الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حادي وسبعون: مجيء الذئب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم]
وأما مجيء الذئب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
فخرج أبو نعيم والبيهقي من حديث محمد بن إسحاق عن الزهري، عن محمد بن خالد الأنصاري، عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار إلى البقيع، فإذا الذئب مفترش ذراعيه على الطريق، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذا أويس يستفرض فأفرضوا له، قالوا: رأيك يا رسول اللَّه، قال: من كل سائمة شاة في كل عام، قالوا: كثير، فأشار إليه أن خالسهم، فانطلق الذئب [ (1) ] .
ولأبي نعيم من حديث محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان، أخبرنا الأعمش عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أو جهينة قال: أتت وفود الذئاب قريبا من مائة ذئب حين صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفجر فأقعين فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذه وفود الذئاب جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهن من قوت طعامكم وتأمنوا على ما سوى ذلك، فشكوا إليه الحاجة، قال: فأدبروهم، قال: فخرجن ولهن عواء [ (2) ] .
وله من طريق الواقدي، عن رجل سماه، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس بالمدينة في أصحابه، إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يعوي بين يديه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذا وافد السباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه [واحترزتم] منه، فما أخذ فهو رزقه، فقالوا: يا رسول اللَّه، ما تطيب أنفسنا له بشيء، [فأومأ] إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأصابعه الثلاث، أن خالسهم، فولّى وله عسلان [ (3) ] .
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 6/ 40، باب ما جاء في مجيء الذئب مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطلب شيئا، (البداية والنهاية) : 6/ 161، باب حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب، ونقله ابن كثير عن البيهقي.
[ (2) ](البداية والنهاية) : 6/ 161- 162، عن الواقدي.
[ (3) ](المرجع السابق) : 6/ 161- 162، وقال فيه:«وله عواء» . بدلا من «عسلان» ، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 374- 375، حديث رقم (272)، (سنن الدارميّ) : 1/ 12 باب ما أكرم اللَّه به نبيه صلى الله عليه وسلم من إيمان الشجر به والبهائم والجن، (طبقات ابن سعد) : 1/ 359، باب وفد السباع، من حديث محمد بن عمر الواقدي. والعسلان: الاضطراب.
قال الواقدي: وحدثني داود بن خالد، عن يعقوب بن عنبة، عن سليمان ابن يسار قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على الحرة، فإذا الذئب واقف بين يديه، فقال:
هذا أويس يسأل من كل سائمة شاة، قالوا: يا رسول اللَّه! ما تطيب له أنفسنا بشيء، [فأومأ] إليه بأصابعه فولى [ (1) ] .
وخرج البيهقي من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة عن عبد الملك ابن عمير عن الحارثي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إني لست أنا أصلى في نعلي، ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه، إني لست أنا الّذي أنهي [عن صيام] يوم الجمعة ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى، قال: وجاء ذئب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واقفا غير بعيد، ثم جعل كأنه يطلب شيئا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن هذا ليريد شيئا، فقال رجل: لا نجعل له يا رسول اللَّه نصيبا في أموالنا، فأخذ حجرا فرماه به، فانطلق الذئب يسعى وهو يعوى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الذئب وما الذئب [ (2) ] .
قال البيهقي: الحارثي هذا هو أبو الأدبر، اسمه زياد. وخرجه أيضا من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي الأدبر الحارثي، عن أبي هريرة قال: أتاه رجل فقال:
يا أبا هريرة! أنت الّذي نهيت الناس
…
فذكر الحديث.
قال: وجاء الذئب ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس، فأقعى بين يديه، ثم جعل يبصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا، قالوا: لا واللَّه لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرا فرماه به، فأدبر الذئب وله عواء، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الذئب وما الذئب [ (3) ] .
قال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من بني الحرث بن كعب يقال له: أبو الأدبر، قال: كنت قاعدا عند أبي هريرة
…
، فذكر قصة ثم أنشأ يحدث قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما جالسا،
[ (1) ] نحوه مختصرا في (دلائل البيهقي) : 6/ 40.
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 6/ 39، باب ما جاء في مجيء الذئب مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطلب شيئا.
[ (3) ](المرجع السابق) : 6/ 49- 40.
وجاء ونحن عنده إذا جاءه الذئب حتى أقعى بين يديه، ثم بصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذا الذئب وهذا وافد الذئاب، فما ترون؟ أتجعلون له في أموالكم شيئا؟ فقال الراعي: لا واللَّه يا رسول اللَّه، لا نجعل له من أموالنا شيئا، فقام إليه رجل من الناس فرماه بحجر، فأدبر وله عواء، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الذئب وما الذئب ثلاث مرات [ (1) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : 6/ 40، (البداية والنهاية) : 6/ 161، باب حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب، نقلا عن المرجع السابق.
قال القسطلاني في (المواهب اللدنية) في باب معجزات كلام الحيوانات: ومنها قصة كلام الذئب، وشهادته له بالرسالة، ثم قال: اعلم أنه قد جاء حديث قصة كلام الذئب في عدة طرق من حديث أبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدريّ رضي الله عنهم.
فأما حديث أبي سعيد، فرواه الإمام أحمد بإسناد جيد، وأما حديث ابن عمر، فأخرجه أبو سعيد الماليني والبيهقي، وأما حديث أنس، فأخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، وأما حديث أبي هريرة، فرواه سعيد بن منصور في سننه، ورواه البغوي في (شرح السنة) ، وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح عن أبي هريرة أيضا، قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منه شاة
…
الحديث، (المواهب اللدنية) :
2/ 552.
وقال القاضي عياض: وفي بعض الطرق عن أبي هريرة: فقال الذئب: أنت أعجب مني، واقفا على غنمك، وتركت نبيا لم يبعث اللَّه قط أعظم منه عنده قدرا، وقد فتحت له أبواب الجنة، وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب، فتصير من جنود اللَّه. قال الراعي:
من لي بغنمي؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع، فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى، وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عد إلى غنمك تجدها بوفرها، فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها.
وقد روى ابن وهب مثل هذا، أنه جرى لأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، مع ذئب وجداه أخذ ظبيا، فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجب من ذلك: محمد بن عبد اللَّه بالمدينة! يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا. (المواهب اللدنية) : 2/ 552- 553، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 204- 205، فصل في الآيات في ضروب الحيوانات، خلوفا- بضم الخاء المعجمة- أي فاسدة متغيرة، بمعنى الفساد والتغير في أهلها.