الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-2 -
أخلاقه وعاداته:
قلنا أن سيرة الشيخ طاهر كانت نمطاً واحداً طول حياته هكذا كان متعلماً ومعلماً وعالماً يحب العمل ويدعو إليه قبل النظر، جد في حركته لا يبالي بالعوائق أمامه مهما عظمت وكلما حاول أعداؤه أن يقفوا دون انبعاث دعواته يزداد قوة وعرامة شأن كل الدعوات، وكلما حاربتها زدتها انتشاراً ونبهت الناس إليها. ألغت الحكومة وظيفة التفتيش بالمدارس علها تخفف من شدته في بث أفكاره بين الأساتيذ والتلاميذ فزاد نشاط الشيخ، وكان مدرساً في المدرسة الإعدادية بدمشق وهو من جملة مؤسسيها فاستقال ثم عرضت عليه وظائف كبرى في غير السلك العلمي فأبى لأنه كان يعرف أنه لا بد له من مشايعة الظلمة والجهَّال على أعمالهم، وجعل جل اعتماده في عيشه آخر أيامه على الكتب التي اقتناها طول حياته بأثمان بخسة، وأخذ يبيع منها بالتدريج ولا سيما إذا تأكد أنها تحفط في معاهد عامة كدار الكتب المصرية والخزانتين التيمورية والزكية في القاهرة فإن معظم نفائس خزانته نقلت إليها وتمزز الشيخ أثمانها نحو أربع عشرة سنة، وكان اشتراها في صباه بأثمان بخسة فارتفعت أسعارها عشرة أضعاف أو أكثر.
كان الشيخ على ضيق ذات يده أحيانا يتصدق على الفقراء في السر وربما كزت يده عن لباسه وطعامه وأطعم جائعاً وعال معوزاً، يصلي الصلوات لأوقاتها ويقيم شعائر الإسلام حتى في غير بلاده فقد زار مرة أحد معارض باريز فكان إذا أدركته الصلاة صلى في الحديقة العامة لا يبالي بإنتقاد الناس هناك ولا استغرابهم حركاته وسكناته، وحج مرة وطبق مناسك الحج على ما يفعل العلماء العاملون، وكان مفطوراً على الرحمة يأرق لجاره أو صاحبه إذا علم أنه أصيب ببائقة
في ماله أو أهله أو جاهه خصوصا إذا كان الرجل ممن تريضه سيرته في الجملة.
كان الشيخ يستنكف أن يأخذ شيئاً من أحد بلا مقابل مهما كان الواهب، فقد عرض عليه صديقه الأستاذ أحمد زكي باشا أن يوقع على طلب وهو يتعهد له براتب جيد من الأوقاف المصرية على عهد الخديوي عباس الثاني فتنصل واعتذر ولما اشتد صديقه في تقاضيه انتهره حتى لقد قال الأستاذ زكي باشا لو كنت أعتقد أن رجلاً يعيش من تحت السجادة لاعتقدت ذلك في الشيخ طاهر لأنه يقيم في بلد كمصر يشكو فيه الأغنياء من الغلاء ولا يحب أن يأخذ من أحد شيئاً يستعين به.
وكأنه يشير بحركته إلى ما قاله القاضي علي بن عبد العزيز في عزة نفس العالم:
يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا
…
رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ
…
وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا
…
بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا
وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي
…
وَلَا كُلُّ مَنْ لَاقَيْتُ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
إِذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى
…
وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
أُنزِّهُهَا عَنْ بَعْضِ مَا لَا يَشِينُهَا
…
مَخَافَةَ أَقْوَالُ الْعِدَا فِيمَ أَوْ لَمَا؟
وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي
…
لِأَخْدُمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً
…
إِذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ
…
وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا
…
مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
لا أكون إلى المبالغة إذا قلت أن عزة النفس وهو الخلق الذي ندر في علماء المسلمين لعهدنا كان مما تفرد به، ففيه إباء الملوك وزهد الزهاد
والعباد، لم يظاهر- ظالماً لغنم يصيبه، ولا صحب غنياً للانتفاع بغناه، وكان يؤثر الخمول وعدم الظهور ولا تهمه الشهرة استفاضت أم لم تستفض لأنه يهزأ في باطنه بمظاهر الأبهة والرفعة ويزهد في اعتبارات كثيرة يتفانى الناس في تحصيلها. يزهد حتى في نسبته إلى الشرف ولم يذكر ذلك إلا مرة واحدة ذكره فيه أحد صلحاء الجزائريين أمامي وسألته بعد ذلك عن نسبة بيتهم إلى الشرف فقال (هكذا يقولون) ولا عجب فشرف العلم أشرف نسبة. هاجر الشيخ من دمشق لما كثر إرهاق العلماء في العصر الحميدي فنزل القاهرة من سنة 1225ه 1907م إلى سنة 1238ه 1920م وظل فيها طول هذه المدة على تقشفه والحرص على عاداته، ولما نشر القانون الأساسي في المملكة العثمانية (1908) رأى الشيخ بنظره الثاقب أن عهد الحرية الحقيقية بعيد وكان لا يغتر بقوانين الترك ولا بثرثرة السياسيين فانزوى في مصر حتى استحكم منه مرض (الربو) وقفل راجعا إلى مسقط رأسه قبيل وفاته بأشهر قليلة فعين مديراً لدار الكتب التي كان أنشأها في صباه وعضواً في المجمع العلمي العربي وناداه ربه إلى جواره يوم 14 ربيع الثاني سنة 1338ه (5 كانون الثاني سنة 1920م) فدفن حسب وصيته في سفح قاسيون جبل دمشق، وقبيل وفاته برح به الألم فاقترح على الطبيب أن يعطيه دواء يميته حالاً قائلاً أن في الشرع ما يبيح ذلك وهذا من أغرب ما سمع من عاقل. أما الطبيب فركن إلى الفرار وحلف أن لا يعود لتمريض الشيخ.
