الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة الشهر:
{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
ــ
الشيخ طاهر الجزائري:
هذا الأستاذ العظيم من أبناء الجزائر الكثيرين الذين ظهر نبوغهم في غير وطنهم فدلوا على أن الطينة الجزائرية طينة علم وذكاء إذا واتتها الظروف.
ألقى الأستاذ محمد كرد علي وزير المعارف بسورية محاضرة عن حياة هذا الأستاذ الكبير ونشرتها مجلة المجمع العلمي العربي فرأينا نقلها لقراء "الشهاب" لما فيها من فوائد علمية وعبر تاريخية للمتأملين (1).
-1 -
أصله ونشأته:
هو طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني الجزائري هاجر والده الشيخ صالح من الجزائر إلى دمشق في سنة 1263ه وكان من بيت علم وشرف معروف في بلاده، ولما جاء دمشق تولى قضاء المالكية وولد له ولد في شهر ربيع الثاني سنة 1268ه دعاه "الطاهر". قال والده في حاشية المجموع الفقهي للعلامة الأمير المالكي "طهره الله من رجس دنياه ودينه وبارك في عمره ورزقه العلم والعمل به" واستجيب دعاء والده فنشأ ابنه طاهر على حب الفضائل والتناغي بالعلم والعمل.
(1) فضلنا كتابة هذه الترجمة لأن الشيخ ابن باديس نشرها وعلق عليها.
دخل الشيخ طاهر المدرسة الجقماقية الاستعدادية فتخرج بأستاذه الشيخ عبد الرحمن البوشناقي، وكان مربيا شديد الشكيمة، وتعلم العربية والفارسية والتركية ومبادئ العلوم ثم اتصل بعالم عصره الشيخ عبد الغني الميداني الغنيمي الفقيه الأصولي النظار. وكان واسع المادة في العلوم الإسلامية بعيد النظر واسع العقل وهو الذي حال بإرشاده في حادثة سنة 1860م بدمشق دون تعدي فتيان المسلمين على جيرانهم المسيحيين في محلته فأنقذ بجميل وعظه وحسن تأثيره بضعة ألوف من القتل في تلك المذابح المشؤومة. وكان الشيخ الميداني على جانب عظيم من التقوى والورع الحقيقي، يمثل صورة من صور السلف الصالح فطبع الشيخ طاهر بطابعه وأنشأه على أصح المبادىء العلمية الدينية. وكانت دروسه دروساً صافية المشارب يرمي فيها إلى الرجوع بالشريعة إلى أصولها والأخذ من آدابها بلبابها، ومحاربة الخرافات التي استمرأتها طبقات المتأخرين وإنقاذ الدين من المبتدعين والوضاعين. وإذ جمع الشيخ طاهر إلى سلامة الفطرة وسلامة البيئة جودة النظر وبعد الهمة جاء منه بالدرس والبحث عالم مصلح وفيلسوف إلهي أشبه الأوائل بهديه، وتمثل بالأواخر في نظره ووفرة مادته.
ولم يغفل الأستاذ خلال سني الدراسة عن درس العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والتاريخية والأثرية، أخذها عن علماء من الترك وغيرهم. فكان إذا رأى أعلم منه بفن أخذ عنه فنه وأفاده فيما لايحسنه من فنون العلم. ومن مثل لعينيه كيف كان محيطه محيطاً أوائل النصف الأخير من القرن الماضي أيام كان يتهم بالمروق كل من تعاطى علماً لا يعرفه المتفقة يدرك ما عاناه الأستاذ لتلقف هذه العلوم المادية. ولم يبلغ الثلاثين من عمره حتى غدا يتقن العربية والفارسية والتركية وينظم بالفارسية كالعربية وكان نظمه بالعربية أرقى من شعر الفقهاء ودون شعر نبغاء الشعراء. وألف السجع لأول أمره ثم تخلى عنه
وأصبح يكتب مترسلا بلا كلفة ولا تعمل، وتعلم الفرنسية والسريانية والعبرانية والحبشية والقبائلية البربرية لغة بلاده الأصلية. ومما ساعده على فتح صدره الرحب لجماع المعارف البشرية غرامه منذ نشأته بجمع الكتب وهو لما يزل في المدرسة الإبتدائية فقد أخذ يبتاع الدشوت والرسائل المخطوطة من دريهمات كان يرضخ بها له والده لخرجه. وكانت الكتب والرسائل تباع في الكلاسة شمالي الجامع الأموي على مقربة من ضريح صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكلما أحرز الشيخ شيئاً من الأوراق والأسفار طالعه بإمعان وخبأه وحرص عليه فاستنار عقله وكثرت معلوماته واجتمعت له بطول الزمن خزانة مهمة من الأسفار قدرتها بستة آلاف مجلد فيها كثير من النوادر المخطوطة.
تولى التعليم لأول أمره في المدرسة الظاهرية الإبتدائية ولما أسست الجمعية الخيرية من علماء دمشق وأعيانها سنة 1294ه دخل في عداد أعضائها وكان من أكبر العوامل فيها ثم استحالت هذه الجمعية "ديوان معارف" فعين مفتشاً عاماً على المدارس الابتدائية التي أنشئت على عهد المصلح الكبير مدحت باشا والي سورية سنة 1295ه. وكان للشيخ الأثر العظيم في تأسيسها بمعاونة صديقه بهاء الدين بك أمين سر الولاية، وهو أديب تركي كان يحب نهضة العرب كما يحب العلم والأدب. وفي هذه الحقبة ظهر نبوغ شيخنا وعبقريته في تأسيس المدارس واستخلاصها من غاصبيها وحمل الآباء على تعليم أولادهم ووضع البرامج وتأليف الكتب اللازمة للمدارس، كن يقوم بهذه الأعمال المهمة ولا يفتأ يزداد كل يوم علما وتجربة وتفانيا في نهضة البلد وتحسين الملكات وصقل الأخلاق والعادات.
وأنشأ على ذلك العهد أيضا بمعاونة بضعة من أصدقائه "دار الكتب الظاهرية" بدمشق وجمع فيها سنة 1296ه ما تفرق من المخطوطات