الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر أبناء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة بنين: القاسم، وعبد اللَّه، وإبراهيم، وفي رواية مدارها على داود بن المحبر- صاحب كتاب (العقل) - أن عائشة رضي الله عنها جاءت بسقط فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: عبد اللَّه، وكناها به، وفيه نظر.
فالقاسم أمه خديجة بنت خويلد، وهو أكبر ولده، وبه يكنّى، وقد مشى وهو ابن سنتين، وعبد اللَّه أيضا أمّه خديجة، ويقال له الطيب والطاهر، ولد بعد النبوّة، ومات صغيرا بمكة، فقال العاص بن وائل: محمد أبتر لا يعيش له ذكر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (1) ] .
وروى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه قال: توفي القاسم ابن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو آت من جنازته على العاص بن وائل وابنه عمرو ابن العاص، فقال عمرو حين رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني لأشنؤه، فقال العاص:
لا جرم لقد أصبح [أبترا]، وأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (1) ] .
[ (1) ] الكوثر: 3، شانِئَكَ أي مبغضك يا محمد، ومبغض ما جاءت به من الهدى والحق، والبرهان الساطع، والنور المبين، هُوَ الْأَبْتَرُ الأقل الأذل، المنقطع ذكره.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نزلت في العاص بن وائل، إذا ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه، فإنه رجل أبتر، لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل اللَّه تعالى هذه السورة.
وقال شمر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي معيط، وقال ابن عباس وعكرمة: نزلت في كعب ابن الأشرف، وجماعة من كفار قريش.
وقال البزار: حدثنا زيادة بن يحيى الحساني، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة، فقالت له قريش: أنت سيدهم، ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة، وأهل السقاية، فقال:
أنتم خير منه.
قال: فزلت: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، وهكذا رواه البزار، وهو إسناد صحيح، وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذهب أبو لهب إلى المشركين، فقال: بتر محمد الليلة، فأنزل اللَّه في ذلك: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.
وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل، وعنه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، يعني عدوك، وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم. وقال عكرمة: الأبتر هو الفرد.
ويقال: إن عبد اللَّه غير الطيب وغير الطاهر، وروى معمر عن ابن هشام أنه قال: زعم بعض العلماء أنها ولدت- يعني خديجة- ولدا يسمى الطاهر، وقال ابن إسحاق: ولدت له خديجة: زينب ورقية، وأم كلثوم وفاطمة، والقاسم- وبه كان يكنى- والطاهر والطيب، فأما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه، وقد قيل: بل عبد اللَّه هو الطيب وهو الطاهر.
قال قتادة: ولدت له خديجة غلامين وأربع بنات، القاسم- وبه كان يكنى- وعاش حتى مشى، وعبد اللَّه مات صغيرا، ومن النساء: فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.
وقال الزبير بن بكار: ولد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القاسم- وهو أكبر ولده- ثم زينب، ثم عبد اللَّه، وكان يقال له الطيب ويقال الطاهر، ولد بعد النبوة، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، هكذا الأول ثم الأول، ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت، ولد بعد الوحي، وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، أمهم كلهم خديجة، فهذا قول مصعب والزبير.
وأكثر أهل النسب [على] أن عبد اللَّه هو الطيب والطاهر بثلاثة أسماء، وقال الكلبي [ (1) ] : زينب ثم القاسم ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد اللَّه، وكان يقال له: الطيب والطاهر، قال: وهذا هو الصحيح، وغيره تخليط.
[ () ] وقال السديّ: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر، فلما مات أبناء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: بتر، فأنزل اللَّه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الّذي مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره.
وحاشا وكلا، بل قد أبقى اللَّه ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم المحشر والمعاد، صلوات اللَّه وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد، (تفسير ابن كثير) : 4/ 598، (تنوير المقباس) : 520، (البحر المحيط) : 10/ 557، (فتح الباري) : 8/ 948- 949، كتاب التفسير: باب (108) سورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، (الكشاف: 4/ 237- 238.
[ (1) ](جمهرة النسب للكلبي) : 30.
وقال ابن حزم [ (1) ] : وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه، أنه كان له عليه السلام [ولد] اسمه عبد العزى قبل النبوة، قال: وهذا بعيد، والخبر مرسل.
ولا حجة في مرسل.
وإبراهيم أمه مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة بالعالية بالموضع الّذي يقال له: مشربة أم إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، امرأة أبي رافع، فبشّر أبو رافع [به][ (2) ] النبي صلى الله عليه وسلم، فوهب له عبدا، فلما كان يوم سابعه عقّ عنه بكبشين، وحلق رأسه، حلقه أبو هند البياضي من الأنصار، قال الزبير بن بكار: وسماه يومئذ، وتصدق بوزن شعره ورقا على المساكين، وأخذوا شعره فجعلوه في الأرض مدفونا [ (3) ] .
