الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تسعون: إحياء اللَّه ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرميّ [ (1) ]]
وأما إحياء اللَّه ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرميّ حتى سقى اللَّه المسلمين وقد عطشوا، وحتى جاز بهم البحر للقاء عدوهم، ومشي مسلم الخولانيّ على الماء تكرمة للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فخرج البيهقي من طريق أبى أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا محمد بن طاهر بن أبى الدميك، حدثنا عبيد اللَّه بن عائشة، حدثنا صالح المري، حدثنا ثابت عن أنس قال: عدنا شابا من الأنصار وعنده أم له عجوز عمياء، قال فما برحنا أن فاض- يعنى مات- ومددنا على وجهه الثوب وقلنا لأمه: يا هذه، احتسبي مصابك عند اللَّه، قالت: أمات ابني؟ قلنا نعم.
قالت: اللَّهمّ إن كنت تعلم أنى هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شديدة، فلا تحمل على هذه المصيبة اليوم. قال أنس، فو اللَّه ما برحت حتى
[ () ]
خيل بعانات فسنّ سميرة
…
له لا يردّ الذائدون نهالها
وعانات: موضع من أرياف العراق، قال الخليل: مما يلي ناحية الجزيرة تنسب إليه الخمر الجيدة.
(المرجع السابق) : 2/ 914.
[ (1) ] هو العلاء بن الحضرميّ، وكان اسمه عبد اللَّه بن عماد [أو عباد أو هنماد] بن أكبر بن ربيعة بن مالك ابن عوين الحضرميّ، وكان عبد اللَّه الحضرميّ أبوه قد سكن مكة، وحالف حرب بن أمية والد أبى سفيان، وكان للعلاء عدة إخوة، منهم عمرو بن الحضرميّ، وهو أول قتيل من المشركين، وماله أول مال خمّس في المسلمين، وبسببه كانت وقعة بدر، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم العلاء على البحرين، وأمّره أبو بكر، ثم عمر. مات سنة أربع عشرة، وقيل سنة إحدى وعشرين.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه من الصحابة السائب بن يزيد، وأبو هريرة، وكان يقال: أنه مجاب الدعوة، وخاض البحر بكلمات قالها، وذلك مشهور في كتب الفتوح. له ترجمة في:
(الإصابة) : 4/ 541، ترجمة رقم (5646)، (الاستيعاب) : 3/ 1085، ترجمة رقم (1841)، (أسماء الصحابة الرواة) : 227- 228، ترجمة رقم (313) ، (تهذيب التهذيب) ، 8/ 159 ترجمة رقم (320) .
كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه [ (1) ] .
ومن طريق ابن أبى الدنيا قال: حدثنا خالد بن خداش بن عجلان المهلبي، وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قالا: حدثنا صالح المري عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك قال: عدت شابا من الأنصار فما كان أسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب فقال بعضنا لأمه: احتسبيه، قالت: وقد مات؟ قلنا: نعم، قالت: أحق ما تقولون؟ قلنا نعم.
فمدت يدها إلى السماء وقالت: اللَّهمّ إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك، فإذا نزلت بى شديدة دعوتك ففرجتها، فأسألك اللَّهمّ لا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم، قال: فكشف الثوب عن وجهه، فما برحنا حتى أكلنا، وأكل معنا [ (2) ] .
قال البيهقي: صالح بن بشير المري من صالحي أهل البصرة وقصاصهم، تفرد بأحاديث مناكير عن ثابت وغيره [ (3) ] ، وقد روى هذا من وجه آخر مرسلا بين ابن عون وأنس بن مالك، فذكر حديث أبى حمزة إدريس بن يونس قال: حدثنا محمد ابن يزيد بن مسلمة، حدثنا عيس بن يونس، عن عبد اللَّه بن عون عن أنس قال:
أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كان [ (4) ] مثلها في بنى إسرائيل [لما تقاسمتها الأمم][ (4) ] ولكان عجبا، قلنا [ (5) ] ما هن يا أبا حمزة؟
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 6/ 50، باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم التي أحياء اللَّه تعالى بدعائها ولدها بعد ما مات، وما جاء في الكرامات التي ظهرت على العلاء الحضرميّ وأصحابه، (دلائل أبي نعيم) :
2/ 617- 618، حديث رقم (561) .
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 50- 51، وفي (خ) :«خالد بن خداش» .
