الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو ذر الغفاري
رضي الله عنه
ــ
-1 -
كيف كان إسلامه:
من السابقين الأولين وقصة إسلامه كما جاءت في صحيح البخاري - مع الشرح - في مواضع هكذا:"بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لأخيه أنيس: إركب إلى هذا الوادي - يعني مكة - فأعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء فانطلق حتى أقدم مكة وسمع من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وسمعت منه كلاما ما هو بكلام الشعر. فقال أبو ذر: ما شفيتني مما أردت. فتزود وحمل شنة من ماء وجراباً من طعام وعصا وسار حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يعرفه وهو كره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع فرآه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرف أنه غريب فقال له كأن الرجل غريب فقال نعم فقال له علي فانطلق معي إلى المنزل فانطلق معه لا يسأل أحدهما صاحبه عن شيء فبات عنده فلما أصبح عاد إلى المسجد فقضى اليوم الثاني كالأول ورآه علي واستصحبه إلى منزله فلما أصبح عاد إلى المسجد ومضى عليه اليوم كسابقيه واستصحبه علي معه كالسابق وسأله ألا تحدثني ما الذي أقدمك قال أبو ذر إن أعطيتني عهداً وموثقاً لترشدنني فعلت؟ فأعطاه علي العهد والميثاق فأخبره بالذي أقدمه. قال علي: فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا أصبحت
فاتبعني فإني إن رأيت شيئا أخاف منه عليك قمت كأنني أريق الماء فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي فانطلق أبو ذر يقفوا أثر علي حتى دخل علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل أبو ذر فسمع من قوله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم مكانه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكتم هذا الأمر وارجع إلى قومك فأخبرهم فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقال أبو ذر والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله) فقامت إليه قريش فضربوه ضرب الموت حتى أضجعوه على الأرض وأتى العباس فأكب عليه وقال لقريش ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار أن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم فأنقده منهم ثم عاد أبو ذر من الغد إلى مثلها فثاروا عليه وضربوه فأكب عليه العباس وأنقذه منهم كالأول فرجع أبو ذر إلى قومه.
كانت المرحلة الأولى من مراحل الدعوة فردية سرية وما أعلنت الدعوة للعموم إلا بعد نزول قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وكان ذلك في السنة الثالثة ولكنها مع خفيتها كان الخبر يتسرب خارج مكة حتى بلغ أبى ذر فأرسل أخاه ولم يكفه الخبر عن العيان فقدم بنفسه وأبا أن يسأل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً من قريش، لأنهم كانوا يصدون الناس عنه بالكذب عليه والتزهد فيه وبالأذية لمن يرون منه تصديقه. وكان من صنع الله له- ومن تاقت نفسه لمعرفة الحق أعين عليه - أن ساق إليه علياً فاستضاف على عادة العرب في استضافة الغريب فكان علي دليله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحارسه في طريق الوصل إليه من أن تصيبه قريش بأذى كما كان أبو ذر متستراً خوفاً على نفسه. فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشاهد وسمع منه ما حصل له به اليقين
أنه رسول الله بادر بالاسلام وأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكتمان أمره حتى لا تؤذيه قريش وبالرجوع إلى قومه ليخبرهم لعلهم يهتدون. وفي هذا دليل على أن من كان في مثل ذلك الحال من خوف وعدم القدرة على العدو يجوز له أن يتكتم ودليل على أن من هداه الله كان حقاً عليه أن يسعى في هداية قومه.
لكن أبا ذر الذي كان متكتماً خائفاً من يوم قدومه إلى مكة إلى ساعة إسلامه أبى بعد إسلامه أن يبقى متكتماً وأصبح لا يخاف قريشاً ولا يبالي بما يلحقه منها من أذى وأقسم أن يعلن إسلامه وسط مجامع قريش وأقره النبي- صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وفيه دليل على من أراد أن يتحمل الأذى ويعرض نفسه للهلاك في سبيل إعلان كلمة الحق وإظهار قوة الإيمان وإدخال الرعب والغيظ على قلب العدو كان ذلك حسناً من فعله. وبر أبو ذر في قسمه فقصد إلى المسجد حيث نوادي قريش ومجتمع الملأ منهم وصاح بكلمتي الشهادة. {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} في لحظة تبدل أبو ذر من الخائف المتكتم إلى المعلن الذي لا يبالي بالموت، ولقد كادت قريش تقتله لولا أن أنقذه منها العباس بما خوفها به على أموالها من قبيلة غفار ولكن أبا ذر القوي الإيمان الصادق الإسلام أراد أن يعود إلى إرغامهم وإغاظتهم بعد ما ذاق وتحقق من إذايتهم ليعلمهم أنه أقدم على ما كان أقدم عليه عالماً بإذايتهم غير مبال بها فعاد إلى الإعلان وعادوا إلى ضربه وعاد العباس إلى إنقاذه فرجع بعدئذ إلى قومه- وقد استنار قلبه بالإيمان واشتفى من قريش- خير قافل بخير هدية فدعاهم إلى الإسلام فأسلم على يده أخوه وأمه وكثير من قومه (1).
(1) ش: ج 1، م 11، ص 14 - 16 محرم 1354ه - أفريل 1935م.