الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]
ورقية اختلف فيها، فقيل: كانت أصغر بنات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل ولدت بعد زينب، ولرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون سنة، وكانت عند عتبة بن أبي لهب [ففارقها قبل الدخول][ (1) ] لما أنزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ بأمر أبويه، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بمكة، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له عبد اللَّه، وبه كان يكنى، وقدمت معه المدينة، وجاءت تعتب على عثمان فقال صلى الله عليه وسلم: ما أحب المرأة تكثر شكاية بعلها، انصرفي إلى بيتك،
ومرضت بالحصباء، فتخلف عثمان عن بدر لمرضها، فتوفيت يوم وقعة بدر، ودفنت يوم جاء [زيد بن حارثة] بشيرا بالفتح.
وقال قتادة: تزوج عثمان رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتوفيت عنده ولم تلد منه، وهذا وهم من قتادة لم يقله غيره، وكأنه أراد أم كلثوم، فإن عثمان تزوجها بعد رقية فتوفيت عنده ولم تلد منه، هذا قول جمهور أهل النسب.
[وفي رواية] عن سعيد بن المسيب قال: أيم عثمان من رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأيمت حفصة من زوجها، فمر عمر وعثمان رضي الله عنهما فقال: هل لك في حفصة؟ - وكان عثمان قد سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يذكرها- فلم يجبه، فذكر ذلك عمر للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك في خير من ذلك؟ أتزوج أنا حفصة، وأزوج عثمان خيرا منها، أم كلثوم.
وقد روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [قال] : لا يدخل القبر رجل قارف [أهله الليلة][ (2) ] ، فلم يدخل عثمان،
وهذا من أوهام حماد، لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يشهد دفن رقية، ولا كان
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وأثبتناه من (سير أعلام النبلاء) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
ذلك القول منه فيها، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم [ (1) ] .
وفي البخاري من حديث هلال بن علي، عن أنس قال: شهدنا بنت النبي عليه السلام، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه [تدمعان][ (2) ]، [قال] [ (2) ] : فقال: هل فيكم [ (3) ] أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال:
انزل في قبرها [ (4) ] .
وهذا هو الصحيح في حديث أنس لا قول من ذكر فيه رقية.
[ (1) ] لكن أخرج الحاكم في (المستدرك) : 4/ 51- 52 حديثين في ذكر رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الحديث الأول:
حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة، فلم يدخل عثمان القبر،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، حديث رقم (6851/ 2350) وسكت عنه الذهبي في (التلخيص) .
الحديث الثاني:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدت دفن بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو جالس على القبر، ورأيت عينيه تدمعان فقال: هل منكم رجل لم يقارف الليلة أهله؟ فقال أبو طلحة:
أنا يا رسول اللَّه، قال: فانزل في قبرها.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، حديث رقم (6853/ 2451)، قال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (3) ] وفيه: «هل منكم رجل» في الرواية الثانية، وفيها:«بلال بن علي» .
[ (4) ](فتح الباري) : 3/ 194، كتاب الجنائز، باب (32)
قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنّته لقول اللَّه تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسئول عن رعيته،
فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وهو كقوله تعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وما يرخص من البكاء من غير نواح،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك أنه أول من سنّ القتل، حديث رقم (1285) .
قوله: «شهدنا بنتا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم» ، هي أم كلثوم زوج عثمان، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابيّ في (الذرية الطاهرة) ، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، فسماها رقية. أخرجه البخاري في (التاريخ الأوسط) ، والحاكم في (المستدرك)، قال البخاري: ما أدري ما هذا؟ فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها قال الحافظ ابن حجر:
وهم حماد في تسميتها فقط، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت: نزل في حفرتها أبو طلحة.
قوله صلى الله عليه وسلم: «لم يقارف»
بقاف وفاء، زاد ابن المبارك عن فليح:«أراه يعني الذنب» ، وقيل:
معناه لم يجامع تلك الليلة، وبه جزم ابن حزم وقال: معاذ اللَّه أن يتبجح أبو طلحة عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة.
وقال مروان بن محمد الأسدي، عن غزال بن خالد بن يزيد بن عثمان بن عطاء، عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما عزّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على رقية امرأة عثمان قال:
الحمد للَّه دفن البنات من المكرمات [ (1) ]
ولا خلاف بين أهل السير أن عثمان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وضرب له سهمه وأجره. وذكر عمر بن شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة إلى زينب بنته ليقدم بها عليه المدينة، فخرج بها حتى إذا كانت بسنح أدركها هبار بن الأسود في نفر من قريش، فنخس بها حتى صرعت، فانفكت رجلها، فبلغ عدي بن الربيع- حموها- أخا زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، فعرض له فرماه بسهم، فخرج السهم في سوأته وأثواه. وقال:
عجبت لهبار وأوباش قومه
…
يريدون إخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما بقيت صحيحها
…
إذا استجمعت يوما [ (2) ] يدي بالمهند
إذا أنا لم أمنع ظلامة كنتي
…
فلا عشت إلا كالخليع المطرّد
ألم تر هبارا غداة تبايعت
…
به النفس في رأي من الرأي مفنّد
مصارعي عن زينب حين رامهت
…
على ذي سبب مدمج الحلق أجرد
نصبت له مني بقطع مقدم
…
على أصفر جبان أسمر محضد
فسالت ثمود في دم
…
على الخد أحيانا وصفح المقلد
قال: ولما نخس هبار بزينب جاء سفيان بن حرب، فأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال: أبنت محمد؟.
[ () ] وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء. وحكى عن ابن حبيب أن السرّ في إيثار أبي طلحة على عثمان، أن عثمان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح.
وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت، وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وإن كان عليه فيه غضاضة.
وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الجنائز، باب (71) من يدخل قبر المرأة، حديث رقم (1342) .