[ (3) ] صالح بن بشير المري: بصرى، واعظ شهير، ضعفه ابن معين، والدار قطنى، والعقيلي، وابن حبان، وقال أحمد: هو صاحب قصص، ليس هو بصاحب حديث ولا بعرف الحديث، وقال الفلاس: منكر الحديث جدا، وقال النسائي: متروك. له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 4/ 273، ترجمة رقم (2782)، (الضعفاء الكبير للعقيليّ) : 2/ 199، ترجمة رقم (723)، (المجروحين) : 1/ 371، (الميزان) : 2/ 289، ترجمة رقم (3773) .
[ (4) ] كذا في (خ)، وفي (دلائل البيهقي) :«كانوا» .
[ (5) ] كذا في (خ)، وفي (المرجع السابق) :«قلن» ، وما أثبتناه أجود للسياق.
قال: كنا في الصفة عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياما ثم قبض، فغمّضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسّله قال: يا أنس، ائت أمّه فأعلمها، قال: فأعلمتها،
فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت اللَّهمّ إني أسلمت لك طوعا، وخلعت الأوثان زهدا، وهاجرت إليك رغبة، اللَّهمّ لا تشمت بى عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها.
قال: فو اللَّه [ما انقضى][ (1) ] كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض اللَّه رسوله وحتى هلكت أمه، ثم [قال:] [ (2) ] جهز عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعنى جيشا- واستعمل عليه العلاء بن الحضرميّ.
قال: وكنت في غزاته فأتينا مفازة [ (3) ] فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء، قال: والحرّ شديد فجهدنا [العطش][ (2) ] ودوابّنا، وذلك يوم الجمعة [قال:] [ (2) ][فلما مالت][ (2) ] الشمس لقرنها [ (4) ] صلى بنا ركعتين ثم مد يده وما نرى في السماء شيئا، قال: فو اللَّه ما حط يده حتى بعث اللَّه ريحا وأنشأ سحابا.
فأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا، وسقينا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم [يا حليم][ (2) ] يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم اللَّه. قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فأصبنا العدوّ غيلة، فقتلنا، وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا. فلم يلبث إلا يسيرا حتى رئي في دفنه، فحفرنا له وغسّلناه ودفنّاه.
فجاء رجل يعدو [بعد] فراغنا من دفنه فقال: من هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر.
[ (1) ] كذا في (خ)، وفي (دلائل البيهقي) :«ما تقضّى» .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] كذا في (خ)، وفي (المرجع السابق) :«مغازينا» .
[ (4) ] كذا في (خ)، وفي (المرجع السابق) :«لغربها» .
هذا ابن الحضرميّ، فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟ قال:
فاجتمعنا على نبشه، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه. وإذا اللحد مدّ البصر نورا [ (1) ] يتلألأ، فأعدنا التراب إلى القبر ثم ارتحلنا.
قال البيهقي: وقد روى عن أبى هريرة في قصة العلاء بن الحضرميّ واستسقائه ومشيهم على الماء، دون قصة الموت بنحو من هذا، وقال في الدعاء: يا عليم يا حليم يا عظيم يا على، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ، وإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا. وقال في البحر: فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك. وقال في الموت: أخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحد فلم يقدر عليه [ (2) ] .
وخرج أيضا من حديث ابن نمير عن الأعمش، عن بعض أصحابه قال: انتهينا إلى دجلة، وهي مادّة والأعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم اللَّه، ثم اقتحم فرسه فاندفع على الماء، فقال الناس: بسم اللَّه، ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء، فلما ظهر إليهم الأعاجم قالوا: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم، فما فقدوا إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء بيضاء؟ [ (3) ] .
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «نور» ، وما أثبتناه أجود للسياق فهو حق اللغة.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 53.
[ (3) ](المرجع السابق) : 6/ 53- 54، ثم قال البيهقي: قلت: كل هذا يرجع إلى إكرام اللَّه تعالى نبيه وإعزازه دينه الّذي بعث به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعته.
وعن البيهقي ذكر ابن كثير قصة العلاء بن الحضرميّ في (البداية والنهاية) : 6/ 171- 172، وذكرها أبو نعيم في (الحلية) : 1/ 807، وذكر أيضا في (دلائل النبوة) : 2/ 573، الفصل التاسع والعشرون: ما جرى على يدي أصحابه صلى الله عليه وسلم بعده، كعبور العلاء بن الحضرميّ وجيش سعد على البحر، وما جرى على يد خالد في أيام أبى بكر، ونوحة الجن، وغيره، حديث رقم (521) .
قال محققا (دلائل النبوة لأبى نعيم) :
هذا الفصل يتحدث لنا عن الأمور الخارقة لقوانين الطبيعة التي حصلت لبعض أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، والخوارق على خمسة أنواع:
أ- فإن ظهرت لرسول قبل بعثته سميت إرهاصا، أي تأسيسا للرسالة.
وقال سيف بن عمر عن الصعب بن عطية بن بلال، عن سهم بن منجاب، عن منجاب بن راشد، قال: بعث أبو بكر رضي الله عنه العلاء بن الحضرميّ على قتال أهل الردة بالبحرين، فذكره إلى أن قال: وخرج مع العلاء سعد والرباب مثل عسكره، وسلك بنا الدّهناء حتى إذا كنا في بحبوحتها [والحنّانات والعزافات][ (1) ] ، أرادا اللَّه عز وجل أن يرينا آية [ (2) ] ، نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت الإبل في جوف الليل، فما بقي عندنا بعير ولا ناد ولا مزاد، ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض الرمل، وذلك حين نزول الناس وقبل أن يحطوا، فما علمت جمعا هجم عليهم من الهم والغم ما هجم علينا، وأوصى بعضنا إلى بعض، ونادى منادى العلاء: اجتمعوا، فاجتمعنا إليه فقال: ما هذا الّذي قد ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس [وكيف][ (1) ] نلام ونحن غدا لم تحم شمسه [ (3) ] حتى نصير حديثا؟
فقال: أيها الناس! لا تراعوا، ألستم [ (4) ] مسلمين؟ ألستم في سبيل اللَّه؟ ألستم أنصار اللَّه قالوا:[بلى]، قال: فأبشروا، فو اللَّه لا يخذل اللَّه من كان [في][ (1) ]
[ () ] ب- وإن ظهرت لرسول بعد بعثته سميت معجزة.
ج- وإن ظهرت لمؤمن ظاهر الصلاح ولم يدّع النبوة سمّيت كرامة، وهذا ما يسمى ب «كرامات الأولياء» ، وإنما قلنا:«ظاهر الصلاح» لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء، والأولياء يخطئون، لكنهم سرعان ما يهرعون إلى التوبة، والمذكور في هذا الفصل كله كرامات لأولئك الصفوة الأخيار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كنا نؤمن بوجود الكرامة إلا أننا نلحّ في إثبات صحتها بالسند الصحيح، لأن الخرافة قد شاعت وانتشرت، فيجب تمييز الكرامة عنها بالنقل الصحيح.
ج- وإن ظهرت الخوارق لمن ظاهره الفسق كان استدراجا، حيث يملى اللَّه تعالى له، فيتمادى في غيّه، حتى إذا أخذه اللَّه كان أخذه له شديدا، [قال تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم 44- 45] .
هـ- وإن ظهرت الأمور الخارقة على يد رجل على نقيض ما يريد، كمن تفل في عين أرمد ليبرئها فاعوّرت العين، كانت إخزاء وتبكيتا.
وذكرها الذهبي في (تاريخ الإسلام) : 3/ 235- 236، في ترجمة العلاء بن الحضرميّ.
[ (1) ] زيادة للسياق من (تاريخ الطبري) .
[ (2) ] في (خ) : «إبانة» وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] في (خ) : «شمسها» وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (4) ] في (خ) : «السنا» وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
مثل حالكم ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر، [فصلى][ (1) ] بنا- ومنا المتيممون [ (2) ] ومنا من لم يزل على طهوره- فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس، فنصب في الدعاء [ (3) ] ، ونصبوا معه، فلمع [لهم][ (1) ] سراب [مع][ (4) ] الشمس، فالتفت إلى الصف فقال: رائد ينظر ما هذا؟ ففعل ثم رجع [فقال سراب][ (5) ] ، فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر، فقال: ماء، فقام وقام الناس، فمشينا إليه حتى نزلنا عليه، فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تكرد [ (6) ] من كل وجه، فأناخت إلينا، فقام رجل إلى ظهره [فأخذه][ (7) ] ، فما فقدنا سلكا [ (8) ] فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النّهل، وتروينا ثم تروحنا.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي:
كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد، قال: فكرّ معى حتى يقيمنى عليه، قال فكررت به، فأتيت [به][ (7) ] على ذلك المكان [بعينه، فإذا هو لا غدير به، ولا أثر للماء، فقلت له][ (9) ] : واللَّه لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء ناقعا قبل اليوم، وإذا إداوة مملوءة، فقال: يا أبا سهم! هذا واللَّه [ذلك][ (10) ] المكان، ولهذا رجعت ورجعت بك، ملأت إداوتي ثم وضعتها على شفيره، فقلت: إن كان منا من المنّ وكانت آية عرفتها، وإن كان غياثا عرفته، فإذا من من المنّ فحمد اللَّه ثم سرنا حتى ننزل هجر، فذكر سيف الخبر إلى أن قال: وندب الناس إلى
[ (1) ] زيادة للسياق من (تاريخ الطبري) .
