المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العرب في القرآن-2 - آثار ابن باديس - جـ ٤

[ابن باديس، عبد الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌قسم التاريخ

- ‌تبليغ الرسالة

- ‌مقدمة:

- ‌المقصد:

- ‌فصل علمي:

- ‌الدرجة الأولى الأمر بالتبليغ المطلق:

- ‌الدرجة الثانية الأمر بتبليغ العشيرة:

- ‌الدرجة الثالثة الأمر بتبليغ العرب حوالي مكة:

- ‌الدرجة الرابعة الأمر بالتبليغ العام لمن في عصره ولمن بعدهم:

- ‌فصل عملي:

- ‌الخاتمة:

- ‌محمدصلى الله عليه وآله وسلم

- ‌شكوى الجزائر وبلواها

- ‌محمد عثمان باشاداي الجزائر

- ‌كلمة عن الجامع الأخضر

- ‌فاجعة قسنطينة

- ‌إبتداء الاعتداء:

- ‌ليلة السبت

- ‌استنتاجات من حوادث هذه الليلة:

- ‌صبيحة السبت4 أوت:

- ‌مساء السبت:

- ‌استنتاجات من حوادث يوم السبت وليلة الأحد:

- ‌يوم الأحد 5 أوت:

- ‌كيف ابتدأت الفتنة وكيف انتهت:

- ‌استنتاج وتعليل:

- ‌المصائب على الجانبين:

- ‌ليلة الإثنين ويومها:

- ‌في ليلة الإثنين جدد اليهود اعتداءهم على بيوت الله:

- ‌استنتاجات وملاحظات:

- ‌صبيحة الثلاثاء:

- ‌وفاء الوفد بوعده:

- ‌يوم السبت 11 أوت:

- ‌تنظير بين المسلمين واليهود:

- ‌النواب:

- ‌مفتي المسلمين وحبر اليهود:

- ‌الشرطة:

- ‌الأمة:

- ‌القتلى:

- ‌الخاتمة:

- ‌قسم العرب في القرآن

- ‌العرب في القرآن-2

- ‌قسم التراجم

- ‌رجال الإسلام ونساؤه

- ‌عبادة بن الصامت

- ‌أم حرام بنت ملحان

- ‌سعد بن الربيع

- ‌صدق ما عاهد الله عليه:

- ‌الحجاج بن عِلَاط

- ‌نسبه:

- ‌إسلامه ووفاته:

- ‌مسكنه وإقامته:

- ‌حاله في الجاهلية:

- ‌حاله في الإسلام:

- ‌الأسوة:

- ‌كيف كان إسلامه:

- ‌عمله:

- ‌زهده وورعه:

- ‌صدقه وصدعه بالحق:

- ‌تربيته:

- ‌مذهبه في المال:

- ‌جواب الأئمة عن استدلاله:

- ‌إعلانه رأيه وإثارته الفقراء:

- ‌حرية النظر:

- ‌النتيجة:

- ‌استقدام عثمان رضي الله عنه له من الشام:

- ‌فقه عثمان:

- ‌خروجه إلى الربذة:

- ‌تحذير:

- ‌وفاته:

- ‌سيدنا بلال الحبشي

- ‌نسبه:

- ‌إسلامه:

- ‌تعذيبه في الله وصبره:

- ‌ترجيح واقتداء:

- ‌عتقه:

- ‌جهاده:

- ‌وظيفته:

- ‌جزاء الحكيم:

- ‌ثناء عمر رضي الله عنه

- ‌تبشيره بالجنة:

- ‌سنه ووفاته:

- ‌عكاشة بن محصن

- ‌إسمه ونسبه:

- ‌سبقته ومشاهده:

- ‌أخبار تتعلق به:

- ‌‌‌بيان:

- ‌بيان:

- ‌إقادة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم له من نفسه:

- ‌تنبيه وتحذير:

- ‌القدوة:

- ‌الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ

- ‌إسمها ونسبها:

- ‌سابقتها ومشاهدها:

- ‌قدرها ومنزلتها:

- ‌حكاية طريفة عنها:

- ‌الفوائد والأحكام

- ‌النساء في الحرب:

- ‌إقرار الحق وإنكار الباطل:

- ‌حزازات النفوس:

- ‌القدرة:

- ‌سمية بنت خياط

- ‌بيتها:

- ‌إسلامها وسابقتها:

- ‌تعذيبها واستشهادها:

- ‌أوليات النساء في الإسلام:

- ‌الأسوة:

- ‌هند بنت عتبة

- ‌كيف أسلمت:

- ‌صدق إسلامها:

- ‌أخلاقها:

- ‌عبرة وقدوة:

- ‌نُعَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو النِّجَارِي الأَنْصَارِي

- ‌سابقته ومشاهده:

- ‌ظرفه ونوادره:

- ‌الإسلام دين السماحة والسجاحة:

- ‌نقص رجح به الكمال:

- ‌الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية

- ‌سابقتها:

- ‌منزلتها الشخصية:

- ‌منزلتها في المجتمع:

- ‌الإقتداء:

- ‌تحذير:

- ‌النّعمان بنُ عديّ العدويّ

- ‌نسبه:

- ‌سابقته:

- ‌ولايته وعزله:

- ‌خاصتان له:

- ‌أدب وقدوة:

- ‌التعريف بكتاب العواصم من القواصم

- ‌ترجمة الإمام ابن العربى

- ‌نسبه وأوليته:

- ‌نشأته:

- ‌ رحلته

- ‌أشياخه:

- ‌تلامذته:

- ‌منزلته في العلم والفضل:

- ‌ولايته للقضاء:

- ‌محنته:

- ‌تصانيفه:

- ‌مولده ووفاته:

- ‌عبد العزيز الثعالبي

- ‌أبناء المغرب العربي

- ‌شيخي:

- ‌السيد محمد الخضر حسين:

- ‌جانب عامر من جوانب القيادة:

- ‌صديقنا:

- ‌الأستاذ الهلالي:

- ‌قصة الشهر:

- ‌الشيخ طاهر الجزائري:

- ‌أصله ونشأته:

- ‌علمه وعمله:

- ‌أخلاقه وعاداته:

- ‌غريب عاداته:

- ‌تآليفه ورسائله:

- ‌رسائله الخاصة:

- ‌رزء الإسلام

- ‌السيد محمد رشيد رضاــ-1

- ‌مولده:

- ‌بيته:

- ‌نشأته:

- ‌تعلمه وشيوخه:

- ‌الكتب التي خرجته:

- ‌تنسكه:

- ‌تخلص نسكه من الباطل والضلال:

- ‌تعليمه وإرشاده:

- ‌أمره بالمعروف وتغييره للمنكر:

- ‌ما وقع بينه وبين شيخه الجسر بسبب هذا الإنكار:

- ‌ السيد محمد رشيد رضاــ-2

- ‌البيئة المنزلية:

- ‌أثر المعلم:

- ‌التحصيل الدرسي والتحصيل النفسي:

- ‌تعيين الغاية والاستعداد لها:

- ‌التفكير والاستقلال فيه:

- ‌بعده من الوظيف:

- ‌سبب الهجرة إلى مصر:

- ‌سبب تعلقه بالأستاذ الإمام وأول تعرفه به:

- ‌آثار اتصاله بالأستاذ الإمام:

- ‌وفاء السيد للأستاذ الإمام في حياته وبعد وفاته:

- ‌مواقفه بعد الأستاذ الإمام:

- ‌غايته السياسية:

- ‌أثر السيد رشيد في العالم الإسلامي:

- ‌العلامة الأستاذ الشيخ محمد بخيت المطيعي

- ‌منزلته العلمية:

- ‌منزلته في القضاء والفتوى:

- ‌موقفه من الإصلاح الديني:

- ‌إنصافه للأستاذ الإمام وشهادته له:

- ‌علاقتي به:

- ‌مصطفى كمال

- ‌قسم القصص الديني والتاريخي

- ‌محاورة الرشيدمع محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة

- ‌الخنساء وبنوها

- ‌كيف كان بناء الكعبة المشرفة

- ‌ملك العرب

- ‌مناظرة بين سلفي ومعتزليفي مجلس الواثق

- ‌هذه نعلي ونعل آبائيمحافظة الرشيد على زي قومه

- ‌العامة المتعلمة

- ‌النجاة من العطب بقليل من الأدب

- ‌أباة الضيميزيد بن المهلب

- ‌أعظم قائد

- ‌ضلال شيخين واهتداء غلام

- ‌الراعي

- ‌خلوا بيني وبين ناقتي

- ‌كن خير آخد

- ‌لا أثر للعبودية مع الأحرار

- ‌من خان قوما فليس منهم

- ‌العبرة:

- ‌من ذكريات بدر

- ‌بيان وإيضاح:

- ‌بئس حامل القرآن أنا إذاً

- ‌العبرة:

- ‌هكذا تكون النزاهة

- ‌الأسوة الحسنة:

- ‌رقية الله

- ‌العبرة:

- ‌الأسوة:

- ‌نعوذ بالله من السلب بعد العطاء

- ‌وأنا أغتنمها

- ‌العبرة:

- ‌القدوة:

- ‌مصرع ظالم

- ‌إباء وعدالة:

- ‌عبرة في مقتله:

- ‌السر كل السر في الأرواح

- ‌قسم الرحلات

- ‌للتعارف والتذكير

- ‌الحروش:

- ‌عزابة:

- ‌سكيكدة:

- ‌سانطارنو

- ‌مجاز الدشيش- وسيدي مزريش:

- ‌عين مليلة:

- ‌أم لباقي:

- ‌عين البيضاء:

- ‌مسكيانة:

- ‌جولة صحافية

- ‌ مليانة

- ‌بعض التفصيل:

- ‌خميس مليانة:

- ‌الأصنام:

- ‌غليزان:

- ‌مستغانم:

- ‌زاوية الشيخ ابن طكوك:

- ‌في بعض جهات الوطن-2

- ‌قرية آرزيو:

- ‌وهران:

- ‌رحلتنا إلى العمالة الوهرانية

- ‌تمهيد:

- ‌تاريخ بداية الرحلة ونهايتها:

- ‌البلدان التي زرتها:

- ‌ماذا كنت أقوم به في كل بلدة:

- ‌موضوع الدرس ومادته:

- ‌الإشاعات الباطلة:

- ‌الأسئلة والأجوبة:

- ‌طريفتان في الموضوع:

- ‌مظاهر الاتحاد:

- ‌تعلق الأمة بحكومتها:

- ‌كرم الأمة وإقبالها:

- ‌فضل الحكومة ورجالها:

- ‌فضل الصحافة العربية والفرنسية:

- ‌فضل الرفاق علينا:

- ‌خدماتنا بهذه الرحلة:

- ‌دفع توهم:

- ‌في تونس العزيزة

- ‌محاضرة الأستاذ عبد الحميد بن باديس:

- ‌الحالة العلمية:

- ‌الحالة السياسية:

- ‌الشيخ عبد الحميد بن باديس في قالمة

- ‌قسم تطور الشهاب

- ‌خاتمة المجلد الخامس

- ‌فاتحة المجلد السادس

- ‌خاتمة المجلد السادس

- ‌تنبيه

- ‌فاتحة المجلد التاسع

- ‌مجلة الشهاب والحركة الإصلاحية

- ‌بعد عقد من السنين

- ‌في العشيرة الصحافية:

- ‌ما جاء في "البلاغ" الذائع

- ‌نفحة من الجزائر:

- ‌ما جاء في "القلم" البليغ

- ‌ما جاء في "الزهرة" الزاهرة

- ‌الشهاب النيرفي عقده الثاني الحفيل

- ‌ما جاء في " الزهو" العذبة

- ‌مجلة "الشهاب" الغراء

- ‌فاتحة العام الثاني من العقد الثاني

- ‌عمل الماضي:

- ‌التعليم:

- ‌الإصلاح:

- ‌أمل المستقبل:

- ‌فاتحة السنة (13)

- ‌بيان واعتذار

- ‌فاتحة السنة الرابعة عشرة

- ‌الشباب:

- ‌ الوطن

- ‌فرنسا:

- ‌الإدارة:

- ‌الأمة:

- ‌العلماء:

- ‌النواب:

- ‌المصلحون:

- ‌الطرقية:

- ‌فاتحة السنة الخامسة عشرة

- ‌قسم الصلاة على النبي

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-1

- ‌تمهيد

- ‌ القسم العلمي

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-2

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-3

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-4

- ‌وفسر بقرابته:

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-5

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-6

- ‌الصلاة على النبيصلى الله عليه وآله وسلم-7

- ‌القسم العملي:

- ‌التحذير:

- ‌قسم الفقه والفتاوى

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌المباحثة والمناظرة:

- ‌من الإجارة لا من المكس

- ‌الدواء لمنع الحمل والعزل:

- ‌كراء الأسواق-2

- ‌قسم الفتوى-1

- ‌سؤال:

- ‌ الجواب

- ‌قسم الفتوى-2

الفصل: ‌العرب في القرآن-2

‌العرب في القرآن

-2

-

أيّها الإخوان:

جعلنا عنوان الخطاب ((العرب في القرآن)) وقلنا في أول كلمة منه أن العناية بالعرب حق على كل مسلم لارتباط تاريخهم بتاريخ الإسلام. فما هو حظ العرب من القرآن من الناحية التاريخية بعد أن سمعتم هذه التوجيهات العامة.

والعرب مظلومون في التاريخ فإن الناس يعتقدون ويعرفون أن العرب كانوا همجا لا يصلحون لدنيا ولا دين حتى جاء الإسلام فاهتدوا به فأخرجهم من الظلمات إلى النور.

هكذا يتخيل الناس العرب بهذه الصورة المشوَّهة، ويزيد هذا التخيل رسوخاً ما هو مستفيض في آيات القرآن من تقبيح ما كان عليه العرب ليحذرنا من جاهلية أخرى بعد جاهليتهم.

والحقيقة التي يجب أن أذيعها في هذا الموقف هي أنَّ القرآن وحده هو الذي أنصف العرب. والناس بعد نزول القرآن قصَّروا في نظرتهم التاريخية إلى العرب فنشأ ذلك التّخيل الجائر عن القصد. والتاريخ يجب أن لا ينظر من جهة واحدة بل ينظر من جهات متعددة وفي العرب نواح تجتبى ونواح تجتنب، وجهات تذم وتقبح وجهات يثنى عليها وتمدح. وهذه هي طريقة القرآن بعينها. فهو يعيب من العرب رذائلهم النفسية كالوثنية ونقائصهم الفعلية كالقسوة والقتل.

ص: 65

وينوه بصفاتهم الإنسانية التي شادوا بها مدنياتهم السالفة واستحقوا بها النهوض بمدنية المدنيات.

ولنذكر عاداً فهي أمة عربية ذات تاريخ قديم ومدنية باذخة ذكرها القرآن فذكرها بالقوة والصولة وعزة الجانب ونعى عليها الصفات الذميمة التي تنشأ عن القوة قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} .

فالنظرة التاريخية المجردة في هذه الآية وفيما ورد في موضوعها ترينا أن عاداً بلغت من القوة والعظمة مبلغاً لم تبلغه أمة من أمم الأرض في زمنها حتى أن الله جل شأنه لم يتحد قولهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} إلا بقوته الإلهية التي يذعن إليها كل مخلوق، ولو كانت في أمم الأرض إذ ذاك أمة أقوى منهم لكان الأبلغ أن يتحداهم بها. وإن أمة تقول هذه الكلمة بحالها أو مقالها لهي أمة معتدة بقوتها وعظمتها.

ومن هذه الآية وحدها نستفيد أن عاداً كانت أشد الأمم قوة وأنها ما بلغت هذه الدرجة من القوة إلا بمؤهلات جنسية طبيعية للملك وتعمير الأرض وأن تلك المؤهلات فيها وفي غيرها من شعوب العرب هي التي أعدتهم للنهوض بالرسالة الإلهية.

وإن القرآن لا ينكر عليهم هذه المؤهلات وإنما ينكر عليهم لوازمها ولا ينكر عليهم القوة والعظمة وإنما ينكر عليهم أن يجعلوها ذرائع للباطل والبغي ومحادة الله بدليل قوله لهذه الأمة: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} فهو يضمن لهم أنهم إن آمنوا وعملوا الصالحات يزيد قوتهم تمكيناً وبقاء، ومحال أن ينكر القرآن على

ص: 66

الناس القوة وهو الداعي إليها والمنفر من الضعف وإنما شرع القرآن بجنب الدعوة إلى القوة أن تكون للحق وللخير وللرحمة والعدل.

وكذلك قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (1) فإن هذه الآية - زيادة عن إفادتها لمعنى ما قدمناه - تكشف لنا نواح (2) من تاريخ هذه الأمة العربية ومبلغ مدنيتها وتعميرها فهي تدل على أنهم كانوا بصراء بعلم تخطيط المدن والأبنية وهو علم لا يستحكم إلا باستخدام الحضارة في الأمة ومأخذ هذا من قوله: {بِكُلِّ رِيعٍ} .

