الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ اجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ وَنَحْوِهِ
[2231]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَارْجِعْ.
قوله: ((الشَّرِيدِ)): هو بتخفيف الراء.
هذه الأحاديث التي مرت مشلكة فلا بد من الجمع بينها: الحديث الأول حديث أبي هريرة: ((لاعَدْوَى، وَلَاصَفَرَ، وَلَاهَامَةَ))، وزاد في الحديث الآخر:((وَلَا غُولَ)) وحديث: ((فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ))، وحديث:((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ))، وحديث:((وفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَد))
(1)
وفي هذا الحديث الأخير جاء وفد ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ))، ولم يقابله، ولم يبايعه، وهذا في السنة التاسعة من الهجرة، وهناك حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم وأجلسه على طعام وقال:((كُلْ بِسْمِ اللهِ، ثِقَةً بِاللهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ))
(2)
، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:((كَانَ لِي مَوْلًى مَجْذُومٌ، فَكَانَ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِي، وَيَأْكُلُ فِي صِحَافِي، وَلَوْ كَانَ عَاشَ كَانَ عَلَى ذَلِكَ)).
(3)
وأصح ما قيل في الجمع بينها: أن حديث أبي هريرة: ((لاعَدْوَى، وَلَاصَفَرَ،
(1)
أخرجه البخاري (5707).
(2)
أخرجه أبو داود (3925)، والترمذي (1817)، وابن ماجه (3542).
(3)
أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار (82)، وابن أبي شيبه في المصنف (24541).
وَلَاهَامَةَ))، أي: لا عدوى على الوجه الذي كان يعتقده أهل الجاهلية، وهو أن المرض يُعدي بطبعه وذاته من غير مشيئة الله وقدره وإرادته.
وأما حديث: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) وحديث: ((فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَد))
(1)
وحديث وفد ثقيف ((إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ))، وحديث الطاعون:((فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ))، فهذه محمولة على أنها من باب اجتناب أسباب الهلاك، والأسباب قد يحصل لها مسبَّبٌ وقد لا يحصل، فالنبي صلى الله عليه وسلم بنصحه وإرشاده للأمة نهى أن يورد ممرض على مصح، وهو أن يورد صاحب الإبل المريضة على إبل صحيحة؛ لأنه قد يقدر الله أن ينتقل إليها المرض، وقد لا تنتقل، لكنه سبب، وقد يحصل المسبَّبُ إذا قدر الله، وكذلك أمره بالفرار من المجذوم فهذا كله من باب الأمر باجتناب أسباب الهلاك.
ومن العلماء من قال: إن حديث: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ))، وحديث:((وفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ))
(2)
وحديث وفد ثقيف- إنها منسوخة بحديث أبي هريرة، وأنه ليس هناك شيء يعدي، فلا يفر الإنسان من المجذوم، ولا بأس أن يورد ممرض على مصح.
ولكن هذا قول مرجوح؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا بشرطين
(3)
:
الشرط الأول: عدم إمكان الجمع، وقد أمكن.
الشرط الثاني: معرفة التاريخ.
ومن العلماء من قال: إنما أمر بأن يُفَرَّ من المجذوم كالفرار من الأسد، من أجل رائحته الكريهة، وقُبحِ صورته، لا من أجل أنه يُعدي، وهذا- أيضًا- قول مرجوح.
(1)
أخرجه البخاري (5707).
(2)
أخرجه البخاري (5707).
(3)
الوجيز، للزحيلي (2/ 243).
والراجح القول الأول.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ))، لكن جاء حديث:((وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ، وَالدَّارِ))، وفي لفظ:((إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ، فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ))، وفي لفظ:((إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ، فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَسْكَنِ، وَالْمَرْأَةِ))، وفي لفظ:((إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ، فَفِي الرَّبْعِ، وَالْخَادِمِ، وَالْفَرَسِ))، قال الخطابي وجماعة:((إن هذا مستثنى من قوله: ((ولا طيرة))))
(1)
، وأن هذه الثلاث قد يكون فيها شؤم، فالدار يكون فيها شؤم بضيقها وسوء جيرانها، فيبيعها ويبدلها بغيرها، وقد يكون الشؤم في المرأة بأن تكون عقيمًا، أو تكون سليطة اللسان، أو تتعرض للريب، ولا تحفظ نفسها فيطلقها، وقد يكون الشؤم في الفرس، بأن تكون لا يُغْزَى عليها في سبيل الله، أو بغلاء ثمنها، وقد يقال: إن السيارة الآن تنوب مقام الفرس، إذا كانت تؤذيه فيبيعها، وفي الخادم بأن يكون سيئ الخلق ولا يؤدي ما أوكل إليه فيستبدله.
وقيل: المعنى أن بعض الأعيان قد يجعل الله فيها شيئًا من الشؤم، أو شيئًا من النحاسة والشر، وليس هذا من باب التشاؤم.
(1)
معالم السنن، للخطابي (4/ 236).