الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ
بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَبَيَانِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَمِنَ التَّمْرِ، وَالْبُسْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا يُسْكِرُ
[1979]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ، فَقَالَتْ:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، قُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ: وَمِنَ السَّنَامِ؟ قَالَ: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ.
[خ: 3091]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ أَبُو عُثْمَانَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ- يَوْمَئِذٍ- فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَرْتَحِلُ مَعِيَ، فَنَأْتِي بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الْأَنْصَارِ غَنَّتْهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
فَقَامَ حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، فَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِيَ الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَا لَكَ؟ ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَابَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي، فَعَرَفَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخَرَجَ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
وَحدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قوله: ((مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ)): هم طائفة من اليهود، و ((قينقاع)) اسم مصروف على إرادة الحي، ويجوز عدم صرفه على إرادة القبيلة.
وقوله: ((يُقَهْقِرُ)): المراد: رجوع القهقرى: وهو الرجوع إلى وراء ووجهه إليك، وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم خوفًا من أن يبدو من حمزة رضي الله عنه أمر يكرهه إذا ولَّاه ظهره؛ لكونه مغلوبًا بالسُّكْر.
وقوله: ((فَنَأْتِي بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ)): فيه: صحة استعمال الفقهاء في قولهم: بعت منه ثوبًا، ووهبت منه كتابًا، أو جارية.
وقوله: ((فِي شَرْبٍ)) - بفتح الشين وإسكان الراء-: هم الجماعة الشاربون.
وقوله: ((مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ)): لأنه لا زال في سكره.
وقوله: ((ثَمِلٌ)) - بفتح الثاء وكسر الميم- أي: سكران.
وفي هذا الحديث: بيان شدة آثار الخمر، وأنَّ الخمر خبيثة؛ تصل بالإنسان إلى ما لا تُحمَد عُقباه.
وفيه: أنَّ حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه كان يشرب الخمر مع جماعة قبل أن تُحرَّم؛ لأن الخمر لم تُحَرَّم إلا بعد أُحُدٍ، وكان هذا بعد غزوة بدر، وقبل غزوة أُحُد، فهو لا لوم عليه رضي الله عنه.
وفيه: مشروعية قتال الكفار، وحِل الغنائم لهذه الأمة.
وفيه: أن الخمر تُغيِّب العقل، والسكران يُخيَّل إليه أنه يكون في عالمٍ آخر؛ يُخيَّل إليه أنه مَلِك، وأنه يأمر بما يشاء، وينهى عما يشاء.
وفيه: أن سبب فعلة حمرة رضي الله عنه جارية كانت تُغنِّيه:
أَلَا يَا حَمْزُ بِالشُّرُفِ
النِّوَاءِ
يعني: عليك بها، والشُّرُف يعني: النوق السمينة، والواحدة تسمى: شارِفة، وجمعها شُرُف، أي: عليك بالإبل النواء السمينة، وهي جمع ناوٍ، وهي: السمينة، والأبيات تقول:
أَلَا يَا حَمْزُ بالشُّرُفِ النِّوَاءِ
…
وَهُنَّ مُعقَّلَاتٌ بِالفِنَاءِ
ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا
…
وبرِّدْهُنَّ حَمْزٌ بِالدِّمَاءِ
وكان قد هيجَّته الخمر والمغنية، فخرج وأخذ السيف، وجبَّ أسنمة الناقتين، ثم شقَّ بطونهما، واستخرج الأمعاء، وجعل يأكل.
وفيه: أن هاتين الشارِفتين كانتا رأسَ مال علي رضي الله عنه، وكان قد وعد رجلًا من الصُوَّاغ للاحتشاش عليهما؛ ليبيع ما يحتشه، حتى يجمع شيئًا من المال؛ ليستعين به على وليمة زواجه من بنت النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، وهذا فيه دليل على أنَّ زواج علي من فاطمة كان بعد غزوة بدر، وقبل غزوة أحد.
وفيه: أنه لا بأس بالاحتشاش والاحتطاب؛ لأن الحشيش والحطب مباح للجميع، وكون الإنسان يحتش، ويحتطب ليأخذ الحشيش من البر ويبيعه، ويكُف الله به وجهه عَنِ السؤال، هذا هو الذي ينبغي، ولا يسعى للناس ويشحذ منهم.
وفيه: أنَّ الاحتشاش والاحتطاب لا عيب فيهما، ولا ينقصان من المروءة، فهذا علي رضي الله عنه وهو من أشرف الناس، ومع ذلك أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على الاحتشاش والاحتطاب.
وفيه: مشروعية الوليمة للعرس؛ ولهذا قال: ((أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ))، والبناء يعني: الزواج، وسُمِّي الزواج بناءً؛ لأن العرب كانت إذا تزوج المتزوج يُضرَب له خيمة، فقيل للمتزوج: يبتني.
والإذخر: نوعٌ من الحشيش الرطب يجعله أهل مكة بدلًا من الجريد في سقوف البيوت، وهو كذلك يُجعَل في القبور بين الخلل الذي يوجد فيها، وكذلك يُوقد به الصاغة والحدَّادون النار.
وفيه: جواز الاستعانة باليهود، وهذا قبل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من جزيرة العرب.
وفيه: أن المعاملة مع اليهود ليست من التولِّي ولا من الموالاة، والتولِّي: محبة الكفار ومعاونتهم على المسلمين، وهذه رِدَّة، والموالاة: معاشرتهم ومصادقتهم، والبيع والشراء ليس من هذا في شيء، فإذا باع واشترى معهم فلا حرج، مع الحذر من شرِّهِم، وهو شيء عارض كأن يأتي الواحد منهم ويبيع سلعته يومين ويذهب، أو كان في غير جزيرة العرب فلا بأس.
وفيه: دليل على لبس الرداء، وأنَّ الإنسان يلبس ثيابًا لمقابلة الناس غير الثياب التي يتخفَّف بها في بيته، فإذا أراد الخروج ومقابلة الناس يلبس الثياب المناسبة، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر لما قال له- حين رأى حُلَّةً تُباع- قال:((يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ))
(1)
.
وفيه: أن الخمر كانت في ذلك الوقت لم تُحرَّم بعد؛ ثم حُرِّمت بعد ذلك، فأشكل ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، فقالوا: يا رسول الله: قُتِل إخواننا وهي في بطونهم! فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثم اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثم اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ؛ لأنها لم تكن قد حُرِّمت في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك حرَّمها الله تعالى.
وفيه: بيان شدة الخمر وآثارِها السيئة، وأنها من كبائر الذنوب.
(1)
أخرجه البخاري (886)، ومسلم (2068).
[1980]
حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ- أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا، فَهَرَقْتُهَا، فَقَالُوا- أَوَ قَالَ بَعْضُهُمْ-: قُتِلَ فُلَانٌ، قُتِلَ فُلَانٌ، وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، قَالَ: فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .
[خ: 2464]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الفَضِيخِ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ، إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا أَيُّوبَ، وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِنَا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ، قَالَ: فَمَا رَاجَعُوهَا، وَلَا سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ.
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ عَلَى الْحَيِّ عَلَى عُمُومَتِي أَسْقِيهِمْ مِنْ فَضِيخٍ لَهُمْ، وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ سِنًّا، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: اكْفِئْهَا يَا أَنَسُ، فَكَفَأْتُهَا، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَا هُوَ؟ قَالَ: بُسْرٌ وَرُطَبٌ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنِي، رَجُلٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ- أَيْضًا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَيِّ أَسْقِيهِمْ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَسٌ شَاهِدٌ فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ
ذَاكَ، وقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ، فَقَالَ: حَدَثَ خَبَرٌ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَكْفَأْنَاهَا- يَوْمَئِذٍ- وَإِنَّهَا لَخَلِيطُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَكَانَتْ عَامَّةُ خُمُورِهِمْ- يَوْمَئِذٍ- خَلِيطَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّار قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّي لَأَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاء مِنْ مَزَادَةٍ فِيهَا خَلِيطُ بُسْرٍ وَتَمْرٍ. بِنَحْوِ حَدِيثِ سَعِيدٍ.
قوله: ((مِنْ مَزَادَةٍ)): والمزادة: قربة السقاء، يجعلون فيها خمرًا، وهي من الجلد.
وفي هذا الحديث: سرعة مبادرة الصحابة رضوان الله عليهم لامتثال أمر الله وأمر رسوله، وهذا هو الفرق بين الصحابة وبين غيرهم، فالصحابة رضي الله عنهم يمتثلون الأوامر، وينتهون عَنِ النواهي، ولا يتلكؤون ولا يتأخرون، بخلاف مَن بعدهم؛ ولهذا ما راجَعُوها بعد خبر الرجل، بمجرد أن سمعوا المنادي أهرقوها مع شدة تعلُّقِهِم بها؛ لأنهم كانوا يشربونها في الجاهلية، ولا يستطيعون الانفكاك عنها؛ ولهذا تدرَّج الله سبحانه وتعالى في تحريمها، فبيَّن أولًا أنَّ فيها منافع وفيها مضار، ثم نهى عن شربها في وقت قربان الصلاة، ثم حرمها بعد ذلك تحريمًا باتًّا.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ((يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ:
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا))
(1)
، يعني: بمجرد ما نزل الحجاب امتثلنَّ أمر الله وأمر رسوله.
وفيه: دليل على قبول خبر الواحد، والرد على مَن قال بعدم قبوله.
وفيه: دليل على أنَّ صغير القوم يخدمهم.
وفيه: أنَّ شرابهم كان من الفضيخ، والفضيخ: البُسر والتمر، يُفضَخ البُسر، أو التمر، ثم يُصَب عليه الماء، حتى يغلي ويكون خمرًا.
وفيه: الرد على الكوفيين والأحناف
(2)
الذين يقولون: لا يسمى خمرًا إلا عصير العنب، والصحيح: أن كلًّا من عصير العنب، أو عصير التمر والبُسر، والزبيب، والذرة، والعسل، والشعير- كلها يكون منها الخمر، والخمر ليس خاصًّا بالعنب فقط.
وقد ذهب الأحناف إلى أنه خاصٌّ بالعنب، ولا يسمى خمرًا ما عداه، ويجوز شرب القليل الذي لا يُسكِر منه، يعني: أنه إذا أسكر امتنعوا عنه.
والصواب: أنَّ الجميع لا يجوز شربه، فكل ما أسكر كثيره فقليله حرام.
فالخمر عام ويكون من عدة أشياء، كما قال عمر رضي الله عنه:((أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ؛ مِنْ: العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ))
(3)
، ومن ثم فهي تسمى خمرًا، ويدل على ذلك الحديث- كما سيأتي-:((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)) من أي شيءٍ كان.
وفيه: أنَّ أهل المدينة أراقوا الخمر، وأنها جرت في سكك المدينة، فاحتجَّ بعض العلماء على أنَّ الخمر ليست نجسة؛ بدليل أنها أُهرقَت في سِكَك المدينة، والشوارع ضيقة، فلا بد أن تمسَّ الأرجل والثياب، ولم
(1)
أخرجه البخاري (4758).
(2)
البحر الرائق، لابن نجيم (8/ 247).
(3)
أخرجه البخاري (4619)، ومسلم (3032).
يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أرجلهم، وكثيرٌ منهم لم يكن له نعل؛ فدلَّ على أنها طاهرة.
وذهب الجمهور
(1)
إلى أنها نجسة، واستدلوا بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} فقالوا: إنها نجسة، ولا يلزم من كونها تجري في السِكَك أنه لا يمكن اجتنابُها، وقالوا: إنها نجسة، ولا يجوز إبقاؤها؛ لأنَّ إبقاءها وسيلة إلى أن تتخلَّل.
وقد اختلف العلماء فيما إذا انقلبت الخمر خلًّا هل تحل، أو لا تحل؟
فمن العلماء مَن قال بإباحتها، ومنهم من قال بتحريمها.
ومنهم من فصَّل، فقال: إذا تخلَّلت بنفسها حلَّت، وإذا تخلَّلت بمعالجة بأن وُضع عليها شيء، أو مواد فلا تحل
(2)
.
وقول الجمهور بنجاستها له وجاهته؛ من جهة أنه ينبغي البُعد عَنِ الخمر وعن إبقائِها؛ لأن إبقاءها وسيلة لشُربِها.
وفيه: أنهم يستعملون خليط البُسر والتمر ليكون أسرع في التخمُّر.
(1)
البحر الرائق، لابن نجيم (8/ 247)، إرشاد السالك، لشهاب الدين المالكي (1/ 4)، المجموع شرح المهذب، للنووي (2/ 563)، مغني المحتاج، للشربيني (1/ 225)، المغني، لابن قدامة (9/ 171).
(2)
عيون المسائل، للقاضي عبد الوهاب (ص 537)، المجموع، للنووي (2/ 575)، المغني، لابن قدامة (9/ 172).
[1981]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّهْوُ، ثُمَّ يُشْرَبَ، وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَامَّةَ خُمُورِهِمْ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ.
[1980]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَأَبَا طَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ، فَأَتَاهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ- يَا أَنَسُ-: قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا، فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا، فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ.
[1982]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ- يَعْنِي: الْحَنَفِيَّ- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْخَمْرَ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ شَرَابٌ يُشْرَبُ إِلَّا مِنْ تَمْرٍ.
قوله: ((أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّهْوُ)): الزهو: البُسر المُلوَّن الأحمر، أو الأصفر.
وفي هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يُخلَط الزهو بالتمر، فيجمع بين لونين، فيسرع التخمُّر قبل أن يظهر الطعم، وإنما إذا أراد عصيرًا فيجعل التمر وحده، أو الزهو وحده حتى لا يسرع التخمُّر، كما سيأتي، يشربه فردًا فردًا.
والمقصود: أن العرب كانوا يحتاجون إلى نوع من العصير، فيصبون الماء على التمر حتى يكون حاليًا، فيشربوه يومًا، أو يومين، لكن في اليوم الثالث وبفعل الحر يصير خمرًا، فيقذف بالزَبَد؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الجمع
بينهما؛ خشية أن يتخمَّر سريعًا قبل أن يظهر طعمه، فيشرب الإنسان مُسكِرًا وهو لا يدري.
وهذا النهي اختلف العلماء فيه، فذهب بعض المالكية إلى أن النهي للتحريم
(1)
، وذهب الجمهور إلى أن النهي لكراهة التنزيه
(2)
، وذهب بعض الأحناف
(3)
إلى أن النهي ليس للتحريم ولا للتنزيه وهذا صادَم للنَّصَّ.
والصواب: أن أقل أحواله الكراهة.
(1)
المدونة، لمالك بن أنس (4/ 523)، الفواكه الدواني، للنفراوي (2/ 288).
(2)
المجموع، للنووي (2/ 566)، المغني، لابن قدامة (9/ 172).
(3)
المبسوط، للسرخسي (24/ 5).