الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلاصة أن الحالة العلمية بالجزائر اليوم هي علم مبني على روح إسلامية عربية لا يمكن أن يقاومها مقاوم أو يعارضها معارض ولا يمكن للظلم أن يقف في طريقها!
الحالة السياسية:
كانت مطالب الجزائر قبل انعقاد المؤتمر الجزائري الشهير مطالب متفرقة يقوم بها أفراد موزعون.
ولما تأسس المؤتمر الجزائري في السنة الفارطة توجهت الأمة بمطالب عامة- سياسية، اقتصادية، علمية، عربية قومية- ومطالب الجزائر لا تزال في حيز الانتظار إلى الآن كما لا تزال مطالب تونس في حيز الانتظار. ورحم الله من قال:
ونحن في الشرق والفصحى ذوو رحم
…
ونحن في الجرح والآلام إخوان.
وقد حدث شيء بعد ذلك وهو مشروع فيوليت الذي هو شيء واحد من المطالب التي قدمناها وهو يعطى حق الانتخاب لعشرين ألف وبضعة آلاف وحق التصوت في جملة الفرنسويين.
ولقد صعب تنفيذ هذا المشروع لما اشترطه المؤتمر من المحافظة على الصفة الشخصية الإسلامية العربية، وها هو الآن في مهب الريح يمكن أن يتم ويمكن أن لا يتم.
ومسيو فيوليت رجل فرنسي قبل كل شيء، رأى من مصلحة فرنسا أن يقرب إليها الجزائريين ووجد برنامجه للمعارضة من طرف الكولون المعمرين لأنهم تأبى نفوسهم أن نجتمع معم على مائدة واحدة فكيف يرضون أن نجتمع بهم في البرلمان؟ كما أنهم لما رأوا أن المؤتمر وضع
ثقته في الواجهة الشعبية خافوا أن يصير نواب الجزائر كلهم من أنصار الواجهة الشعبية.
وقد قبلت أكثرية الأمة مشروع فيوليت بالشرط المذكور وباعتباره أقل المطالب، أما الأقلية فقد أبت قبوله تماما لأنها تخشى بعض الألاعيب التي لا تدري متى تكون.
ونحن نحترم رأي هذه الأقلية ونؤمل بقاءها على رأيها، وهي تطالب بالاستقلال وأي إنسان يا سادة لا يحب الاستقلال؟ إن البهيمة تحن إلى الاستقلال الذي هو أمر طبيعي في وضعية الأمم.
أما موقف الحكومة التي أعطيناها ثقتنا من أول يوم فهو موقف التريث والتردد، تشاهد المعارضة من الرجعيين أصحاب المال الأقوياء، ونشاهد مطالب الجزائريين الضعفاء فتارة تعد كما قال م. فيانو وتارة تتوعد كما قال م. أوبو الذي يقول إذا أردنا الاحتفاظ على الشمال الإفريقي فلنحافط على القوة وقد أخطأ في ذلك، ولو كانت الحكومة تقبل نصيحتي كإنسان لنصحتها باستعمال الإحسان، الذي يمكنها به المحافظة على صداقة هذا الشمال الإفريقي.
والخلاصة أننا قلنا نحن لنا ثقة في الواجهة الشعبية ولا زلنا نقول ذلك، وقلنا ننتظر وها نحن ننتظر، ولكن للإنتظار حد محدود، وإذا خاب أمل الأمة الجزائرية فإنها لا تخيب وحدها بل تخيب معها فرنسا أيضا.
وختم الأستاذ عبد الحميد بن باديس محاضرته الكبرى بقصيدة من شعره البليغ مطلعها:
شعب الجزائر مسلم
…
وإلى العروبه ينتسب
من قال حاد عن أصله
…
أو قال مات لقد كذب
أو رام إدماجا له
…
رام المحال من الطلب
ومنها:
من كان يبغي ودنا
…
فعلى الكرامة والرحب
أو كان يبغي ذلنا
…
فله المهانة والعطب
وقد ختمها بهذا البيت الرائع:
فإذا هلكت فصيحتي:
…
تحيا الجزائر والعرب!
وقد قوبلت المحاضرة والقصيدة بعواصف من التصفيق والهتاف.
وما كاد الأستاذ المحاضر ينتهي من كلامه حتى وقف الشاب الأديب السيد الشاذلي المكي رئيس جمعية الطلبة الجزائريين بتونس وقال: لئن اعتاد الخطباء شكر المحاضرين بعد انتهائهم من محاضراتهم فأنا قد اعتدت بأثر كل محاضرة لأستاذي العزيز الشيخ عبد الحميد بن باديس أن أضع على جبينه قبلة حارة.
ثم تقدم وقبله باسم الطلبة الجزائريين فقام الأستاذ الطيب بن عيسى وطلب منه أن يقبله مر ثانية باسم التونسبين فكان ذلك ودوت القاعة بالتصفيق والهتاف المتواليين.
وبأثر ذلك وقف حضرة العالم الفاضل الأستاذ الشيخ السيد الشاذلي بن القاضي المدرس بالجامع الأعظم دام عمرانه وصاحب رصيفتنا (المجلة الزيتونية) الغراء وارتجل خطابا قيما قدم فيه خالص الشكر للأستاذ ابن باديس بالنيابة عن الريتونيين وأثنى على هذا المصلح الكبير والزعيم الإسلامي العظيم الذي تتمثل فيه الناحيتان العلمية والسياسية، وقال في هذا الصدد أن الجزائر إذا اعتمدت اليوم فإنما تعتمد على هذا الشيخ الجليل. ثم قال الأستاذ بن القاضي:
ونحن إن شاء الله مقتفون خطوات هذا الأستاذ في خدمة العروبة
والإسلام، وإذا قال الأستاذ أن العلم يجب أن ترافقه السياسة، فإننا نقول أن لنا علماء ضربوا في الحركة السياسيه بسهم مصيب.
وأذكركم بأن أول كلمة صدرت في بناء الدستور كان مصدرها العالم الكبير الأستاذ الشيخ السيد الصادق النيفر.
وختم خطابه بقوله: فتونس تحيا بحياة رجالها وحياة معهدها أدام الله لها رجالها وأدام لها معهدها (1).
(1) البصائر: السنة الثانية العدد 71 الجمعة 9 ربيع الثانى 1356ه 18 جوان 1937م. ص4، ع 1 و2 و3 وص 5، ع 1 و2.