كان الشيخ فيلسوفاً بكل ما في الفلسفة من معنى شريف لا تلتوي أخلاقه ولا ينزل بحال عن عاداته متشدداً في دينه زاهداً في دنياه لم تبهره زخارف الحياة ولم يتزوج حتى لا يشغل ذهنه بزوج وأولاد وليكون أبداً مطلق العنان يسيح في الأرض متى أراد أو يقبع في كسر داره وسط كتبه ودفاتره، ولئن خلا من هم نفسه فما خلا ساعة من
الاهتمام بأمر المسلمين وتحبيب العلم والعمل إليهم.
وعقد له صلات مستديمة مع علماء عصره على اختلاف أديانهم وأجناسهم، صحب صديقه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده كما صحب صديقه العالم المجري (غيولد صهري) اليهودي. وكثيراً ما كانت صلاته بعلماء المشرقيات باعثة على تخفيف حملاتهم على الإسلام ولو قليلاً، وهذا جل ما كان يهتم له ثم يهمه من أمر المستعمرين من المستشرقين توفرهم على خدمة آدابنا بنشرهم كتبنا النفيسة وكان يعاونهم فيما هم بسبيله إذا استطلعوه طلع رأيه ومتى استفتوه أفتاهم بما يتعذر وقوفهم عليه.
ومن عادة الشيخ أن يصحب الفرق المختلفة مهما كان لون طريقتهم ونحلتهم حتى الملاحدة وأرباب الطرق، رأى ذات مرة جماعة يتألفون على طريقة لهم يحبونها وأذكار مأثورة يقيمونها وشهد في بعض أفرادهم استعداداً للعلم، فما زال بشيخهم، وكان من أصحابه وتلاميذه حتى حمل الجماعة على أن يشغلوا الوقت في مطالعة كتاب من كتب القوم في التصوف وكان هذا الكتاب في الأدب العالي والأخلاق الفاضلة، ورأيت الشيخ يحتمل كثيراً من تجهم بعض أولئك المتألفين فيدخل في مجلسهم متظاهراً بأنه طالب استفادة حريص على درس أستاذهم وهو يحمل إليهم النسخ المخطوطة من الكتاب لمعارضتها بالمطبوع يحاول أن يعلم بعضهم صورة المراجعة في كتب اللغة حتى تسلم العبارة من الخطأ، ويخدم الكتاب الخدمة اللائقة، وبذلك تيسر له أن ينقل بعض أرباب الاستعداد منهم من كتب التصوف إلى كتب العلم والأدب. وسمعت بعضهم يتبرمون بقراءة تفسير ابن جرير الطبري وتبسطه في شرح الكتاب العزيز فجاء من هذه الزمرة أدباء نافعون بعد أن كانت نفوسهم مشبعة بالكشف والخيالات والمنامات. وأدخل النور على كثير من أذكياء العلماء من أصحابه وكان منهم الذين ذرفوا على
الستين فما استطاعوا أن يؤثروا الأثر المطلوب في مريديهم ومنهم منساعدهم الطالع أن كانوا في سن الشباب فعالجوا التأليف والوعظ والتعليم فانتفع بهم الناس كل النفع ومنهم من لم يتمرنوا على الكتابة والالقاء فبقيت لهم أفكارهم في دائرة القوة لم يتعد أثرها المحتفين بهم من الأصحاب والمريدين.
ولقد كانت له صداقة أكيدة بالعالم المطران يوسف داود السرياني يتسامران ويتحدثان ويتهامسان ويتناقشان. وما أدري إن كان المطران أثر في الشيخ أو أثر الشيخ في المطران؟ سمعت الشيخ يثني الثناء المستطاب على صديقه المطران، وقد طالت به صحبته وعشرته. وهكذا كان له اتصال بالأرمن واليهود واليسوعيين الكاثوليك والأميركان البروتستانت. وكان يغضي عن كثير من النقد على رجال الدين من غير المسلمين ويقول هم أقرب الناس إلينا يعتقدون بالله واليوم الآخر وخلود النفس. وكانت جميع الطوائف تستلطفه وتحب عشرته على ما بينها وبينه من التخالف الظاهر في الزي والعادة والخلق والمذهب ويطلعونه من سرائرهم على ما لا يبوحون به لأقرب الناس إليهم وسمعته غير مرة يقول:"الحمد لله لقد سالمنا كل الفرق".
صحب بعض الزنادقة وما زال يصبر على ما ينبو عنه سمعه من تصريحهم وتعريضهم وما فتيء يلقنهم أفكاره بالتؤدة مدة حتى عاد بهم إلى حظيرة الدين وهم لم يشعروا فيما أحسب بما دخل على عقولهم من التبدل وصحب كثيراً من غلاة الشيعة والطوائف الباطنية فما برح يلطف لهم حتى أضعف من غلوائهم وأبدلهم بعد الجفوة أنسا وغير من انقباضهم وانقباض الناس عنهم، ليعيشوا في هناء وسط المجتمع الإنساني الأكبر.
وكان يتفنن في بث الأفكار الصحيحة وإخراج قومه من الأمية
المميتة ويحمل خاصته ومن يصل صوته إليهم على تعليم أولادهم الممكن من ضروب العلم الذي يتناسب مع حالتهم الاجتماعية. وقال لي مراراً إذا أردت إدخال الإصلاح إلى بيوت الأعيان وفيهم الجاه والمال فأجهد لأن يتعلم ولو فرد واحد من كل أسرة تقلب به كيانها. وكثيراً ما قال لنخرجن من بيوت الأغنياء أولاداً يحاربونهم بسلاح التربية الصحيحة وقد وفق إلى ذلك بعض الشيء، وكان يقول لو طلب مني اليهود أن أعلمهم ما تأخرت ساعة عن إجابة طلبهم لأن في تعليمهم تقريبا لهم منا مهما كانت المباينة والفوارق بيننا وبينهم.
ما رأيت الشيخ يبغض إنساناً بغضه لشقيقين دمشقيين جعلا شعار العلم على رأسيهما وكان إذا ذكر أحدهما أو كلاهما في مجلسه يقول (دعونا) وتنقبض نفسه انقباضا دونه كل انقباض ولو علمت أن بغضه لهما- وكانا بغيضين للناس- كان ناشئاً من كونهما أعطيا عهداً على أنفسهما أن يصدا الناس عن طلب العلم لبطل عجبك. وأكد الأستاذ أن الأخوين قد وفقا بدعايتهما الضارة إلى أن قطعا عن الدرس نحو أربعين طالباً، كان يرجى أن يكون منهم متعلمون بل علماء عاملون وكان من عادة بعض أدعياء العلماء من الشيوخ أن يرغبوا الناس عن الدرس ليخلو لهم الجو ويستمتعوا وحدهم بالمناصب الدينية والأوقاف والمدارس والجوامع لا ينازعهم أحد في شؤونهم ما خلا أبناء بيوت محدودة معروفة ممن هم على شاكلتهم في غش الأمة والاستئثار بمرافقها. فكان شأن هؤلاء في الاستئثار الممقوت شأن كهنة قدماء المصريين لا يسمحون لغير فئة خاصة بالتعلم أو شأن أصحاب الطبقات من الهنود أو اللاويين عند اليهود لا يدخل أهل طبقة في طبقة غيرها مهما تبدل من حالتها.
من أجل هذا كان من رأي الشيخ أن يتعلم كل طالب علم (العلم الإسلامي) صناعة أو تجارة أو نحو ذلك من أسباب المعاش مما يغنيه
عن الناس وعن تكفف العظماء لتعزف نفوسهم عن التناول من الأوقاف والتمرغ في حمأة القضاء والإفتاء، وينشأوا على استقلال النفس، لأن هذا العلم يطلب لذاته وفائدته في الدارين لا للتكسب به عند السلاطين والحكومات. وفي سيرة بعض علمائنا الأقدمين ممن كانوا يحترفون ويتجرون عبرة لأهل هذا الشأن وأي عبرة.
ولطالما تفرس الشيخ في إنسان الشر وأعرض عنه وحذر أصحابه من الدنو منه فيناله من نقد غير العارفين ما يناله ويقولون أن الشيخ صاحب أطوار وغرائب والشيخ ساكت يقول: "هم أحرار ونحن لا نكم أفواه الناس عن التحدث بما يروقهم" ولا تلبث الأيام بعد حين أن تكشف نفس ذاك الشرير على صورة مستغربة وكثيراً ما كنت أسأله عن الأشخاص من حيث علمهم أو أخلاقم فيجيب (الأمر مجهول) فأفهم بالتعريض أن في معلوماتهم م أو سلوكهم نظراً، فيظهرون بعد لأي بمظهر الجهل أو الخيانة وقد خدعوا السذج من أصحاب الصدور السليمة ومن قلت تجاربهم في المجتمع أعواما غير قليلة. ومن فراساته الغريبة يوم حدث الاعتداء على ولي عهد النمسا في مدينة سراجيفو سنة 1914م أن حرباً أوربية طاحنة ستنشب لا محالة فأبعد في تصوره خطورة الموقف إلى ما لا يتعداه غير أعاظم المفكرين العارفين بنتائج الحوادث. كان يصدع بالحق ولا يماري إذا دخل مجلساً ورأى فيه بعض الظالمين أو المخرفين غلب عليه الجلال فلا بنطق بكلمة، وإذا رأى من أحد الحاضرين تمويها في أمر وخروجاً عن الصدد جبهه واحتد فيخرج عن مألوف الناس في الملاينة والملاطفة وهذا سر من أسرار ازورار بعض الناس منه. واتفق أن أحد أترابه ارتقى في الدولة العثمانية حتى أصبح الحاكم المتحكم في العهد الحميدي فقاطعه الشيخ مقاطعة بلا سبب ظاهر فتوسط صاحبه أحد أقاربه ليعود الشيخ إلى مراسلته ووعد الشيخ ومناه فأغضى الشيخ عن إجابته ثم ألح الوسيط
بعد مدة ليعرف الداعي إلى إعراض الشيخ عن صاحبه فقال: "اكتبوا له أننا لا نتعرف إليه ما دام لا يعرف أمته ومتى فكر في إسعادها وتخفيف البلاء عنها عدنا اخوانه واخذانه"، وحدث أن صديقه الأستاذ أحمد زكي باشا نال بواسطة المرحوم أحمد حشمت باشا وزير معارف مصر اعتماداً بعشرة آلاف جنيه لطبع مجموعة من الكتب العربية القديمة النادرة تبلغ فيما أذكر سبعة وعشرين كتابا ومنها ما يدخل في بضعة مجلدات فتباطأ زكي باشا في الطبع ومضت السنة فقيد المبلغ في نظارة المعارف على حساب السنة المقبلة ولم يخرج الباشا شيئاً وهكذا حتى ألغي الاعتماد باستقالة حشمت باشا فغضب الشيخ غضبة مضرية من عمل زكي باشا وصارحه بقوله:"لقد أسأت إلى الأمة العربية بإبطائك في إخراج الكتب للناس وإذا ادعيت أنك كنت تقصد نشرها سالمة من الخطأ مشفوعة كلها باختلاف النسخ والتعاليق فالتأنق لا حد له ويكفي أن ينتفع الناس بالموجود" وظل الشيخ أشهراً لا يكلم صديقه الزكي إلا متكلفا كأنه عبث به وعمل الضرر إلى مصلحته مباشرة. وأي مصلحة أعلق بقلبه من نشر آثار السلف وإذ كان الشيخ عصبي المزاج يحب إتمام كل عمل لساعته وكان يستشيط غضبا من رجل قال له إن لك عندي كتاباً ولكني أنسيته في داري أو حانوتي أو مدرستي وكثيراً ما كان يحمل من يشغله بكتاب جاءه على أن يفتح محله مهما كان بعيداً أو مهما كان الحديث في ساعة متأخرة من الليل. ويقصد الشيخ في ذلك أن يعلم الناس العناية بمصالح غيرهم أيضا. وكان يقول في مثل هذه الأحوال ولعل في الكتاب أمراً مستعجلاً يستدعي أن يجاب عليه في الحال (1).
(1) ش: ج 6 م 5 ص 22 و29 غرة صفر 1318ه - جوليت 1929م.