الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب مِنْ فَضَائِلِ مُوسَى عليه السلام
[339]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى عليه السلام، يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا، إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ، قَالَ: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، قَالَ: فَجَمَحَ مُوسَى بِأَثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، فَقَامَ الْحَجَرُ بَعْدُ، حَتَّى نُظِرَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا))، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ بِالْحَجَرِ نَدَبٌ سِتَّةٌ، أَوْ سَبْعَةٌ، ضَرْبُ مُوسَى عليه السلام بِالْحَجَرِ.
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مُوسَى عليه السلام رَجُلًا حَيِيًّا قَالَ: فَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا قَالَ: فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّهُ آدَرُ، قَالَ: فَاغْتَسَلَ عِنْدَ مُوَيْهٍ، فَوَضَعَ ثَوْبهُ عَلَى حَجَرٍ، فَانْطَلَقَ الْحَجَرُ يَسْعَى، وَاتَّبَعَهُ بِعَصَاهُ يَضْرِبُهُ، ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَزَلَت:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} .
قوله: ((عِنْدَ مُوَيْهٍ)) تصغير ماء.
وهذا الحديث فيه: بيان أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون وهم عراة، وكانت العرب- أيضًا- يتساهلون في التحفظ من إظهار العورات في
الجاهلية قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان موسى عليه السلام يستحي من قومه وهم عراة، فكان يغتسل وحده، فاتهموه بأنه يستتر عنهم من عيب به في جسده، وهو أنه آدر، والآدر هو منتفخ الخصيتين، فأراد الله تعالى أن يبرئ موسى من هذه التهمة، فلما أراد أن يغتسل ووضع موسى ثوبه على الحجر فرَّ الحجر بثوبه.
وفيه: بيان لقدرة الله العظيمة حيث وضع في الجماد القدرة على الفرار، وهذا لايكون إلا في ذوات الأرواح، والله على كل شيء قدير، وتبع موسى الحجر، وقال: ثوبي حجر، يعني: هاتِ ثوبي يا حجر، فعامله معاملة العاقل لما رآه فرَّ بثوبه! وتوقف الحجر أمام الملأ من بني إسرائيل فرأوا موسى في أحسن ما يكون من الخلقة الحسنة، قالوا: سبحان الله! موسى من أحسن الناس خلقًا ما فيه عيب!
فأخذ موسى ثوبه، ومن شدة حنقه على الحجر أخذ العصا، وجعل يضرب الحجر بعصاه، حتى أثَّر الضرب في الحجر على شكل ندب، يعني: فتحات ستة أو سبعة، ومعلوم أن العصا لا تؤثر في الحجر لكنه أثَّر فيه، ولعل هذا يكون شفاء لغيظ موسى عليه السلام أنه أثر فيه وأوجعه، وأنزل الله في ذلك:{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا} .
وفيه: دليل على جواز الاغتسال عريانًا إذا لم يكن عنده أحد، وأنه لا كراهة في ذلك؛ خلافًا للنووي الذي يقول:((وأما كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي فإن كان لحاجة جاز، وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه، والأصح عندنا أنه حرام))
(1)
، وهذا لا وجه له؛ لأن الإنسان إذا كان يغتسل عريانًا وحده في الحمام وأغلق على
(1)
شرح مسلم، للنووي (4/ 32).
نفسه، أو كان يغتسل في بِركة أو في نهر وليس حوله أحد فلا بأس بذلك، كما اغتسل أيوب عريانًا؛ إذ لم يكن عنده أحد
(1)
.
[2372]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حميد قَالَ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ، أي: رَبِّ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ)).
[خ: 1339]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عليه السلام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَفَقَأَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي، فَقُلِ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ أَمِتْنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ))، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ)).
(1)
أخرجه البخاري (3391).
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
قوله: ((فَفَقَأَ عَيْنَهُ)) وهذا على ظاهره، خلافًا لمن تأوله، فقال: إن المراد أنه غلبه بالحجة! وهذا لا وجه له، وجاء في الحديث:((مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ))
(1)
.
قوله: ((فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ)): المتن: الظهر، يعني: على ظهر ثور.
وقوله: ((فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ)): فيه: الرغبة بالدفن في الأرض المقدسة، وفي المقبرة التي فيها صالحون؛ لمشاركتهم في تنزُّلِ الرحمات.
وهذا الحديث فيه: أن ملك الموت جاء في صورة رجل إلى موسى عليه السلام، وقال: إنه أراد أن يقبض روحه، فصكه موسى عليه السلام ففقأ عينه، ويحتمل أنه لم يعلم أنه ملك الموت؛ لأنه جاء في صورة رجل.
وفيه: أن الله تعالى لم يؤاخذ موسى عليه السلام لمكانته عند الله؛ لأن الأولياء يُغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم، والله يسامحهم لما لهم من المكانة عند الله عز وجل، فموسى عليه السلام وجيه عند الله عز وجل، كما قال:{وكان عند الله وجيهًا} والرسل عليهم الصلاة والسلام خلاصة الأولياء، وأفضل الرسل أولو العزم، وموسى عليه السلام منهم؛ لذلك لم يؤاخذه الله بفعله هذا، بل غفر له.