[ (1) ](الاستيعاب) : 4/ 1843، عن عكرمة عن ابن عباس في ترجمة رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رقم (3343) .
[ (2) ] في ابن هشام:
ولست أبالي ما حييت عديدهم
…
وما استجمعت قبضا يدي بالمهنّد
وفيه: «كنانة بن الربيع» (سيرة ابن هشام) : 3/ 207- 208 باب شعر هند وكنانة في هجرة زينب.
[أفي][ (1) ] السلم أعيار [ (2) ] جفاء وغلظة
…
وفي الحرب أمثال النساء الحوائض
ثم مضى، فأتت هند بنت عتبة بعده- ولا تعلم بموقفه- فأسندت ظهرها إلى الكعبة ثم قالت: أبنت محمد؟.
[أفي] السلم أعيار جفاء وغلظة
…
وفي الحرب أمثال النساء العوارك [ (3) ]
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي إسحاق الدوسيّ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا لقيتم هبار بن الأسود ونافع ابن عبد قيس فحرقوهما بالنار، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد ذلك: لا يعذب بها إلا اللَّه، ولكن إن لقيتموهما فاقتلوهما [ (4) ] .
[ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .
[ (2) ] الأعيار: الحمير.
[ (3) ] يقال: عركت المرأة، ودرست، وضحكت، وطمثت: حاضت، قال العوفيّ عن ابن عباس في قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: 71] :
فَضَحِكَتْ أي حاضت.
[ (4) ](الإحسان) : 12/ 425- 426 كتاب الحظر والإباحة، (1) فصل في التعذيب، ذكر الزجر عن أن يعذب أحد من المسلمين بعذاب اللَّه جلّ وعلا، حديث رقم (5611)، (غوامض الأسماء المبهمة) : 1/ 119، (21) هبار بن الأسود ونافع بن عبد عمرو، (ابن هشام) : 3/ 208 فصل: الرسول يستبيح دم هبّار الّذي روّع ابنته زينب، (سنن الترمذي) : 4/ 117، كتاب السير، باب (20) بدون ترجمة، صفحة رقم (1571) وقال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، وقد ذكر محمد بن إسحاق بين سليمان بن يسار وبين أبي هريرة رجلا في هذا الحديث، وروى غير واحد مثل رواية الليث، وحديث الليث بن سعد أشبه وأصح، (فتح الباري) : 6/ 184، كتاب الجهاد والسير، باب (149) لا يعذب بعذاب اللَّه، حديث رقم (3016)، قال الحافظ ابن حجر: وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية- وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة- ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة، فلعله مات قبل أن يسلم، وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه، واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الالتباس، والاستتابة في الحدود ونحوها، وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها، وفيه كراهة قتل مثل البرغوث بالنار، وفيه نسخ السنة بالسنة وهو اتفاق.
وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر بلده، وتوديع أصحابه أيضا، وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به، وهو الاتفاق إلا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربيّ. (المرجع السابق) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 592، حديث رقم (8007) ، 3/ 7، حديث رقم (8256) ، 207، حديث رقم (9534)، سنن الدارميّ: 2/ 222، باب في النهي عن التعذيب بعذاب اللَّه.
وقال الزبير بن بكار: وهبار بن الأسود هو الّذي نخس بزينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شقها، من كفار قريش، وكانت حاملا فأسقطت، فذكروا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث سرية وقال: إن لقيتم هبارا فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه بالنار، ثم قال: لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا اللَّه، إن وجدتموه فاقتلوه.
ثم قدم هبار بعد ذلك مسلما مهاجرا، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل لك في هبار يسبّ ولا يسبّ؟ وكان هبار في الجاهلية مسباقا، فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا هبار سبّ من يسبّك، فأقبل هبار عليهم فتفرقوا عنه،
قال: وقتل زمعة بن الأسود وأخوه عقيل بن الأسود يوم بدر كافرين، وكان هبار بن الأسود مع زمعة ذلك اليوم وابنه الحارث بن زمعة معه أيضا، فجعل زمعة يقول: جار إذا فزعني هبار [ (1) ] .
قال الزبير [بن بكار] : وكنانة بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى، بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الّذي خرج بزينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وكانت بدر في رمضان سنة ثنتين من الهجرة كما تقدم، وكان في شأنه علم من أعلام النبوة.
قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن فتية من الحبشة كانوا قد رأوا رقية وهي هناك مع زوجها عثمان بن عفان، ورأيت فيما يقال:
من أحسن البشر كانوا يختلفون إليها ينظرون إليها، ويدرقلون [ (2) ] إذا رأوها بخباء منها، حتى آذاها ذلك في أمرها وهم يبقون أن يؤذوا أحدا منهم لقربه ولما رأوا
[ (1) ] ونحوه في (مغازي الواقدي) : 2/ 858- 859، (البداية والنهاية) : 3/ 400- 401، فصل في قدوم زينب بنت الرسول (ص) من مكة إلى المدينة، (دلائل البيهقي) : 3/ 154، 157، باب ما جاء في زينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس، وهجرتها من مكة إلى أبيها بعد بدر.
[ (2) ] درقل القوم درقلة.. إذا مرّوا مرّا سريعا، ودرقل: رقص، قال محمد بن إسحاق: قدم فتية من الحبشة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدرقلون، أي يرقصون.. والدّرقلة: الرقص، والدّرقلة: لعبة للعجم معربة، مختصرا من (لسان العرب) : 11/ 244.
من حسن جواره، فلما سار النجاشي إلى عدوه ذلك ساروا معه، فقتلهم اللَّه في المعركة لم يفلت منهم رجل واحد [ (1) ] .
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 51، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (6850/ 2448)، وقال في هامشه: سكت عنه الذهبي في (التلخيص) .