الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثاني وعشرون: استقاؤه صلى الله عليه وسلم وقد قحط المطر، فسقاهم اللَّه تعالى ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم]
وأما استسقاؤه صلى الله عليه وسلم وقد قحط المطر فسقاهم اللَّه ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم،
فخرج أبو داود من حديث يونس عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة رضي الله عنها: فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد اللَّه تعالى ثم قال: إنكم شكوت جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم اللَّه جل وعز أن تدعوه، وقد وعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد للَّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا اللَّه يفعل ما يريد، اللَّهمّ أنت اللَّه لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت إلينا قوة وبلاغا إلى حين.
ثم رفع يديه فلم ينزل الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلّب أو حوّل رداءه وهو رافع يده، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه عز وجل سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن اللَّه فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير وأني عبد اللَّه ورسوله [ (1) ] .
وذكر ابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم خرج من بقيع الغرقد متعمما بعمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين يديه، والآخر بين كتفيه، ممسكا قوسا عربية، فاستقبل القبلة فكبر، وصلى بأصحابه ركعتين جهر بالقراءة [فيهما] ، قرأ في الأولى إذا
[ (1) ](عون المعبود) : 4/ 25- 27، جمّاع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1170)، قال أبو داود: هذا حديث غريب إسناده جيد.
أهل المدينة يقرءون ملك يوم الدين، وإن هذا الحديث حجّة لهم.
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ (1) ] ، والثانية وَالضُّحى [ (2) ] ، ثم قلب رداءه، ثم حمد اللَّه وأثنى عليه، ثم رفع يديه فقال
…
، الحديث.
ذكره من حديث أحمد بن [][ (3) ]، حدثنا سعيد بن مسلم حدثني سلامة بن سليم- يقال: ابن سلمة- عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قحط الناس على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد
…
وخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء [ (4) ]، وخرجه أبو داود أيضا ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا- يعني ومد يديه وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه [ (5) ] .
[وللإمام أحمد من حديث هارون بن معروف قال: قال ابن وهب: أخبرنا حيوة، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التميمي، عن عمير مولى أبي اللحم، أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت [ (6) ] قريبا من الزوراء قائما يدعو، يستسقي رافعا كفيه لا يجاوز بهما رأسه، مقبل بباطن كفّيه إلى وجهه] [ (7) ] .
وخرجه الترمذي من حديث قتيبة قال: حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن عمير مولى آبى اللحم، عن آبى اللحم، أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت [ (6) ] يستسقي، وهو مقنع بكفيه [ (8) ] يدعو [ (9) ] .
[ (1) ] التكوير: 1.
[ (2) ] الضحى: 1.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 442، كتاب الاستسقاء، باب (1) رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (896) .
[ (5) ](عون المعبود) : 4/ 24، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1167) ، (1168) .
[ (6) ] أحجار الزيت: موضع بالمدينة من الحرة، سميت بذلك لسواد أحجارها، كأنها طليت بالزيت.
[ (7) ](مسند أحمد) : 6/ 293، حديث رقم (21437) ، وفي (خ) سياقه مضطرب ونسبه الناسخ للإمام مسلم.
[ (8) ] في (خ) : «مقنعا بكفيه يدعو» ، وما أثبتناه من رواية الترمذي.
[ (9) ](تحفة الأحوذي) : 3/ 107- 108، باب صلاة الاستسقاء، حديث رقم (554) .
قال أبو عيسى: هكذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وله صحبة [ (1) ] .
وخرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائما يخطب، فاستقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع اللَّه يغيثنا، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللَّهمّ أغثنا
…
اللَّهمّ أغثنا
…
اللَّهمّ أغثنا....
قال أنس: ولا واللَّه ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا واللَّه ما رأينا الشمس ستّا، قال: دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما فقال:
يا رسول اللَّه! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع اللَّه يمسكها عنا.
قال: فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر،
قال:
فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ فقال: ما أدري [ (2) ] . ترجم عليه البخاري باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، وقال فيه مسلم: اللَّهمّ حولنا ولا علينا.
[ (1) ] آبى اللحم بالمد: اسم رجل من قدماء الصحابة، سمى بذلك لامتناعه عن أكل اللحم أو لحم ما ذبح على النصب في الجاهلية، اسمه عبد اللَّه بن عبد الملك، استشهد يوم حنين.
