الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثاني وثلاثون: زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم]
وأما زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم عند مرجعه من الحديبيّة ومرجعه من تبوك،
فخرج البخاري ومسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: خفّت أزواد الناس وأملقوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر رضي الله عنه، فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
[ناد] الناس فيأتون بفضل أزوادهم، فبسط لذلك [نطعا] فجعلوه فوق النطع، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدعا وبرّك، ثم دعاهم بأوعيتهم، فاجتنى الناس حتى فرغوا، ثم قال:
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه [ (1) ] .
وخرج مسلم والنسائي من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا عبيد اللَّه الأشجعي، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، قال: فنفدت أزواد القوم، قال: حتى هموا بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول اللَّه! لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت اللَّه عليها؟ قال:
ففعل، قال: فجاءه ذو البر ببرّه، وذو التمر بتمره، قال: وقال مجاهد: وذو النواة بنواه، قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: يمصونه ويشربون عليه الماء، قال:
فدعا عليها، قال: حتى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك إلا دخل الجنة [ (2) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 5/ 161- 162، كتاب الشركة، باب (1) الشركة في الطعام والنهد والعروض، حديث رقم (2484)، (فتح الباري) : 6/ 159- 160، كتاب الجهاد والسير باب (123) حمل الزاد في الغزو، وقول اللَّه عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة: 197] ، حديث رقم (2982)، وقول عمر رضي الله عنه:«ما بقاؤكم بعد إبلكم» أي لأن توالي المشي ربما أفضى إلى الهلاك. قال ابن بطال: استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء إلزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع، لما في ذلك من صلاح الناس، وفيه جواز المشورة على الإمام بالمصلحة، وإن لم يتقدم منه الاستشارة. مختصرا من (فتح الباري) : 6/ 161.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 1/ 332- 336، كتاب الإيمان، باب (10) الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث رقم (27) .
وخرجه النسائي من حديث أبي أسامة عن مالك- وهو ابن مغول- عن طارق أبي صالح قال: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مسير إذ نفذت أزواد القوم
…
، وساق الحديث مرسلا. ذكره في الجهاد [ (1) ] .
وخرج مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة- أو عن أبي سعيد، شك الأعمش- قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول اللَّه! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلناها وادّهنّا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: افعلوا، قال: فجاء عمر فقال: يا رسول اللَّه! إن فعلت قال الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع اللَّه عليها بالبركة، لعل اللَّه أن يجعل في ذلك.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: فدعا بنطع فبسطه، ثم دعي بفضل أزوادهم، قال: جعل الرجل يجيء بكف ذره، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال:
فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبركة وقال: خذوا في أوعيتكم، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة [ (2) ] .
وخرج أيضا في آخر كتاب اللقطة [ (3) ] من حديث النّضر بن محمد اليمامي قال:
حدثني عكرمة- وهو ابن عمار- قال: حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم فجمعنا أزوادنا، فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع، فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحزرته كربضة العنز، ونحن أربع عشرة مائة
[ (1) ] لعله في (السنن الكبرى) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 1/ 337- 339، حديث رقم (45) من أحاديث الباب، وفي هذا الحديث جواز خلط المسافرين أزوادهم وأكلهم مجتمعين، وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، وقد نصّ أصحابنا على أن ذلك سنة. واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) .
[ (3) ] في (خ) : «الأقضية» ، وهو خطأ من الناسخ.
قال: فأكلنا حتى شبعنا، ثم حشونا جربنا، فقال نبيّ اللَّه صلى الله عليه وسلم: فهل من وضوء؟
قال: فجاء رجل بإداوة فيها نطفة ماء فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشر مائة، قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فرغ الوضوء [ (1) ] .
