الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سادس وتسعون: إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسيّ]
وأما إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسيّ،
فخرج ابن الكلبي في نسب دوس بن عدنان بن عبد اللَّه بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد اللَّه ابن مالك بن نضر بن الأزد: وطفيل بن ذي النون واسمه عمرو بن طريف بن العاص ابن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.
وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن دوسا قد غلب عليها الزنا، فادع اللَّه عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اهد دوسا، فقال: يا رسول اللَّه، ابعثني إليهم، ففعل، فقال: اجعل لي آية يهدون بها، فقال: اللَّهمّ نور له، فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب! أخاف أن يقولوا مثله، فتحول إلى طرف سوطه، فكان يضيء في الليلة الظلماء،
فقال: يا رسول اللَّه! اجعلنا يمنتك واجعل شعارنا مبرور، ففعل، فشعار الأزد اليوم كلها مبرور، ثم قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو بن الطفيل يوم اليرموك. [ (1) ]
وقد خرج أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث في ترجمة الطفيل من طريق هشام ابن الكلبي [ (2) ] كما أوردته، على ما نقلته في كتاب (الجامع)، ثم قال أبو عمر:
للطفيل بن عمرو الدوسيّ في معنى ما ذكر ابن الكلبي خبر عجيب، ذكره الأموي في مغازيه عن الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس عن الطفيل بن عمرو.
وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عن
[ (1) ] لم أجد هذه السياقة في (جمهرة النسب) للكلبي. برواية السكرى عن ابن حبيب، (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم: 382، باب: وهؤلاء بنو سليم بن فهم بن غنم بن دوس، (التعريف بالأنساب) :
176.
[ (2) ] لعله برواية أخرى غير رواية السّكّرى عن ابن حبيب.
ابن عمرو، قال: كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، قال: فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل، إنك امرؤ شاعر مطاع في قومك، وإنا قد خشينا أن يراك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك كما دخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وابنه، فو اللَّه ما زالوا يحدثون في شأنه وينهوني أن أسمع منه شيئا حتى قلت: واللَّه لا أدخل المسجد إلا وأنا سادّ أذنى، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفا [ (1) ] ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائما في المسجد.
قال: فقمت منه قريبا، وأبى اللَّه أن لا يسمعني، فقال: فقلت في نفسي: واللَّه إن هذا لمعجزة، واللَّه إني امرؤ [ثبتت][ (2) ] عليّ الأمور، وما يخفى حسنها ولا قبيحها، واللَّه لأسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته.
قال: فقلت بالكرسفة [ (3) ] فنزعتها من أذنى فألقيتها ثم استمعت له، فلم أسمع كلاما قط أحسن من كلام يتكلم به، قال: فقلت في نفسي: - يا سبحان اللَّه! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن منه ولا أجمل، قال: ثم انتظرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى انصرف، فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له: يا محمد! إن قومك جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا- فأخبرته بالذي قالوا- وقد أبى اللَّه إلا أن يسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فأعرض عليّ دينك وما تقول. وما تأمر به، وما تنهى عنه.
قال: فعرض عليّ الإسلام فأسلمت ثم قلت: [يا رسول اللَّه][ (3) ] ، إني راجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع. وأنا داعهم إلى الإسلام، لعل اللَّه أن يهديهم، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللَّهمّ اجعل
[ (1) ] الكرسف: القطن ونحوه.
[ (2) ] كذا في (خ)، في (الاستيعاب) :«واللَّه إني امرؤ ثبت، ما يخفى عليّ من الأمور حسنها ولا قبيحها» .
[ (3) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
له آية تعينه على ما ينوى من الخير.
قال: فخرجت حتى أشرفت [على ثنية أهلي][ (1) ] ، التي تهبط بى على حاضرة دوس، قال: وأبى هناك شيخ كبير وامرأتي وولدى، قال: فلما علوت الثنية، وضع اللَّه بين [عيني][ (1) ] نورا [كالشهاب][ (2) ] يتراءاه [ (3) ] الحاضر في ظلمة الليل وأنا منهبط [من الثنية][ (1) ]، فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي، فإنّي أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم، قال: فأتانى أبى فقلت: إليك عنى فلست منك ولست منى.
