الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} والمراد هنا اتباعه في ملته وملكه وسلطانه. ومنه قول الأعشي:
فَكَذَّبُوهَا بِمَا قَالَتْ فَصَبَّحَهُمْ
…
ذُو آلِ حَسَّانَ يُزْجِي السَّمَّ والسَّلَعَا
قال في "اللسان" يعنى جيش تبع.
وفسر هنا بجميع أمته ممن آمن به، وإليه ذهب مالك، قال النووي: وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين.
وفسر بقرابته:
وفسر بأهل بيته- صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه وذريته. وتحقيق هذه المسألة أن لفظة "آل" أصله أول من مادة- ا- و-ل- وقد ثبت تصغيره على أويل فرد التصغير ألفه إلى الواو أصلها فعرفت بذلك مادته المذكورة.
وزعم بعضهم أن أصله أهل وادعوا أنه صغر على أهيل. ولا حجة لهم في ذلك لأننا نسلم مجيء أهيل عن العرب وتمنع أن يكون تصغيرا لآل بل هو تصغير لأهل. وكونه تصغيرا لأهل ظاهر ملفوظ وكونه تصغيرا لآل دعوى لا دليل عليها. وما كان في نفسه دعوى بلا دليل لا يصلح أن يكون دليلا لدعوى أخرى فلم يقم حينئذ دليل على أن آل أصله أهل يعارض الدليل الذي قام على أن أصله أول.
وإذا ثبت أن آل من مادة- ا- و-ل-، وهي بمعنى الرجوع- تقول آل إلى خير بمعنى رجع إلى خير- فئال الشيء هو ما يرجع إلى ذلك الشيء وينتهي إليه بوجه من الوجوه. وعلى هذا جاء استعماله في كلام العرب.
قال الفرزدق:
نَجَوْتَ وَلَمْ يَمْنُنْ عَلَيْكَ طَلَاقَةً
…
سِوَى رَبَّةُ التَّقْرِيبِ مِنْ آلِ أَعْوَجَا
عني فرسا من نسل اعوج وهو فحل مشهور في خيل العرب تنسب إليه الاعوجيات فئاله نسله لأنه يرجع إليه بالنسب.
وقال عبد المطلب بن هاشم- في قصة أبرهة الحبشي لما جاء لهدم البيت داعيا ومستنصرا الله على أبرهة وجنده:
لا هم ان العبد يمـ
…
ـنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
…
ومحالهم غذوا محالك
وانصر على آل الصليب
…
وعابديه اليوم آلك
فئال الصليب هم الحبشة النصارى عباد الصليب فرجعوا إليه بوجه العبادة والتعظيم.
وآل الله هم قريش سدنة بيته وقطان حرمه، وأواة حجيجه فرجعوا إلى الله تعالى بهذه الأسباب فاتباعه- صلى الله عليه وآله وسلم وأقاربه وأزواجه وذريته- كل يصدق عليه آل لأنهم كلهم يرجعون إليه.
وإنما الخلاف في ترجيح المعنى الذي ينبغي حمل اللفط عليه في أحاديث الصلاة فمن فسره بالأزواج والذرية قال لأنهم هم المصرح بهم في الرواية الأولى فحمل إحدى الروايتين على الأخرى.
ومن فسره بالأقارب حمل حديث الصلاة على حديث تحريم الصدقة. والآل هنالك بمعنى الأقارب فلا خلاف. فرجع بالمخنلف فيه إلى المتفق عليه.
ومن فسره بالاتباع رأى أن أتباعه بالإيمان به أمر لا بد منه في
الدخول تحت لفط الآل هنا، فإن من كان من أقاربه غير متبع له- كأبي لهب- غير داخل في لفط الآل هنا قطعا. فحمل اللفظ على الاتباع لأنه المعنى المشتمل على الوصف الذي لا بد منه في هذا المقام. وروى أيضا أن هذا المعنى أعم فهو الأنسب بمقام الدعاء.
وكما أن مساق حديث الصدقة عيَّن معنى الأقارب هنالك كذلك مقام الدعاء يرجح معاني الاتباع هنا.
ولا معارضة بين الروايات التي فيها لفط الآل مراد به الاتباع، والرواية التي فيها الأزواج والذرية، لأن تلك جاءت بالمعنى العام وهذه خصصت بالذكر نوعا من ذلك العام لمزية فيه.
فأزواجه وذريته- رضوان الله تعالى عليهم- مصلى عليهم في اللفظ العام على وجه العموم، وباللفظ الخاص على وجه الخصوص لما لهم من مزيد الاختصاص.
ولهذه الأدلة نرى هذا التفسير ارجحها.
وأما آل إبراهيم فقد قال قوم هم ذريته وقال ابن عباس- رضي الله عنه هم اتباعه على ملته. ونزع بقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} واقتصر على قوله ابن جرير الطبري في تفسير الآية من تفسيره الكبير.
فابن عباس في تفسيره الآل بالاتباع هو سلف مالك في تفسيره له بذلك. وابن جرير في ترجيحه لقوله هو سلفنا في الترجيح.
قال الإمام ابن عبد البر: "آل إبراهيم يدخل فيه إبراهيم وآل محمد يدخل فيه محمد". ومن هنا جاءت الآثارة مرة بإبراهيم ومرة بآل إبراهيم وربما جاء ذلك في حديث واحد. ومعلوم أن قوله تعالى:
{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} أن فرعون داخل فيهم.
وهذا من طريق مفهوم الإضافة الأحروي لأن المضاف إذا تعلق به حكم بعلة الإضافة فالمضاف إليه أحرى بذلك الحكم وأولى كما تقول: - ما ثبت للتابع بعلة التابعية فالمتبوع أحرى به وأولى. فإذا كان آل إبراهيم مصطفين ومصلى عليهم لأنهم آله أي اتباعه- فهو مصطفى ومصلى عليه بطريق الأحرى للوجه الذي ذكرنا (1).
(1) ج 8، م 5، ص 1 - 6 غرة ربيع الثانى 1348ه - سبتمبر 1929م.