الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حادي وأربعون: أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء]
وأما أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء، وإن منهم لمن يأكل الجذعة [ (1) ] ويشرب الفرق [ (2) ] :
فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث المنهال بن عمرو، عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، عن عبد اللَّه بن عباس، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ]، دعاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:
يا علي، إن اللَّه تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت لذلك ذراعا، وعلمت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فضقت عليها حتى جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا علي، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجمع لنا عسّا [ (4) ] من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له- وهم يومئذ أربعون رجلا أو ينقصون- منهم أعمامه: أبو طالب وحمزة وأبو لهب، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [حذية][ (5) ] من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة وقال: خذوا [باسم اللَّه] ، فأكل القوم حتى ما [بقي][ (5) ] لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا مواضع
[ (1) ] الجذعة: هي التي أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الإبل إذا جاوزت ستين، وأما الجذع من الضّأن- وهو المراد في هذا الحديث- فإنه يجزئ في الضحية، وقد اختلفوا في وقت إجذاعه، فقال أبو زيد:
في أسنان الغنم المعزى خاصة إذا أتى عليها الحول، وقال ابن الأعرابي: الجذع من الغنم لسنة. (لسان العرب) : 48/ 44.
[ (2) ] الفرق والفرق: مكيال ضخم لأهل المدينة معروف، وقيل: هو أربعة أرباع، وقيل: هو ستة عشر رطلا، والجمع فرقان. (المرجع السابق) : 10/ 305- 306.
[ (3) ] الشعراء: 214.
[ (4) ] العسّ: القدح الكبير.
[ (5) ] زيادة للسياقة من (دلائل أبي نعيم) ، وهي القطعة.
أيديهم، ثم قال: اسقهم، فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم اللَّه الّذي نفسي بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.
فلما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: يا قوم! لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال الغد: يا علي، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت [من القول][ (1) ] ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل ما صنعت، ثم اجمعهم لي، قال:
ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعا بالطعام فقربته لهم كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما [بقي][ (1) ] لهم منه حاجة، ثم قال: اسقهم، فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (2) ] .
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، عن شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد اللَّه الأسدي، وعبد اللَّه بن عباد الأسدي عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
[ (2) ](دلائل أبي نعيم) : 2/ 425- 426، الفصل الثاني والعشرون في ربوّ الطعام بحضرته وفي سفره، لإمساسه بيده ووضعها عليه، حديث رقم (331) ، قال محققه، وفيه عبد الغفار بن قاسم، رافضي، ليس بثقة، قال عنه ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال الهيثمي بعد أن أخرج نحو حديث الباب: رواه البزار واللفظ له، وأحمد في (المسند) باختصار شديد: 1/ 178، حديث رقم (885) ، مسند علي بن أبي طالب، 2/ 637، حديث رقم (8197) ، مسند أبي هريرة، 3/ 325، حديث رقم (10347) ، مسند أبي هريرة أيضا، 6/ 51، حديث رقم (20082) من، حديث قبيصة بن مخارق، البيهقي في (السنن الكبرى) : 6/ 280، باب الوصية للقرابة، من كتاب الوصايا، 371، كتاب قسم الفيء والغنيمة باب إعطاء الفيء على الديوان ومن يقع به البداية.
وأما
ما تكلم به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقد ذكره كل من الإمام أحمد في (المسند) على النحو السابق، والإمام البيهقي في (السنن الكبرى) ولفظه: يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من اللَّه، لا أغنى عنكم من اللَّه شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من اللَّه شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من اللَّه شيئا، يا صفية عمة رسول اللَّه، لا أغني عنك من اللَّه شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت، لا أغني عنك من اللَّه شيئا.
رواه البخاري في (الصحيح) عن أبي اليمان، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري. وهذا الحديث حجة في دخول بني الأعمام في الأقربين.
والعسّ: القدح الكبير.
[ (3) ] الشعراء: 214.
يا علي، اصنع رجل شاه بصاع من طعام، وأعد قعبا من لبن، ففعلت، قال:
اجمع بني عبد المطلب، فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلا- يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا-.
قال: فوضعت بينهم الطعام فأكلوا حتى شبعوا وإن منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب العس- ثم جئت بالقعب فشربوا حتى رووا عنه، فقال بعضهم: ما رأينا كالسحر اليوم- ترون أنه أبو لهب- ثم قال: يا علي، اصنع لنا غداء مثل ما صنعت، فأكلوا مثل ما أكلوا في المرة الأولى، وشربوا [مثل] ما شربوا، ثم عرض عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما عرض.
وخرجه من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (1) ] جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون، منهم العشرة يأكلون المسنّة [ (2) ] ويشربون العس، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليا برجل شاة فصنعها لهم، ثم قربها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخذ منها بضعة، فأكل منها ثم تتبع بها جوانب القصعة ثم قال: ادنوا، فدنا القوم عشرة عشرة.
فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعا فناولهم فقال:
اشربوا باسم اللَّه، فشربوا حتى رووا عن آخرهم، فقطع أبو لهب كلامهم فقال لهم: ما سحركم مثل هذا الرجل، فأسكت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يتكلم، ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب، ثم بدرهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالكلام [ (3) ] .
وخرجه من حديث أبي عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق عن ربيعة ابن ناجذ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما نزلت:
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، جمع بني عبد المطلب، وأمرني فصنعت مدا من طعام- ومنهم نفر يأكل كل واحد منهم الجذعة ويشرب الفرق- فأكلوا وكأن
[ (1) ] الشعراء: 214.
[ (2) ] سنّت البدنة: إذا نبتت أسنانها.
[ (3) ] الحديث السابق يشهد على صحته، وقد سبق ذكر كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعشيرته الأقربين في التعليق السابق.
لم ينقص منه شيء، وأتوا بالغمر- وهو زي الراكب- فشربوا وكأن لم ينقص منه شيء، ثم قال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي؟ قال علي رضي الله عنه: فقلت: أنا، فقال:
اجلس، فلما كان آخر ذلك ضرب يده على يدي [ (1) ] .
[ (1) ] الحديث السابق يشهد على صحته، وقد سبق ذكر كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعشيرته الأقربين في التعليق السابق.