وقال البيهقي- رحمة اللَّه عليه-: ورواه عاصم بن عبيد اللَّه، عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال في غزوة تبوك، وروى عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة، وروى عن أبي حبيش الغفاريّ قال: خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تهامة حتى كنا بعسفان، فذكر القصة وزاد: ثم أذن بالرحيل فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، فنزل ونزلوا، وشربوا من ماء السماء. والأحاديث كلها متفقة في دعائه في بقية الأزواد، وإجابة اللَّه تعالى دعاءه بظهور البركة فيها حتى ملئوا أوعيتهم وفضلت فضلة [ (2) ] .
وخرج مسلم من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: لما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الحديبيّة، كلمه بعض أصحابه فقالوا:
جهدنا وفي الناس ظهر فانحره لنا فنأكل من لحومه، ولندهن من شحومه، ولنحتذي من جلوده، فقال عمر بن الخطاب: لا تفعل يا رسول اللَّه، فإن الناس إن يكن
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 276- 278، كتاب اللقطة، باب (5) استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمؤاساة فيها، حديث رقم (1729)، وربضة العنز: أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة، قوله: ندغفقه دغفقة: أي نصبّه صبّا شديدا، وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هما تكثير الطعام، وتكثير الماء هذه الكثرة الظاهرة، قال المازري في تحقيق المعجزة: في هذا أنه كلما أكل منه جزء أو شرب جزء، خلق اللَّه تعالى جزءا آخر، وفي هذا الحديث استحباب المواساة في الزاد، وجمعه عند قلته، وجواز أكل بعضهم مع بعض في هذه الحالة، وليس هذا من الربا في شيء، وإنما هو من نحو الإباحة، وكل واحد مبيح لرفقته الأكل من طعامه، وسواء تحقق الإنسان أنه أكل أكثر من حصته أو دونها أو مثلها، فلا بأس بهذا، لكن يستحب له الإيثار والتعلل، ولا سيما إن كان في الطعام قلة، واللَّه تعالى أعلم، مختصرا من (المرجع السابق) : 287- 288، (دلائل البيهقي) : 4/ 118- 119.
[ (2) ](دلائل البيهقي) 5/ 230- 231.
معهم بقية ظهر أمثل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبسطوا أنطاعكم وعباءكم، ففعلوا، ثم قال: من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينتره، ودعا لهم ثم قال: قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء اللَّه [ (1) ] .
وخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن أبي الطفيل، عن عبد اللَّه بن عباس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما نزل مرّ في صلح قريش، قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه، لو انتحرنا من ظهورنا فأكلنا من لحومها وشحومها وحسونا من المرق وأصبحنا غدا إذا غدونا عليهم وبنا جمام، قال: لا، [ولكن ائتوني][ (2) ] بما فضل من أزوادكم، فبسطوا أنطاعا ثم صبوا عليها فضول ما فضل من أزوادهم، فدعا عليهم [ (3) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبركة، فأكلوا حتى تضلعوا، [شبعا][ (2) ] ثم لفّفوا ما فضل من أزوادهم في جربهم [ (4) ] .
وقال الواقدي في مغازيه: قام [ (5) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحديبية بضعة عشرة يوما- ويقال: عشرين ليلة- فلما انصرف من الحديبيّة نزل بمر الظهران، ثم نزل عسفان فأرملوا [ (6) ] من الزاد، فشكى الناس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنهم قد بلغوا [ (7) ] الجهد من الجوع، [وفي الناس ظهر وقالوا:] [ (8) ] ، ننحر يا رسول اللَّه وندّهن من شحومه، ونتخذ من جلوده حذاء، فأذن لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبر بذلك عمر ابن الخطاب، فجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يكن في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن ادعهم بأزوادهم، ثم ادع اللَّه فيها، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأنطاع فبسطت، ثم نادى مناديه: من كان عنده بقية من زاد
[ (1) ] لم أجده بهذه السياقة في (صحيح مسلم) ، ولكن أحاديث الباب تؤيده وتشهد على صحته، وقد رواه البيهقي في (دلائل النبوة) : 4/ 119.
[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (3) ] في (خ) : «عليها» .
[ (4) ](دلائل البيهقي) : 4/ 120.
[ (5) ] في (خ) : «وأقام» .