والآية في قوله آية هي بناء شامخ يدل على قوتهم أو هي آية هادية للسائرين وهي على كل حال بناء عظيم يدل على عظمتهم وقوتهم وما زالت عظمة البناء تدل على عظمة الباني.

ولم ينكر عليهم نبيهم نفس البناء الذي هو مظهر القوة. وإنما أنكر عليهم الغاية المقصودة لهم من ذلك البناء الشامخ فمحَطُّ الإنكار قوله: {تَعْبَثُونَ} ، ولا شك أن كل بناء شامخ لا يكون لغاية شريفة محمودة فهو عبث ولهو وباطل.

والمصانع، يقول المفسرون أنها مجاري المياه أو هي القصور، وعلى القولين فهي دليل على معرفتهم بفن التعمير علماً وعملاً وبلوغهم فيه مبلغاً عظيماً فهي من شواهدنا على ما سقنا الحديث إليه.

ولكن ليت شعري ما الذي صرف المفسرين اللفظيين عن معنى المصنع اللفظي الاشتقاقي والذي أفهمه ولا أعدل عنه هو أن المصانع

(1) 26/ 128 - 131

(2)

كذا في الأصل والصواب: نواحي.

ص: 67

جمع مصنع من الصنع كالمعامل من العمل وأنها مصانع حقيقية للأدوات التي تستلزمها الحضارة ويقتضيها العمران. وهل كثير على أمة توصف بما وصفت فيه في الآية، أن تكون لها مصانع بمعناها العرفي عندنا؟ بلى وإن المصانع لأوَّل لازم من لوازم العمران وأول نتيجة من نتائجه.

ولا أغرب من تفسير هؤلاء المفسرين للمصانع إلا تفسير بعضهم للسائحين والسائحات بالصائمين والصائمات والحق أن السائحين هم الرحالون والرواد للاطلاع والاكتشاف والاعتبار والقرآن الذي يحث على السير في الأرض والنظر في آثار الأمم الخالية حقيق بأن يحشر السائحين في زمرة العابدين والحامدين والراكعين والساجدين فربما كانت فائدة السياحة أتم وأعم من فائدة بعض الركوع والسجود.

ولا يقولن قائل إذا كانت المصانع ما فهمتم فلماذا يقبحها لهم وينكرها عليهم فإنه لم ينكرها عليهم لذاتها وإنما أنكر عليهم غاياتها وثمراتها فإن المصانع التي تشيد على القسوة والقسوة لا تحمد في مبدأ ولا غاية. وأي عاقل يرتاب في أن المصانع اليوم هي أدوات عذاب لا رحمة ووسائل تدمير لا تعمير فهل يحمدها على عمومها وإن دلائل حضارة ومدنية كانت.

ومن محامد المصانع أن تشاد لنفع البشر ولرحمتهم ومن لوازم ذلك أن تراعى فيها حقوق العامل على أساس أنه إنسان لا آلة.

{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} لا بد لكل أمة تسود وتقوى من بطش ولكن البطش فيه ما هو حق بأن يكون انتصافا وقصاصا وإقامة لقسطاس العدل بين الناس وفيه ما هو بطش الجبارين والجبار هو الذي يجبرك على أن تعمل بإرادته لا بإرادتك فبطشه إنما يكون انتقاما لكبريائه وجبروته وإرضاء لظلمه وعتوه وتنفيذا لإرادته الجائرة التي لا تبنى على شورى وإنما تبنى على التشهي وهوى النفس

ص: 68

لذلك لم ينقم منهم البطش لأنه بطش وإنما نقم منهم بطش الجبابرة الذي كله ظلم.

وفي القرآن ما هو كالتتمة لبحثنا عن حضارة العرب وكالعلاقة لحضارة عاد بعينها وهي حكاية عاد إرم ذات العماد.

فهذا الوصف البليغ الذي نقرؤه في سورة الفجر صريح بألفاظه ومعانيه في أنه وصف لحضارة عمرانية لا نظير لها، فالعماد لا تكون إلا في القصور والأبنية الباذخة والمدن المخططة على نظام محكم، وقد قال تعالى وهو العالم بكل شيء أنه:{لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} ومدينة هذا وصفها لا تشيدها إلا أُمة لا نظير لها في القوة وآثار الحضارة يتبع بعضها في الضخامة والعظم والوصف القرآني لها وإن سيق للاتعاظ بعاقبتهم يدل الباحث التاريخي على أنهم بلغوا في الحضارة غاية لا وراءها، وهم أمة عربية. فهذه المدينة شيدت في جزيرة العرب لا محالة. وأن الأقرب في التذكير بهم والاتعاظ بمصيرهم أن تكون الرؤية في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ} علمية لأن التذكير عام لمن تتيسر له رؤية العين ولمن لم تتيسر له، ولو ائتمرت الأمم الإسلامية بأوامر القرآن لنشأ فيها رواد يرودون الجزيرة ويجوبون مجاهلها ولو فعلوا لأمكن أن يعثروا على آثار هذه المدينة أرض عاد وهي معروفة ويجمعوا بين الرؤية البصرية والرؤية العلمية وبين العلم والاتعاظ وإننا لا نعبأ في مقام البحث العلمي بما حف هذه الحكاية من أساطير. ولا بما وقع فيه شيخ المؤرخين ابن خلدون حينما تعرض لنقض تلك الأساطير (1).

(1) ش: ج 2، م 15 ص 70 - 74 غرة صفر 1358ه - مارس 1939م.

ص: 69

العرب في القرآن

من الخطاب الذي ألقاه رئيس جمعية العلماء

في اجتماعها العام الماضي

ــ

-3 -

وأمة أخرى من الأمم العربية وهي ثمود، وهي أمة عربية نلعنها بلعن القرآن لها ولكننا نذكرها بما ذكرها به القرآن من قوة وتعمير وحضارة، فصالح رسول هذه الأمة يقول في دعوتها إلى الله وتعريفها بنعمه:{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} . فأمة أية أمة لا تعمر الأرض إلا إذا ملكت وسائل التعمير وهي كثيرة ومجموعها هو ما نسميه الحضارة أو المدنية.

وقد كشفت لنا عن هذا الإستعمار الثمودي عدة آيات بليغة الوصف، ولكن أبلغها وصفا وأدقها تصويرا قوله تعالى:{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} .

أما المغزى الذي سيقت هذه الآية لأجله فهو النفي عليهم. كيف يستعينون بنعم الله التي يسرها لهم على الكفر به، وإنذارهم أن الكفر بها وبمؤتيها سيكون سببا في زوالها وفي ضمن هذا عرفنا حالتهم التي كانوا عليها في تعمير الأرض. وهي حالة أمة بلغت النهاية في الحضارة المادية وفنونها من زرع الأرض وتلوينها بأصناف الشجر منظمة وتقسيم المياه على تلك الغروس إلى ما يستلزمها كل ذلك من علم

ص: 70

بحال الأرض وطبائعها وأحوال الأشجار المغترسة وطبائعها وأحوال الفصول الزمنية وأحوال الجو وأحوال التلقيح والآبار والجني وعلم بأصناف التمتع من مناظر ومجالس ومقامات ومآكل. ثم القيام على حفظ ذلك العمران من إفساد الأيدي السارقة وكل هذا مما يستلزمه وصف القرآن لحالهم لأجل تذكيرهم والتذكير بهم، وقد ذكرهم القرآن في مواضع بإتقانهم لنحت الحجر، والشجر والحجر آيتا الحضارة المبصرتان، ومن يعرف الحضارة الرومانية بهذا الوطن يعرف أنها ما قامت إلا على نحت الحجر وغرس الشجر.

وإن نحت الحجر ليستدعي حاسة فنية ويستدعي مع ذلك قوة بدنية وقد نعتهم القرآن في نحتهم للحجر بحالة ملابسة فوصفهم مرة بأنهم آمنون ومرة بأنهم فرهون، والفاره هو الذي يعمل بنشاط وخفة ولا يأتيه ذلك إلا من خبرته بما يعمل وعلمه بدقائقه واعتياده له. ومعنى هذا أن أصول هذه الصناعة التي اشتهر بها المصريون القدماء والرومان قد رسخت فيهم ولكن التاريخ المنقول ظلم العرب وبخسهم حقهم كما قلت لكم في طالعة هذا الخطاب.

هاتان أمتان من الأمم العربية أثبت القرآن حالهما فكان لنا مصدرا تاريخيا معصوما في إثبات حضارة الشعوب العربية التي بزت فيها الأمم.

ولننتقل الآن إلى ناحية أخرى من نواحي الجزيرة العربية وهي اليمن التي عرفها اليونان وغيرهم وعرفوا المدنيات التي قامت فسموها بالعربية السعيدة وإننا إذا انتقلنا إلى هذه الناحية من الجزيرة نجد العز القدموس والمجد الباذخ والماضي الزاهر لهذه الأمة التي نفتخر بالانتساب إليها ونباهي الأمم بمدنياتها بالحق والبرهان. وإننا في حديثنا عن اليمن لا نخرج عن شواهد القرآن.

ص: 71

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} .

ليس المقام مقام تبسط في وجوه البلاغة المعجزة التي تنطوي عليها هذه الآيات فقد استوعبت تاريخ أمة في سطور. وصورت لنا أطواراً اجتماعية كاملة في جمل قليلة أبدع تصوير ووصفت لنا بعض خصائص الحضارة والبداوة في جمل جامعة لا أظن غير اللسان العربي يتسع لحملها كقوله: {قُرًى ظَاهِرَةً} وكقوله: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} . وكقوله: {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} ، حتى إذا وصل القارئ إلى مصير هذه الأمة التي سمع ما هاله من وصفها واجهه قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} ، وأدركه الغرق في لجج البلاغة الزاخرة.

اللهم إن السلامة في الساحل وإننا لا نعدو موضوعنا تصور حضارة العرب مما يحكيه القرآن عنها في معرض بيان مصائرها حين كفرت بأنعم الله وبرسله.

الآيات صريحة في أن مدنية سبأ كانت مدنية زاهرة مستكملة

ص: 72

الأدوات ومن قرأ القرآن بعقله فهم ما نفهم من آياته وعلم كما نعلم أن مدن سبأ كانت عامرة بالبساتين عن يمين وشمال. ويمين من؟ وشمال من؟ إنه ولا شك يمين السائر في تلك المدن أو الأراضي وشماله ومعنى هذا أن طرق السير كانت منظمة تبعا لتنظيم الغروس عن يمينها وشمالها والاكتشافات الأثرية اليوم التي كان لليمن حظ ضئيل منها وإن كان على غير يد أهلها - تشهد بأن أمم الحضارات اليمنية كانوا من أسبق الأمم إلى بناء السدود المنيعة لحصر المياه والانتفاع بها في تعمير الأرض، وإقامة السدود لا تتم بالفكر البدوي .. والعمل اليدوي، بل تتوقف على علوم فكرية منها الهندسة والهندسة تتوقف ثمراتها على علوم كثيرة وعلوم العمران كعروق البدن يمد بعضها بعضاً فهي مترابطة متماسكة متلاحمة - فما يكون السبإيون بلغوا في الهندسة مبلغاً أقاموا به سد مأرب حتى يبلغوا في غيره من علوم العمران ذلك المبلغ.

ولكن لما كفروا بأنعم الله واستعملوها في ما يسخطه سلط الله عليهم من الأسباب ما خرب عمرانهم وأباد حضارتهم وذلك قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ

} الخ.

ويقول في وصف عمرانهم: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} ، يعني أن عمرانهم لم يكن محدودا، وإنما كان متصلاً بعضه ببعضه. فالقرى والمدن يظهر بعضها من بعضها لقربها وتلاحمها فلا يكاد المسافر يبرح مدينة حتى تبدو له أعلام الأخرى، ولا يكون هذا إلا إذا كان العمران متصلاً. وهذا هو معنى الظهور في الآية فهو ظهور خاص. وتقدير السير هو أن يكون منظماً ومن لوازمه أن تكون الأوقات مضبوطة بالساعات والطرق محدودة بالعلامات التي

ص: 73

تضبط المسافة، وقوله تعالى:{سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} يرشدنا إلى امتداد العمران مسافة الليالي والأيام وأن الأمن كان ما دار رواقه على هذا العمران. ولا يتم العمران إلا بالأمن ولكن فات القوم أن يحصنوا هذه المدينة الزاخرة بسياج الإيمان والشكر والفضيلة والعدل وكل مدينة لم تحصن بهؤلاء فمصيرها إلى الخراب، والناس من قديم مفتونون بعظمة المظاهر يحسبون أنها خالدة بعظمتها باقية بذاتها، فالقرآن يذكر لنا كثيراً من مصائر الأمم حتى لا نغتر بمظاهرها وحتى نعلم أن سنة الله لا تتخلف في الآخرين كما لم تتخلف في الأولين.

وأما قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} فإن المفسرين السطحيين يحملونه على ظاهره وأي عاقل يطلب بعد الأسفار؟

والحقيقة أنهم لم يقولوا هذا إلا بألسنتهم وإنما هو نتيجة أعمالهم، ومن عمل عملاً يفضي إلى نتيجة لازمة فإن العربية تعبر عن تلك النتيجة بأنها قوله وهذا نحو من أنحاء العربية الطريفة.

ولا زال الناس - على عاميتهم - يقولون فيمن عمل عملاً يستحق عليه الضرب أو القتل: أنه يقول اقتلني أو اضربني، وهو لم يقل ذلك وإنما أعماله هي التي تدعوا إلى ذلك، فالمعنى أن أعمالهم هي التي طلبت جزاءها اللازم لها المرتبط بها ارتباط اللازم بالملزوم والدال بالمدلول فكأن ألسنتهم قالت ذلك ويؤيد هذا في القرآن كثير ومنه قوله تعالى:{سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} لأن الجزاء أثر للفعل فهو مرتبط به ولا يقولن قائل: القول يقع مدلوله في القلب حالاً ولا كذلك العمل فقد يتأخر جزاؤه طويلا ً- لأن الجزاء إذا كان محقق الوقوع يصير كأنه حاصل بالفعل وكل عاقل يقطع بأنه إذا وقع الظلم من الظالم فقد استحق عليه الجزاء ولا يلاحظ مسافة ما بين الظلم وجزائه.

ص: 74

وأما المباعدة بين أسفارهم التي اقتضاها كفرهم بأنعم الله، فهي كناية عن محو العمران وخراب القرى التي كانت ظاهرة متقاربة حتى لا يبقى منها إلا القليل فيتباعد ذلك القليل بالطبع بخراب الكثير.

وأين العمران المتلاحم الذي يرتاح فيه المسافر لضبط المسافة وتعدد المشاهد من الخراب الذي يوحش فيزيد المسافة بعداً على بعد.

وملكة سبأ وعرشها العظيم وملكها وما قصه القرآن من نبئها أعظم وأروع فمخبر سليمان عليه السلام يقول عنها: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} وما وصف عرش ملكة سبأ بالعظيم عند سليمان نبي الله الذي سخر له الجن والريح - إلا وهو في نفسه عظيم.

أيها الإخوان:

إن في قصة ملكة سبأ في القرآن لدرساً تتفجر منه ينابيع العظة والعبرة وإرشاداً إلى ما تقوم به الأمم ولولا أن هذا الخطاب قد طال لآثرنا منها العبر وأثرنا بها العبر. ولكن لا يفوتنا أن نلخص منها إشارات وما عليكم بعد ذلك إلا أن تتدبروا الآية ففيها نظام الشورى صريحاً لا مواربة فيه وفيها أن بناء الأمم إنما يعتمد على القوة وقد تكون مؤنثة فلا بد أن يسندها بأس شديد. وفيها أن الملأ هم الأشراف وأهل الرأي وهم أعضاء المجالس الشورية ولعلهم كانوا بالانتخاب العرفي وهو نظام مدني ولعلهم كانوا بالانتخاب الطبيعي أو الوراثي وهو لا يكون إلا في الأمم التي شبت عن طوق البداوة.

ولعل كاتباً من كتابنا يتناول هذا البحث بحث الانتخاب في الإسلام ولئن استرشد القرآن في هذا الباب ليرشدنه.

ص: 75

هذه مدنيات ضخمة غيرت في هذه الأمة التي أهلها الله لحمل الرسالة الإلهية إلى العالم وهذه بعض خصائص هذه الأمة التي هيأها الله للنهوض بالعالم وإنقاذه من شرور الوثنية وبنياتها ومن ضلال العبودية بجميع أصنافها. وإن القومية العربية موضوع مترامي الأطراف. وليس من الممكن الإحاطة به في مثل هذا الخطاب. وحسبي أن أكون قد خدمتها من هذه الناحية التي هي خدمة للإسلام والقرآن وعليكم السلام. (1).

(1) ش: ج 3، م 15، ص 119 - 124 غرة ربيع الأول 1358ه - أفريل 1939م.

ص: 76