[ (1) ](جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 16.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المواهب) .
[ (3) ](المواهب اللدنية) : 2/ 68، وقال ابن الجوزي في ذكر أولاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذكور من أولاده: القاسم، أمه خديجة، وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم، وهو أول من مات من أولاده، وعاش سنتين. وعبد اللَّه: وهو «الطاهر والطيب» ، ولد له في الإسلام- يعني بعد الرسالة- وقال الهيثم بن عدي: حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال: ولدت له خديجة عبد العزى، وعبد مناف، والقاسم، قلت لهشام: فأين الطيب والطاهر؟ قال:
هذا ما وضحتم أنتم يا أهل العراق، فأما أشياخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف. قال المصنف: الهيثم كذاب لا يلتفت إلى قوله، قال لنا شيخنا ابن ناصر: لم يسمّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط، وقال عروة: ولدت خديجة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم القاسم، والطاهر، وعبد اللَّه، والمطيّب.
وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعة غلمة: إبراهيم، والقاسم، والطاهر، والمطهّر.
قال أبو بكر البرقي: إن الطاهر هو الطيب، وهو عبد اللَّه، وفرّق قوم بينهما، ويقال: إن الطيب والمطيّب ولدا في بطن، والطاهر والمطهّر ولدا في بطن. (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 30، ذكر أولاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، (الوافي بالوفيات) : 1/ 81، أولاده صلى الله عليه وسلم.
قال محققه: ومما يدحض قول من قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم ولدت له خديجة فيمن ولدت من الذكور من تسمى بعبد العزى،
ما قاله بحيرا الراهب لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأي حق لهما عندي؟ لا تسألني بحق اللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا قط بغضهما، وما تأملتهما بالنظر إليهما كراهة لهما، ولكن اسألني باللَّه، أخبرك عما تسألني عنه إن كان عندي علم، قال بحيرا: فباللَّه أسألك، وجعل يسأله عن أشياء من أحواله فيخبره. (دلائل أبي نعيم) : 1/ 168،
ذكر خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الشام في المرة الأولى، وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين، حديث رقم (108) .
وقد صحّ
من حديث ثابت [البناني][ (1) ] عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم [أبي][ (1) ] إبراهيم،
وتنافست نساء الأنصار في إبراهيم من ترضعه منهن، وأحبوا أن يفرغوا ماريّة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من ميله إليها، فجاءت أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد بن أسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، امرأة البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار [ (2) ][الأنصاري][ (3) ] فكلمت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ترضعه، فأعطاها إياه، فكانت ترضعه بلبن ابنها، فكان إبراهيم في بني مازن بن النجار، إلا أن أمه تؤتي به ثم يعاد إلى منزل ظئرة أم بردة، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأتي أم بردة فيقيل عندها، ويخرج إليه إبراهيم فيحمله ويقبله.
وكان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قطعة من غنم ضأن ترعى بالقف، ولقائح بذي الجدر تروح على مارية، وكان يؤتي بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقي ابنها إبراهيم، فكان جسمها وجسم ابنها حسنا،
فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما بإبراهيم وهو عند عائشة رضي الله عنها، فقال: انظري إلى شبهه بي! فقالت: ما أرى شبها، قال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟ فقالت: من قصرت عليه اللقاح، وسقي ألبان الضأن، سمن وابيضّ.
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: ما غرت على امرأة غيرتي على مارية، وذلك لأنها كانت جميلة جعدة الشعر، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معجبا بها، ورزق منها الولد وحرمناه، وأعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل [ (4) ] .
[ (1) ] زيادة للنسب من (صحيح مسلم) .
[ (2) ] زيادة للنسب من (الإصابة) .
[ (3) ] قال ابن شاهين: عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن زيد عن رجاله، أنه شهد أحدا وما بعدها، قال: وهو زوج مرضعة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها خولة بنت المنذر بن زيد (الإصابة) : 1/ 277، ترجمة رقم (616) .
[ (4) ]
حديث ثابت البناني عن أنس، ذكره المصنف وأضاف إليه سياقات بزيادة ألفاظ وعبارات أخرجته عن النص الّذي ذكره الإمام مسلم في (الصحيح) ونصه: حدثنا هداب بن خالد وشيبان بن فروخ، كلاهما عن سليمان- واللفظ لشيبان- حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له: أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره،
وروى عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه أنه قال: لما ولد إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أعتق أمّ إبراهيم ولدها [ (1) ]، وقال: استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما [ (2) ] وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام منهم،
[ () ] قد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أبا سيف! أمسك، جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأمسك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمّه إليه، وقال ما شاء اللَّه أن يقول، فقال أنس: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، واللَّه يا إبراهيم إنا بك لمحزونون.