وأخرجه أيضا النسائي في (السنن) : 3/ 177، حديث رقم (193)، وأبو داود في (السنن) : 4/ 22، أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1165) .
[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 645، كتاب الاستسقاء، باب (7) الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، حديث رقم (1014)، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 443، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (897)، (سنن النسائي) : 3/ 179- 180، كتاب الاستسقاء، باب (10) ذكر الدعاء، حديث رقم (1517) .
وخرجه البخاري من حديث أنس بن عياض قال: حدثنا شريك بن عبد اللَّه ابن أبي نمرّ، سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول اللَّه
…
، الحديث إلى آخره بنحو حديث إبراهيم بن جعفر غير أنه قال: اللَّهمّ اسقنا.. اللَّهمّ اسقنا.. اللَّهمّ اسقنا، وقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ على الآكام والجبال، والظراب والأودية ومنابت الشجر، [فانقطعت][ (1) ]
…
، الحديث.
وخرج البخاري [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث مالك، عن شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع اللَّه، فدعا فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! تهدمت البيوت وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ على ظهور الجبال والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.
ترجم عليه البخاري باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم.
وخرج في باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء، وقال فيه: فقال:
تهدمت البيوت وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللَّهمّ على الآكام والظراب والأودية [ (4) ]
…
، الحديث.
وخرجه في باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر، وقال فيه: فدعا
[ (1) ](المرجع السابق) : 636- 637، باب (6) الاستسقاء في المسجد الجامع حديث رقم (1013) .
[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 647، كتاب الاستسقاء، باب (12) إذا استسقوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم، حديث رقم (1019) .
[ (3) ](سنن النسائي) : 3/ 177، كتاب الاستسقاء، باب (9) كيف يرفع، حديث رقم (1514) .
[ (4) ](فتح الباري) : 2/ 646، كتاب الاستسقاء، باب (9) من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء حديث رقم (1016) .
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمطروا من جمعة إلى جمعة، فجاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول اللَّه
…
، الحديث، غير أن فيه: ورءوس الجبال [ (1) ] .
وخرج البخاري ومسلم من حديث الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: أصاب الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، قام أعرابي- وقال مسلم: فبينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة إذا قال [أعرابي يا رسول اللَّه] ! هلك المال وضاع العيال فادع اللَّه لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة ماء، فو الّذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال.
ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد، والّذي يليه حتى الجمعة الأخرى،
فقام ذلك الأعرابي- أو قام غيره- فقال يا رسول اللَّه! تهدم البناء وغرق المال، فادع اللَّه لنا، فرفع يديه [وقال] : اللَّهمّ حوالينا لا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجونة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود.
ترجم عليه البخاري باب: الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة. وقال فيه مسلم: فما يشير إلى ناحية إلا تفرجت حتى رأيت المدينة في مثل الجونة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا أخبر بجود. وخرجه البخاري أيضا في الاستسقاء في باب من تمطّر في المطر حتى يتحادر على لحيته، [بنحوه] أو قريب منه [ (2) ] .
وخرج البخاري ومسلم والنسائي رضي الله عنهم من حديث ثابت عن أنس
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 646، كتاب الاستسقاء، باب (10) الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر، حديث رقم (1017) .
[ (2) ](فتح الباري) : 2/ 524- 525، كتاب الجمعة، باب (35) الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، حديث رقم (933) ، 2/ 660، كتاب الاستسقاء، باب (24) من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته، حديث رقم (1033)، وقوله:«تمطّر» بتشديد الطاء، أي تعرض لوقوع المطر، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 445، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (9) من أحاديث الباب.
ابن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا فقالوا:
يا رسول اللَّه! قحط المطر واحمرّت الشجر وهلكت البهائم، فادع اللَّه لنا أن يسقينا، فقال: اللَّهمّ اسقنا مرتين، وأيم اللَّه ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل، فادع اللَّه يحبسها عنا.
فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي شكل الإكليل.
ترجم عليه البخاري باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا [ (1) ] .
وخرجه مسلم بنحوه وزاد: وألف اللَّه بين السحاب ومكثنا، حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله [ (2) ]، وخرجه من حديث أسامة أن حفص ابن عبد اللَّه بن أنس حدثه أنه سمع أنس بن مالك يقول: جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو على المنبر
…
، واقتصّ الحديث وزاد: فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى [ (3) ] .
