الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والثلاثون
حديث عائشة وأبي سعيد قالا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال ذلك".
يقصد قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك".
ــ
قال المستدرك:
"الحديث لا يصح مرفوعًا، فحديث عائشة أعلَّه أبو داود، وأحمد، وحديث أبي سعيد ضعَّفه أحمد، وحديث أنس قال عنه أبو حاتم: "هذا حديث كذب لا أصل له". وقد ذكر جميع ذلك الشيخ الألباني، لكنه لم يرتَضِهِ، وسأبين -إن شاء الله- أن قول الأئمة هو الصحيح، وأن هذا الحديث إنما صح موقوفًا عن عمر في مسلم وغيره" اهـ.
* قلت:
لسنا في حاجة للرد على هذا الكلام، فإن الحديث اشتهر عند المسلمين؛ بل ربما أكثرهم لا يعرف غيره، فهو مما تلقَّتْهُ الأُمَّةُ بالقَبول.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأيضًا؛ فقد كان عمر رضي الله عنه يجهر بسبحانك اللهم وبحمدك، يعلمها الناس، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها في الفريضة، ما
فعل ذلك عمر، وأقره المسلمون" (1).
وبهذا يظهر لك ضعف قول ابن خزيمة رحمه الله: "وهذا صحيح عن عمر بن الخطاب أنه كان يستفتح الصلاة مثل حديث حارثة، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولست أكره الافتتاح بقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك) على ما ثبت عن الفاروق رضي الله عنه، أنه كان يستفتح الصلاة، غير أن الافتتاح بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر علي بن أبي طالب وأبي هريرة وغيرهما بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم، أحب إليَّ وأولى بالاستعمال، إذ اتباع سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وخير من غيرها"(2). فإنه رحمه الله لم يسق كافة طرق الحديث، ولم يفطن إلى ما فطن له شيخ الإسلام من أن الفاروق لم يكن ليجهر بها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها الناس، ويقره الصحابة لو لم يعلموا أنها سنة، وهكذا فعل ابن عباس حين جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة، وقال:"لتعلموا أنها سنة".
وإذا أردتَ أن تعلم أنه لا يمكن خروجه إلا من مشكاة النبوة؛ فانظر إلى شرحه في "مجموع الفتاوى": ج 22/ ص 384، و"زاد المعاد" ج 1/ ص 205.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأهل العلم المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس قيامًا بهذه الأصول، لا تأخذ أحدهم في الله لومة لائم، ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم، بل يتكلم أحدهم بالحق الذي عليه ويتكلم في أحب الناس إليه، عملًا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} [النساء: 135] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] ولهم من التعديل والتجريح، والتضعيف والتصحيح، من
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(22/ 344).
(2)
انظر: "صحيح ابن خزيمة"(1/ 238 - 239).
السعي المشكور والعمل المبرور، ما كان من أسباب حفظ الدين وصيانته عن إحداث المفترين، وهم في ذلك على درجات منهم المقتصر على مجرد النقل والرواية، ومنهم أهل المعرفة بالحديث والدراية، ومنهم أهل الفقه فيه والمعرفة بمعانيه" (1).
وقد رواه مرفوعًا أربعة من الصحابة: أبو سعيد، وجابر، وأنس، وعائشة رضوان الله عليهم.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأحمد لم يضعِّف أحاديث الافتتاح، ولا أسقط وجوبه من أجل ضعفها ولا من أجل ترك ابن مسعود له، وإنما لم يوجبه لعدم الأمر به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن". ولم يأمره بالاستفتاح"(2)، والله الموفق.
ومصداق هذا الاستفتاح في القرآن، قوله تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48]. فقدله تعالى: (حينَ تقومُ) أي: للصلاة، والله أعلم.
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(1/ 10).
(2)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 602).