الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
محاورة الرشيد
مع محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة
((نروي هذه القصة ليرى القارىء كيف كان علماء السلف يعتزون بعلمهم أمام ذوي القوة والسلطان، وكيف كان الخلفاء يستشيرون أهل العلم عملا بأصل الشورى الذي قرره الإسلام. ونرى التسامح الديني في علماء المسلمين الذين يمتازون به في أيام دولتهم عن جميع علماء الملل، فقد أنقذ محمد بن الحسن نصارى بني تغلب بإشارته من بطش الرشيد وقرر لهم حريتهم الدينية في تعميد أبنائهم. هذا أيام كانت الأمم الأخرى لا ترى لمخالفيها- بتدبير أحبارها ورهبانها- إلا السيف والنار)).
ــ
قال أبو عبيد- يعني القاسم بن سلام-: كنا مع محمد بن الحسن إذ أقبل الرشيد فقام الناس كلُّهم إلَاّ محمد بن الحسن فإنه لم يقم، ودخل الخليفة ودخل الناس من أصحابه، فأمهل الرشيد يسيرأ ثم خرج الَاذن، فقام محمد بن الحسن فجزع أصحابه له، فأدخل فأمهل، ثم خرج طيب النفس مسرورأ ثم قال لي: ما لك لم تقم مع الناس؟ فقلت: كرهت أن أخرج عن الطبقة التي جعلتني فيها، إنك أهلتني للعلم، فكرهت أن أخرج إلى طبقة الخدمة التي هي خارجة منه، وان ابن عمك- صلى الله عليه وآله وسلم قال:«من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» ، وأنه إنما أراد بذلك العلماء. فمن قام بحق الخدمة وإعزاز الملك فهو هيبة للعدو، ومن قعد اتباعا للسنة التى عنكم أخذت فهو زين لكم! قال: صدقت
يا محمد. ثم شاورني نقال: إن عمر بن الخطاب صالح بني تغلب على أن لا ينصروا أولادهم، وقد نصروا أبناءهم وحلت بذلك دماؤهم، فما ترى؟ قلت: إن عمر أمرهم بذلك، وقد نصروا أولادهم بعد عمر، واحتمل ذلك عثمان وابن عمك- يعني علياً-، وكان من العلم بما لا خفاء به عليك وجرت بذلك السنن. فهذا صلح من الخلفاء بعده، ولا شيء يلحقك في ذلك. وقد كشفت لك العلم ورأيك أعلى.
قال: لا -يعني لا ننقض صلحهم (1) - ولكنا نجريه على ما أجروه إن شاء الله.
إن الله جل اسمه أمر نبيه بالمشورة تماماً لما به من الأخلاق التي جعلها الله له، فكان يشاور في أمره فيأتيه جبريل بتوفيق الله. ولكن عليك بالدعاء لمن ولاه الله أمرك، ومر أصحابك بذلك، وقد أمرت لك بشيء تفرقه على أصحابك. قال: فخرج له مال كثير ففرقه (2).
(1) روى القصة مسندة الجصاص في الأحكام.
(2)
ش: ج 1، م 5، ص 15/ 16 غرة رمضان 1347ه فيفري 1929م.