وخرج البخاري [ (4) ] ، وأبو داود [ (5) ] وقاسم بن أصبغ من حديث حماد عن عبد
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 651، كتاب الاستسقاء، باب (14) الدعاء إذا كثر المطر:«حوالينا ولا علينا» ، حديث رقم (1021)، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 446، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (10) من أحاديث الباب، والإكليل بكسر الهمزة:
قال أهل اللغة: هي العصابة، وتطلق على كل محيط بالشيء، (سنن النسائي) : 3/ 178- 179، كتاب الاستسقاء، باب (10) وذكر الدعاء، حديث رقم (1516) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 447، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (12) من أحاديث الباب.
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 447، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (12) من أحاديث الباب.
[ (4) ](فتح الباري) : 6/ 729، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3582) .
[ (5) ](عون المعبود) : 4/ 27- 28، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1171) .
العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبينما هو يخطب بهم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول اللَّه، هلك الكراع وهلك الشاء، فادع اللَّه لنا أن يسقينا، فمد يديه فدعا، قال أنس: وإن السماء كمثل الزجاجة، فهاجت ريح أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عز اليها.
فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم نزل نمطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل فقال: يا رسول اللَّه! تهدمت البيوت فادع اللَّه أن يحبسه، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل.
ولفظهم فيه متقارب جدا، وانتهى قاسم إلى قوله: إلى الجمعة الأخرى، ثم أحاله على حديث مالك المتقدم.
وخرج البخاري من حديث أبي عوانة، عن قتادة عن أنس، ومن حديث سعيد عن قتادة عن أنس، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالمدينة فقال: قحط المطر فاستسق ربك، فنظر إلى السماء وما نرى من سحاب، فاستسقي فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة، فما زالت إلى الجمة المقبلة ما تقلع.
ثم قام ذلك الرجل أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: غرقنا، فادع ربك يحبسها عنا، فضحك ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا- مرتين أو ثلاثا- فجعل السحاب يتصدع عن المدينة يمينا وشمالا، يمطر ما حوالينا ولا يمطر منها على شيء، يريهم اللَّه كرامة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجابة دعوته.
ذكره في كتاب الأدب في باب التبسم والضحك [ (1) ] ، وذكره في [كتاب] الدعاء في باب الدعاء غير مستقبل القبلة من حديث أبي عوانه [ (2) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 10/ 618، كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك، حديث رقم (6093)، قال أهل اللغة: التبسم مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك، وهي الثنايا والأنياب، وما يليها وتسمى النواجذ.
[ (2) ](فتح الباري) : 11/ 172، كتاب الدعوات، باب (24) الدعاء غير مستقبل القبلة، حديث رقم (6342) .
وخرج قاسم بن أصبغ من حديث سهل بن يوسف، عن حميد قال: سئل أنس:
هل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء؟ فقال: نعم، شكى الناس إليه ذات جمعة فقالوا يا رسول اللَّه! قحط المطر وأجدبت الأرض وهلك المال، قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه، وما في السماء قزعة سحابة، فما صلينا حتى أن الشاب القوي القريب المنزل ليهمنه الرجوع إلى منزله، قال: فدامت علينا جمعة، قال:
فقالوا: يا رسول اللَّه؟ تهدمت الدور واحتبس الركبان، قال: فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فأصحت السماء.
وذكر البخاري- غفر اللَّه ذنوبه- في باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، من حديث سليمان بن بلال قال: قال يحيى بن سعيد: سمعت أنس ابن مالك [يقول:] أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفعوا أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، يشق المسافر ومنع الطريق [ (1) ] .
وذكر أبو عمر بن عبد البر- رحمة اللَّه عليه- عن موسى بن عقبة، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجدبت عليهم السنة، فقال: يا رسول اللَّه! إنه مرت بنا سنون كسنى يوسف، فادع اللَّه لنا، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المنبر يجر رداءه وحوّله عن كتفه ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا هزجا نجحا، فما استتم الدعاء حتى استقلت سحابة تمطر سحا، فلم يزل كذلك حتى قدم أهل الأسافل يصيحون: الغرق، فضحك عليه السلام حتى بدت نواجذه ثم قال: للَّه درّ أبو طالب! لو كان حاضرا لقرت عيناه، أما منكم أحد ينشدني شعره؟ فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 656، كتاب الاستسقاء، باب (21) ، رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، حديث رقم (1029) ، وقد تضمنت هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفي بدعاء الإمام في الاستسقاء.
