ابن سعد) : 1/ 129- 130، باب ذكر خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الشام في المرة الثانية، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 242.