الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والخمسون
قوله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة على من سمع النداء".
ــ
قال المستدرك:
"الحديث معلول، وأعله من الأئمة: أبو داود، وقال عبد الحق: الصحيح أنه موقوف. وكذا قال ابن رجب".
* قلت:
والأمر كما قال أبو عبد الرحمن: الحديث حسن.
قال الدارقطني: حدثنا عبد الله بن أبي داود، ثنا محمد بن يحيى، ثنا قبيصة، ثنا سفيان عن محمد بن سعيد، عن أبي سلمة بن نبيه، عن عبد الله بن هارون، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الجمعة على من سمع النداء"، قال لنا ابن أبي داود: محمد بن سعيد هو الطائفي ثقة، وهذه سنة تفرد بها أهل الطائف" (1).
وروى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصورًا على عبد الله بن عمرو، ولم يذكروا النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أسنده قبيصه، وقبيصة بن عقبة من الثقات، ومحمد بن سعيد هذا هو الطائفي ثقة.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه: (2/ 6).
وكلام الدارقطني يدل أنه يثبته.
وله طريق آخر، قال الدارقطني: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، نا هشام بن خالد، نا الوليد، عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الجمعة على من سمع النداء"(1).
* قلت: وهذا إسناد جيد.
ورواه من وجه آخر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا داود بن رشيد، ثنا محمد بن الفضل بن عطية، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الجمعة على من بمدى الصوت". قال داود: يعني حيث يسمع الصوت.
ويشهد له: ما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم أخرج بفتيان معهم حزم حطب، فأحرق على قوم بيوتهم، يسمعون النداء، ثم لا يأتون الصلاة".
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه-مرفوعًا-: "لقد هممتُ أن آمر رجلاً يصلي للناس، أو بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلَّفون عن الجمعة بيوتهم"، أخرجه مسلم (651).
كيف وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وروى الشيخان من طريق عبد الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قال: سمعت عَبْدَ اللَّهِ بن الْحَارِثِ قال: "خَطَبَنَا ابن عَبَّاسٍ في يَوْمٍ ذِي رَزغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ على الصَّلاةِ، قال: قُلْ: الصَّلاةُ في الرِّحَالِ. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا! فقال: كأنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هذا؛ إِنَّ هذا فَعَلَهُ من هو خير مِنِّي"(2).
(1) أخرجه البخاري (657) ومسلم (651).
(2)
أخرجه البخاري (616، 668، 901) ومسلم (699).
وأما قول المستدرك في الحديث الذي بعده: "وما أكثر ما يردد المتأخرون تعليلات الأئمة بمثل هذا الأمر، وهو من أعجب الردود! إذ لو أخذنا بهذه الطريقة لم تسلم لنا أكثر العلل الحديثية، وهو ليس ردًّا علميًّا مبني على معرفة درجة إتقان الرجل، أو تفرده، أو نحو ذلك، إنما هو احتمال عقلي، لا يسنده تعليل حديثي، وهذا كاف في رده"!!
سبق وأن قلت: إن هذا العلم وسيلة وليس غاية، فمثله مثل علوم الآلة، والغاية هو المتن، وكما تقدم في كلام ابن القيم عن الصحابة:"وَلا حَاجَةَ بهم إلَى النَّظَرِ في الإِسْنَاد، وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ، وَعِلَلِ الحديث، وَالْجَرْح وَالتَّعْدِيل". فصحة الحديث لا يُكتفى فيها بمعرفة العلل، دون النظر إلى أصول الشريعة ومقاصدها، كما قال شيخ الإسلام:"والمرسل نقول: إذا عمل به جماهير أهل العلم وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول، أو روي مثله عن الصحابة، أو وافقة ظاهر القرآن؛ فهو حُجَّة".
ولكن لا يفطن لهذا ويدركه إلا الكبار من أهل العلم، ولا يتأتَّى بالقراءة في كتب العلل، دون ضيط أصول العلم، رواية ودراية، وفِقْهًا، والله الموفق.
وقال ابن مهدي: "رجلان من أهل الشام إذا رأيتَ رجلاً يحبهما فاطمئن إليه: الأوزاعي وأبو إسحاق، كانا إمامين في السنة.
وقال ابن عيينة في قصة: والله ما رأيتُ أحدًا أُقدّمه عليه. وقال لأبي أسامة: أيهما أفضل أبو إسحاق، أو الفضيل بن عياض؟ فقال: كان الفضيل رجل نفسه، وأبو إسحاق رجل عامة" (1).
(1) انظر: تهذيب التهذيب: (1/ 132).