فقال: لعلك تريد [يا] رسول اللَّه قوله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
…
ربيع اليتامى عصمة للأرامل
فقال الأعرابي- وكان من مزينة-:
للَّه الحمد والحمد ممن شكر
…
سقينا بوجه النبي المطر
دعا ربه المصطفى دعوة
…
فأسلم معها إليه البصر
فلم يك إلا أن ألقى أفردا
…
وأسرع حتى لقينا الدرر
ولم ترجع الكف عند الدعا
…
إلى النحر حتى أفاض الغدر
سحاب وما في أديم السما
…
سحاب يراه الحديد النظر
فكان كما قال عمه
…
وأبيض يسقي به ذو غدر
به ينزل اللَّه غيث السما
…
فهذا العيان لذاك الخبر
فمن يشكر اللَّه يلقى المزيد
…
ومن يكفر اللَّه [يلق] الغبر
قال موس بن عقبة: فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم راحلتين وكساه صلى الله عليه وسلم ثوبا.
قال أبو عمر- رضي الله عنه: وقد روي هذا الخبر عن مسلم الملائي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه بغير هذه الألفاظ، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! أتيناك وما لنا صبي يصطبح، ولا بعير يئط [ (1) ]، وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمي لبانها
…
وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه وخرّ استكانة
…
من الجوع هرما ما يمر وما يحلى
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا
…
سوى الحنظل العافي والغلمة الفشل
وليس لنا إلا إليك فرارنا
…
وأين فرار الناس إلا إلى الرسل؟
فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر، فرفع يديه ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، تملأ به الضرع وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون.
[ (1) ] يئط: بفتح أوله وكسر الهمزة، وفي رواية: يغط بالمعجمة، والأطيط: صوت البعير المثقل، والغطيط:
صوت النائم كذلك، وكنّى بذلك عن شدة الجوع، لأنهما إنما يقعان غالبا عن الشبع، (فتح الباري) : 2/ 629.
قال: فما ردّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه حتى التفت السماء بأزواجها، وجاء أهل البطاح يضجون: الغرق
…
الغرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: للَّه در أبي طالب، لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدني قوله: فقال علي رضي الله عنه: أنا يا رسول اللَّه، لعلك تريد قوله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطيف به الهلّال من آل هاشم
…
فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت اللَّه يبزي محمدا
…
ولما نقاتل حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرّع حوله
…
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أجل، فقام رجل من كنانة فقال:
لك الحمد والحمد ممن شكر
…
[سقينا بوجه النبي المطر]
فذكر الأبيات، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن بك شاعرا حسن، فقد أحسنت.
وخرج البخاري- رضي الله عنه ورحمه- من حديث عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، عن أبيه، سمعت أن عمر يتمثل بشعر أبي طالب يقول:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ (1) ]
وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه، ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وهو قول أبي طالب [ (2) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 628، كتاب الاستسقاء، باب (3) سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث رقم (1008) .
[ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (1009)، قال الحافظ في (الفتح) : قال السهيليّ: فإن قيل: كيف قال أبو طالب: «يستسقى الغمام بوجهه» ، ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة؟
وأجاب بما حاصله: إن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش، والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام.
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه، وإن لم يشاهد-
هكذا أورد البخاري- رحمه اللَّه تعالى- هذا الحديث تعليقا، وقد أسنده تقي ابن مخلد فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو النصر، حدثنا أبو عقيل عبد اللَّه بن عقيل، حدثنا علي بن حمزة، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تعالى عنهما- حدثنا سالم عن أبيه- رحمة اللَّه تعالى عليه- قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر يستسقى، فما ينزل- عليه الصلاة والسلام حتى يجيش كل ميزاب، فأذكر قول الشاعر حيث يقول- وهو قول أبي طالب-:
وأبيض [ (1) ] يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال [ (2) ] اليتامى عصمة [ (3) ] للأرامل [ (4) ]
[ () ] وقوعه. وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، لما أخبره بحيرا أو غيره من شأنه.
ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما. ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب، وزعم في أوله أنه كان مسلما، وأنه مات على الإسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر، وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والردّ عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه.
وقد بين الحافظ ابن حجر فساد ذلك كله في:
- ترجمة أبي طالب من كتاب (الإصابة) .
- ترجمة أبي طالب من كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في شرح البخاري، (فتح الباري) : 2/ 631 مختصرا.
[ (1) ] قوله: «وأبيض» بفتح الضاد، وهو مجرور بربّ مقدّرة، أو منصوب بإضمار أعنى أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله:«سيدا» في البيت الّذي قبله:
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا
…
يحوط الذمار بين بكر ووائل
[ (2) ] قوله: «ثمال» بكسر المثلثة وتخفيف الميم: هو العماد، والملجأ، والمطعم، والمعين، والمغيث، والمكافئ، وقد أطلق على كل من ذلك.
[ (3) ] عصمة: أي يمنعهم مما يضرهم.
[ (4) ] الأرامل: جمع أرملة، وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا.
وهذا البيت من أبيات قصيدة طويلة، ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، [وهي أكثر من تسعين بيتا]، أولها:
ولما رأيت القوم لاودّ فيهم
…
وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل
وآخرها
فإن تك كعب من لؤيّ صقيبة
…
فلا بدّ يوما مرة من تزايل
قال ابن هشام بعد أن أوردها كاملة وشرح غريبها: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. (سيرة ابن هشام) : 2/ 108- 116، شعر أبي طالب في معاداة خصومه.
وخرج أبو محمد بن حبان من حديث مروان بن أبي معاوية قال: حدثنا محمد ابن أبي ذؤيب المدني، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن حاطب الجمحيّ، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي [ (1) ] قال: لما قفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أتاه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا، فيهم: خارجة بن حصن، والجدّ [ (2) ] ابن قيس- وهو أصغرهم، ابن أخي عيينة بن حصن- فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الأنصار، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون، فأتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام فسألهم عن بلادهم فقالوا: يا رسول اللَّه أسنتت بلادنا، وأجدب جنابنا، وعريت عيالنا، وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا وتشفّع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبحان اللَّه!! ويلك، أنا شفعت إلى ربي، فمن ذا الّذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرّحل الجديد [ (3) ] .
[ (1) ] هو يزيد بن عبيد أبو وجزة- بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي، كما في (التقريب) - السعديّ المدني الشاعر، ذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال الواقدي ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير وغيرهما: مات سنة ثلاثين ومائة، وذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة، وقال: كان ثقة قليل الحديث، شاعرا عالما، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وحكى المرزباني قولا: أن اسم أبيه مسلم. (تهذيب التهذيب) : 11/ 305، ترجمة رقم (569) .
ويزيد بن عبيد هذا له في (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) حديثان: رقم (5211، 5215)، ليس من بينهما هذا الحديث. (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 18/ 272، فهرس الرواة.
[ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «الحرّ بن قيس» مضبوطة بضم الحاء والراء، وهو خطأ، وما أثبتناه من (خ) ، وابن هشام في (السيرة) ،
والجد بن قيس هذا هو الّذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا جدّ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر- يعني الروم- فقال: يا رسول اللَّه، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو اللَّه لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشدّ عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك.
ففي الجدّ بن قيس نزلت هذه الآية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة: 49] ، أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر، بتخلفه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والرغبة بنفسه عن نفسه.
(سيرة ابن هشام) : 5/ 195- 196. غزوة تبوك.
[ (3) ] إنما هو كلام تقريب، أريد به تقريب عظمة اللَّه عز وجل، وفي الحديث: العرش على منكب إسرافيل وإنه ليئطّ أطيط الرّحل الجديد، يعني كور الناقة أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان-
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن اللَّه ليضحك من شعثكم وأذاكم وقرب غياثكم، فقال الأعرابي: أو يضحك ربنا يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، فقال الأعرابي: لن نعدم يا رسول اللَّه من رب يضحك خيرا، فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قوله، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر، وتكلم بكلمات ورفع يديه- وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء- فرفع يديه صلى الله عليه وسلم رئي بياض إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه: اللَّهمّ اسق بلدك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا، مريا مريعا، طبقا واسعا، عاجلا غير آجل، نافعا غير ضار، اللَّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللَّهمّ اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء.
