الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس وكانت لروايته شواهد ومتابعات، فإن أئمة الحديث يقبلون حديث مثل هذا، ولا يردونه، ولا يعللونه بالجهالة، فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر، عللوه بمثل هذه الجهالة، وبالتفرد، ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض منهم، وهو بمحض العلم والذوق والوزن المستقيم، فيجب التنبه لهذه النكتة، فكثيرًا ما تمر بك في الأحاديث ويقع الغلط بسببها" (1).
*
لزوم التحري في فهم عبارات الأئمة:
قال شيخ الإسلام: "قال أبو إسحاق الجوزجاني: قال ابن أبي شيبة: ثبت لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وضوء لمن لم يسم"، وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين: إما أنها لا تثبت عنده؛ أولاً: لعدم علمه بحال الراوي، ثم علمه، فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب، ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رباحًا ولا أبا ثفال، وهكذا تجي عنه كثيرًا الإشارة إلى أنه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها، فإن النفي سابق على الإثبات.
وإما أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقه تصحيح المحدثين، فإن الأحاديث تنقسم إلى صحيح، وحسن، وضعيف، وأشار إلى أنه ليس بثابت، أي: ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ التقة عن مثله، وذلك لا ينفي أن يكون حسنًا -وهو حجة-، ومن تأمل كلام الحافظ الإمام علم أنه لم يوهن الحديث، وإنما بيَّن مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة.
وكذلك قال في موضع آخر: أحسنها حديث أبي سعيد، ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها أحسنها، وهذا معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف،
(1) انظر: تهذيب السنن: (1/ 309).
وقوله: ربما أخذنا بالحديث الضعيف وغير ذلك من كلامه، يعني به الحسن، فأما ما رواه متهم أو مغفل فليس بحجة أصلاً.
ويبين ذلك وجوه:
أحدها: أن البخاري أشار في حديث أبي هريرة إلى أنه لا يعرف السماع في رجاله، وهذا غير واجب في العمل؛ بل العنعنة مع إمكان اللقاء ما لم يعلم أن الراوي مدلس.
وثانيها: أنه قد تعددت طرقه وكثرت مخارجه، وهذا مما يشد بعضه بعضًا، ويغلب على الظن أن له أصلاً، وروي أيضًا مرسلاً؛ رواه سعيد عن مكحول عن النبى صلى الله عليه وسلم.
إلى إن قال: وثالثها: أن تضعيفه إما من جهة إرسال أو جهل راو، وهذا غير قادح على إحدى الروايتين، وعلى الأخرى -وهي قول من لا يحتج بالمرسل- نقول: إذا عمل به جماهير أهل العلم، وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول، أو روي مثله عن الصحابة، أو وافقة ظاهر القرآن؛ فهو حجة، وهذا الحديث قد اعتضد بأكثر ذلك، فإن عامة أهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء، ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك، وإنما اختلفوا في صفة شرعها؛ هل هو إيجاب، أو ندب؟ وروي من وجوه متباينة مسندًا ومرسلاً، ولعلك تجد في كثير من المسائل ليس معهم أحاديث مثل هذه.
ورابعها: أن الإمام أحمد قال: أحسنها -يعني أحاديث هذا الباب- حديث أبي سعيد. وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وقد سئل: أي حديث أصح في التسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد. وقال البخاري: أحسن حديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد. وهذه العبارة وإن كانوا إنما يقصدون بها بيان أن الأثر أقوى شيء في هذا الباب، فلولا أن أسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك" (1).
(1) انظر شرح العمدة: (1/ 173).