الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والخمسون
حديث الحسن عن سمرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتتين إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها"، وفيِ رواية:"سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ".
ــ
قال المستدرك:
"الحديث صحيح، وسماع الحسن عن سمرة ثابت في حديث العقيقة، وباقي الأحاديث وجادة، وهي وجادة صحيحة لا تقتضي الانقطاع".
* الجواب:
قال الدارمي: "كان قَتَادَةُ يقول: "ثَلاثُ سَكَتَاتٍ". وفي الحديث الْمَرْفُوعِ: "سَكْتَتَانِ" (1).
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رحمه الله: "الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا وَسَمِعَ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ هَذَا الْخَبَرَ، وَاعْتِمَادُنَا فِيهِ عَلَى عِمْرَانَ دُونَ سَمُرَةَ".
وقال الدارقطني: "الحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقد سمع منه حديثًا واحداً وهو حديث العقيقة، فيما زعم قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد"(2).
(1) أخرجه الدارمي في سننه: (1/ 313).
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 336).
قال الحافظ العراقي: "وقد صح سماعه منه لغير حديث العقيقة، ولكن هذا الحديث لم يثبت سماعه منه، لأنه رواه عنه بالعنعنة في سائر الطرق، ولا يحتج به لكونه يدلس. كذا في قوت المغتذي".
وجمهور أصحاب الحديث على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، والأحاديث التي فيها عن الحسن سمعت أبا هريرة غير صحيحة، وقد روى قتادة ويونس بن عبيد أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، والذي صح للحسن السماع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك، وعبد الله بن مغفل، وعبد الرحمن بن سمرة وأحمد بن جعفر (1).
وقال الحافظ في "التهذيب":
"وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب؛ ففي "صحيح البخاري" سماعًا منه لحديث العقيقة، وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة، وعند علي بن المديني أن كلها سماع، وكذا حكى الترمذي عن البخاري. وقال يحيى القطان وآخرون: هي كتاب. وذلك لا يقتضي الانقطاع.
وفي "مسند أحمد": حدثنا هشيم عن حميد الطويل، وقال: جاء رجل إلى الحسن فقال: "إن عبدًا له أبق، وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده، فقال الحسن: حدثنا سمرة قال: قل: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة، ونهى عن المثلة"، وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة.
وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة: دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة.
* قلت: ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد.
وقال العباس الدوري: لم يسمع الحسن من الأسود بن سريع، وكذا قال
(1) انظر: التعديل والتجريح: (1/ 305).
الآجري عن أبي داود قال عنه في حديث شريك عن أشعث عن الحسن سألت جابرًا عن الحائض. فقال: لا يصح.
وقال البزار في "مسنده" في آخر ترجمة سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: سمع الحسن البصري من جماعة، وروى عن آخرين لم يدركهم، وكان يتأول، فيقول حدثنا، وخطبنا، يعني قومه الذين حدثوا، وخطبوا بالبصرة، قال: ولم يسمع من ابن عباس، ولا الأسود بن سريع، ولا عبادة، ولا سلمة بن المحبق، ولا عثمان، ولا أحسبه سمع من أبي موسى، ولا من النعمان بن بشير، ولا من عقبة بن عامر، ولا سمع من أسامة، ولا من أبي هريرة، ولا من ثوبان ولا من العباس.
ووقع في "سنن النسائي" من طريق أيوب عن الحسن عن أبي هريرة في المختلعات، قال الحسن: لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث. أخرجه عن إسحاق بن راهويه عن المغيرة بن سلمة عن وهيب عن أيوب. وهذا إسناد لا مطعن من أحد في رواته، وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة، وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء" (1).
وفي "مسائل الإمام أحمد": "سألت أبي عن الرجل يقتل عبده يقتله الإمام أم لا؟ فقال: يروى عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل عبده قتلناه". وأخشى أن يكون هذا الحديث لا يثبت. قلت لأبي: فإيش تقول أنت؟ قال: إذا كنت أخشى أن لا يكون يثبت لا أثبته"(2).
قال الحافظ في "الفتح": "ولهذا الحديث: "الوضوء لصلاة الجمعة"، طرق أشهرها وأقواها: رواية الحسن عن سمرة، أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان، وله علتان: إحداهما: أنه من عنعنة الحسن، والأخرى: أنه اختلف عليه فيه"(3).
(1) انظر: تهذيب التهذيب: (2/ 233 - 235).
(2)
انظر: مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله: (1/ 409).
(3)
انظر: فتح الباري: (2/ 362).
وملخص كلام أهل العلم في رواية الحسن من سمرة، هو التالي:
الأول: أَحَدُهَا أَنَّهُ سمع منه مُطْلَقًا، وهو قَوْلُ ابن الْمَدِينِيِّ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عنه.
الثاني: أَنَّهُ لم يَسْمَعْ منه شيئًا، وَاخْتَارَهُ جمع من أهل العلم كما تقدم.
الثالث: أَنَّهُ سمع منه حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَقَطْ، قَالَهُ النَّسَائيُّ، وَإِلَيْهِ مَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ في "سُنَنِهِ" كما تقدم.
والذي يظهر: أنه ينبغي النظر إلى هذا الأمر من جهتين:
الأولى: الاختلاف في سماعه من الحسن.
الثانيه: أن الحسن مدلس كما يظهر من اختلاف الروايات الشديد عنه في سماعه من غير الحسن، كروايته عن أبي بكرة، وأبي هريرة، وغيرهما كما تقدم في كلام الحافظ في "التهذيب"، وعليه؛ فما قال فيه الحسن سمعته، فلا ريب في صحته إذا صح الإسناد إليه، مثل حديث العقيقة، وما لم يصرح بالسماع؛ نُظِرَ فيه: فإن جاء ما يشهد له، ولم يكن فيه ما ينكر؛ قُبِلَ، وإلا فإنه في عداد المرسل، ومراسيل الحسن ليست بحجة، وأما القول أنها صحيفة وجدها ورواها! فهو ضعيف جدًّا.
وذلك من وجوه:
الأول: أن هذه الصحيفة لو كانت صحيحة معروفة ومشتهرة لرواها غير الحسن.
الثاني: لو كانت صحيفة صحيحة معتبرة عند أهل العلم لما حصل هذا الاختلاف الشديد بينهم.
الثالث -وهو أمر دقيق-: أن معظم الأحاديث من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة، وقتادة مدلس، ويرويها أو أكثرها بالعنعنة، وأحصيتها في "المسند"
فبلغت بضعة عشر حديثًا، أما الأحاديث الأخرى التي لا تعرف من طريق الثقات عن الحسن فهي لا تخلو من ضعف ونكارة، ولأجل هذا توقف شيخنا -عليه رحمة الله- في إثباتها، أعني رواية الحسن عن سمرة، ما لم يصرح بالسماع إن وجد، أو تعتضد بالشواهد.
فالمقصود عنده رحمه الله هو صحة المتن، لا مجرد التعليل للتعليل، وهذا لا يفطن له إلا الكبار من أهل العلم، وبالله التوفيق.