[ (2) ] كذا في (خ)، وفي (المرجع السابق) :«المتيمم» .
[ (3) ] نصب في الدعاء: إذا تعب فيه واجتهد، قال تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: 7] .
[ (4) ] زيادة في (خ) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (تاريخ الطبري) .
[ (6) ] الكرد: الطرد.
[ (7) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (8) ] السلك: جمع سلكة وهو الخيط الّذي يخاط به الثوب.
[ (9) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) ، واستدركناه من (المرجع السابق) .
[ (10) ] زيادة من (خ) .
دارين.
ثم جمعهم فخطبهم وقال: إن اللَّه عز وجل قد جمع لكم أحزاب الشياطين وشرّد الحرب في هذا البحر، وقد أراكم من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر، فانهضوا إلى عدوكم، ثم استعرضوا البحر اليهم، فإن اللَّه عز وجل قد جمعهم فقالوا: نفعل ولا نهاب واللَّه بعد الدّهناء هؤلاء ما بقينا، فارتحل وارتحلوا حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموه على الصاهل [ (1) ] والجامل [ (2) ] ، والشاحج [ (3) ] والناهق، والراكب والراجل، ودعا ودعوا، وكان دعاؤه ودعاؤهم:
يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم، يا أحد يا [صمد][ (4) ] يا حىّ يا محيي الموتى، يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربّنا، [فأجازوا ذلك][ (4) ] الخليج بإذن اللَّه جميعا، يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء [يغمر][ (4) ] أخفاف الإبل، وإنما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن [ (5) ] البحر في بعض الحالات، فالتقوا بها فاقتتلوا [قتالا شديدا][ (4) ] فما تركوا بها مخبرا [ (6) ] وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف، والراجل، ألفين قطعوا ليلهم [ (7) ] ، وساروا يومهم، فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا، وقال في ذلك [ (8) ] عفيف بن المنذر:
ألم تر أن اللَّه ذلّل بحرة
…
وأنزل بالكفّار إحدى الجلائل
دعونا الّذي شقّ البحار فجاءنا
…
بأعجب من فلق البحار الأوائل
قال: وكان مع المسلمين راهب في هجر فأسلّم يومئذ [ (9) ]، فقيل [له] [ (10) ] :
[ (1) ] الصاهل: الفرس، والصهيل صوته.
[ (2) ] الجامل: القطيع من الإبل.
[ (3) ] الشاحج: البغل، والشحيح صوته.
[ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (5) ] في (خ) : «بسقن» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (6) ] مخبرا، أي أحدا يخبر بما كان، يريد أنهم استأصلوهم.
[ (7) ] في (خ) : «إليهم» ، وصوبناه من (المرجع السابق) .
[ (8) ] في (خ) : «إليهم» ، وصوبناه من (المرجع السابق) .
[ (9) ] في (خ) : «أياسئذ» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (10) ] زيادة من (خ) .
ما دعاك إلى الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء، خشيت أن يمسخنى اللَّه بعدها إن أنا لم أفعل: فيض في الرمال، وتمهيد أثياج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السّحر، قالوا وما هو؟ قال:
اللَّهمّ أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، والحىّ الّذي لا يموت، خالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، وعلمت اللَّهمّ كلّ شيء بغير تعليم، فعلمت أن القوم لم يغاثوا [ (1) ] بالملائكة إلا وهم على أمر اللَّه، فلقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسمعون من ذلك الهجريّ بعد.