والحديث الّذي يليه:
حدثنا زهير بن حرب، ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير- واللفظ لزهير- قالا: حدثنا إسماعيل- وهو ابن علية- عن أيوب عن عمرو بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينا، فيأخذه فيقبله، ثم يرجع، قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة.
والقين بفتح القاف: الحداد. وفي الحديث الأول: جواز تسمية المولود يوم ولادته، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وسلامه، وفيه استتباع العالم الكبير بعض أصحابه إذا ذهب إلى منزل قوم ونحوه، وفيه الأدب مع الكبار، وفيه جواز البكاء على المريض والحزن، وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر، بل هي رحمة جعلها اللَّه في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة، والويل والثبور، ونحو ذلك من القول الباطل، ولهذا
قال: «ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» .
وفي الحديث الثاني بيان كريم خلقه صلى الله عليه وسلم، ورحمته للعيال والضعفاء، وفيه جواز الاسترضاع، وفيه فضيلة رحمة العيال والأطفال وتقبيلهم. مختصرا من (مسلم بشرح النووي) : 15/ 81- 83، كتاب الفضائل، باب (15) رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، حديث رقم (62) و (63) .
وسيأتي لذلك مزيد بيان إن شاء اللَّه تعالى في تراجم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (1) ]
أخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 841، كتاب العتق، (2) باب أمهات الأولاد، حديث رقم (2515) : حدثنا على بن محمد، ومحمد بن إسماعيل، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا شريك، عن حسين ابن عبيد اللَّه عن عبيد اللَّه بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إيماء رجل ولدت أمته منه فهي معتقه عن دبر منه.
ثم
قال في الحديث الّذي يليه (2516) :
…
عن الحسين ابن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ذكرت أم إبراهيم عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقها ولدها.
ثم قال تعليقا على الحديثين: في إسناده الحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، تركه المديني وغيره، وضعّفه أبو حاتم وغيره، وقال البخاري: إنه كان يتّهم بالزندقة. (المرجع السابق) .
[ (2) ](كنز العمال) : 12/ 34019، وقال: في آخره: (ابن سعد عن كعب بن مالك)، ورقم (34020) : إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإنّهم لهم ذمة ورحما، (البغوي، طب، ك- عن كعب بن مالك. ورقم (34021) : إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم، فإن لهم ذمة وإن لهم رحما. (ابن سعد عن الزهري مرسلا)، ورقم (34022) : إن اللَّه سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لكم منهم صهرا وذمة. (كر- عن عمر)، ورقم (34023) : اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه (طب- عن أم سلمة) .
وقال: لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي [ (1) ]، ولما ولد إبراهيم أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال له: يا أبا إبراهيم.
وتوفي إبراهيم في بني مازن عند أم بردة، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في ذي الحجة سنة ثمان، وقيل: بل ولد في ذي الحجة سنة ثمان وتوفي في سنة عشر، وقيل: توفي وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام [ (2) ]، وقيل: توفي وهو ابن سنة وعشرة أشهر وستة أيام، وقيل: مات وهو له إحدى وسبعون ليلة، والأول أثبت، وذلك سنة عشر،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن له لمرضعة تتم رضاعه في الجنة [ (3) ] .
وغسلته أم بردة، وقيل غسله الفضل بن العباس- ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والعباس رضي الله عنه جالسان على سرير- ثم حمل على سرير صغير، وصلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبقيع [ (4) ] ،
فقيل له: يا رسول اللَّه- أين ندفنه؟ قال عند فرطنا عثمان ابن مظعون [ (5) ] ،
وكان عثمان أول من دفن بالبقيع.
وروى ابن إسحاق عن عمر، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دفن ابنه إبراهيم ولم يصل عليه [ (6) ] والأول أصح، وقيل: معنى لم يصل عليه، يعني في جماعة، أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم [ (7) ] ، لأنه شغل عن الصلاة عليه بأمر كسوف الشمس وصلاته وخطبته.
وثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم دون رفع الصوت وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون [ (8) ] ،
[ (1) ](كنز العمال) : 11/ 470، ذكر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (32206) ، (ابن سعد عن الزهري مرسلا)، (كنز العمال) : 11/ 472، حديث رقم (32219) ، (ابن عساكر عن البراء) .
[ (2) ](المعارف) : 143، (الاستيعاب) : 1/ 56.
[ (3) ](فتح الباري) : 10/ 706، كتاب الأدب (109) باب من تسمى بأسماء الأنبياء، حديث رقم (6195) .
[ (4) ](كنز العمال) : 11/ 472، حديث رقم (32218) ، (عن أنس وابن سعد، والروياني عن البراء) .
[ (5) ](الاستيعاب) : 1/ 56.
[ (6) ](المرجع السابق) : 1/ 58.
[ (7) ](المرجع السابق) : 1/ 59، قال ابن عبد البر في (المرجع السابق) : فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أولى ما حمل عليه حديثها في ذلك. واللَّه تعالى أعلم.
[ (8) ](المرجع السابق) : 1/ 57.
وجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والعباس على شفير قبر إبراهيم، ونزل فيه الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وذلك يوم ثلاثاء في آخر شهر ربيع الأول، وقيل: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ورأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن فأمر أن تسد، وقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه يقرّ بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملا أحب اللَّه أن يتقنه [ (1) ] .
ويروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يمشي أمام سرير إبراهيم ثم جلس على قبره، فلما دلى في قبره ووضع دمعت عيناه، فبكى الصحابة حتى ارتفعت أصواتهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول اللَّه! أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال: تدمع العين، وتوجّع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ثم دفن، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
ما أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم؟ فأتى بماء فأمر به فرش به على قبر إبراهيم، وكان أول من رش عليه وختم عليه بيده، وقال عند رأسه: السلام عليك.
وفي رواية: أنه وضع يده اليمنى على قبره من عند رأسه وقال: ختمت عليك باللَّه من الشيطان الرجيم، وفي رواية: طبعت عليك باللَّه، وأمر بحجر فوضع عند رأسه [ (1) ] .
ووافق موت إبراهيم عليه السلام كسوف الشمس على ثنتي عشرة ساعة من النهار، فقال قوم: إن الشمس انكسفت لموته، [ف]
خطبهم صلى الله عليه وسلم فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته [ (2) ] .
ويروى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال حين حضر قبض إبراهيم وهو مستقبل الجبل:
يا جبل! لو بك ما فيّ لهدّك، ولكنا نقول كما أمرنا: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، والحمد للَّه رب العالمين.
وخرج ابن عساكر من حديث محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا أبو شيبة عن أنس بن مالك قال: لما مات إبراهيم ابن النبي، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدرجوه في أكفانه حتى انظر إليه، فجاء فأكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه.
[ (1) ](الاستيعاب) : 1/ 59 بزيادة ألفاظ ونقصان، لكن المعنى واحد.
[ (2) ](المرجع السابق) : 1/ 58، (مسند أحمد) : 2/ 267، حديث رقم (5960) .
ويقال: إن السرّ في موت ولد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حياته، أنه لو عاش [لكان نبيا، ولم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء][ (1) ] .
وقد أشار حسان بن ثابت إلى هذا في قوله لما مات إبراهيم:
مضى ابنك محمود العواقب لم يشن
…
بعيب ولم يأثم بقول أو فعل
رأى أنه لو عاش ساواك في العلا
…
فآثر أن تبقى فريدا بلا مثل [ (2) ]
وقد جاء في حديث أن إبراهيم لو عاش لكان نبيا، وليس بقوي. وفي صحيح البخاري عن السدي قال: سألت أنس بن مالك كم كان بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قد كان بلا مهلة، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء.
وقد روى عيسى بن يونس عن أبي خالد قال: قلت: لا تراني أوفى، أرأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مات وهو صغير، ولو قرأت يكون بعد محمد نبي لعاش، ولكنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم [ (3) ] .
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب في (خ) ، وقد استدركناه من كتب السيرة والتراجم.
[ (2) ] لم أجدهما في (ديوان حسان بن ثابت) .
[ (3) ] قوله: «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» ، ورد عن ثلاثة من الصحابة، لكن قال النووي في (التهذيب)، في ترجمة إبراهيم: وأما ما روى عن بعض المتقدمين: «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» ، فباطل، وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة، وهجوم على عظيم.
ونحوه قول ابن عبد البر في (التمهيد) : لا أدري ما هذا! فقد ولد نوح عليه السلام غير نبيّ، ولو لم يلد النبي إلا نبيا، لكان كل أحد نبيا، لأنهم من ولد نوح.
لكن قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره لما يخفى، وكان ابن عبد البر سلف النووي. وقال أيضا: إنه عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، فقال في إنكاره ما قال.
وجوابه: أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا يظن بالصحابي الهجوم على مثل هذا الظن.
واعترض الجواب المذكور القاري بأنه بعيد جدا.
وقال ابن حجر المكيّ في (الفتاوى الحديثية) : قال السيوطي: صحّ
عن أنس أنه سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم