الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ شَفَقَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ
[2283]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ؛ فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي، وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ)).
قوله: ((وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ)) النذير العريان أصله: أن رجلًا أراد أن ينصح قومه وكان بعيدًا عنهم، وقد رأى العدو فأراد أن يحذرهم من بُعد، فخلع ثوبه وجعل يلوح به ليحذرهم وينذرهم، فأطاعه بعضهم فأدلجوا وهربوا فنجوا، وكذبه آخرون، فصبحهم العدو واجتاحهم فأهلكهم.
وهذا الحديث فيه: مثل آخر ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمن أطاعه فسعد، ومن عصاه فشقي، وهو أن ناصحًا نصح قومه وحذرهم من اجتياح العدو لهم، وقال لهم: إني رأيت العدو بجيشه قد أقبل عليكم، وقال: إني أنا النذير العريان، والنبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه النذير، والله تعالى يقول:{وأنذر عشيرتك الأقربين} ، وكل نبي أنذر قومه، ومن ذلك: قول الله تبارك وتعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى بأعلى صوته بمكة: ((يَا صَبَاحَاهُ))
(1)
حتى اجتمع الناس، فَخَصَّ وَعَمَّ، فَقَالَ:((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ))
(2)
وأنذر القبائل قبيلة قبيلة، وأنذر أقاربه، وقال:((يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا))
(3)
، وحذر الأمة كلها من عذاب الله ومن سخطه، وبيَّن وأنذر، وبلَّغ أتم البلاغ عليه الصلاة والسلام، أبدى وأعاد في هذا، فمن أطاعه وصدَّقه وآمن به، ووحَّد الله عز وجل وأخلص له العبادة، واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم نجا، ومن كذَّب هلك.
(1)
أخرجه مسلم (207).
(2)
أخرجه أحمد (8726)، والترمذي (3185)، والنسائي (3644).
(3)
أخرجه البخاري (2753)، ومسلم (206).
[2284]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ)).
[خ: 6483]
وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ، وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ، وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا)) قَالَ: ((فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا)).
[2285]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي)).
قوله: ((فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ)) الحجز: معقد الإزار.
وهذا الحديث فيه: مثل ثالث، مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأمته برجل استوقد نارًا فجعل الفَراش والجنادب يقعن فيها، وهو يمنعهم، أي: أن الناس يتقحمون فيها يُوقِعون أنفسهم في النار بالشرك والمعاصي، والنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بحجزهم، أي: يمنعهم من الوقوع في النار بنصحه وإرشاده وتحذيره، وهم
يغلبونه ويتقحمون فيها بالكفر والمعاصي، ويتفلتون منه- نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من أسباب الشرك والمعاصي التي هي أسباب دخول النار، وحَمى حِمى التوحيد صلى الله عليه وسلم، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، ولكن بعض الناس يوقع نفسه في النار ولا يبالي بارتكاب المعاصي والكبائر والمخالفات.