الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشيد بذكره ويهيب دائماً بلزوم المحافظة على شخصية الأمة وعدم التساهل في شيء منها والمصارحة في كل موقف بأنها أمة لها لغتها ولها دينها ولقد كان من يرى السكوت عن هذه الناحية أقرب للمجاملة، وكان من يرى التسامح فيها والمساهلة، وكان من يصارح ويتصلب في هذه الناصية وإن تساهل في ناحية أخرى.
أما اليوم فقد أصبحت الأمة ولا يستطيع أحد أن يتقدم للنيابة عنها إلا إذا أقنعها بالمحافظة على شخصيتها والدفاع عن دينها ولغتها.
وإننا لنغتبط جد الاغتباط أن نرى نواب الأمة- إلا قليلا- قد أخذوا يشعرون بما عليهم من المسؤولية في الدفاع عن الإسلام والعربية، وأن نسمعهم- وقد سمعنا بعضهم- يرصعون خطبهم العامة بكلمات: إسلام، عربية، تاريخ، وطن، أمة وإنا لنرجو أن تكون لهم مواقف في هذه الناحية كما كانت لهم مواقف في النواحي الأخرى هذه الناحية في نظر الأمة، وفي الواقع أجل وأعز منها.
المصلحون:
ليس المصلحون حزبا- وربما يكونونه يوما من الأيام- وإنما هم العاملون على الأصول التي ذكرناها آنفا، وتحدثنا عن آثارها.
كانوا يوم رفع (الشهاب) وقبله (النتقد) الشهيد دعوة الإصلاح قليلا، وهم اليوم لا يأخذهم العدو لا تخلو بقعة من نواحي القطر منهم، قد ملأوه من أقصاه إلى أقصاه، وقد تجلت قوتهم في الانتخابات الكثيرة بعمالة قسنطينة وعمالة وهران وهم لم ينتظموا انتظام الأحزاب فكيف لو انتظموا؟
الطرقية:
كان الناس كأنهم لا يرون الإسلام إلا الطرقية، وقد زاد ضلالهم
ما كانوا يرون من الجامدين والمغرورين من المنتسبين للعلم من التمسك بها والتأييد لشيوخها، فلما ارتفعت دعوة الإصلاح في (المنتقد) و (الشهاب) حسب الناس أن هدم تلك الأضاليل التي طال عليها الزمان، ورسخها الجهل، وأيدها السلطان، محال. ولقد صمد (الشهاب) للطرقية يحارب ما أدخلته على القلوب من فساد عقائد وعلى العقول من باطل أوهام، وعلى الإسلام من زور وتحريف وتشويه، إلى ما صرفت من الأمة عن خالقها بما نصبت من أنصاب، وشتت من كلمتها، بما اختلقت من القاب، وقتلت من عزتها، بما اصطنعت من إرهاب، حتى حقت للحق على باطلها الغلبة، فهي اليوم معروفة عند أكثر الأمة حقيقتها، معلومة غايتها، مفضوحة دوافعها
…
إذا دعاها داعي السلطان لبت خاضعة مندفعة، وإذا دعاها داعي الأمة ولت على أعقابها مدبرة. ومن نكاية الله بها أن جعل أكبر فضيحتها على يد من يريد ممن توالتهم من دون الأمة مددها بما لها من مزايا عليه.
لا يهمنا اليوم أن تجهز على الجريح المثخن الذي لم يبق منه إلا ذماء، وإنما يهمنا أن نبين موقفنا مع البقية من شيوخها ونسمعهم صريح كلمتنا.
حاربنا الطرقية لما عرفنا فيها- علم الله- من بلاء على الأمة من الداخل ومن الخارج فعملنا على كشفها وهدمها مهما تحملنا في ذلك من صعاب، وقد بلغنا غايتنا والحمد الله وقد عزمنا على أن نترك أمرها للأمة هي التي تتولى القضاء عليها ثم نمد يدنا لمن كان على بقية من نسبته إليها لنعمل معاً في ميادين الحياة على شريطة واحدة وهي: أن لا يكونوا آلة مسخرة في يد نواح اعتادت تسخيرهم، فكل طرقي مستقل في نفسه عن التسخير فنحن نمد يدنا له للعمل في الصالح العام. وله عقليته لا يسمع منا فيها كلمة وكل طرقي- أو غير طرقي- يكون أذنا سماعة، وآلة مسخرة فلا هوادة بيننا وبينه حتى يتوب إلى الله.
قد نبذنا إليكم على سواء
…
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} .
هذا عرض سريع لصور من الماضي والحاضر، لنواح عديدة من الأمة والوطن وما يتصل بهما، يبين ما كان من تأثير تلك الأصول الإسلامية التي تمسك بها "الشهاب" فيها. فالله نرجو أن يثبتنا على الحق ويعيننا على الصدع به، وصدق تنفيذه، وحسن تبليغه، حتى يبلغ المسلمون كل خير وسعادة وكمال (1).
عبد الحميد بن باديس
(1) ش: ج 2، م 14، ص 1 - 7 غرة محرم 1357ه - مارس 1938م.