قال: وما ذاك أي بنىّ؟ قلت أسلمت واتبعت دين محمد، قال: أي بنى، فإن ديني دينك، قال: فحسن إسلامه، ثم أتتني صاحبتي فقلت: إليك عنى، فلست منك ولست منى، قالت: وما ذاك؟ بأبي أنت وأمى، فقلت: أسلمت واتبعت دين محمد، فلست تحلين لي ولا أحل لك، قالت: فديني دينك، قال:
فقلت اعهدى إلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهرى وتعالى، ففعلت ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام، فأبت عليّ وتعاصت.
قال: ثم قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة، فقلت: يا رسول اللَّه، غلب على دوس الزنا والربا، فادع اللَّه عليهم فقال: اللَّهمّ اهد دوسا.
قال: ثم رجعت إليهم، وهاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقمت [بين ظهرانيهم][ (1) ] أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب، وسبقتني بدر، وأحد، والخندق، مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة، فكنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى فتح [اللَّه][ (1) ] مكة،
فقلت: يا رسول اللَّه! ابعثني إلى [ذي الكفين][ (1) ] صنم
[ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
[ (2) ] زيادة في (خ) .
[ (3) ] سياق العبارة مضطرب في هذا الموضع وصوبناه من (المرجع السابق) .
عمرو بن حممة حتى أحرقه، قال: أجل، فاخرج إليه فحرّقه،
قال: فخرجت حتى قدمت عليه فجعلت أوقد عليه النار- واسمه ذو الكفين- قال: وأنا أقول: [ (1) ] .
يا ذا الكفين لست من [عبادكا]
…
ميلادنا أكبر من [ميلادكا][ (2) ]
إني حشوت النار في [فؤادكا][ (2) ]
ثم [قدمت على] رسول اللَّه فأقمت معه حتى قبض.
قال: فلما بعث أبو بكر رضي الله عنه بعثه إلى مسيلمة الكذاب، خرجت مع المسلمين ومعى ابني عمرو بن الطفيل، حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا، فقلت لأصحابنا: إني قد رأيت رؤيا، عبّروها، قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأة لقيتني وأدخلتنى في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه، قالوا: خيرا أما واللَّه فقد أولتها:
أما حلق رأسي [فقطعه][ (3) ] وأما الطائر فروحى، وأما المرأة التي أدخلتنى في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها، فقد رجوت أن أقتل شهيدا [وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة، ولا أراه يلحق بى في سفرنا هذا، فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة، وجرح ابنه، ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا][ (4) ] .
[ (1) ] في (خ) : «أقول، وهو يشتعل بالنار» وما أثبتناه رواية ابن عبد البرّ في (الاستيعاب) .
[ (2) ] نصويبات من (الاستيعاب) .
[ (3) ] في (خ) : «فقتلى» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، واستدركناه من (المرجع السابق)، (الاستيعاب) : ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسيّ رقم (4258)، وقال في نسبه: الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسيّ. وقيل: هو ابن عبد عمرو بن عبد اللَّه بن مالك بن عمرو بن فهم لقبه: ذو النور (طبقات ابن سعد) : 4/ 237- 240، باب الطفيل بن عمرو، وفيه «أنا حششت النار (سيرة ابن هشام) : 2/ 226- 229، باب إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ، من رواية ابن إسحاق، (دلائل البيهقي) : 5/ 359- 363، باب قصة دوس والطفيل بن عمرو رضي الله عنه وما ظهر بين عينيه من النور، ثم رأس سوطه، وما كان في رؤياه وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من براهين الشريعة، (فتح الباري) : 8/ 127، باب (76) قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسيّ، حديث رقم (6392)
وقد روى هذا الحديث من طريق أبى نعيم [ (1) ] ، إلا أن هذه السياقة أتمّ وأكثر فائدة، واللَّه أعلم.
[ (1) ](دلائل أبي نعيم) : 1/ 238، الفصل الخامس عشر: ذكر أخذ القرآن ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم بالقلوب، حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاة، حديث رقم (191) .