الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حادي وعشرون: نزول المطر بطريق تبوك عند دعائه صلى الله عليه وسلم، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال أحد المنافقين]
وأما [نزول] المطر بطريق تبوك عند دعائه وقد اشتد عطش الناس، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال المنافق، فخرج البيهقي من حديث ابن وهب قال:
أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه، قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا من شأن ساعة العسرة.
فقال عمر رضي الله عنه: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل يذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما يبقى على كبده، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
يا رسول اللَّه، إن اللَّه عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا، فادع اللَّه لنا، قال:
أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت، ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها قد جاوزت العسكر [ (1) ] .
وخرجه ابن حبان [ (2) ]رحمه الله من حديث سعيد بن أبي هلال، عن نافع ابن جبير، فسقط بين سعيد وبين نافع رجل، وهو عتبة بن أبي عتبة، كما رواه البزار في مسندة، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك [ (3) ]، قال الطبراني:
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 5/ 231، باب تسمية غزوة تبوك بالعسرة، وما ظهر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في بقية الأزواد وفي الماء، وإخباره عن قول المنافقين في غيبته، ثم بموضع ناقته من آثار النبوة، ورواه أيضا الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 6/ 194- 195، وقال: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، ورجال البزار ثقات.
[ (2) ](الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 4/ 223، كتاب الطهارة، باب (19) النجاسة وتطهيرها، ذكر الخبر الدال على أن فرث ما يؤكل لحمه غير نجس، حديث رقم (1383)، وقال في هامشه: إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين خلا حرملة بن يحيى، فإنه من رجال مسلم فقط.
[ (3) ](المستدرك) : 1/ 263، كتاب الطهارة، حديث رقم (566/ 121)، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد ضمّنه سنّة غريبة، وهو أن الماء إذا خالط-
لم يروه عن نافع بن جبير إلا عتبة لعروبة بن سعيد، وسئل عند الدار الدّارقطنيّ في (العلل) فذكر الاختلاف في زيادة عتبة فيه وسقوطه وقال: القول قول من ذكر عتبة بن أبي عتبة، وهو عتبة بن مسلم. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وخرج البيهقي من حديث يونس عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: أصبح الناس [ولا ماء معهم] ، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدعا اللَّه تعالى فأرسل سحابة فأمطرت، حتى [ارتوى] الناس واحتملوا حاجتهم من الماء.
قال عاصم: وأخبرني رجال من قومي أن رجلا من المنافقين كان معروفا نفاقه، كان يسير مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيث سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان، ودعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين دعا، فأرسل اللَّه تعالى سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، فأقبلنا عليه فقلنا: ويحك! هل بعد هذا من شيء؟ قال: سحابة مارة [ (1) ] .
وقال الواقدي- عفا اللَّه عنه ورحمه-: وارتحل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أصبح ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على غير ماء، قال عبد اللَّه بن أبي حدره: فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة فدعا، ولا واللَّه ما أرى في السماء سحابا، فما برح يدعو حتى لأني انظر إلى السماء تأتلف من كل ناحية، فما رام مقامه حتى سحت علينا السماء بالرواء، فكأني أسمع تكبير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المطر، ثم كشفت السماء عنّا من ساعتها، وإن الأرض لغدر تناخس [ (2) ] ، فسقى الناس وارتووا من آخرهم، وأسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:
أشهد أني رسول اللَّه.
فقلت لرجل من المنافقين: ويحك! بعد هذا شيء؟ فقال سحابة مارة، وهو أوس بن قيظي، ويقال زيد بن اللّصيت.
قال: ثم ارتحل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موجّها لماء تبوك فأصبح في منزل، فضلت
[ () ] فرث ما يؤكل لحمه لم ينجسه، فإنه لو كان ينجس الماء لما أجاز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمسلم أن يجعله على كبده حتى ينجس يديه.
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 5/ 231- 232، (سيرة ابن هشام) : 5/ 202.
[ (2) ] غدر: جمع غدير، تناخس: أي يصب بعضها في بعض، (النهاية) : 4/ 133.
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم [القصواء] ، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمارة ابن حزم [عقبى بدريّ قتل يوم اليمامة شهيدا][ (1) ] ، وكان في رحله زيد بن أبي اللصيت أحد بني قينقاع، كان يهوديا فأسلم ونافق، وكان فيه خبث اليهود وغشّهم- وكان مظاهرا لأهل النفاق- فقال زيد وهو في رحل عمارة، وعمارة عند النبي صلى الله عليه وسلم:
أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء؟ وهو لا يدري أين ناقته!!.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن منافقا يقول: إن محمدا يزعم أنه نبي وهو يخبركم بأمر السماء؟ ولا يدري أين ناقته!! وإني واللَّه لا أعلم إلا ما علمني اللَّه، وقد دلني عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا- أشار لهم إليه- حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوا بها، فذهبوا فجاءوا بها،
فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال: العجب من شيء حدثناه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقاله قائل أخبره اللَّه عنه، قال: كذا وكذا للذي قال زيد، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائل هذه المقالة زيد قبل أن يطلع علينا، قال: فأقبل عمارة على زيد بن اللصيت يجأه [ (2) ] في عنقه ويقول: واللَّه إن في رحلي لداهية، وما أدري، أخرج يا عدو اللَّه من رحلي.
وكان الّذي أخبر عمارة بمقالة زيد أخوه عمرو بن حزم، وكان في الرحل مع رهط من أصحابه، والّذي ذهب فجاء بالناقة من الشعب الحارث بن خزمة الأشهلي، وجدها وزمامها قد تعلق في شجرة، فقال زيد بن اللصيت: لكأنّي لم أسلم إلا اليوم، قد كنت شاكا في محمد، وقد أصبحت وأنا فيه ذو بصيرة، فأشهد أنه رسول اللَّه، فزعم الناس أنه تاب، وكان خارجة بن زيد بن ثابت ينكر توبته ويقول: لم يزل فسلا [ (3) ] حتى مات [ (4) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] يجأه: أي يضربه.
[ (3) ] الفسل من الرجال: الرذل.
[ (4) ](مغازي الواقدي) : 3/ 1008- 1010، (سيرة ابن هشام) : 5/ 202- 203، تقوّل ابن اللصيت، عن ابن إسحاق.