المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحادى والخمسون - رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

[عبد الله العبيلان]

فهرس الكتاب

- ‌الْمقَدِّمَة

- ‌ ومن أمثلة اختلاف النقَّاد في الحكم على رواة الحديث:

- ‌ حجية الحديث المرسل إذا اعتضد:

- ‌ أمثلة على احتجاج الأئمة بالمرسل إذا اعتضد:

- ‌ تقوية الحديث بالأثر:

- ‌ اختلاف المحدِّثين في الحُكْمِ على الرجال:

- ‌ طبقات المحدِّثين وطريقتهم في الجرح والتعديل:

- ‌علم الحديث مبناه على الاجتهاد لا على التقليد

- ‌ أمثلة في اختلاف اجتهادهم في الوصل والانقطاع:

- ‌ اختلافهم في حد الجهالة:

- ‌ فائدة عزيزة في تحرير حد الجهالة:

- ‌ لزوم التحري في فهم عبارات الأئمة:

- ‌ علم صناعة الحديث لا ينفك عن الفقه لأنه الغاية:

- ‌أهل الحديث قد ينقلون الحديث من طريق صحيحة ثم من طريق ضعيفة فيطلقون عدم الصحة ويريدون ما نقل بالطريق الضعيف

- ‌رأي مؤلف "مستدرك التعليل" في علم شيخ الإسلام بالحديث

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديتّ الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الحادى والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌الحديث الحادى والخمسون

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌الحديث الستون

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌الحديث السبعون

- ‌الحديث الحادى والسبعون

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌الحديث التسعون

- ‌الحديث الحادى والتسعون

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌الحديث المئة

- ‌الحديث الواحد بعد المئة

- ‌الحديث الثاني بعد المئة

- ‌الحديث الثالث بعد المئة

- ‌الحديث السادس بعد المئة

- ‌الحديث السابع بعد المئة

الفصل: ‌الحديث الحادى والخمسون

‌الحديث الحادى والخمسون

حديث: "من كان له إمام فقراءته له قراءة".

ــ

الاستدراك:

"هذا الحديث ضعيف لا يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمع فيه علل في أسانيده وطرقه، ما لا تجده في حديث آخر، وممَّن ضعفه من الأئمة: البخاري، والدارقطني، وابن عبد البر، والحاكم، وابن الجوزي".

* قلت:

الحديث له طرق كثيرة من وقف عليها متجرِّدًا تبين له ثبوته مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث الأول:

قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا حسن بن صالح، عن جابر، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أنه قال:"من كان له إمام فقراءته له قراءة"(1).

وفي إسناده: جابر الجعفي وهو ضعيف.

طريق ثان: قال الإمام الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا العباس

(1) أخرجه أحمد في "مسنده"(3/ 339).

ص: 258

ابن محمد الدوري، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، عن الحسن بن صالح، عن ليث بن أبي سليم وجابر، عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فقراءته له قراءة"(1).

فيه جمع جابر ليث بن أبي سليم.

طريق ثالث: قال الدارقطني: حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر، حدثنا محمد بن حرب الواسطي، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".

فيه أبو حنيفة ويضعف.

وقال الدارقطني: وروى هذا الحديث سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب (2).

طريق رابع: قال الدارقطني: وحدثنا جعفر بن محمد بن نصير قال: حدثنا محمود بن محمد المروزي، حدثنا سهل بن العباس الترمذي، حدثنا إسماعيل ابن عُلية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة"(3). فيه سهل بن العباس، قال الدارقطني: ليس بثقة.

أبو بكر النيسابوري: حدثنا بحر بن نصر قال: حدثنا يحيى بن سلام، حدثنا مالك بن أنس، حدثنا وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، إلا أن يكون وراء الإمام".

(1) أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 331).

(2)

انظر: سنن الدارقطني: (1/ 325).

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 402).

ص: 259

فيه يحي بن سلام وهو ضعيف، وقال الدارقطني: الصواب موقوف (1).

الحديث الثاني:

قال الدارقطني: وحدثنا سحمد بن خلد، حدثنا محمد بن هشام البختري، حدثنا سليمان بن المفضل، حدثنا محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"(2). فيه محمد بن الفضل: متروك الحديث.

الحديث الثالث:

قال الدارقطني: قرئ على أبي محمد بن صاعد -وأنا أسمع- حدثكم علي بن حرب وأحمد بن يوسف التغلبي قالا: حدثنا غسان بن الربيع، عن قيس بن الربيع، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "أقرأ خلف الإمام، أو أنصت؟ قال: بل أنصت فإنه يكفيك"(3). فقال الدارقطني: تفرد به غسان بن الربيع، وهو ضعيف، وقيس ومحمد بن سالم: ضعيفان، والمرسل عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح.

