الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمار العقول والمطابع:
محمد عثمان باشا
داي الجزائر
سنة (1766 - 1791)
ــ
هذا اسم السفر الجليل الذي ألفه- أخيرا- الأخ الأستاذ أحمد توفيق المدني، لخص فيه تاريخ الجزائر في العصر التركي، وبيَّن حالتها الاجتماعية والأدبية والسياسية بأسلوب بديع جمع الفصاحة والتناسق، وعرض للتاريخ بين دلائل العلم ومناهج الفن، وبروح إسلامية لا تعرف إلا الصدق عربية لا تفارقها العزة والشهامة، وإذا (1) كان "الوطن هو تاريخ الوطن" كما يقول الأستاذ عبد الرحمن صدقي، و"لا حياة لأمة إلا بإحياء ماضيها" كما يقول الدكتور هيكل، فالأخ الأستاذ المدني بكتابه هذا لم يكن كاتبا بليغا ومؤلفا مبدعا ومؤرخاً حكيماً فحسب، بل كان فوق ذلك من خير من بعثوا أوطانا وأحيوا أمماً.
إن من جنايات الإستعمار الأوربي على البشرية أنه قلب حقائق التاريخ على الناس فقد صور الأمم التي ابتليت به وأصيبت بشره بصور من الهمجية والوحشية والتأخر والانحطاط لا أبشع منها ذلك ليبرز استيلاءه عليها، ومنَّ عليها بما زرعه فيها من عمران، وإن كان هو المستغل لذلك العمران والمستبد به. فأميركا- مثلا- يصورها الاستعمار ويصور سكانها الأصليين بأقبح الصور حتى هب من أبنائها الأصليين ومن العلماء المنصفين من رد ذلك التصوير وزيفه. وهاك بعضا مما يبين
(1) راجع المقالين المنشورين في هذا الجزء في باب المجتنيات. (المؤلف).
لك هذا ذكره الأستاذ محمد كرد علي في آخر كتابه "الإسلام والحضارة العربية" قال الأستاذ:
"ذكر أحد الباحثين في جريدة الكوتيدين Le Quotidien الباريسية تحت عنوان (تاريخ الأمم المغلوبة على أمرها لم يكتب) إن المجلس الأعلى لبقايا هنود أمريكا في الولايات المتحدة أرسل إلى شيخ مدينة شيكاغو احتجاجا جاء فيه (إن الكتب الدرسية المستعملة الآن في الولايات المتحدة صورت قبائل الهنود في صورة مخالفة للحقيقة التاريخية) قال الكاتب وليتنا نفكر قليلا فيما كانت عليه أمريكا قبل أن يفتحها كلومبس، ونقرأ ما قصه الفاتحون الأولون وأرباب الرحلات الأقدمون من الأقاصيص الغربية، ونلقي رائد الظرف على المدن القديمة في العالم الجديد وما بلغته عن الإزدهار وما غصت به من المعابد العظيمة التي تضاهي بعظمتها معابد مصر، وتماثيلها العظيمة المحلاة بالذهب، وما كان هناك من متاحف وخزائن كتب ومراصد فلكية. وإذا كتب لنا أن نتوغل في المكسيك ومدينة الماياس في يوكتان ولانكاس في الانو- إذا رأيت كل هذا استنتجت- والدهشة آخذة منك- أن فتح أميركا كان من أعظم جنايات أوروبا" ا. ه.
هذا هو نفس ما وقع بالجزائر من تشويه تاريخها وتصويرها في جميع عصورها خصوصا في العصر العثماني- بأقبح الصور في الكتب التي تدرس في المكاتب الفرنسية وتدرس- يا للبلية يا للحسرة لأبنائها! - غير أن الجزائر ليس فيها جمعية تحتج على هذا التشويه الباطل القبيح، بلى: من أبنائها- المثقفين بالإفرنسي طبعا- من ينكر تاريخها جملة ويزعم أن لا شخصية لها. لكن لا يمكن للحقيقة أن تبقى مستورة بالأباطيل فهي كالشمس لا بد أن تظهر ولو توالت أيام الدِّجن والغيوم. فقد جاء الأخ أحمد توفيق المدني بكتابه هذا يبين ما كانت عليه الجزائر من القوة والعمران قبل الاحتلال الفرنسي
وما أصابها من التخريب والتقتيل أيام الاحتلال وبعيد الاحتلال ناقلا له من كتب ووثائق أفرنسية لا غبار عليها.
هذا إلى بيان ما كانت تتمتع به من حرية في دينها وقضائها ولغتها وتعليمها وبيان غير ذلك من أحوالها. لا تتسع هذه الصفحات لعرض كل ما في الكتاب ولكني أقول بكلمة واحدة: (إنه يتحتم على كل مسلم جزائري أن يقرأ هذا الكتاب). وإنك إذا ختمته- أيها المسلم الجزائري- لا بد أن تخرج منه تحب من يجب أن تحب
…
وتبغض من يجب أن تبغض
…
والحب والبغض سلاحان لازمان في الحياة ولا بقاء لأمة بدونهما إذا استعملتهما في محلهما.
وحقيق عليَّ أن أذكر بالإعجاب والسرور المطبعة العربية للأخ الشيخ أبي اليقظان التي أخرجت الكتاب في حلة فنية جذابة تدل على تقدم الجزائر في الفن المطبعي وأن أذكر بالثاء المكتبة المصرية لحضرة محمود نسيم أفندي التي تولت نشره. جازى الله العاملين على نشر العلم وإحياء الأمم بكل إحسان وجميل (1).
عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 7، م 13، ص 319 - 321 شعبان 1356ه - سبتمبر 1937م.