الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العامة المتعلمة
((إذا كانت المساجد معمورة بدروس العلم فإن العامة التي تنتاب تلك المساجد تكون من العلم على حظ وافر وتتكون منها طبقة مثقفة الفكر صحيحة العقيدة بصيرة بالدين فتكمل هي في نفوسها ولا تهمل- وقد عرفت العلم وذاقت حلاوته- تعليم أبنائها. وهكذا ينتشر العلم في الأمة ويكثر طلابه من أبنائها وتنفق سوقه فيها. أما أنا خلت المساجد من الدروس كما هو حالنا اليوم - في الغالب- فإن الأمة تعفى عن العلم والدين وتنقطع علاقتها به، وتبرد حرارة شوقها إليه، فتجسو نفسها وأبناءها وتمسي والدين فيها غريب.
وقد عرف أسلافنا - رحمهم الله تعالى- هذه الحقيقة فحبسوا لأحباس الطائلة على التدريس في المساجد، التدريس الديني الجامع بين العلم والتهذيب ولو دام ما أسسوه لكانت حالة عامتنا على غير ما نراها عليه اليوم.
وفيما يلي ننقل من (أحكام) الإمام ابن العربي قصة تبين ما كان عليه عامة بغداد من العلم أيام كانت مساجدها معمورة بالدروس. وكان العلم منتشرا في جميع طبقاتها)).
ــ
"كان أبو الفضل المراغي يقرأ بمدينة السلام فكانت الكتب تأتي إليه من بلده فيضعها في صندوق ولا يقرأ منها واحداً مخافة أن يطلع فيها على ما يزعجه ويقطع به عن طلبه فلما كان بعد خمسة أعوام وقضى غرضاً من الطلب وعزم على الرحيل شد رحله وأبرز كتبه وأخرج تلك الرسائل وقرأ منها ما لو أنَّ واحدة منها يقرأها في وقت وصولها
ما تكن (1) بعدها من تحصيل حرف من العلم فحمد الله تعالى، ورحل على دابته قماشه وخرج إلى باب الحلبة طريق خراسان وتقدمه الكرى بالدابة وأقام هو على عامي يبتاع منه سفرته فبينما هو يحاول ذلك معه إذ سمعه يقول لعامي آخر أي قل، أما سمعت العالم يقول يعني الواعظ أن ابن عباس يجوز الاستثناء ولو بعد سنة لقد اشتغل بالي بذلك منه منذ سمعته يقول، وظللت فيه متفكرا، ولو كان ذلك صحيحاً لما قال الله تعالى لأيوب:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} وما الذي كان يمنعه من أن يقول حينئذ قل إن شاء الله سمعته يقول ذلك قلت بلد يكون العاميون به من العلم في هذه المرتبة أخرج عنه إلى المراغة لا أفعله أبداً واقتفى أثر الكرى وحلله من الكراء وصرف رحله وأقام بها حتى مات رحمه الله (2).
(1) كذا في الأصل والصواب: ما تمكن.
(2)
ش: ج 11، م 6، ص 692 - 693 غرة رجب 1349ه - ديسمبر 1930م.