الحديث الرابع:

قال الدارقطني: وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا علي بن زكريا التمار قال: حدثنا عاصم بن عبد العزيز، عن أبي سهيل، عن عون، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تكفيك قراءة الإمام خافت أو جاهر".

عاصم بن عبد العزيز؛ قال الدارقطني: ليس بالقوي ورفعه وهم.

الحديث الخامس:

قال الدارقطني: وحدثنا أحمد بن نصر حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا

(1) انظر: "بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام" لابن القطان (2/ 303).

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 325).

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 330).

ص: 260

سلمة بن الفضل، حدثنا حجاج بن أرطأة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني سورتي؟ فنهاهم عن القراءة خلف الإمام"(1).

حجاج بن أرطاة، قال الدارقطني: لم يروه هكذا إلا حجاج، ولا يحتج به.

وقال الدارقطني: خالف حجاج بن أرطأة أصحاب قتادة، منهم شعبة، وسعيد وغيرهما، فلما يذكروا أنه نهاهم عن القراءة.

الحديت السادس:

قال الدارقطني: وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا شعيب بن أيوب حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا معاوية بن صالح، حدثني أبو الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن أبي الدرداء قال:"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي كل صلاة قراءة؟ قال: نعم، فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه، فقال رسول الله لي -وكنت أقرب القوم إليه-: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم"(2).

معاوية بن صالح؛ قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به.

وقال الدارقطني: والصواب: فقال أبو الدرداء: ما أرى الإمام إلا قد كفاهم. كذلك رواه ابن وهب عن معاوية.

الحديث السابع:

قال الدارقطني: وحدثنا ابن مخلد حدثنا الفضل بن العباس الرازي، حدثنا محمد بن عباد، حدثنا أبو يحيى التيمي، عن سهيل بن أبي صالح، عن

(1) أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 326).

(2)

أخرجه أحمد في المسند: (6/ 448)، (5/ 197)، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى:(1/ 320)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى:(2/ 162)، والدارقطني في سننه:(1/ 332).

ص: 261

أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته له قراءة"(1). أبو يحيى التيمي واسمه إسماعيل بن بن إبراهيم تفرد نهذا الحديث محمد بن عباد عنه، وهما ضعيفان.

قال البوصيري في "المصباح": "لكن رواه أحمد بن منيع وعبد بن حميد بسند صحيح، بينته في زوائد المسانيد العشرة"(2).

قال شيخ الإسلام: "وهذا الحديث روي مرسلاً ومسندًا، لكن أكثر الأئمة الثقات رووه مرسلاً عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجه مسندًا.

وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومرسله من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل".

وروى الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟ فقال الرجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، رواه أحمد (2/ 240)، وأبو داود (826)، وابن ماجه (1/ 276)، والنسائي (991)، والترمذي (312)، وقال: حديث حسن.

فإن قيل: قال البيهقي: ابن أكيمة رجل مجهول لم يحدث إلا بهذا الحديث وحده، ولم يحدث عنه غير الزهري.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 333).

(2)

انظر: مصباح الزجاجة: (1/ 106).

ص: 262

قيل: ليس كذلك، بل قد قال أبو حاتم الرازي فيه: صحيح الحديث، حديثه مقبول. وحكي عن أبي حاتم البستي أنه قال: روى عنه الزهري وسعيد بن أبي هلال وابن أبيه عمر وسالم بن عمار بن أكيمة بن عمر.

قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس يقول قوله: "فانتهى الناس"، من كلام الزهري.

وروي عن البخاري نحو ذلك، فقال في الكنى من "التاريخ": وقال أبو صالح: حدثني الليث حدثني يوسف عن ابن شهاب سمعت ابن أكيمة الليثي يحدث: أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة يقول: "صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها بالقراءة، ثم قال: هل قرأ منكم أحد معي؟ قلنا: نعم، قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر الإمام".

قال الليث: حدثني ابن شهاب، ولم يقل: فانتهى الناس، وقال بعضهم: هو قول الزهري، وقال بعضهم: هو قول ابن أكيمة.

والصحيح: أنه قول الزهري، وهذا إذا كان من كلام الزهري فهو من أدل الدلائل على أن الصحابة لم يكونوا يقرؤون في الجهر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الزهري من أعلم أهل زمانه، أو أعلم أهل زمانه بالسنة، وقراءة الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت مشروعة واجبة، أو مستحبة، تكون من الأحكام العامة التي يعرفها عامة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فيكون الزهري من أعلم الناس بها، فلو لم يبينها لاستدل بذلك على انتفائها، فكيف إذا قطع الزهري بأن الصحابة لم يكونوا يقرؤون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر.

