الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: لَا، وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ
[2311]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: لَا.
[خ: 6034]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ. ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- يعني: ابْنَ مَهْدِيٍّ- كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، مِثْلَهُ سَوَاءً.
هذا الحديث فيه: دليل على حسن خلقه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ما سئل عن شيء قط فقال: لا، وهذا من كرمه فكان لا يرد سائلًا، كما قال الفرزدق- يمدح علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
(1)
-:
مَا قَالَ لَا قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ
…
لَوْلَا التَّشّهُّدُ كَانَتْ لَاءَهُ نَعَمُ
وهذا لا ينبغي أن يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم.
وعمومًا فالتشهد نفسه لا يصح إلا بالنفي والإثبات.
(1)
ديوان الفرزدق (ص 512).
[2312]
وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ- يعني: ابْنَ الْحَارِثِ- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ.
قوله: ((لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ))، أي: لا يخاف الفقر، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، فكان يتألف الناس على الإسلام، فيعطي عطاءً يعجز عنه الملوك، ويعيش في نفسه وأهله عيش الفقراء عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا أعطى الرجل غنمًا في وادٍ بين جبلين يتألفه على الإسلام؛ ولهذا فقد أثَّر هذا فيه، فذهب إلى قومه، وقال:((يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ))، أي: عطاء من لا يبالي الفقر، فكان عليه الصلاة والسلام يعطي الرجل وهو عدوٌ له، فلا يزال يعطيه حتى يكون صديقًا حميمًا، ويدخل في قلبه الإسلام.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ؟ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ، فَقَالَ: أي قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.
قوله: ((لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا))، يعني: أن الرجل كان يسلم من أجل الدنيا، طمعًا فيها، ثم بعد ذلك إذا دخل الإيمان قلبه، وخالطته بشاشته تغير وتحولت رغبته إلى الآخرة، وتجددت النية بنية جديدة فما يريد بدخوله الإسلام إلا الدار الآخرة.
[2313]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْفَتْحِ- فَتْحِ مَكَّةَ- ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَانِي، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي، حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ.
قوله: ((صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ)) كان قد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، ثم أسلم.
وهذا الحديث فيه: أن العطاء والمنع منه عليه الصلاة والسلام لله ليس لأجل الدنيا أو لأجل الأهواء، وإنما كان يعطي لله، يتألف الناس على الإسلام، فيعطي من دخل في الإسلام جديدًا ليقوى إيمانه، ويعطي- أيضًا- من لم يُسلم حتى يُسلم، فكان عطاؤه لله ومنعه لله عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا في حنين، حين غنم المسلمون كثيرًا من النَّعَم، فغنموا ما يقارب من ألفي رأس، فأعطى صفوان بن أمية- وكان حديث عهد بالإسلام- مائة من الإبل، ثم مائة، ثم مائة؛ يتألفه على الإسلام، فما زال يعطيه حتى كان الرسول من أحب الناس إليه عليه الصلاة والسلام.
فإذا خالطت بشاشةُ الإيمان القلوبَ فإنه يصنع الأعاجيب، فهذه هند بنت عتبة بن ربيعة لما أسلمت قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:((يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُعِزَّهُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (3825)، ومسلم (1714).
[2314]
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ، أَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى الْآخَرِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ- وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ- أَيْضًا- عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ- وَزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ، لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا))، وَقَالَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ، أَوْ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِ، فَقُمْتُ: فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ، أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا))، فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِي: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا.
[خ: 2296]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ، فَلْيَأْتِنَا، بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَة.
قوله: ((لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ)): البحرين تطلق على المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، وليس المراد البلد المعروف، وهي الآن الإحساء، وكان هذا المال من الجزية، أو من الخراج.
وهذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن خلقه أنه كان يفي بالوعد، وكذلك كان خليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وفيه: دليل على استحباب الوفاء بالوعد.
وكان من خُلق النبي صلى الله عليه وسلم الوفاء بالوعد، وقال بعض العلماء من المالكية وغيرهم: إنه يجب الوفاء بالوعد، والجمهور على أنه مستحب.