الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو ذر الغفاري
رضي الله عنه
ــ
-5 -
استقدام عثمان رضي الله عنه له من الشام:
كان أبو ذر بالشام وكان معاوية أميرا بها لعثمان وكان أبو ذر يتكلم في المجامع ينكر على معاوية أن يقول مال الله يتهمه بأنه يريد أن يمحو عنه اسم المسلمين ليحتجنه دونهم ويندد بالأغنياء أن يقتنوا الأموال وحدثت بسبب ذلك فتنة من الفقراء على الأغنياء وأعضل الأمر على معاوية فكتب إلى عثمان يخبره بالحال، ويشكو إليه أبا ذر، فكتب إليه عثمان أن أبعث أبا ذر، ووصاه بتزويده والرفق به، فلما دخل على عثمان قال له: يا أبا ذر، ما لأهل الشام يشكون ذَربَك (حدة لسانك)؟ فصارحه بما كان ينكر عليهم وعلى معاوية فقال له عثمان:"يا أبا ذر علي أن أقضي ما علي، وآخر ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد".
فقه عثمان:
في أسفار التاريخ كلمات كبيرة كثيرة لرجال سلفنا من الخلفاء والأمراء والقواد تدل على عظيم فقه في الدين وكبير علم بسياسة الأمة وتدبير شؤونها مما يجمع بين تفقيه الدين وتعليم للحكم والتبدير. منها كلمة عثمان هذه لأبي ذر فقد بينت ما على الأمير في نفسه وما عليه في رعيته وأنه لا يجوز حمل الرعية وجبرها على ما لم
(1) الطبري ج 5، ص 66.
توضع عليه الفطرة العامة في البشر من الكمالات الإنسانية كعدم التوسع في اقتناء المباحات من الأموال. وأنه إنما على قادة الأمة أن يدعوها إلى تلك الكمالات ويرغبوها فيها، فيرغبوها في الاجتهاد في العمل والاقتصاد في الاقتناء للأموال - في مسألة أبي ذر -فبذلك يتربى الناس على العمل والاجتهاد فلا يمدون أعينهم لما في أيدي الناس ويتربون على البذل والسخاء فيما يحصلون من ثمرات كدهم فيجمعون بين العمل والغنى والسخاء.
والأمة التي تبني حياتها على هذه الأوصول هي الأمة التي تترقى بجميع طبقاتها في ماديتها وروحانياتها فكلام هذا الإمام العظيم المأخود من أصول الإسلام قانون عظيم في سياسة الأمة وتربيتها ومثل من يفقه هذا الفقه هو الذي يصلح لولاية أمر العامة. وأبو ذر - وإن كان فقيها في الدين - فإنه بطبعه الإنفرادي ونفرته من الناس لم يكن ليفكر في هذا ولا ليتفطن له ولذا لم يكن صالحا لشيء من الإمارة. وقد قدمنا نصح النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أن لا يتأمر على اثنين فسبحان من قسم الأخلاق والأرزاق، والعلوم والفهوم، ثم أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونوجه كلا لما هو أهل له وله مقدرة عليه. فقهنا الله في ديننا وعرفنا بأقدارنا واستعملنا فيما نبلغ فيه إلى رضاه (1).
(1) ش: ج 5، م 11، ص 282 - 283 غرة جمادي الأولى 1354ه - أوت 1935م.