الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أباة الضيم
يزيد بن المهلب
بيت المهلب من أكبر البيوت التي استقامت عليها دعائم ملك بني أمية، والمهلب هو الذي قطع دابر الخوارج عليهم بالعراق بعد ما كان قد أعياهم أمرهم. حتى قال الحجاج للمهلب- لما قدم عليه بعد الظفر وقد أجلسه معه وبالغ في إكرامه-:"يا أهل العراق أنتم عبيد المهلب". ولما قدم قدمته هذه ولى ابنه يزيد كرمان، ثم كانت ولايته على خراسان وفتح في خلافة سليمان بن عبد الملك دهستان وجرجان وطبرستان. ولما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز سجنه وطالبه بأموال كان كاتب عليها سليمان فأنكرها ومكث في السجن حتى هرب منه قبل وفاة عمر بقليل خوفا من أن يقع في يد يزيد بن عبد الملك ولي عهد عمر وكان يزيد أيام ولايته قد عذب آل أبي عقيل أصهار يزيد لأنه كان متزوجا ببنت أخي الحجاج. فقصد البصرة وبدأ فتنته منها وكان من نهاية أمره ما قصه ابن أبي الحديد فيما يلي:
ــ
ومن أباة الضيم يزيد بن الهلب كان يزيد بن عبد الملك ينشؤه قبل خلافته لأسباب ليس هذا موضع ذكرها، فلما أفضت إليه الخلافة وخلعه يزبد بن المهلب ونزع يده من طاعته وعلم أنه إن ظفر به قتله وناله من الهوان ما القتل دونه فدخل البصرة وملكها عنوة وحبس عدي بن أرطاة عامل يزيد بن عبد الملك عليها فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشاً كثيفاً يشتمل على ثمانين ألفاً من أهل الشام والجزيرة
وبعث مع الجيش أخاه مسلمة بن عبد الملك وكان أعرف الناس بقيادة الجيوش وتدبيرها وأيمن الناس نقيبة في الحرب وضم إليه ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك فسار يزيد بن الهلب من البصرة فقدم واسطا فأقام بها أياما ثم سار عنها فنزل العقر واشتملت جريدة جيشه على مائة وعشرين ألفاً وقدم مسلمة بجيوش الشام فلما تراءى العسكر أن وشبت الحرب أمر مسلمة قائداً من قواده أن يحرق الجسور التي كان عقدها يزيد بن المهلب فأحرقها فلما رأى أهل العراق الدخان قد علا انهزموا فقيل ليزيد بن المهلب قد انهزم الناس قال ومم انهزموا هل كان قتال ينهزم الناس من مثله فقيل له أن مسلمة أحرق الجسور فلم يثبتوا فقال قبحهم الله يقال دخن عليه فطار ثم وقف ومعه أصحابه فقال أضربوا وجوه المنهزمين ففعلوا ذلك حتى كثروا عليه واستقبله منهم أمثال الجبال فقال دعوهم قبحهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب وكان لا يحدث نفسه بالفرار وقد كان أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط فقال له:
فعش ملكاً أو مت كريماً فإن تمت
…
وسيفك مشهور بكفك تعذر
فقال ما شعرت فقال:
إن بني مروان قد بار ملكهم
…
فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر
فقال أما هذا فعسى فلما رأى يزيد انهزام أصحابه نزل عن فرسه وكسر جفن سيفه واستقبل فأتاه آت فقال إن أخاك حبيباً قد قتل فزاده ذلك بصيرة في توطينه نفسه على القتل قال لا خير في العيش بعد حبيب والله لقد كنت أبغض الحياة بعد الهزيمة وقد ازددت لها بغضاً أمضوا قدماً فعلم أصحابه أنه مستميت فتسلل عنه من يكره القتال وبقي معه جماعة خشية فهو يتقدم كلما مر بخيل كشفها وهو يقصد مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره فلما دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب وحالت
خيول أهل الشام بينهما وعطفت على يزيد بن الهلب فجالدهم بالسيف مصلتاً حتى قتل وحمل رأسه إلى مسلمة وقتل معه أخوه محمد بن الهلب وكان أخوهما الفضل بن الهلب يقاتل أهل الشام في جهة أخرى ولا يعلم بقتل أخويه يزيد ومحمد فأتاه أخوه عبد الملك بن المهلب وقال له ما تصنع وقد قتل يزيد ومحمد وقبلهما قتل حبيب وقد انهزم الناس وقد روي أنه لم يأته بالخبر على وجهه وخاف أن يخبره بذلك فيستقتل ويقتل فقال له أن الأمير قد انحدر إلى واسط فاقتص أثره فانحدر المفضل حينئذ فلما علم بقتل إخوته حلف أن لا يكلم أخاه عبد الملك أبداً وكانت عين المفضل قد أصيبت من قبل في حرب الخوارج فقال فضحني عبد الملك فضحه الله ما عذري إذا رآني الناس فقالوا شيخ أعور مهزوم إلا صدقني فقتلت ثم قال:
ولا خير في طعن الصناديد بالقنا
…
ولا في لقاء الناس بعد يزيد
فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة أخرجوا عدي بن أرطاة أمير البصرة من الحبس فقتلوه وحملوا عيالهم في السفن البحرية ولججوا في البحر فبعث إليهم مسلمة بن عبد الملك بعثا عليه قائد من قواده فأدركهم في قندايل فحاربهم وحاربوه وتقدم بنو المهلب بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم وهم الفضل ابن المهلب وزياد بن المهلب ومروان بن المهلب وعبد الملك بن المهلب ومعاوية ابن يزيد بن المهلب والمنهال بن أبي عيينة بن المهلب وعمرو والغيرة ابنا قبيصة بن المهلب وحملت رؤوسهم إلى مسلمة إن عبد الملك وفي أذن كل واحد منهم رقعة فيها اسمه واستأسر الباقون في الوقعة فحملوا إلى يزيد بن عبد الملك بالشام وهم أحد عشر رجلا فلما دخلوا عليه قام كثير بن أبي جمعة فأنشد:
حليم إذا ما نال عاقب مجملا
…
أشد العقابِ أو عفا لم يثرب
فعفوا أمير المؤمنين وحسبة
…
فما تأته من صالح لك يكتب
أساؤوا فإن تصفح فإنك قادر
…
وأفضل حلم حسبه حلم مغضب
فقال يزيد أطت بك الرحم يا أبا صخر لولا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم ثم أمر بقتلهم فقتلوا وبقي منهم صبي صغير فقال اقتلوني فلست بصغير فقال يزيد بن عبد الملك أنظروا هل أنبت فقال أنا أعلم بنفسي، فقد احتلمت ووطئت النساء، فاقتلوني فلا خير في العيش بعد أهلي فأمر به فقتل، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وأسماء الأسارى الذين قتلوا صبرا وهم أحد عشر مهلبيا المعارك وعبد الله والمغيرة والمفضل والمنجاب بنو يزيد بن المهلب ودريد والحجاج وغسان وشبيب والفضل بن المفضل بن المهلب لصلبه والفضل بن قبيصة بن المهلب. قال: لم يبق بعد هذه الوقعة الثانية لأهل المهلب باقية إلا أبو عيينة بن المهلب وعمرو بن يزيد بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب فإنهم لحقوا برتنيل ثم أمنوا بعد ذلك (1).
(1) ش: ج 4، م 7، ص 255 - 258 غرة ذي الحجة 1349ه - أفريل 1931م.