[ (6) ] أرمل القوم: إذا نفد زادهم.
[ (7) ] كذا في (خ)، وفي (مغازي الواقدي) :«قد بلغوا من الجوع» .
[ (8) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
فلينثره على الأنطاع، قال أبو شريح الكعبيّ: فلقد رأيت من يأتي بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتي بالكف من الدقيق والكف من السويق، وذلك كله قليل، فلما اجتمعت أزوادهم، وانقطعت موادّهم،
مشى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليها، فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم فجاءوا بأوعيتهم.
قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد، حتى أن الرجل ليأخذ ما لا يجد له محملا، ثم أذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونزلوا معه، فشربوا من ماء السماء [ (1) ] ، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد معرضا،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟
قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: أما الأول فاستحيا، فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، أما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد- رحمه الله من حديث الأوزاعي قال: حدثني أبي قال:
كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهرهم وقالوا: يبلغنا اللَّه به، فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد همّ أن يأذن لهم في نحر ظهرهم.
قال: يا رسول اللَّه! كيف بنا إذا لقينا العدو غدا جياعا رجالا، ولكن إن رأيت يا رسول اللَّه، أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم، فتجمعها ثم تدعو اللَّه فيها بالبركة، فإن اللَّه تبارك وتعالى سيبلغنا بدعوتك- أو قال: سيبارك لنا في دعوتك- فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس ببقايا أزوادهم.
فجعل الناس يجيئون بالحفنة- وقال بعضهم: بالحثية- من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قام فدعا ما شاء اللَّه أن يدعو، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، وأمرهم أن يجيشوا [ (3) ] ، فما
[ (1) ] كذا في (خ)، وفي المرجع السابق:«من الماء» .
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 616- 617.
[ (3) ] كذا في (خ)، وفي (مسند أحمد) :«يحتثوا» .
بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقي مثله، فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد مؤمن بهما إلا حجبته عن النار [ (1) ] .
وخرج البيهقي- رحمه اللَّه تعالى- من حديث سعيد بن سلمة قال: حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن [عبد اللَّه بن][ (2) ] أبي ربيعة، أنه سمع أبا خنيس الغفاريّ يقول: خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تهامة، حتى إذا كنا بعسفان جاء أصحابه فقالوا: يا رسول اللَّه! جهدنا الجوع فأذن لنا في الظّهر أن نأكله، قال: نعم، فأخبر بذلك عمر رضي الله عنه فقال: يا نبي اللَّه! ما صنعت؟ أمرت الناس أن يأكلوا الظهر، فعلام يركبون؟ قال: فما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: أن تأمرهم- وأنت أفضل رأيا- فيجمعوا فضل [ (3) ] أزوادهم في ثوب، ثم تدعو اللَّه لهم، فإنّ اللَّه يستجيب لك.
فأمرهم فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب، ثم دعا اللَّه لهم ثم قال: ائتوا بأوعيتكم، فملأ كل إنسان وعاءه، ثم أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا معه، وشربوا من ماء السماء وهم بالكراع، ثم خطبهم به، فجاء ثلاثة، فجلس اثنان مع النبي صلى الله عليه وسلم وذهب آخر معرضا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما واحد فاستحيا من اللَّه فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فأقبل تائبا إلى اللَّه فتاب اللَّه عليه، وأما الآخر فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (4) ] .
[ (1) ](مسند أحمد) : 4/ 429، حديث رقم (15023)، ونحوه أو قريب منه في (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 464- 465، حديث رقم (6530) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] في المرجع السابق: «أفضل» .
[ (4) ](دلائل البيهقي) : 6/ 122، والجزء الأخير من هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم (فتح الباري) : 1/ 207، باب (8) من فعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجه في الحلقة فجلس فيها، حديث رقم (66) ، وفي كتاب الصلاة، باب (84) الحلق والجلوس في المسجد، حديث رقم (474) .