وعمل الصحابة عليه؛ فقد روى مالك في "موطئه"(1/ 84) عن وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها، لم يصل إلا وراء الإمام".

وروى أيضًا (1/ 86): عن نافع أن عبد الله بن عمر: "كان إذا سئل: هل

ص: 263

يقرأ خلف الإمام؟ يقول: إذا صلى أحدكم خلف الإمام تجزئه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ" (1)، قال: "وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام" (2).

وروى مسلم في "صحيحه"(577) عن عطاء بن يسار أنه: "سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء".

وروى البيهقي (2/ 160) عن أبي وائل: "أن رجلاً سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام، فقال: أنصت للقرآن، فإن في الصلاة شغلاً، وسيكفيك ذلك الإمام".

وابن مسعود وزيد بن ثابت هما فقيها أهل المدينة، وأهل الكوفة من الصحابة، وفي كلامهما تنبيه على أن المانع إنصاته لقراءة الإمام.

وكذلك البخاري في كتاب "القراءة خلف الإمام"(ص211): عن علي بن أبي طالب قال: وروى الحارث عن علي: "يسبح في الأخريين"، قال: ولم يصح.

وخالفه عبيد الله بن أبي رافع: حدثنا عثمان بن سعيد سمع عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن راشد عن الزهرى عن عبيد الله بن أبي رافع مولى بني هاشم حدثه عن علي بن أبي طالب: "إذا لم يجهر الإمام في الصلوات، فاقرأ بأم الكتاب، وسورة أخرى في الأوليين من الظهر والعصر، وفاتحة الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر، وفي الآخرة من المغرب، وفي الأخريين من العشاء".

وفي "صحيح مسلم"(404): عن أبي موسى الأشعري، قال:"إن رسول الله خطبنا، فبيَّن لنا سنتنا وعلَّمنا صلاتنا، فقال: "أقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا". وهذا من حديث أبي موسى

(1) انظر "التمهيد لابن عبد البر: (11/ 37)، وانظر "شرح الزرقاني: (1/ 257)، وانظر "الفتاوى الكبرى:(2/ 171).

(2)

وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى: (2/ 159 - 160).

ص: 264

الطويل المشهور، لكن بعض الرواة زاد فيه على بعض، فمنهم من لم يذكر قوله:"وإذا قرأ فأنصتوا"، ومنهم من ذكرها، وهي زيادة من الثقة لا تخالف المزيد، بل توافق معناه، ولهذا رواها مسلم في "صحيحه"(1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا"، رواه أحمد (2/ 376)، وأبو داود (604)، والنسائي (994)، وابن ماجه (846).

قيل لمسلم بن الحجاج: حديث أبي هريرة صحيح؟ يعني: "وإذا قرأ فأنصتوا". قال: هو عندي صحيح، فقيل له: لما لا تضعه هاهنا؟ يعني في كتابه، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه" (2).

* قلت: ويشهد له أيضًا: ما رواه البخاري في "صحيحه"(694) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"يُصَلُّونَ لَكُمْ، فإن أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أخطؤوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ".

ففيه إشارة إلى تحمل الإمام القراءة عن المأموم، وذلك أن المأموم يقوم بجميع ما يقوم به الإمام؛ إلا القراءة، فهذا معنى قوله:"يصلون لكم"، ونظيره قوله تعالى:(وَإِذَا كنُتَ فِيهِم فَأقَمتَ لَهُمُ اَلصلَاةَ) الآية، [النساء: 102] فليس المقصود: الإقامة المعروفة، وإنما العمدة في إقامة الصلاة على قراءة الإمام، وأعظمها الفاتحة، وقد سماها الله في الحديث القدسي صلاة.

ويزيده إيضاحًا: ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس: في قَوْلى تعالى: {لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ من التَّنْزِيلِ شِدَّةً، كان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فقال لي ابن عبَّاسٍ: أنا أحَرِّكُهُمَا كما كان

(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(23/ 272).

(2)

انظر: "صحيح مسلم"(404).

ص: 265

رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا، فقال سَعِيدٌ: أنا أُحَرِّكُهُمَا كما كان ابن عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتيه، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:(لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لتَعجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرءَانَه)، [القيامة: 16 - 17] قال: جَمْعَهُ فى صَدْرِكَ، ثُمَّ تقرأه، (فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبَعْ قُرْءَانَهُ)، قال: فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، قال: فَكَانَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَتَاهُ جِبْريلُ اسْتَمَعَ، فإذا انْطَلَقَ جِبْريلُ قَرَأَهُ النبي صلى الله عليه وسلم كما أَقْرَأَهُ" (1).

وهكذا أيضًا: فإن المأموم لو أدرك الإمام في الركوع صحت صلاته، والله أعلم.

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(5، 4927، 5044، 7524) ومسلم (448).

ص: 266