وكتب العلاء إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه:
أما بعد، فإن اللَّه عز وجل فجّر لنا الدّهناء فيضا لا ترى غواربه، وأرانا آية وعبرة بعد غمّ وكرب، لنحمد اللَّه ونحمده، فادع اللَّه واستنصره لجنوده وأعوان دينه، فحمد [أبو بكر] [ (2) ] اللَّه ودعاه وقال: ما زالت العرب [فيما][ (2) ] تحدث عن بلدانها، يقولون: إن لقمان حين سئل عن الدّهناء: أيحتفرونها أو يدعونها؟
نهاهم وقال: لا تبلغها الأرشية، ولم تقر العيون، وقال: إن شأن هذا الفيض من عظيم الآيات، وما سمعنا به في أمة قبلنا، اللَّهمّ اخلف محمدا فينا [ (3) ]، فلما عبر العلاء البحر إلى دارين [ (4) ] كتب إليه:
[ (1) ] كذا في (خ)، وفي المرجع السابق:«لم يعانوا» .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ](تاريخ الطبري) : 3/ 301 وما بعدها، من أحداث سنة (11 هـ) ، ذكر خبر أهل البحرين، وردّة الحطم، ومن تجمع معه بالبحرين، وقال فيه بعد قول أبى بكر: اللَّهمّ اخلف محمدا صلى الله عليه وسلم فينا: ثم كتب إليه العلاء بهزيمة أهل الخندق، وقتل الحطم، قتله زيد ومعمر: أما بعد، فإن اللَّه تبارك اسمه سلب عدوّنا عقولهم، وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من النهار، فاقتحمنا عليهم خندقهم، فوجدناهم سكارى، فقتلناهم إلا الشريد، وقد قتل اللَّه الحطم.
فكتب إليه أبو بكر: أما بعد، فإن بلغك عن بنى شيمان بن ثعلبة تمام على ما بلغك، وخاض فيه المرجفون، فابعث إليهم جندا فأوطئهم، وشرّد بهم من خلفهم، فلم يجتمعوا، ولم يصر ذلك من إرجافهم شيء. (المرجع السابق) 3/ 313، (الكامل في التاريخ) : 2/ 368- 372، ذكر ردّة، أهل البحرين.
[ (4) ] دارين: فرضة بالبحرين تجلب إليها المسك من الهند، والنسبة إليها: داريّ. قال الفرزدق.
كأن تريكة من ماء مزن
…
ودارىّ الزكىّ من المدام
وفي كتاب سيف: أن المسلمين اقتحموا إلى دارين البحر مع العلاء بن الحضرميّ فأجازوا ذلك الخليج
أما بعد، فإن اللَّه عز وجل حفظ محمدا فيمن لزم عهده، وقام على أمره، وكفاهم فقده، وأحسن عليهم الخلافة من بعده، فكنا فيمن حفظ منه، ومنا كمن كان معه نبيه صلى الله عليه وسلم فيمن قبلنا، وانتهينا إلى البحر فتوكلنا على اللَّه فركبناه، فمهّد لنا أثباجه، وأرانا آياته، فعبرنا إلى عدونا بدارين، فلم ندع مقاتلا إلا قتلناه، وسبينا الذراري والنساء، وقسمنا ذلك على المسلمين، فبلغ سهم الفارس ستة آلاف والراجل ألفين، سوى ما نفلت من الأخماس أهل البلاد، وبعث إليه بالخمس.
قال كاتبه: تأمل كتاب العلاء بن الحضرميّ إلى أبى بكر رضي الله عنهما تجده قد عدّ عبورهم إلى البحر معجزة، وعلما من أعلام نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعيه [ (1) ] .
وخرج من حديث أبى العباس السراج، حدثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد اللَّه قالا: حدثنا أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولانيّ رحمه الله، جاء إلى الدجلة وهي ترمى الخشب من مدها، فمش على الماء والتفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعوا اللَّه؟ قال البيهقي: هذا إسناد صحيح [ (1) ] .
[ () ] بإذن اللَّه جميعا يمشون على رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل
…
ثم قال ياقوت الحموي: وهذه صنفة أوال، أشهر مدن البحرين اليوم، ولعل اسمها أول ودارين، واللَّه أعلم، فتحت في أيام أبى بكر رضي اللَّه تعالى عنه سنة (12 هـ) . (معجم البلدان) : 2/ 492، موضع رقم (4658)، وقال في هامشه: قال محمد بن عبد المنعم الحميري في كتاب (الروض المعطار) : 230: دارين: وبعضهم يقول دارون، قرية في بلاد فارس على شاطئ البحر، فيقال مسك دارين وطيب دارين، وليس بدارين، طيب. قال الأصمعي: سأل كسرى عن هذه القرية من بناها. فقالوا: دارين، أي عتيقة بالفارسية، وقيل: بل كسرى قال: دارين لما لم يدر أوليتها.
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 6/ 54، وعنه نقلها ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 173. والعبارة السابقة على هذا الخبر من كلام المقريزي رحمه الله، ولعله اقتبسها من كلام البيهقي، حيث قال في ذات الموضع:
قلت: كل هذا يرجع إلى إكرام اللَّه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وإعزازه دينه الّذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعته.