الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى الرَّجُلِ، وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ، وَإِبَاحَةِ الْعَلَمِ وَنَحْوِهِ لِلرَّجُلِ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ
[2066]
حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ:((دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ)).
[خ: 5635]
قوله: ((مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ)): مُقَرِّن: بالميم المضمومة بعدها قاف مفتوحة، بعدها راء مشددة مكسورة.
هذا الحديث حديثٌ عظيم، والعبادات الواردة فيه عبادات عظيمة إذا حقَّقها المسلمون سادت بينهم الأُلفة والمحبة والوئام، ومن هذه العبادات:
عيادة المريض: وهي من أجلِّ القُرُبات وأفضل الطاعات، يعود الإنسان المريض فيتضامَن معه ومع أهله، ويُشارِكه في ألمه ويُنفِّس له في أجله، ويقول له: أنت إنسان طيب يرجى أن يعافيك الله، ويدعو له بالشفاء، وربما زال المرض بسبب النشاط الذي في نفسه، ويرى المريض أنَّ إخوانه معه، وأنَّ المؤمنين كالجسد الواحد، وقد يحتاجه المريض فيوصيه على أولاده، أو يوصيه في قضاء حاجةٍ له.
وقد جاء في الحديث أنَّ ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ))
(1)
، يعني: جناها، وجاء في الحديث الآخر أنَّه ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ))
(2)
.
واتِّباع الجنائز: وهو أن يتبع المسلم جنازة أخيه حتى تُدفَن، وهذا فيه فضلٌ عظيم وأجرٌ كبير، كما سيأتي في الحديث الآخر أنَّ ((مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ- إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا- فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى يُوضَعَ فِي قَبْرِهِ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ، أَحَدُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ))
(3)
، وهذا مما يُقوِّي الصلة والرابطة بين المسلمين.
وتشميت العاطس: وهو أنَّ العاطس إذا عطس، فقال:(الحمد لله) يُشمِّتُه أخوه فيقول له: (يرحمك الله) فيُجيبُهُ العاطس: (يهديكم الله ويُصلِح بالكم) هكذا هي السنة.
(4)
فإن لم يحمد الله فلا يُشمَّت، فقد جاء في الحديث الآخر: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَمَّتَّ هَذَا، وَلَمْ تُشَمِّتْنِي؟ ! قَالَ:((إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ))
(5)
.
وأما الكافر فإنه لا يُدعَى له بالرحمة، وإنما يُدعَى له بالهداية، وقد كَانَتْ اليهود يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ:((يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ))
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (2568).
(2)
أخرجه أحمد (612)، والترمذي (969)، وابن ماجه (1442).
(3)
أخرجه أحمد (9551)، والنسائي (5032).
(4)
أخرجه البخاري (6224).
(5)
أخرجه البخاري (6221).
(6)
أخرجه أحمد (19584)، وأبو داود (5038)، والترمذي (2739).
وهذه العبادات- زيارة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس- من السنن المؤكدة، وبعض العلماء يرى أنَّ تشميت العاطس واجب، ويستدل بما فعل أبو داود صاحب السنن: قال ابن حجر رحمه الله: ((أخرج بن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع فسئل عن ذلك فقال لعله يكون مجاب الدعوة))
(1)
، وهذا يدل على أنه يرى أنَّ تشميت العاطس واجب.
وإبرار المُقسِم: فإذا أقسم عليك أخوك فعليك أن تبرَّ قسمه إذا أمكنك ذلك، كأن يحلف عليك، ويقول: والله لتأكلن طعامي، والله لتأكلن ذبيحتي، والله لتجلسن عندي، فتبرَّ قسمه، فتجلس وتأكل طعامه وتشرب قهوته إلا إذا كان عليك في هذا مضرَّة، أو مشقة، أو كان لا يمكنك إبرار المُقسِم، كأن يحلف عليك يقول: والله لتعطيني من الزكاة، وهو لا يستحق فلا يمكن أن تبره في قسمه.
لكن لا ينبغي للإنسان أن يُقسِم؛ لأنه قد يشق على أخيه، ثم هو- أيضًا- إذا لم يبرَّ أخاه بقسمه يجب عليه الكفارة؛ فلا ينبغي للإنسان أن يحلف، لكن ينبغي له أن يؤكِّد ويطلب منه، فإن وافق فالحمد لله، وإلا فلا يتكلَّف ولا يُكلِّف.
نصرة المظلوم: من حق الإنسان على أخيه إذا كان مظلومًا أن ينصره، بل حتى الظالم- أيضًا- ينبغي نصره، ونصر الظالم بحجزه ومنعه من الظلم، ونصر المظلوم بإعطائه حقه، كما في الحديث الآخر:((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا! ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ ! قَالَ:((تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ))
(2)
.
(1)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 610).
(2)
أخرجه البخاري (2444).
إجابة الداعي: فتُجيب دعوة أخيك إذا دعاك؛ فإن فيه جبرًا لخاطره، وهو من أسباب الألفة والمحبة.
والجمهور على أنَّ إجابة الدعوة مستحبة إلا إذا كان في وليمة عُرس فإنها تجب، ولكن ظاهر النصوص أنَّ إجابة الدعوة واجبة سواء لعُرس أو لغيره، ولكن إذا كان الإنسان يشق عليه أو لا يناسبه فإنه يستسمح من أخيه ويستأذن منه، أما إذا كان يترتب على المدعو مضرة فلا؛ كأن تكون الدعوة فيها منكر من تصوير ذوات الأرواح أو نحوه، أو كانت الدعوة تتأخر إلى وقتٍ متأخر بحيث يؤدي إلى النوم عن صلاة الفجر، أو الإخلال بوِردِه، فهذا عذرٌ له، فيستسمح من صاحب الدعوة.
إفشاء السلام: فتُسلِّم على مَن عرفت ومَن لم تعرف، فكل مَن لقيته من المسلمين تسلم عليه، وهذه هي السنة، فقد جاء في صحيح البخاري مُعلَّقًا مجزومًا به:((ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ، فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ))
(1)
، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، يعني: بذل السلام لكل أحد.
إلا إذا عرف أنه غير مسلم فلا يُبدأ بالسلام، لكن إذا سلَّم وهو غير مسلم فيُرَدُّ عليه بقول:(وعليكم) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ))
(2)
، ولا يُكمِّلُها؛ ولهذا جاء في الحديث: أنَّ اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم، ويسلمون ولكنهم يحذفون اللام، يقولون: السام، أي: الموت، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ
(1)
ذكره البخاري معلَّقا بصيغة الجزم (1/ 15).
(2)
أخرجه البخاري (6258)، ومسلم (2163).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ))
(1)
فرددتُ عليه بمثل ما قال.
وأما المنهيات فأولها: التختُّم بالذهب: : وهذا محرم على الرجال، وأما النساء فإنه مباحٌ لهم، كما سيأتي في الأحاديث.
ثم: الشرب بآنية الذهب والفضة: : وهذا مُجمَعٌ على تحريمه للرجال والنساء، كما سبق في الأحاديث قوله:((وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا))، أي: للكفار؛ فلا يجوز استعمال جميع أنواع الذهب والفضة، كما سبق تفصيله.
ونهى عن المياثِرِ: وهي جمع مِيثرة، هي بكسر الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز فيها، وأصلها من الوثارة، أو الوِثرة بكسر الواو وسكون المثلثة، والوثير هو الفراش الوطيء، وهي فراش صغير من حرير يضعه راكب البعير تحته، وهي شيء يضعه الراكب تحته على الفرس، أو على الدابة، ويقال له: الأرجوان، يفعله الأعاجم، ويكون من الصوف، فإذا كان من الحرير فهو محرم، وقد يقال: نُهي عنها لئلا يُتشبه بالأعاجم.
ونهى عن الديباج والحرير، والإستبرق والقِسِّيِّ: هذه كلها أنواع من الحرير؛ والقسي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس
(2)
، وهو موضع من بلاد مصر تُصنَع فيها هذه الثياب من الحرير.
(1)
أخرجه البخاري (6256)، ومسلم (2165).
(2)
شرح مسلم، للنووي (14/ 34).
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، إِلَّا قَوْلَهُ:((وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ))، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ فِي الْحَدِيثِ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ:((وَإِنْشَادِ الضَّالِّ)).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، وَقَالَ:((إِبْرَارِ الْقَسَمِ)) مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ:((وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ)).
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ بِإِسْنَادِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ جَرِيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِي بَهْزٌ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ بِإِسْنَادِهِمْ، وَمَعْنَى حَدِيثِهِمْ، إِلَّا قَوْلَهُ:((وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ))، فَإِنَّهُ قَالَ بَدَلَهَا:((وَرَدِّ السَّلَامِ))، وَقَالَ:((نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ- أَوْ حَلْقَةِ الذَّهَبِ)).
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ آدَمَ، وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، بِإِسْنَادِهِمْ، وَقَالَ:((وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ)) مِنْ غَيرِ شَكٍّ.
قوله: ((وَإِنْشَادِ الضَّالِّ)): إنشاد الضال من المنهيات، والضالة هي الضائعة، والمنهي: إنشاد الضالة في المسجد فقط.
والضال عام يشمل الطفل الصغير، ويشمل الدابة، وكل شيء ثمين.
قوله: ((لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ)): ضعيف
(1)
، لكنه قرنه بأبي إسحاق الشيباني وهو ثقة
(2)
.
[2067]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُهُ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ، فَاسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ، فَجَاءَهُ دِهْقَانٌ بِشَرَابٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَسْقِيَنِي فِيهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَا تَشْرَبُوا فِي إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَلْبَسُوا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ؛ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
[خ: 5426]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ:((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَوَّلًا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ، ثُمّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ، ثُمّ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُكَيْمٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَقُلْ:((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا أبي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ- يَعْنِي: ابْنَ أَبِي لَيْلَى- قَالَ: شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى بِالْمَدَائِنِ، فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ.
(1)
تقريب التهذيب، لابن حجر (ص 464).
(2)
تقريب التهذيب، لابن حجر (ص 252).
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَإِسْنَادِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ: شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ، غَيْرُ مُعَاذٍ وَحْدَهُ، إِنَّمَا قَالُوا: إِنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى.
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا أبي، حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَالَ: إِنِّي سمعت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا)).
قوله: ((فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا))، يعني: للكفرة في الدنيا؛ لأنهم لا يرعوون، ولا يأتمرون بأوامر الله، ولا ينتهون عن نواهيه، فهي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة يوم القيامة، فإن المؤمنين يوم القيامة يتنعَّمون بالشرب بأواني الذهب والفضة ولباس الحرير، وهو ليس من حرير الدنيا وليس من ذهب الدنيا، فليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء، كما قال ابن عباس رضي الله عنه
(1)
.
وقوله: ((اسْتَسْقَى))، يعني: طلب السُقيا، فالهمزة والسين والتاء للطلب، فأتاه مجوسي بإناء من فضة فرماه حذيفة رضي الله عنه به، وقال: إني لو لم أنهه إلا
(1)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/ 416).
مرة أو مرتين لَمَا رميته به، يعني: أنه نهاه وبيَّن له أنه لا يجوز.
وقوله: ((دِهْقَانٌ)): هو: الزعيم يُطلَق على زعيم القرية، أو رئيسها، أو زعيم الفلاحين، وهذا الدهقان أو المجوسي يحتمل أنه كان خادم حذيفة.
وفي هذا الحديث: امتثال الصحابة للأوامر والنواهي.
مسألة: قد يستشكل أن كيف أبقى حذيفة رضي الله عنه هذا الكأس من الفضة؟ وإبقاء الكأس وسيلة إلى الشرب فيها؟
الجواب: يُحتمَل أنَّ حذيفة رضي الله عنه أبقاه ليبيعه، أو أنَّ هذا الإناء كان للمجوسي، وهذا الخادم المجوسي لحذيفة في غير بلاد العرب المنهي عن إبقائهم فيها، فالمجوس يجوز إبقاؤهم في غير بلاد العرب لاستخدامهم فإنه بالمدائن- والمدائن بلد على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ كانت مسكن ملوك الفرس- فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:((لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا))
(1)
.
ورمي حذيفةُ المجوسيَّ بالكأس: من باب التعزير، فهو تعزير لمن يتعدَّى حدوده، حتى ولو لم يكن مسلمًا؛ لأن أهل الذمة والمجوس عليهم أن يلتزموا بأحكام الشرع إذا بقوا تحت ولاية المسلمين.
(1)
أخرجه مسلم (1767).
[2068]
حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ))، ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا)). فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ.
[خ: 886]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. ح وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
قوله: ((حُلَّةً سِيَرَاءَ)): هي برود يخالطها حرير، والحُلَّة في الغالب تكون من إزارٍ ورداء.
وقوله: ((وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ)): وعُطارد- بضم العين- اسم شخص له هذه الحُلَّة التي تُباع عند باب المسجد.
وقوله: ((فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ)): فيه دليل على أنه لا بأس بإعطاء القريب الكافر وبرِّهِ والنفقة عليه وكسوته والوقف عليه إذا لم يكن حربيًّا، وقد يكون هذا دعوة له إلى الإسلام، والله تعالى يقول:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} وقد ثبت في الحديث الصحيح: أن أَسْمَاءَ بِنْت أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ
أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ:((نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ))
(1)
.
وفي هذا الحديث: دليل على استحباب التجمُّل للجمعة وللوفد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكِر على عمر قوله: تلبسه يوم الجمعة، وللوفد، وإنما أنكر عليه أنه عرض عليه شراء الحرير.
وفيه: دليل على تحريم لباس الحرير للرجال، وأنَّ لبسها من الكبائر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ))، يعني: مَن لا نصيب له في الآخرة.
وأما إلباس الصبي الحرير فالصواب: أنَّ الصبي مثل الكبير يُمنَع مما يُمنَع منه الرجال، وأما قول النووي بأنه يُلبَّس الصبيان الذهب والحرير فهذا ليس بجيد
(2)
.
وفيه: دليل على أنه لا بأس بالبيع عند باب المسجد.
وفيه: دليل على أن الإنسان إذا أعطى شخصًا لباسًا لا يحل له فليس هذا إذن باستعماله، وإنما له أن يبيعه ويستفيد من ثمنه، أو يعطيه لمَن يحل له لبسه.
ولا يفيد الكفار كونهم يمتنعون من لبس الحرير مع كفرهم، فهم في الآخرة يُعذَّبون على الكفر، وعلى لبسهم الحرير لو لبسوه.
(1)
أخرجه البخاري (2620)، ومسلم (1003).
(2)
شرح مسلم، للنووي (14/ 33).
وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ، وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ، وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ عُطَارِدًا يُقِيمُ فِي السُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَوِ اشْتَرَيْتَهَا، فَلَبِسْتَهَا لِوُفُودِ الْعَرَبِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ- وَأَظُنُّهُ قَالَ: - وَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ))، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ، وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً، وَقَالَ:((شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ))، قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحْمِلُهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ بِالْأَمْسِ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ ! فَقَالَ:((إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا))، وَأَمَّا أُسَامَةُ فَرَاحَ فِي حُلَّتِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرًا، عَرَفَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنْكَرَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَنْظُرُ إِلَيَّ، فَأَنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَا، فَقَالَ:((إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ)).
قوله: ((وَلَكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا))، أي: حاجتك بعد بيعها.
قوله: ((خُمُرًا))، ويُقال: خُمْرًا- بضم الميم وإسكانها-: جمع خمار، والخمار: ما تُغطِي به المرأة رأسها ووجهها، وهذا صريح في أنَّ الإنسان إذا أهدى لشخصٍ شيئًا لا يحل له فليس هذا إذن له باللبس، كما سبق ذكره.
وفيه: دليل على جواز لبس النساء الحرير، وهو مجمع عليه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض السلف، ثم زال.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى- وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ- قالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ بِالسُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ، وَلِلْوَفْدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ))، قَالَ: فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ:((إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ- أَوْ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ-))، ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ؟ ! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((تَبِيعُهَا وَتُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ)).
وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قوله: ((مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)) ((بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ)): الإستبرق والديباج: نوعان من الحرير أحدهما رقيق والآخر غليظ.
قوله: ((ابْتَعْ هَذِهِ))، أي: اشترها ((فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ، وَلِلْوَفْدِ)) فما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ فدل على أن التجمل يوم الجمعة بالثياب الجميلة أو عند مقابلة الوفد مشروع ..
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ، أَوْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوِ اشْتَرَيْتَهُ، فَقَالَ:((إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ))، فَأُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ سِيَرَاءُ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيَّ قَالَ: قُلْتُ: أَرْسَلْتَ بِهَا إِلَيَّ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ ! قَالَ:((إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا)).
قوله: ((قَبَاءً)): كساء ضيق الكمين والوسط مشقوق من الخلف، يلبس في السفر وفي الحضر؛ لأنه أعون على الحركة، وكان إلى عهد قريب يلبس الناس ما يشبه هذا ويسمونه الدقلة والزبون، وهو ثوب مفتوح من الأمام وله أزارير من أسفل وفيه شق من الخلف، ويشبه القباء الجبة المصرية المعروفة الآن، والتي تلبس فوق الثياب.
قوله: ((لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا))، يعني: لتبيعها، وتنتفع بالثمن.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:((إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا، وَلَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا)).
حدثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْإِسْتَبْرَقِ قَالَ: قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ، فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ: ((إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ؛ لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا)).
[2069]
حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ- وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ قَالَ: أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً: الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ، وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ، وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ؟ ! وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ))؛ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ، وَأَمَّا مِيثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ؛ فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ، حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا.
[خ: 5828]
قوله: ((مِيثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ)) أما الميثرة: فهي شيء كالفِراش الصغير يُتخذ من الحرير، أو الصوف أو غيرهما، يجعله الراكب على البعير تحته، والأرجوان، أي: الأحمر.
وقوله: ((فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ))، يعني: أنه لا يحرم العلم، وإنما يتركه تورعًا؛ خوفًا من دخوله في عموم النهي عن الحرير.
قوله: ((فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ))، أي: أنه أنكر ما بلغها عنه في الميثرة، وأن ميثرته أرجوان، أي: حمراء، قد تكون من صوف، وقد تكون من الحرير، والممنوع ما كان من الحرير.
قوله: ((جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ)): جمع طيلسان، شِبْه الأَرْدِية يوضع على الكتفين والظهر، له أعلام.
قوله: ((كِسْرَوَانِيَّةٍ)): نسبة إلى كسرى ملك الفرس.
قوله: ((لِبْنَةُ)): لبنة بكسر اللام، رقعة في جيب القميص.
قوله: ((وَفَرْجَيْهَا))، أي: لها فتحة من الأمام.
وفيه: جواز لبس الجبة، ولبس ما له فرجان، وكان يسمى عندنا الزبون والدقلة.
قوله: ((مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ)): الديباج: نوع من الحرير.
وفيه: جواز لبس مكفوف الطرف بالحرير، ما لم يزد على أربع أصابع، وهذا كما قيده الحديث.
وقوله: ((أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ؟ ! )): فيه: أنه يرى جواز الدهر وهو مذهب ابن عمر ومذهب أبيه عمر وابن أبي طلحة وغيرهم من سلف الأمة، ومذهب الشافعي وغيره من العلماء، والصواب هو المنع من صوم الدهر، ففي الحديث:((لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ))
(1)
، وفي لفظ:((لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ))
(2)
، وهو مكروهٌ، أو
(1)
أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159).
(2)
أخرجه مسلم (1162).
محرم، وقد ورد في حديث- وإن كان فيه ضعف-:((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا))، وَقَبَضَ كَفَّهُ
(1)
.
ولكن أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا
(2)
؛ وهو صيام نصف الدهر، هذا إذا كان عنده فراع ونشاط، أما إذا كان صوم نصف الدهر يؤثِّر عليه في ترك الكسب لأولاده فلا ينبغي، ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصوم الاثنين والخميس، أو يصوم يومًا ويُفطِر يومين.
وقوله: ((وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ)): العَلَم في الثوب يكون خيطًا من حرير في طرف الثوب، أو يكون في الأزارير، وهذا لا بأس به في حدود أربعة أصابع، كما جاء في الحديث الآخر.
وقد بينت أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس هذه الجُبَّة، وفيها شيء من العَلَم المستثنى، وهو في جيب القميص، ولها فتحتان من الأمام، وهذا الشيء اليسير مُستثنى؛ ولهذا أخذت أسماء جبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه التي فيها لِبنة من الحرير.
فلما أنكر ابن عمر العَلَم بيَّنت له أسماء أنَّ الشيء اليسير مستثنى، وقالت: إنَّا نستشفِي به للمرضى، وهذا فيه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يُتبرَّك بما لامَس جسده، وهذا خاصٌ به عليه الصلاة والسلام ولا يُقَاسُ عليه غيره.
والصحابة كانوا يتبرَّكون به عليه الصلاة والسلام فإذا تنخَّم ووقعت نُخامتَهُ في يد واحدٍ منهم دَلَكَ بها وجهه، وإذا توضأ أخذوا القطرات
(3)
، ولما حلق رأسه في
(1)
أخرجه أحمد (19713)، وابن خزيمة (2154)، وابن حبان (3584).
(2)
أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159).
(3)
أخرجه البخاري (2731).
حجة الوداع كان أبو طلحة يقسم على الناس الشعرة والشعرتين
(1)
، ولما نام عند أم سليم- وكان بينه وبينها محرمية- وعرق في القيلولة سلتت العرق، وجعلته في قارورة لها، وقالت:((وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ))
(2)
.
لكن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يُقَاس عليه غيره؛ فالصحابة ما فعلوا هذا، لا مع أبي بكر، ولا مع عمر؛ لأن هذا من وسائل الشرك، خلافًا للنووي الذي يرى التبرُّك بآثار الصالحين
(3)
، وكذلك الحافظ ابن حجر
(4)
.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ أَبِي ذِبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: أَلَا لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمُ الْحَرِيرَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ)).
قوله: ((ذِبْيَانَ)): بضم الذال وكسرها.
هذا مما خفيت فيه السنة على عبد الله بن الزبير، فقد نهى الناس أن يُلبِسوا النساء الحرير، والقاعدة في هذا: أنَّ مَن حفظ من الصحابة حجة على مَن لم يحفظ، فعبد الله بن الزبير خطب الناس، وقال:((لا تُلبِسوا النساء الحرير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن لبِسَ الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة))، وقد سبق أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة الحرير، وقال:((شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ))، وكذلك في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَحِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ))
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (1305).
(2)
أخرجه مسلم (2331).
(3)
شرح مسلم، للنووي (14/ 44).
(4)
فتح الباري، لابن حجر (3/ 144).
(5)
أخرجه أحمد (19515)، والترمذي (1720).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ- وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ-: يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ، وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ، وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ؛ فَأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ قَالَ: إِلَّا هَكَذَا- وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْهِ: الْوُسْطَى، وَالسَّبَّابَةَ، وَضَمَّهُمَا.
قَالَ زُهَيْرٌ: قَالَ عَاصِمٌ: هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالَ: وَرَفَعَ زُهَيْرٌ إِصْبَعَيْهِ.
حدثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَرِيرِ بِمِثْلِهِ.
قوله: ((مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ)): المعنى: أن هذا المال ليس من كسبك، ولا مما ورثتَ عن أبيك أو أمك، بل هو مال المسلمين فشاركهم فيه وأشبعهم، ولا تختص عنهم بشيء.
قوله: ((وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ)): زي- بكسر الزاي- يعني: لباس.
هذا الكتاب الذي كتبه عمر رضي الله عنه إلى عُتبة بن فرقد الذي كان أميرًا على الجيش يأمره بالعناية بهم، وألا يختصَّ عنهم بشيء، يقول له: هذا المال ليس من كدِّك ولا من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أمك، يعني: لم تتعب فيه وإنما هو مال المسلمين، فعليك أن تُشبِعهم كما تشبع أنت، وعليك أن توصِل المال إليهم من غير تعب، وألَّا تختصَّ عنهم بشيء.
وقوله: ((وإياكم والتنعُّم))، يعني: ينبغي للإنسان أن يتعوَّد على الخشونة؛ حتى يكون عنده قدرة على الصبر وتحمُّل الشدائد والجهاد ومقارعة
الأعداء، جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال:((اخْشَوْشِنُوا، وَاخْشَوْشِبُوا، وَاخْلَوْلِقُوا، وَتَمَعْدَدُوا كَأَنَّكُمْ مَعَدٌّ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ))
(1)
.
وقوله: ((وإياكم ولبوسَ الحريرِ)): لبوس- بفتح اللام- ما يلبس من الحرير، إلا موضع أربعة أصابع، كما مر.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ- وَهُوَ عُثْمَانُ- وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ- وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ- أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْآخِرَةِ، إِلَّا هَكَذَا)). وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَ، فَرُئِيتُهُمَا أَزْرَارَ الطَّيَالِسَةِ، حِينَ رَأَيْتُ الطَّيَالِسَةَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ- وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، أَوْ بِالشَّامِ-: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ، إِلَّا هَكَذَا- إِصْبَعَيْنِ- قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فَمَا عَتَّمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي: الْأَعْلَامَ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ- وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ- حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي عُثْمَانَ.
قوله: ((فَمَا عَتَّمْنَا))، يعني: ما تأخرَّنا ولا أبطأنا في معرفة مراده، وأنه أراد الأعلام، وهي: جمع عَلَم، وهو طرف الثوب.
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (19738)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (6865).
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّزِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
في هذا الحديث: إباحة العَلَم من الحرير في الثوب، إذا لم يزد على أربعة أصابع، وهذا مذهب الجمهور
(1)
، وهو الصواب، وقيل: لا يباح العَلَم مطلقًا، وقيل: يباح العَلَم مطلقًا بلا تقدير أربع أصابع، ومذهب الجمهور أصح؛ لقوله:((إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ)).