وفيه: دليل على أن ملك الموت يتصور في صورة إنسان.
(1)
أخرجه البخاري (4586).
[2373]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَةً لَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ- أَوْ لَمْ يَرْضَهُ، شَكَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ- قَالَ: لَا، وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْبَشَرِ، قَالَ: فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَطَمَ وَجْهَهُ، قَال: تَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْبَشَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا! قَالَ: فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا، وَقَالَ: فُلَانٌ لَطَمَ وَجْهِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ)) قَالَ: قَالَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ-: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْبَشَرِ، وَأَنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا! قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ:((لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ- أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ- فَإِذَا مُوسَى عليه السلام، آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي، أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عليه السلام).
وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ سَوَاءً.
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ: رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَرَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَالَمِينَ، وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: ((لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟ )).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
[2374]
وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:((فَلَا أَدْرِي، أَكَانَ مِمَّنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوِ اكْتَفَى بِصَعْقَةِ الطُّورِ)).
[خ: 2412]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي.
قوله: ((فُلَانٌ لَطَمَ وَجْهِي)): فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصَّ لليهودي من المسلم الذي لطمه؛ لأن لطمة المسلم كانت غيرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عليه السلام): وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس بن متى، وقيل: إنه قال ذلك لئلَّا يتوهم بعض الجاهلين نقصًا في يونس وحطًّا من مرتبته بسبب قصته لما غاضب قومه وركب السفينة فالتقمه الحوت، فقد يظن بعض الناس أن فيه حطًّا من مرتبته.
وفي الحديث الآخر: ((مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ))
(1)
.
هذا الحديث فيه: النهي عن التفضيل على وجه العصبية والحمية، مما يؤدي إلى تنقص المفضول؛ ولهذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:((لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ))، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك من باب التواضع، وإنما يكون التفضيل بالنصوص، كما قال الله تعالى:{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} ، وقال تعالى:{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} .
وأما قوله- في الحديث-: ((فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟ )): فقد نبه بعض المحققين على أن في آخر الحديث وهمًا من بعض الرواة؛ حيث إن فيه استثناءً من صعقة البعث، وليس هناك استثناء من صعقة البعث، ولأن نبينا صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الآخر قال:((وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
(2)
.
وإنما الاستثناء في الصعقة التي تصيب الناس في موقف القيامة إذا تجلى الله للخلائق، كما في الحديث الآخر:((لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى))
(3)
.
فالصعقات ثلاث:
الصعقة الأولى: صعقة الموت، يموت الناس كلهم إلا من استُثني، قال الله تعالى:{ونفخ في الصور فصعق من في السماء والأرض إلا ما شاء الله} مثل الأرواح، ومثل الحور العين في الجنان، هذا مستثنى، استثناه الله.
الصعقة الثانية: صعقة البعث: {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} ،
(1)
أخرجه البخاري (4604).
(2)
أخرجه أحمد (10987)، والترمذي (3615).
(3)
أخرجه البخاري (2412)، ومسلم (2374).
وهذه لا استثناء فيها، وأول من تنشقق عنه الأرض هو نبينا صلى الله عليه وسلم.
وهناك صعقة ثالثة: في موقف القيامة إذا وقف الناس بين يدي الله يوم الحساب، وتجلى الله لفصل القضاء صعق الناس، فيكون نبينا صلى الله عليه وسلم أول من يفيق فيجد موسى مُمسكًا بقائمة العرش، هذه هي التي فيها الاستثناء، لكنها في الموقف يوم القيامة.
فوهم بعض الرواة وظن أن الاستثناء المذكور في الموقف هو في صعقة البعث، ولكن الصواب أن صعقة البعث ليس فيها استثناء، وهذا هو الذي عليه المحققون من أهل العلم، وهذا الوهم في هذا الحرف لا يؤثر؛ لأن الحديث صحيح، ولكن حصل وهم في حرف، مثل ما حصل في الحديث الآخر:((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))
(1)
، فهو قد انقلب على بعض الرواة، فقال:((حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ)).
(2)
(1)
أخرجه البخاري (660).
(2)
أخرجه مسلم (1031).
[2375]
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((أَتَيْتُ))، وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ:((مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ)).
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى- يعني: ابْنَ يُونُسَ-.ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ)).
وَزَادَ فِي حَدِيثِ عِيسَى: مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي.
قوله: ((وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ)): هذه صلاة تلذذ، كما يتلذذ أهل الجنة بالتسبيح، فهم يُلهَمون التسبيح كما يُلهَمون النَفَس، كذلك موسى يصلي، أي: صلاة تنعم وتلذذ في قبره، وإلا فالتكليف قد انقطع بوفاته.
هذا الحديث فيه: أنه لما توفي موسى عليه السلام أخذت الروح شكل الجسد، ومر النبي بموسى ليلة أسري به وهو قائم يصلي في القبر، ولما عرج به لقيه في السماء السادسة، والروح لها شأن عظيم؛ لأن الروح خفيفة تصعد بسرعة، وتأخذ شكل الجسد، فرآه على صورته، فالنبي رأى أرواح الأنبياء، وقد أخذت شكل الأجساد إلا عيسى؛ لأنه رفع بروحه وجسده؛ فهو لم يمت.