فقام أبو لبابة بن عبد المنذر فقال: يا رسول اللَّه! إن التمر في المرابد فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا فقال أبو لبابة: يا رسول اللَّه إن التمر في المرابد [ثلاث مرات] ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره.
قال: فلا واللَّه ما في السماء من قزعة سحاب، وما بين المسجد وسلع [ (1) ] من بناء ولا دار، فطلعت من وراء سلع [ (1) ] سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت، فو اللَّه ما رأوا الشمس ستّا، فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا [يخرج][ (2) ] التمر منه.
فقال الرجل- يعني الّذي سأله أن يستسقى لهم-: [يا رسول اللَّه][ (2) ] هلكت الأموال وانقطعت السبل، فصعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المنبر، فدعا ورفع يديه مدا حتى رئي بياض إبطيه ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب [ (3) ] .
[ () ] معلوما أن أطيط الرّحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله، وفي حديث الاستسقاء:
لقد أتيناك وما لنا بعير يئطّ، أي يحنّ ويصيح، يريد ما لنا بعير أصلا، لأن البعير لا بدّ أن يئط. وفي المثل: لا آتيك ما أطّت الإبل. (لسان العرب) : 7/ 256.
[ (1) ] اسم جبل.
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 6/ 143- 144، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 449، حديث رقم (371) .
ولأبي عبد الرحمن بن أبي حاتم، من حديث عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي لبابة: عن عبد اللَّه بن المنذر الأنصاري [ (1) ]، قال: استسقى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يوم الجمعة فقال: اللَّهمّ اسقنا، [اللَّهمّ اسقنا][ (2) ]، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول اللَّه، إن التمر في المرابد وما في السماء سحاب نراه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول اللَّه، إن التمر في المرابد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بإزاره، فأزبدت السماء وأمطرت، وصلى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
ثم طاف الأنصار بأبي لبابة يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء واللَّه لن تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده [ (3) ] بإزاره، فأقلعت السماء [ (4) ] .
وخرج البيهقي من حديث يحيى بن أيوب قال: حدثنا ابن زحر، عن علي ابن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي قال: قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما ضحى في المسجد، فكبر ثلاث تكبيرات ثم قال: اللَّهمّ اسقنا- ثلاثا- اللَّهمّ ارزقنا سمنا، ولبنا، وشحما، وما نرى في السماء سحابا، فثارت ريح وغبرة، ثم اجتمع سحاب فغمت السماء، فصاح أهل الأسواق، فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وانصرفت أمشي بمشيه وهو يقول: هذا أحدثكم عهدا بربه [ (5) ] .
وخرج من حديث شبابة قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة: عن سالم ابن أبي الجعد، بن السبط قال لكعب بن مرة- أو مرة بن كعب- البهري، حدّثنا بحديث سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للَّه أبوك، واحذر، قال: دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على مضر، فأتاه أبو سفيان فقال: يا رسول اللَّه! إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم، قال شعبة: وزاد حبيب بن أبي ثابت فيه بهذا الإسناد، أن أبا سفيان قال
[ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «عن أبي أمامة بن عبد المنذر الأنصاري» .
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] ثعلب المربد: مكان خروج الماء منه، والمربد: ما يجمع فيه التمر.
[ (4) ] المرجع السابق: 145.
[ (5) ](دلائل البيهقي) : 6/ 145.
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: إني أتيتك من عند قوم لم يخطم لهم فحل ولم يتزود له راع، ثم رجع إلى حديث عمرو، فقال [النبي] صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مغيثا، غدقا طبقا مريعا نافعا، غير ضار، عاجلا غير رائث، قال شعبة: وزاد حبيب بن أبي ثابت قال: فما لبثنا غير جمعة حتى مطرنا [ (1) ] .
وخرج أبو نعيم من حديث جرير [بن حازم] قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قال: بينا نحن عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ احتاج الناس إلى وضوء، فالتمسوا في الركب ماء فلم يجدوا، فجاءني عمي معوذ بن عفراء فقال لي: يا بنية هل في إداوتك ماء يتوضأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: لا، والّذي بعثه بالحق ما فيها شيء، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: ما في الركب ماء، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأمطرت حتى استقى الناس وسقوا.
[ (1) ](المرجع السابق) : 145- 146.