(1)
بدائع الصنائع، للكاساني (5/ 131)، شرح مختصر خليل، للخرشي (1/ 252)، المجموع للنووي (4/ 437).
[2070]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَيَحيَى بْنُ حَبِيبٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَبِيبٍ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَبِسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ، فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:((نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ))، فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَرِهْتَ أَمْرًا، وَأَعْطَيْتَنِيهِ، فَمَا لِي؟ ! قَالَ:((إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ، إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ))، فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ.
قوله: ((أَبُو الزُّبَيْرِ)): اسمه الوليد بن مسلم وهو مدلس، لكنه صرح بالسماع، ولو لم يصرح فإنه محمول على السماع في الصحيحين خاصة.
وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قَبَاءً من حرير، وهذا قبل التحريم، ثم جاء التحريم فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم نزعًا شديدًا كالكارِه له، وقال:((نهاني عنه جبريل)): وهذا أول النهي عنه، ثم أرسل به إلى عمر، فجاء به عمر يبكي.
وفيه: أنه لا بأس أن يُهدَى الحرير للرجل، ولو كان لا يلبسه، وليس إهداؤه إليه أمرًا له بلبسه، فهو إما أن يبيعه وإما أن يعطيه زوجته، أو يُهديه لأحد ممن يلبسه، كذلك لو أُهدِيَ له خاتم من ذهب تقبله، فيفعل فيه كما فعل في الحرير.
[2071]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- يَعْنِي: ابْنَ مَهْدِيٍّ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا، فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ:((إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ)).
[خ: 2614]
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ- يَعْنِي: ابْنَ جَعْفَرٍ- قالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: فَأَمَرَنِي، فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي، وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر: فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي، وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَمَرَنِي.
قوله: ((حُلَّةُ سِيَرَاءَ)): حلة حرير فيها خطوط.
وقوله: ((فَأَطَرْتُهَا))، أي: قسمتها.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ- قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ:((شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ)).
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ: بَيْنَ النِّسْوَةِ.
قوله: ((أُكَيْدِرَ دُومَةَ)): وهو من بلاد الشام، قرب تبوك، وكان " أكيدر " ملكها، وهو أكيدر بن عبد الملك الكندي، أسره خالد بن الوليد رضي الله عنه فى غزوة تبوك، وسلبه هذه الحلة وكانت قباء من ديباج مخوص بالذهب، فأمنه
النبي- عليه الصلاة والسلام ورده إلى موضعه، وضرب عليه الجزية
(1)
.
وقوله: ((الفَوَاطِمِ)): جمع فاطمة، وعلي رضي الله عنه كان عنده عدد من الفواطم، وهن: زوجته فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.
وفي هذا الحديث: دليل على جواز قبول هدية الكافر، وهناك أحاديث أخرى تدل على المنع، ومن العلماء مَن جمع بينهما، وقال: قد تُقبَل إذا كان فيه مصلحة وقد تُرَد.
وفيه: جواز قبول هدية الحرير للرجال، كما سبق تفصيله.
(1)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (7/ 498).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةَ سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ قَالَ: فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.
[2072]
وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، وَأَبُو كَامِلٍ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَرَ بِجُبَّةِ سُنْدُسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: بَعَثْتَ بِهَا إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ ! قَالَ: ((إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَإِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِثَمَنِهَا)).
[2073]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ- وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ- عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ)).
[خ: 5832]
[2074]
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ)).
[2075]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا، كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ:((لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ)).
[خ: 375]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ- يَعْنِي: أَبَا عَاصِمٍ- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
قوله: ((بِجُبَّةِ سُنْدُسٍ)): هو حرير رقيق.
قوله: ((أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ)): هو ثوب فيه فتحة، أو فتحتان من الأسفل، أو من الأمام، يسمونها: الزبون، أو الدقلة، وكان فروج الحرير جائزًا في أول الإسلام، ثم جاء النهي عنه، كما في الحديث السابق.
قوله: ((ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا، كَالْكَارِهِ لَهُ)): فيه: أنه نسخ لبس الحرير، وكان أولًا مباحًا للرجال حيث لبسه (ثم أوحي إليه بتحريمه فنزعه نزعًا شديدًا.
قوله: ((لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ)): يؤخذ منه التحريم.