وقال الواقدي في مغازيه: فلما أجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسير من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فيأكلوها، فأذن لهم، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في خيمة له فقال: أذنت للناس في نحر [حمولتهم يأكلونها][ (1) ] ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: شكوا إلى ما بلغ منهم من الجوع، فأذنت لهم ينحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم وهم قافلون إلى أهليهم،
قال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من ظهر يكون خيرا، فالظهر اليوم رقاق [ (2) ] ، ولكن ادع بفضل أزوادهم ثم اجمعها، فادع فيها بالبركة، كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرملنا، فإن اللَّه سبحانه وتعالى مستجيب لك.
فنادى منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من كان عنده فضل زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمد الدقيق والسويق أو التمر، أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر، فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (3) ] حرزا [ (4) ] ، ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين، ثم دعا اللَّه تعالى أن يبارك فيه.
فكان أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميدي الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، قالوا: ثم انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنادى مناديه [هلموا][ (1) ] إلى الطعام خذوا منه حاجتكم.
فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه، فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز، وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا ما كفاني إلى المدينة،
[ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] رقاق: جمع رقيق أي ضعيف.
[ (3) ] الأفراق: جمع فرق، وهو مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، أو يسع ستة عشر رطلا أو أربعة أرباع.
[ (4) ] الحرز: التقدير والخرص.
فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم، حتى كان آخرهم ذلك أن أخذت الأنطاع ونثرنا [ (1) ] ما عليها، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول- وهو واقف-:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني عبده ورسوله، وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حر النار [ (2) ] .
وقد رويت هذه القصة من طرق: فرواها [أبو نعيم] من طريق عاصم بن عبيد اللَّه ابن عاصم بن عمر عن أبيه، عن جده عمر قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بعين الروم- التي يقال لها غزوة تبوك- يقول: أصحابنا جوع شديد فقلت:
يا رسول اللَّه! نلقى العدو غدا وهم شباع ونحن جياع، فخطب الناس ثم قال:
من كان عنده فضل طعام فليأتنا به، وبسط نطعا فأتى بتسع وعشرين صاعا فجلس ودعا بالبركة، ثم دعا الناس وقال: خذوا، فأخذوا حتى جعل الرجل يربط كم قميصه ثم يأخذ فيه، ففضل فضلة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يقولها رجل فيدخل النار [ (3) ] .
وفي رواية ابن إسحاق رضي الله عنه، عن يزيد مولى نوفل بن الحارث، عن عاصم بن عبيد اللَّه، عن عاصم بن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقلت: يا رسول اللَّه! يخرج إلينا الروم وهم شباع ونحن جياع، وأرادت الأنصار أن ينحروا نواضحهم.
فإذا منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينادي في الناس: من كان عنده فضل من زاد فليأتنا به، فحرزنا جميع ما جاءوا به فوجدناه سبعا وعشرين صاعا، فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فدعا فيه ثم قال: أيها الناس، خذوا ولا تنتبهوا، قال: فأخذوا في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه حتى صدروا، وإنه نحو مما كانوا أخذوه.
[ (1) ] في (مغازي الواقدي) : «ونثر» .
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 3/ 1037- 1039، وهذه القصة جزء من حديث طويل سنده: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر
…
، وساق القصة من أولها. (المرجع السابق)1036.
[ (3) ](دلائل أبي نعيم) : 2/ 418- 419، حديث رقم (325) ، (326) من الفصل الثاني والعشرين، في ربو الطعام بحضرته وفي سفره، لكن بسياقات مختلفة، وأسانيد مختلفة.
قال القاضي عياض- رحمه الله وقد أجمع على معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة، رواه عنهم أضعافهم من التابعين، ثم من لا يعد من بعدهم، وأكثرها في قصص مشهورة، ومجامع مشهودة، لا يمكن التحدث عنها إلا بالحق، ولا يسكت المحاضر لها على ما أنكر و [منها][ (1) ] ، واللَّه تعالى أعلم [ (2) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق من (الشفا) .
[ (2) ](الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 195، فصل ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه صلى الله عليه وسلم.