الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ اسْتِحْبَابِ إِدَارَةِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِمَا عَنْ يَمِينِ الْمُبْتَدِئِ
[2029]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ:((الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ)).
[خ: 2571]
قوله: ((قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ))، يعني: قد خُلِط بماء، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وشرب منه، ففيه: دليل على جواز خلط اللبن بالماء، بل قد يكون فيه مصالح، إما لتكثيره إذا كان قليلًا حتى يكفي القوم ويشربوا، أو ليبرُد إذا كان حارًّا، ومن ذلك: حديث قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه:((فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ))
(1)
.
وإنما النهي عن خلط اللبن بالماء إذا كان للبيع فهذا غش، وقال عليه الصلاة والسلام:((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي))
(2)
.
وفي هذا الحديث: أنَّ الإنسان إذا شرب فإنه يُعطي الأيمنَ فالأيمنَ، فالأيمنُ أحقُّ به، ولو كان على يساره كبيرُ سنٍّ، أو عالم، ولكن لا مانع أن يُستأذَن الأيمنُ، فإن أذِن أُعطِيَ للأيسر، فإن لم يأذن يُعطَى وهو أحقُّ بذلك، فكما في حديث قصة الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للأعرابي وكان عن يمينه، وعن يساره أشياخ، فقال:((الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ))، وفي الحديث الآخر- كما سيأتي-: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان عن يمينه ابن عباس رضي الله عنهما، وعن يساره الأشياخ
(1)
أخرجه مسلم (2009).
(2)
أخرجه مسلم (102).
كأبي بكر وغيره، فلما شرب النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:((أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ؟ فقال: لا، يَا رَسُولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا))، فوضعه في يده؛ لأنه أحق به.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ- قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا، فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ، وَشِيبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ- وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ، فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ)).
قوله: ((وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَتِهِ)): المقصود: أم سليم أمه، وخالته أم حرام، وتسمى أمًّا؛ لأن الخالة بمنزلة الأم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ))
(1)
.
قال النووي رحمه الله: ((المراد بأمهاته: أمه أم سليم، وخالته أم حرام وغيرهما من محارمه، فاستعمل لفظ الأمهات في حقيقته ومجازه))
(2)
.
وهذه مسألة لغوية؛ هل يُستعمل الشيء في الحقيقة والمجاز في وقتٍ واحد؟ ! مَن أجاز هذا استدلَّ بهذا الحديث، وقال: إن أنسًا رضي الله عنه استعمل لفظ الأم في الحقيقة والمجاز، فقوله:((أُمَّهَاتِي)): يشمل أمه الحقيقية، ويشمل أمه المجازية وهي الخالة، لكن هذا ليس بجيد، والمقصود: أنها بمنزلة الأم، والحقيقة أنه ليس في الكتاب ولا في السنة مجاز، وكذلك في
(1)
أخرجه البخاري (2699).
(2)
شرح مسلم، للنووي (13/ 202).
اللغة؛ لأن هذا لم يعرف إلا في القرون المتأخرة؛ وأهل اللغة لا يعرفون المجاز، وكذلك الصحابة والتابعون والقرون الثلاثة الأولى.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ- وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ أَبِي طُوَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ- يَعْنِي: ابْنَ بِلَالٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِنَا، فَاسْتَسْقَى فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِي هَذِهِ، قَالَ: فَأَعْطَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ وِجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شُرْبِهِ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ- يُرِيهِ إِيَّاهُ- فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَعْرَابِيَّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((الْأَيْمَنُونَ، الْأَيْمَنُونَ، الْأَيْمَنُونَ، قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ)).
قوله: ((الْأَيْمَنُونَ، الْأَيْمَنُونَ، الْأَيْمَنُونَ))، يعني: الأيمنون مُقدَّمون، على حذف الخبر، وهذه هي السنة؛ فالسنة أن يُعطَى من على اليمين؛ ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:((الأَيْمَنُونَ)): مؤكَّدة ثلاث مرات.
وقول أنس رضي الله عنه: ((فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ))، يعني: أن إدارة الماء، أو اللبن على مَن كان عن يمين الشارب سنة.
[2030]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ:((أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ ))، فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا- وَاللَّهِ- لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ.
[خ: 2351]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ- كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَقُولَا: فَتَلَّهُ، وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ قَالَ: فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
هذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سبقت القصة، واحتجَّ بها بعض العلماء في أنه لا يُؤثَر في القُرَب، وإنما يُؤثَر في الأمور المباحة، فالقُربة والطاعة ليس فيها إيثار، مثل ما إذا كنتَ في الصف الأول، ثم جاء إنسان له مكانة، أو إنسان عالم، أو كبير، فهل تُؤثِره فتقوم عن مكانك وتجلسه؟ بعضهم يقول: لا، فهذه قُربَة، لا يُؤثَر بها، وإنما يُؤثَر في الأمور المباحة والأمور الدنيوية، أما في القُرَب فلا، وقال آخرون من أهل العلم: لا بأس أن يُؤثِره، فيجلسه مكانه من باب إيثاره على نفسه، ويقدمه عليها، ومَن قال: لا يُؤثر احتج بقصة ابن عباس رضي الله عنهما، فابن عباس ما آثَر أبا بكر رضي الله عنه، بل تمسَّك بحقه؛ لأن هذه قُربة، كونه يشرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه يضع فمه في المكان الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيستفيد، وعلى كل حال هي مسألة خلافية بين أهل العلم.